مشروع الكتلة الوطنية
مصطفى رستم
توضيح من : عقاب يحيى : لمن لا يعرف بهذا المشروع : بعد لقاءات طويلة بين عدد من الشخصيات الوطنية في سورية ـ الداخل، وبغية إيجاد إطار جامع لجميع القوى المؤمنة بالدولة المدنية الديمقراطية،لا يتنافي ووجود أحزاب وجبهات وتجمعات يمكن أن تنضوي فيه.. اتفق هؤلاء على فكرة إقامة الكتلة الوطنية، وكلف المناضل الشهير مصطفى رستم بصياغة المسودة الأولى التي وصلت للبعض، وها هي مسودة معدلة على ضوء ما وصل منملاحظات، وهي بدورها مطروحة للنقاش وإبداء الملاحظات ..
عقاب يحيى
مشروع الكتلة الوطنية (مسودة)
بعد أربعة قرون من السيطرة العثمانية وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى تقاسمت فرنسا وبريطانيا السيطرة على سوريا الطبيعية وفق اتفاقية سايكس _ بيكو التي حِيكت من خلف ظهر الشريف حسين الذي طمح إلى إقامة مملكة عربية على معظم أراضي المشرق العربي, وكانت سوريا ولبنان من نصيب فرنسا.
وإن كانت هذه الأخيرة نجحت في تثبيت الحدود الحالية للبنان, وكذلك في اقتطاع لواء اسكندرون لتهبه إلى تركيا رغم الاستفتاء الذي أكد سورية اللواء, لكنها فشلت في تقسيم ما تبقى من سوريا إلى دويلات خمس "دولة الدروز- دولة دمشق- دولة العلويين- دولة حلب- دولة الجزيرة".
وصحيح أن الطورانية أيقظت الانتماء القومي في المشرق العربي , وأصبحت معظم القوى السياسية في آخر أيام السلطة العثمانية تعبِّر عن هذا الانتماء كأساس للاستقلال الذاتي , في البدايات , ثم الطموح لإقامة مملكة عربية ذات سيادة فيما بعد , إلا أن الفرنسيين ورثوا مجتمعا عانى من العزلة عن العالم وتطوره الثقافي والسياسي لقرون, وكذلك العزلة الداخلية لصعوبة التواصل , لذلك بقيت العلاقات المناطقية سائدة وبقيت الطائفية والمذهبية والقبلية أقوى من الانتماء القومي والوطني ساعد على ذلك انعدام الحياة السياسية لتبقى القيادات المحلية من" زعماء قبائل , ورجال دين , وملاكين كبار بكوات , وكذلك موظفين كبار أفندية"- على جهل معظمها – المُعبِّر السياسي عن هذه التجمعات.
أما التعليم فقد كان معتمدا على الكتاتيب , ومقتصرا على القراءة والكتابة وبعض الحساب , وقلة قليلة غنية تمكنت من التعلم خارج الوطن .
أما الاقتصاد فقد بقي رعويا زراعيا يعتمد على الآلات البدائية , والتبادل التجاري الأقرب إلى المقايضة منه إلى التعامل النقدي, ولأن أصحاب الأموال كانوا معرضين لمصادرة أموالهم فقد اتجهوا لإخفائها بدلا من استخدامها في مشاريع زراعية أو صناعية يمكن أن تحدث نقلة في اقتصاد البلد وهذا ما أبقى وطننا في ركود اقتصادي لقرون .
صحيح أن الفرنسيين أدخلوا نظم الدولة الحديثة , وكذلك المدارس والتعليم الحديث وإن كان بطئ الانتشار حتى يمكن القول إن ما تخرجه الآن منطقة صغيرة من كوادر متعلمة يعادل ما كانت تخرجه سوريا كلها آنذاك ومع ذلك فقد كان نقلة نوعية في المجتمع الذي ازداد احتكاكه مع الغرب مما جعل عينيه تتفتح على ما يجري في العالم , ووعيه السياسي يتزايد بوجود أحزاب سياسية للتعبير عن طموحات وتطلعات الشعب نحو التحرر والاستقلال .
