ما بعد طغاة العرب

محمود القاعود

[email protected]

ذات يوم في العام 2002م اتصلت بأستاذي ومعلمي الكبير محمد عبدالله السمان – عليه رحمة الله – وأنا في قمة الضيق .. كنت قبلها قد فرغت من قراءة كتابه الرائع " الذين طغوا في البلاد " الصادر عن " دار الفضيلة " .. سألته : متي نتخلص من طغاة العالم العربي ؟ وهل سنري فيهم آية من آيات الله تعالي ؟

أجابني الأستاذ الكبير بحكمة الشيوخ – وكان وقتها في الخامسة والثمانين - أن سنة الله لن تتغير ، وسنري عجائب قدرته في هؤلاء الطغاة جميعا .. المهم أن تتحرك الشعوب المنبطحة التي عبدت هؤلاء الهمج الرعاع وجعلت منهم آلهة .. وأعرب لي عن أمنيته أن يُصدر طبعة جديدة من كتابه مضيفا إليها : حسني مبارك ومعمر القذافي لأن الطبعة الأولي كانت قاصرة علي أتاتورك وعبدالناصر وموسوليني وجوزيف تيتو وهيلاسلاسي وحافظ الأسد وجوزيف ستالين وعيدي أمين وبوكاسا وصدام حسين وتشاوشيسكو وفرانسيسكو فرانكو وهتلر ..

كان رحمه الله يتمني أن يري يوم سقوط الإرهابي الديوث حسني باراك ورفيقه في الإجرام الخنزير القذافي ، لكن القدر لم يمهله حتي يري حصاد جهاده بالقلم طوال سبيعن عاما أو يزيد ، وانتقل إلي دار الحق  في ديسمبر 2007م .

تذكرت ما دار بيني وبين أستاذي السمان ، بعد خلع المجرم " العبيط " قائد ثورة " الهلوسة " معمر القذافي ، وفراره مثل الجرذ ليختبئ في إحدي " زنقات " سرت أو  بوركينا فاسو .

تذكرت هذه المحادثة بعد أن تحققت سنة الله في الطغاة السفلة الذين حكموا  شعوبهم بالحديد والنار ، فخلال هذا العام المبارك سقط ثلاثة من أقذر الكائنات علي وجه الأرض ( زين العابدين بن علي وحسني باراك ومعمر القذافي ) وفي الطريق بمشيئة الله (علي عبدالله صالح وبشار الأسد ) ..

يقول تعالي : " الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ " ( الفجر : 11 – 14 ) .

ويقول أيضا : " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء " ( إبراهيم : 42 – 43 ) .

ويقول جل شأنه : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( البقرة : 114 ) .

لقد اعتقد هؤلاء المسوخ الفجرة أنهم امتلكوا الماضي والحاضر والمستقبل .. غرّهم النفاق والرياء .. سرّهم التهليل والتصفيق .. اعتقدوا أنهم من كوكب آخر .. أو ملائكة تنزلت من السماء .. أو أنبياء يُلقي إليهم الوحي !

ولم لا ؟! وصحف الإفك والبهتان تشيد بحنكة وحكمة وخبرة وبعد نظر الزعيم القائد المفدي  .. ولم لا وقطعان المرتزقة تصفق في مؤتمرات حزب الحاكم .. ولم لا والشعوب جعلت من " خليني جنب الحيط " نصا مقدسا يتعبدون به آناء الليل وأطراف النهار ..

إنه مهما كانت جرائم هؤلاء الحكام فإن الشعوب تتحمل الجزء الأكبر من هذه الجرائم .. شيوخ الإفك والبهتان الذين يشرعنون الظلم والتعذيب يتحملون  الجزء الأكبر من هذه الجرائم .. كُتاب السوء والنفاق يتحملون الجزء الأكبر من هذه الجرائم ..

لا تلوموا القذافي عندما قال أنه " القائد المجاهد المناضل من الخيمة والبادية " .. إذ ظل يقرأ هذا الإفك طوال أربعين سنة في صحفه حتي اعتقد بصحة هذه الأوصاف وهو في الواقع مجرم زنيم قاطع طريق أعلن الحرب علي الله ورسوله ..

