بشار الأسد والمصير المحزن
حسام مقلد *
من جوامع حِكم العرب وأمثالهم "السعيد من اتعظ بغيره" لكن أغلب زعماء العرب اليوم لا يلقون بالا إلى هذه الحكمة النفيسة، ولعل الرئيس السوري بشار الأسد أوضحُ مثال على ذلك، فها هو يصر على عناده، ويستبد برأيه، ويزين له ملؤه وأتباعه سفك دماء شعبه الأعزل!! وكأن هؤلاء الرهط لا يعلمون أن الدم يغلب السيف في النهاية وينتصر عليه انتصارا ساحقا ماحقا ولو بعد حين، وهذا هو ما تؤكده لنا كل أحداث التاريخ ووقائعه المتلاحقة، وما زال في وسع بشار الأسد أن يجنب نفسه ونظامه وشعبه الأبي الشريف المزيد من الخراب والدمار وسفك الدماء لو حكَّم عقله وضميره واختار التنحي ليعصم نفسه وأسرته وأبناء شعبه ووطنه كله من فتن حالكة السواد وشرور عظيمة الخطر، لا يراها المراقبون إلا وشيكة الوقوع؛ بسب تعنت بشار الأسد ونظامه وبطشه وتجبره وظلمه الشديد لشعبه، وعلى حكماء العالم ألا يسمحوا لهذا النظام المتوحش بإشعال هذه الحرائق، فقد يتطاير بعض شررها ويحرق المنطقة بأسرها؛ ولأن كانت الأزمة السورية بالغة التعقيد بسبب تشابكاتها المحلية والإقليمية والدولية، وتداخل مكوناتها الطائفية والدينية والسياسية والاجتماعية، إلا أنه ينبغي ألا يظنن أحد أن هذه التشابكات والارتباطات تصب في مصلحة النظام السوري، فهذا والله وهم كبير، فلا يحسبن أحد أن الشعب السوري سيعود إلى منازله قبل إسقاط ذلك النظام الفاسد، فدماء نحو ثلاثة آلاف إنسان بريء لا يمكن أن تضيع هدرا أو تذهب سدى، وعلى المعارضة السورية الآن أن توحد صفوفها وتعلن للعالم بكل وضوح مشروعها السياسي والنهضوي لإقامة دولة مدنية ديمقراطية موحدة في سوريا، دولة قوية ناهضة تكون دعامة للاستقرار والسلام في المنطقة، ولتبعث رسائل الطمأنة بذلك لكافة الأطراف ولكل من يهمه الأمر، وعلى العرب والدول الكبرى الفاعلة في العالم إجبار بشار الأسد ونظامه على تسليم السلطة بطريقة سلسة آمنة بعيدا عن السيناريو الليبي وغيره من السيناريوهات المظلمة.
وقد سمعنا جميعا بالأمس القريب زعماء أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا يطالبون بشار الأسد بالتنحي، وقبل ذلك بأيام سمعنا روسيا الحليف الرئيسي لبشار الأسد ـ بعد إيران وصنيعتها حزب الله ـ وهي تحذره من (المصير المحزن) الذي يندفع إليه، وتدعوه إلى أن يتدارك نفسه ويقوم بإصلاحات حقيقية يلمسها الشعب السوري على أرض الواقع؛ كي تهدأ ثائرته ويشعر أن النظام لا يخدعه، وأنه جاد في سعيه للإصلاح، والمؤكد أن أوان ذلك الكلام الروسي قد ولى وفات بعد كل هذه الأرواح التي أزهقت والدماء التي سفكت على أيدي النظام السوري وشبيحته، ويبدو أن نظام بشار الأسد قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من هذا المصير المحزن الذي حذره الكثيرون منه، فللأسف الشديد هذا النظام الفاشي لا يصغي لأي نصح، ولا يلتفت لأي نقد لا من شقيق ولا من صديق، ولا من حليف ولا من نصير، وبات الجميع على يقين من أن هذا المصير المحزن واقع لا محالة، فبشار الأسد ونظامه المتوحش المتعطش للدماء يتبع سياسة الأرض المحروقة، وفيما يبدو حتى الآن من معالجته للأزمة في بلاده وتعاطيه مع أبناء شعبه أنه يستهين تماما بالدماء التي تهراق يوميا في المدن السورية وليس لها أي وزن عنده، والمسألة بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت بعد أن حشر نفسه في الزاوية وضيق الخناق عليها.
هذا هو حديث السياسة، وسأتجاوزه بعض الوقت إلى حديث آخر لعل بشار الأسد الإنسان ينتفع به؛ فهل يسمح لي (فخامة الرئيس...!!) بحديث أخوي بعيد عن السياسة وأوضارها، حديث إنسان يمحض أخاه ـ الإنسان الضعيف مثله ـ النصح الخالص ويحذره غضب الله العزيز المنتقم الجبار؟! إنني بقلب يملؤه الإشفاق أدعو بشار الأسد الإنسان ألا ينسى أصله فهو في النهاية مخلوق ضعيف كغيره من البشر، وعليه أن يلزم أتباعه بألا يغالوا في مدحه، وأكرر تحذيري لك (يا فخامة الرئيس...!!) من غضب الله عز وجل وانتقامه.
