إلى بشار الأسد.. الكتاب الثاني
عبد الرحيم صادقي
أما بعد،
فقد كشفتَ أيها الأسد ما يَعْرى نفسَ ابنِ آدم من خسة وخبث، قد أرَيْتَنا كيف يهوي ابن آدم إلى الدرك الأسفل من النذالة، وكيف تُقبَر الرجولة والنبالة، كيف يزهو الخبل والسفالة، وكيف يَلحقُ العارُ الدنيءَ أبدَ الآبدين. قد أريتنا كيف يلَغُ ابن آدم في دم أخيه ولا يرتوي، وكيف يجنحُ الهوى بصاحبه فلا يرعوي. قد صورتَ لنا حالَ الزمن حين يبزغ قرن الشيطان، وصورتَ وأيمُ الله حالِكَ الأيامِ حين يطلع الدجال. قد جلَّيتَ لنا أيها الأسد كيف يبلغ الغيُّ مداه، وكيف ينقبض القلب وتتصلب الشرايين، كيف يكلح الوجهُ العابس، ويفقد المُحيَّا كل بهاء، فإذا ابن آدم نخْب هواء. مرحى لك ثم مرحى! قد علمتنا كيف يصير الحمأ المسنون بلا روح، وكيف يسلكُ الطين حين تفارقه النفخة. قد أريتنا كيف يكون أمرُ الناس حين يحكم العربيد، ويصول الوقِح ويجول، وكيف يكون التنكيل بأولي الأرحام، وكيف تُقطع الأواصر.
قد أدركنا والله معنى الخور، وكُنه البله، وحقيقة النُّوك، ومدى الصفاقة، وصولة الجهالة، ومنتهى السفه، وسعَة الجور، ومبلغ البطش، وهوَس الإمارة، ونشوة المخمور، وسطوة اللئيم، ونَزْءَ السفيه، ونَزَق الكريه، وقعْرَ الطيش، ولؤم النَّحيزة، ودَرْك الشقاء، وجفاء الطبع، وغلظ القلب، وغَلْيَ المِرجل، وكُلْبَة الزمان، وشدة الكَرب.
لقد أفهَمْتَنا أيها الأسد كيف تُسفَك الدماء، وتَحِلُّ الحرمات، وعلمتَنا هتكَ السُّتور، وخيانة المَوْثِق، وكيف يكون بَغيُ البغاة، ونكثُ العهد. قد علمتنا كيف يَمحق القلبُ أُلاَّفَه، فلا يكون للمرء ألفةٌ ولا سَكَن. قد ذكَّرْتَ حَمَاة كيف يُنكَأ الجرح فلا يندمل، وذكَّرتَ اللطيمَ فجيعتَه فلا بُرء.
لكن أيقنْ أيها الأسد أن الغلبة لله! وأن النصر للمؤمنين! تراه بعيداً ونراه قريبا.
أبيتَ إلا أن تُبَغِّضَ نفسك للناس بقدر ما تستطيع، اطمئنَّ وقرَّ عينا! فلم يبقَ في قلوب الناس من حُبِّك حبة خردل. فلا درَّ دَرُّك ولا زكا عملُك! ولا قُبِل صَرْفُك ولا عَدلك! قد نبَّأنا الله من خَبرك، فأي عُذرى تُنجيك؟ وأي دِرْع تقيك؟ استوجبتَ العقوبة، فويلَك ثم ويلَك من كآبة المنقلب، وسوء العاقبة، وضَمَّة القبر، وثقل التبعة. ويلك ثم ويلك من حرِّ جهنم، ولفحِ السَّموم، ولسعِ الحرور، وفَوْرِ السعير.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الأول من رمضان 1432هجري
01 غشت 2011 ميلادي