لا تلوموا حسني باراك عندما ادعي أنه ضحي بعمره من أجل خدمة مصر .. فقد وصل الحال بالخصيان أن أعربوا عن حزنهم الشديد لأن  فخامة الرئيس محروم من " طشة الملوخية " و " تسبيكة المحشي " ، فصدّق السكير العربيد نفسه ، وادعي أنه أفني عمره من أجل مصر التي أصاب شعبها بالكبد الوبائي والسرطان والعقم  ..

لا تلوموا زين العابدين بن علي .. فالشيوخ هناك لم يطالبوا الشعب بالخروج عليه رغم أنه منعهم من الصلاة وعطل شرع الله ، لذلك صدق هذا الأفاك أنه خدم تونس علي مدار خمسين عاما ..

يقول تعالي : " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " ( الزخرف : 54 ) .

العيب ليس في " الجحش " الذي يدعي أنه مناضل لمجرد جلوسه في خيمة ليشرب الحشيش والأفيون وحبوب الهلوسة .. ولكن العيب في الذين حرسوا الخيمة وأطاعوا الجالس فيها .. وهكذا الحال بالنسبة لمصر وتونس واليمن وسوريا ..

ولعل انتفاضة الشعوب الأخيرة تغفر لهم عقود الصمت والذل والانبطاح ، وليصدق فيهم قول الله تعالي : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ " ( الرعد : 11 ) .

لكن ثمة سؤال يطرح نفسه : ماذا بعد الإطاحة بهؤلاء الطواغيت في ظل تربص يهودي صليبي بالعالم الإسلامي .. والجواب من عدة زوايا ..

أولاً : هؤلاء الحكام الطغاة الأشرار كانوا مجرد عبيد عند أسيادهم الصهاينة والأمريكان ينفذون إرادتهم  ..

ثانياً : جميعهم لا يدين بالإسلام إلا في بطاقة الهوية ، وأفعالهم الشيطانية تحكم بكفرهم وخروجهم من الإسلام ، مما جعلهم أكثر شراسة في محاربة الإسلام وغلق المساجد ومطاردة الملتحين والمنتقبات والمحجبات وإشاعة الفاحشة والرذيلة في أرجاء المجتمعات والعمل لحساب مجلس الكنائس العالمي  ..

ثالثاً : هؤلاء الحكام هم من جلب الاستعمار والقواعد الأمريكية إلي العالم العربي ، وهم من يتآمرون علي قضية فلسطينويتاجرون بها ..

رابعاً : هناك فترة انتقالية طويلة للتعافي من آثار هؤلاء الرعاع الذين عاثوا في الأرض فسادا .

خامساً : الكثير من الناس يعلق علي الاستعانة بالناتو في التخلص من الزنديق القذافي وأمثاله ، ويحذرون من أن الناتو سيحتلليبيا ويكون مخلب قط يحاصر مصر وتونس ، ومن ثم تقسيم العالم العربي .. وهذا الكلام صحيح .. ولكن ألم يكن من الأجدي التساؤل : كيف كانت ستنتصر الثورة الليبية بدون تدخل الناتو ؟ وأين هي القوات العربية التي كانت ستحطم دبابات وصواريخ وراجمات القذافي ؟

لا تلوموا الناتو إن تدخل وحكام العرب ينامون في قصورهم حيث " الفرفشة " و " الدلع " و " الهشك بشك " .. لا تقذفوا بخيبتكم علي الناتو .. ويكأن المطلوب من الشعب الليبي أن يُباد عن بكرة أبيه حتي يعد ذلك رفضاً للتقسيم والتدخل الأجنبي وسرقة البترول .. لا أدافع عن الناتو الصليبي ، ولكن وجهوا النقد لديناصورات العرب الذين يشترون السلاح لقمع الشعوب ، وإهلاك الحرث والنسل ، بدلا من حماية شعوب المنطقة من الكلاب المسعورة المتوحشة التي تُسمي " حكام العرب " ..

إن المطلوب الآن هو الحفاظ علي هذه الثورات ، وسرعة إجراء انتخابات حتي تأتي الشعوب بحكومات شرعية وحكام لا يعتقدون أنهم آلهة لنتحرر من ربقة الغرب الصليبي والشرق الملحد .

ولله الأمر من قبل ومن بعد