فما بالك وقد رأينا على شاشات التلفاز رجالا من أنصارك يسجدون لصورتك فلا تنكر عليهم؟! وما بالك وقد رأينا أحدهم يحتضن صورتك ويقبلها ويهيم بها قائلا: ربي بشار الأسد!! ثم يضع صورتك على الأرض ويسجد لها!! ألا يغضبك هذا الكفر؟! أستغفر الله العظيم، وما بالك وقد سمعنا في تلفازك الرسمي أحدهم ينشد قائلا:
اسألوا ما شئتم فأنا البعث ديني وربي بشار الأسد
أَوَصل أمر استعباد النظام السوري الفاشي للناس في بلاد الشام إلى حد الشرك والعياذ بالله؟! ولا يقل لي أحد إن أبلغ الشعر أكذبه، وإن هذا الكلام من قبيل مبالغات الشعراء التي تقال من شدة الحب لبشار وشدة الولاء له، فهذا والله لبئس القول، وأنا من عشاق الشعر العربي، ولست من أولئك المتزمتين الذين يكرهون الحياة ويسودونها في وجوهنا، لكن هذا الكلام شديد الضلال يدل على انحراف صريح وخلل فادح في عقيدة قائله والموافقين عليه والساكتين عنه، خاصة وأنه اقترن بمشهد أشخاص يسجدون لصور بشار الأسد( والإنترنت مليء بهذه المقاطع) أعوذ بالله أكفر وإلحاد في بلاد الشام بعد توحيد وإسلام؟! وكيف سكت بشار الأسد ومن معه على هذا الشطط والغلو (ولا أقول الكفر البواح...!!) وإن كانت حرية العقيدة مكفولة للجميع إلا أننا لم نسمع من قبل بديانة اسمها عبادة بشار الأسد ابتدعها بعض المنافقين والحمقى!!
نعم لقد غالى بعض الشعراء قديما في مدح الملوك والأمراء حتى وصل الأمر ببعضهم إلى حد الشرك والعياذ بالله كابن هانئ الأندلسي حين قال في مدح المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ وكأنّما أنصارك الأنصار
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بهِ في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
وحين قال:
ولك الجواري المنشآت مواخرًا تجري بأمرك والرياح رخاء
لكن أين ذهب هؤلاء الممدوحون والمادحون؟! ألم يموتوا جميعا ومصيرهم الآن في علم الله عز وجل وحده؟! بلى والله لقد ماتوا، ولسوف يحاسبون على ما قالوا أشد الحساب، ولسوف يحاسب من سمع قولهم ورأى فعلهم ثم رضي وسكت "فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)" [إبراهيم :47 - 52].
نعم والله إنما هو إله واحد لا شريك له هو الله عز وجل، وما بشار الأسد ونظامه ومؤيدوه إلا خلق ضعيف من خلق الله يمرض كما يمرضون وسيموت كما يموتون، فمن يغيثهم من انتقام العزيز الجبار؟! فلا يغررك يا بشار مدح هؤلاء المنافقين ولا قولهم الحقير المرذول: "مطرح ما بتدوس راح نركع ونبوس" فوالله الذي لا إله غيره إن هذا الكلام ليدل على حقارة قائله ودناءة نفسه، ويدل عدم إنكاره والسكوت عنه على رغبة خفية في استعباد الناس، فأدرك نفسك يا بشار قبل فوات الأوان فإنه والله لمصير بائس محزن هذا الذي ينتظر الطغاة الجبارين الذين ينسون الله تعالى ويتبعون أهواءهم "فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" [ص:26].
وليتك تتأمل(يا فخامة الرئيس...!!) أحوال الدنيا وتستحضر عبر التاريخ، فأين آباؤك وأجدادك؟! أين الملوك والجبابرة فيمن كان قبلنا، فلتكف هؤلاء الحمقى عن كلام الكفر، ولتُغلظ لهم القول، ولتعلم أنهم والله لا يحبونك وإنما ينافقونك ويتزلفون إليك، ولن يلبثوا طويلا حتى ينقلبوا عليك، ولتحذروا جميعا غضب الله عز وجل "وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" [آل عمران:28].
