رسالة سقوط القذافي إلى الثورة السورية

سنة الطواغيت

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

عاشت ليبيا يوم الأحد وليلة الاثنين 22/ 8 / 2011 الموافق الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك ، فرحة عارمة ابتهاجا بدخول الثوار مدينة طرابلس وتحرير أغلب أحياء العاصمة ، بصدق إيمانهم وقوة عزائمهم ، واندحرت كتائب القذافي أمامهم هاربة واختفت ( كالجرذان ) ، بعد أن خلعوا ملابسهم العسكرية على عجل ، وتركوها مرمية وسط الشوارع في مشهد معبر ، لتدوسها عجلات الثوار وتطأها أقدام المجاهدين بنعالها .

هذه نهاية كل طاغوت مهما علا وتجبر ، وظن أن الملايين تتحرك بإشارة من إصبعه ، وأن بعض الدول العظمى هناك تؤيده ولن تتخلى عنه ،  فيدمر ويقتل وينتهك ويذل ويهين ويستعبد الشعب  بحسب تعليماته العليا المقدسة .

لقد كان فرعون الأشد طغيانا واستعبادا في تاريخ البشرية  حتى ادعى الألوهية  الكاملة لنفسه ، من غيرشريك له هنا أو هناك !

"قال فرعون يا أيها الملأ  ما علمت لكم من إله غيري" ( القصص – 38 )

فكانت نهايته أن تخلى عنه من صنعهم ، وأتى بهم ليدافعوا عنه أمام نبي الله موسى ، الذي هو الآخر تربى في بيته ، فأعلن السحرة انحيازهم إلى موسى وتخلوا عن فرعون غير آبهين بتهديداته ووعيده  ، بعد أن تمايزت الأمور وظهر الحق لهم جليا واضحا ،  وانتهى المشهد بغرق فرعون ، ونجاه الله بجسده ليكون عبرة للطواغيت من بعده ... ولكن للأسف كثير من الطواغيت  لم يفهموا الدرس ولا يعتبرون ، لأن نشوة الكرسي تسكرهم وتحجب عقولهم عن إدراك الحقيقة ، ويزيد في غيهم وضلالهم تلك الحاشية المنافقة والبطانات الفاسدة  الملتفة من حولهم التي تقلب لهم الحقائق ، فتصورلهم تلك الشعوب المقهورة والثائرة ضد ظلمهم بأنهم ليسوا إلا  أسرابا من النمل أو الديدان ... أو جمعا من القطيع ... في حين أن جحافل الطاغوت حصن حصين وسد منيع ، لا يمكن إختراقه أو الإقتراب منه .

ثم دخل الثوار يوم الثلاثاء باب العزيزية إلى حصن القذافي وسده المنيع بعد أن تجاوزوا التحصينات والأسوارالإسمنتية الثلاثة وانطلقوا يمشطون قاعدته العسكرية ويبحثون عن فلول أنصاره  الذين اختفوا معه كالفئران ، والذين أخرجهم با لأمس القريب بمظاهرات تأييد مليونية ، ووصل الثوار إلى وسط قصره ، فمزوقوا صوره القبيحة وداسوها بأحذيتهم العربية ، وحطموا أصنامه ووضعوها تحت نعالهم الليبية إمعانا في كراهيتهم له ، وتعبيرا عن فرحتهم بالخلاص من الطاغوت وحكمه الإستبدادي ، وابتهاجا بالنصر وتنسم عبق الحرية والشعور بعزة المواطن الحر وكرامته المصادرة التي استردها ، بعد أن تحرر من عفن الدكتاتورية  ونتن  الاستبداد وذل الإستعباد  في دولة الطاغوت .

 دخل الثوار الأبطال إلى بهو عرين القذافي المسمى ( بيت الصمود ! ) وداسوا حريره وسجاده بأحذيتهم ، واعتلوا سطحه ، ومزقوا علم القذافي الأخضر ورفعوا بدلا منه علم ليبيا الثورة والثوار، ليرفرف خفاقا ويشارك الثوار فرحتهم الغامرة في بهجة النصر وأعراسه  .

"كم تركوا من جنات وعيون* وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين " ( الدخان ، 25- 28 ) .

ودخل مع الثوار المدنيون والشباب المتحمسون ، المبتهجون بهذا النصر على الطاغية ، وانطلقوا يجوبون ساحات القلعة ( قاعدة العزيزية ) يسرحون ويمرحون ويعبرون عن سرورهم وسعادتهم بهذا النصر المبارك ، وانطلقوا داخل القصر المشيد ، ليحملوا غنائمهم من داخل ( بيت الصمود ) ومحيطه ، كتذكارجميل لهذا اليوم التاريخي الذي كانوا يحلمون به من سنوات وقدموا في سبيله النفس والنفيس ، من دماء الشهداء الزكية وعزائم المجاهدين الصادقة ، وأنات الثكالى المفجعة ، ودموع اليتامى الحزينة ، وآهات المعتقلين وأزيز صدورها المدوي كالمرجل ، لتكتحل أعينهم وتقر نفوسهم بهذا النصر المبين .