إن رفض شعبنا نظام الميرة الذي كان يحاول الفرنسيون من خلاله السيطرة على إنتاجنا الزراعي بثمن بخس , وكذلك نظام السخرة والعمل الإجباري والمجاني , وكذلك رفضه تقسيم سوريا إلى دويلات أشعل المقاومة ضد الفرنسيين مما ساعد على نمو الروح الوطنية كحافز لتجاوز عوامل الفرقة والعزلة التي تبقي المجتمع ضعيفا .
وقد كانت إقامة الكتلة الوطنية هي التعبير السياسي للثورة السورية , والتي ضمّت أوسع القطاعات الشعبية لتزجها في العمل الوطني , مما زاد شعبنا وعيا بأهمية الرابط الوطني كعلاقة أرقى تربط بين أفراد المجتمع وتزيده قوة , وتساعده على إنجاز الاستقلال بتوحيد الوطن وتحريره .
وبالفعل تمكن النضال الوطني من انجاز توحيد الوطن واستقلاله خلال ربع قرن من النضال ولابد من الاعتراف أن ظروفا دولية ساعدت على تسريع هذا الإنجاز , أما وقد حصلت سوريا على استقلالها فلا بد من رصد الحالات التالية :
• صحيح إن النضال ضد الاستعمار الفرنسي أشعل جذوة الروح الوطنية , لكن قصر مدة النضال الوطني هذا لم يعط الانتماء الوطني الفترة الكافية ليصبح بديلا عن الروابط الطائفية والمذهبية والعشائرية ,التي بقيت كامنة تحت خيمة الوطنية .
• إن انتقال مجتمعنا من مجتمع رعوي زراعي قائم في معظمه على المقايضة إلى مجتمع تطورت فيه الزراعة , وكذلك الصناعة ,واعتمد النقد والبنوك حتى الوصول إلى عالم المعلوماتية , خلال فترة لا تتجاوز النصف قرن , علما أنه لم يكن منتجا لأدوات هذا التطور قد أحدث اضطرابا في بناه الاجتماعية والثقافية , هذا الاضطراب نشأ عن اهتزاز القيم والمفاهيم القديمة دون أن تترسخ القيم والمفاهيم الجديدة .
• إن تأثر مجتمعنا بتطورات الصراع العالمي بين نظام الاستبداد والنظم الديمقراطية جعله أميل للأولى حين كانت تزدهر , فقد سادت فكرة المستبد العادل وبالتالي الزعماء الخالدين للأحزاب التي نشأت في تلك الفترة , الشيوعي والقومي الاجتماعي ...الخ فضلا عن الأحزاب الدينية التي تعود للخلافة وهي أصل فكرة المستبد العادل.
أما في فترة الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية فقد تأثرت بفكرة المشروعية الثورية كثير من الأحزاب والحركات كالأحزاب الشيوعية والبعث والحركة الناصرية وجبهة التحرير الجزائرية ....الخ وقد كانت تعاني بهذا القدر أو ذاك من الاستلاب الثقافي .
وقد ردت الحركات الدينية على هذه الأحزاب بالاعتماد على التراث الإسلامي الغني ولكنها عانت في معظمها من نفس الاستلاب الثقافي فقد كان البعض يكرر قال جعفر الصادق , وذاك قال ابن تيمية وقد عبر ذلك عن سلوك الإتباع بدل الإبداع .
لكن خيطا رفيعا واحدا يجمع بين هذه القوى السياسية , وهو ثقافة رفض الآخر بل تكفيره أحيانا ولذلك كله فإن هذه القوى نجحت في إنجاز الاستقلال , لكنها فشلت في إدارة شعوبها .
• إن التشكيلات الاجتماعية والثقافية المضطربة أنتجت أحزابا سياسية ضعيفة ومضطربة مما أفسح المجال لنمو وتعاظم دور المؤسسة العسكرية , والتي ضمت معظم المتعلمين , ولأنها المؤسسة الأكثر تنظيما وبالتالي الأكثر قوة وفاعلية فقد كانت مدعوة لملء الفراغ السياسي مما جعل الطابع العسكري للسلطة في الوطن المستقل حديثا هو الطابع السائد رغم وجود فترات قصيرة من الحكم المدني كانت هشاشة الأحزاب السياسية فيها تثبت فشلها بالاحتفاظ بالسلطة وهذه الظاهرة لم تكن في سوريا وحدها , بل في العالم الثالث .