ولا أدري لِمَ تنكب بشار الأسد طريق الصواب؟! لِمَ أصر هو ونظامه على ارتكاب كل هذه الجرائم؟! وما أحسبهم إلا أناس مغرورون غرتهم قوتهم؛ فظنوا أنهم استثناء من القاعدة، أو أنهم سيخالفون أمر الناموس الإلهي في عقاب الظلمة المتجبرين، ووالله هذا لهو الحمق بعينه، وما أعلم أن الله تعالى عهد إلى آل الأسد بعهد من عنده أنهم فوق الناس جميعا، أو أنه سبحانه أباح لهم ولنظامهم الفاشي أن يهتكوا الأعراض، ويسفكوا الدماء، ويزهقوا الأرواح، دون أن يلحقهم غضب الله عز وجل وانتقامه، فلبئس ما توهموا، ولبئس ما صنعوا بشعبهم الأعزل، ولعلهم يرجعون عن غيهم، ويثوبون إلى رشدهم ويعلمون أننا جميعا سنقف بين يدي الله الحَكَمِ العدل يوم القيامة "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ"[غافر:52] "يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ"[الطور:46].
ولنعد الآن لحديث السياسة: فما الذي يراهن عليه بشار الأسد ونظامه؟! هل يظنون أنه لا يزال بإمكانهم البقاء في حكم سوريا؟! فلو كانوا كذلك فوالله إنهم لواهمون، وبغيرهم لا يتعظون، وفي السياسة وشؤون الحكم لا يفهمون، ألم يأتهم خبر من كان قبلهم؟! ولن أطيل عليهم بسرد الأمثلة التاريخية الكثيرة، فإن كانوا لم يتعظوا بأقرانهم من حكام العرب فليعتبروا برئيس رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو الديكتاتور الشيوعي البائد الذي حكم رومانيا في الفترة من (1965م ـ 1989م) وليروا كيف أنهت الثورة الشعبية حكمه، وكيف أُعدِم هو وزوجته (إيلينا) رميا بالرصاص بتهم ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد أبناء شعبه، وتدميره اقتصاد بلاده.
فخامة الرئيس بشار الأسد: هل تحب أن يكون هذا المصير المحزن هو مصيرك ومصير أسرتك ونظامك؟! هل ترغب في فتح أبواب الجحيم على نفسك وشعبك؟! هل تريد إشعال فتنة طائفية عظيمة في المنطقة تأكل الأخضر واليابس وتفتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي في بلادك والعالم العربي بأسره؟! هل تريد شرذمة سوريا وتفكيكها وذهاب شوكتها وربما ضياعها إلى الأبد؟! أتريد أن توضع في صفحات التاريخ مع الحكام الخونة الذين ضيعوا بغداد حاضرة الخلافة العباسية، أو مع ملوك الطوائف الذين ضيعوا الأندلس؟! أيسرك هذا المصير المحزن؟! والله إنه لمصير أشد بؤسا مما حذرك منه حلفاؤك الروس!!
فخامة الرئيس بشار الأسد: إن كنت تحب سوريا حقا، وترغب في إنقاذ نفسك وأهلك وشعبك ووطنك كله، وتحفظ لنفسك مكانا محترما في صفحات التاريخ مع كبار الزعماء الذين تساموا على أهواء نفوسهم وقدَّموا عليها مصلحة بلادهم وأوطانهم، وحقنوا دماء شعوبهم، فأمامكم فخامة الرئيس الفرصة الأخيرة فلا تضيعوها وهي: كَفُّ نظامك وشبيحتك فورا عن سفك دماء المواطنين، وسحب جيشك الآن إلى ثكناته العسكرية، والإعلان فورا عن تنحيك عن الحكم وفق جدول زمني قصير ومحدد، ودعوة كافة القوى السياسية السورية لوضع خارطة طريق للخروج الآمن بسوريا والعبور بها من هذه الأزمة، والإعلان عن حل حزب البعث بصورة كاملة، وعدم محاولة إعادة إنتاجه من جديد؛ فهذا الحزب قد فشل على مدى عقود طويلة في بناء سوريا الحرة القوية، ومن حق الشعب السوري العظيم أن يتحرر من قبضته الشرسة.
نعلم فخامة الرئيس أن القرار صعب وأن عليك ضغوطا رهيبة ممن حولك ممن تلطخت أيديهم بالدماء السورية الزكية، لكن هذا هو قدر الرجال دائما أن يوضعوا في مثل هذا الخيار القاسي لاختبار معادن نفوسهم، وقد آن الأوان أن تتنحى عن الحكم كي تعصم بلدك وشعبك من فتن خطيرة وشرور مستطيرة، وتُري العالم أصالة معدنك ونبل روحك، وعظمة نفسك، وأن سوريا عندك أهم من مناصب الدنيا ونعيمها الزائل، وصدقني فوالله إن هذا لخير لك من المصير المحزن الذي تسوق نفسك وشعبك إليه، وأمامك نموذجان: معمر القذافي، ونلسن مانديلا، فانظر كيف صنع كل منهما بنفسه ووطنه، ثم اختر لنفسك ووطنك الذي هو أمانة بين يديك!!
* كاتب إسلامي مصري