بالأمس كانت قاعدة العزيزية حصنا حصينا وسرا مغلقا وعالما مجهولا بالنسبة للمواطنين ، بل ربما كان  مجرد المرور من أمامها أو الإلتفات جهة أسوارها يعرض صاحبه للموت ، وهاهم الأن يتجولون في أركانه ويتنزهون في جنباته ، وقد فر منه ذلك الطاغوت الذي كان يهيمن عليه  ، مختبئا كفأر مذعور ، بعد أن ترك فيه كل ما لم يستطع نهبه وتوزيعه على المرتزقة والمنتفعين الفاسدين الذين اشترى ذممهم .

بالأمس كان يحشد أزلامه وزبانيته حوله وينشر الضعفاء والمنتفعين والفاسدين ،  ليطل عليهم من عليائه ويوزع عليهم حماقاته وينثر عليهم أفكاره النرجسية ، ويقدم لهم تعليماته القدسية ، ليهللوا له ويلوحوا بصوره القبيحة ويهتفوا باسمه المشؤوم ، والآن يختفي في جحرلا يعلم أحد مكانه وقراره ، ويتمنى أن يبقى في هذا الجحر بقية حياته دون أن يكتشفه أحد !

إن أنظمة الطواغيت أشبه بهيكل براق من خارجه يبهر العوام والدهماء بمظهره ، وداخله فارغ أجوف منخور بالسوس ، نتن الرائحة قبيح الشكل كريه المذاق ، ينهار دفعة واحدة بشكل مفاجئ ، وإن كان يبدو للعيان ظاهرا أنه صلب ومتماسك !.  

لقد عادت ليبيا حرة مستقلة  موحدة بعد سقوط الطاغوت ، رغم تهديده ووعيده مع إبنه وولي عهده ، بأن يقسموا ليبيا ويحولها إلى خراب ودمار قبل أن يحولها إلى جمرة حمراء .    

بورك لليبيا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها هذا النصر المبين على الطاغوت المستبد ، الذي جثم فوق صدورها أكثر من أربعين سنة ، فأعدم أحرارها  واغتال ناشطيها واعتقل شرفاءها ، ونهب ثرواتها وزور تاريخها ، ومسخ حضارتها وداس قيمها ، ودثر تراثها .  

أيها الشباب الثائر في سورية لقد سقط طاغوت ليبيا إيذانا بقرب موعد سقوط طاغوتكم ، فهو النظام الأقرب إلى نظامكم في القتل والظلم والعسف والاستبداد والاستعباد .

لقد أرعبكم وأرهبكم طاغيتكم بالفتنة الطائفية ... وتقسيم البلاد ... والمؤامرة ... وغيرها ، كما هدد طاغوت ليبيا من قبل ، وها قد سقط  القذافي مذؤوما مدحورا ، وقد ارتد كيده في نحره ، ولم يحصل من تهديداته وهرطقاته شيئا ... حتى أبناء عشيرته يفاوضون الثوار وقد تخلوا عنه .

أيها الشباب الثائر : لا تتخوفوا بعد اليوم من النموذج الليبي ، فقد انتصرت فيه إرادة الشعوب ، وفر الطاغوت يجر أذيال الخيبة  والهزيمة طريدا منبوذا .

أيها السوريون لقد أثبتم صدق وطنيتكم وسمو أهدافكم ، وقدمتم الكثير من الشهداء بسبب سلمية ثورتكم المباركة ، والتي لم يقدر طاغوتكم الظالم وإجهزة قمعه الفاسدة هذه الوطنية وتلك التضحيات الجسام ،  بل استمر في نذالته وقمعه ومذابحه ليجر بكم هذا النظام إلى المواجهة والنموذج الليبي كما يزعم ...

لا يهولنكم وعيد النظام وتهديده بعد اليوم ، ولوجرّكم إلى النموذج الليبي ، فربما كان يسرع في نهايته ويجري مسرعا إلى حتفه ، وربما كان عدد الضحايا للإنتصار على الطاغوت ودحره ، أقل من عدد الضحايا الي يقتلها نظامكم القمعي بأجهزته البوليسية وشبيحته الإجرامية كل يوم في كافة مدن وأرياف وبوادي سورية الحبيبة .

إمضوا في ثورتكم المباركة ، فالنصر حليفكم قريبا بعون الله ، فهاهي سلسلة الطواغيت تتفكك وتنحل حلقة بعد حلقة ، وكل ما يحاول به هذا النظام الفاسد جرّكم إليه من التخلي عن سلمية الثورة ، والترهيب من تقسيم الوطن والفتنة الطائفية ، فإنها سوف ترتد عليه  وتسرع في نهايته .

 إن بشائر النصر تلوح أمامكم ... فامضواقدما في ثورتكم  ... والله معكم ... ولن يخذلكم .

" إن الله يدافع عن الذين ظلموا إن الله لا يحب كل خوان كفور "  ( الحج – 38) .