بعد الاستقلال عام 1946 تعرضت سوريا إلى سلسلة من الانقلابات الفاشلة منها والناجحة استمرت حتى عام 1970 ,بعدها استقرت الحال على نظام مستبد قضى على الحياة السياسية فيها قضاء مبرما بما فيها بل أولها الحزب الذي انتمى إليه هذا النظام , أما من بقي معه من الحزب فقد انتزع منهم قرارا باعتباره "قائد للمسيرة" وبذلك استقالوا من مهامهم كقيادة وتحولوا إلى ديكور مع بعض الأحزاب المهجنة والممنوعة عمليا من أي نشاط إلا بالقدر الذي يريد .
ولو استعرضنا في العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ بلدنا وما نتج عن نظام الحكم فيه لوجدنا:
• إن السلطة الأمنية قد ابتلعت الدولة , وأصبح باستطاعتها تجاهل كل أسس الدولة وأنظمتها بدءا من الدستور إلى القوانين والأنظمة التي تستند عليها مؤسساتها , بما فيها السلطة التشريعية , وكذلك القضائية , تعطلها بالقدر الذي تريد , وتفعلها بالقدر الذي تريد .
وبذلك تمكنت هذه السلطة من القضاء على المعارضة بل حتى على احتمال نشوئها وبات الخوف من الغد ظاهرة شاملة , شملت المعارضين والموالين , فبات الجميع يدرك أن حكما صادرا بحقهم ولكن ما لا يعرفونه هو طبيعة هذا الحكم ووقت تنفيذه دون حاجة لاقتراف مخالفة أو جرم محدد .
• إن المستبد أصبح هو الوطن والوطنية , وفي غياب القانون واستخدام القوة المفرطة وفي أحيان كثيرة بدون مبررات كافية , جعل الفرد يطلب الحماية من طائفته أو قبيلته أو أسرته . وبذلك أعاد نظام الاستبداد مجتمعنا إلى مرحلة ما قبل الوطنية .
• بات الفساد علنيا لا خجل فيه , بل إنه أصبح ثقافة مجتمعية , و اكتسب أحيانا صفة اقتصاد الفساد . ولأن "السلطة المطلقة فساد مطلق" فإن جميع المحاولات التي تظاهرت فيها السلطة بمكافحة الفساد لم تكن سوى ضرب لمفسدين غضب عليهم المستبد , ليحل محلهم من هم أكثر فسادا وجميعنا بات يدرك أن أولى خطوات التخلص من الفساد و أهمها هو التخلص من نظام الاستبداد .
• إن التوريث حوّل النظام الجمهوري , إلى نوع فريد من الملكية , وإن أسرة الرئيس وبطانته هي البلاط الذي يشارك في الحكم .
• أما وضعنا الاقتصادي فليس خافيا على أحد أنه لا يمكن تصنيفه تحت أي اسم من الأنظمة السائدة والمعروفة فالتطور الاقتصادي ليس منعدما فقط , بل إن الاستمرار على هذه الحال يعني البقاء في نفق مسدود يودي إلى انهيار اقتصادي مدمر للمجتمع.
• أما بالنسبة للجولان فقد أعلن النظام أن خياره الاستراتيجي هو السلام , وهو يعرف جيدا أن الأمم المتحدة والشرعية الدولية لن تعطيه شبرا واحدا , ما دام العدو مرتاحا في احتلاله للجولان , وبالرغم انه قضى على أي مقاومة منذ عام 1974, فإنه من خلال دعم المقاومة في لبنان اكتسب صفة المقاوم والممانع على أرض الآخرين و أما أرضه فهو عمليا مستقيل من مهمة استعادتها "إنها مفارقة غير معقولة إطلاقا"
الكتلة الوطنية
بعد قيام الانتفاضة السورية العفوية ضد الاستبداد , وتعاظم قوتها , وحتى يمكن تحويلها إلى ثورة قادرة على إجراء تغيير عميق في حياتنا السياسية , ولأن قطاعات واسعة من المشاركين في هذه الانتفاضة لا يرغبون في الانضواء تحت راية أي حزب بل ترغب في إقامة إطار سياسي واسع يجمع كل المواطنين بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم أو مذهبهم أو جنسهم أو رؤاهم السياسية والثقافية والاقتصادية رأينا تسمية هذا الإطار بالكتلة الوطنية , وهي ليست حزبا نخبويا أو طليعيا وإنما هي حركة سياسية واسعة الطيف يلتقي جميع المنتسبين إليها على تحقيق الأهداف التالية:
• النضال المستمر ضد الاستبداد بكل أشكاله .
• الحفاظ على سلمية النضال ضد هذا النظام المستبد الفاسد مهما استشرس وقسا وهذا يتطلب وعيا بأن ما نفعله هو بصمة تاريخية فريدة لهذه الثورة , وإن عدم الإنجرار لحمل السلاح هو رفض واع لما تحاول السلطة أن تجرنا إليه لاعتقادها أنها تملك التفوق في هذا المجال .
• إقامة نظام جمهوري ديمقراطي برلماني وذلك ﺒ:
• سن دستور جديد يحقق فصل السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية.
• يكفل حماية حقوق الإنسان ويضمن مساواة المواطنين في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو جذورهم القومية أو لونهم .
• الحفاظ على وحدة الوطن وتحرير أرضه المحتلة .
• الاعتراف بالواقع الاجتماعي القائم , ومنح جميع بناه الحالية حرية التعبير عن نفسها ,حتى ندعها تتطور بمفردها و ليس بفرض المفاهيم التي نرغبها عليها فالكيانات القبلية مثلا ستبقى مادامت تشكل حاجة مادية و معنوية لأفرادها , فقط عندما تنتفي هذه الحاجة تنتفي هذه الظاهرة من تلقاء نفسها و بأيدي أبنائها" إذ أن معظمنا كان بالأصل ينتمي لقبيلة ما لكننا الآن نسيناها " أما الطائفية والمذهبية فهي تحدد علاقة الفرد بخالقه وتعبر عن شكل إيمانه , و لأن حرية الاعتقاد بالنسبة لنا مقدسة مهما كان رأي أحدنا في هذا الاعتقاد و لأننا نرى أن لا خطر على المجتمع من هذا التنوع إلا إذا تم تسييسه ,فإن المساواة الفعلية أمام القانون هي التي تنفي الحاجة إلى هذا التسييس .
• إن عروبة سوريا لا تعني تجاهل حقوق الأقليات القومية , بل إن الحفاظ على ثقافة ولغات وفنون هذه الأقليات وتوقهم إلى أوطانهم الأصلية , هو حق مقدس لهم . وتنوع يغني ولا يضعف الوطن . أما الكرد السوريين فإننا نتفهم أنهم ينتمون إلى شعب عظيم قدم مساهمات جليلة في تاريخنا , وهذا يحفزنا على دعم طموحاته في التعبير عن نفسه و عن انتمائه و هذا كما نفهم يعزز وحدة شعبنا و وطننا , فالحرية هي أهم ضامن لوحدتنا.
• تسعى الكتلة الوطنية إلى تفهم دعم المجتمع الدولي لنضالنا , ولكنها ترفض أي تدخل عسكري خارجي تحت أي حجة كانت .
• نظرا لتنوع الظروف الاجتماعية في كل محافظة أو منطقة يترك لأعضاء الكتلة حرية التلاؤم مع هذه الظروف , وتحديد أشكال نضالها بما لا يتعارض مع الخط العام للكتلة .
• من حق جميع أفراد الكتلة في كل محافظة أو منطقة اختيار ممثليهم , و تغييرهم سواء لقيادة المرحلة الراهنة , أو للتمثيل في المؤتمر الوطني العام حين يصبح ذلك ممكنا .
• إن الكتلة تسعى لإقامة تحالف وطني عريض مع الأحزاب التي تلتقي معها في انجاز هذه الأهداف .
• توجه الكتلة رسالة واضحة إلى جميع القوى الاجتماعية والسياسية التي ساندت هذه السلطة , أنهم جزء من هذا الشعب وهذا الوطن . فلا ثأر ولا اجتثاث . وإن المسؤولية عن الارتكابات تبقى فردية يتحمل مسؤوليتها القضائية الأفراد المرتكبون لها فقط , تماما كما يتحملها أي مواطن سواء كان منتميا للكتلة أو غيرها , بل تسعى الكتلة بعد كشف الحقائق والتعويض على الذين تضرروا إلى خلق مناخ تحقق فيه حملة مصالحة و مسامحة كبرى .
فنحن أولا و أخيرا أبناء وطن واحد , فلنعمق ثقافة احترام الرأي الآخر , و أننا يمكن أن نختلف دون أن نكون أعداء .