جمعة "الله معنا"
جمعة "الله معنا"
ودلالات التسمية
محمد العلي
جمعة " الله معنا " هي أول جمعة للسوريين في شهر رمضان المبارك ، تعكس التسمية فطرة التدين المغروسة في الشعب السوري ليس في المسلمين فقط بل في جميع طوائفه طبعاً ، فالله هو رب العالمين وليس رب المسلمين فقط ، والمسلمون لا يقولون كما قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ( شعب الله المختار ) !. وتعكس التسمية " الله معنا " عمق صلة الشعب السوري بربه وثقته به ، رغم أنف " أدونيس " الشاعر السوري الذي انحاز إلى جانب الظلم والاستبداد منذ بداية الثورة ، وعيِّر من باريس الجماهير السورية الثائرة بأنها تتجمع في المساجد ، وتخرج منها ضد النظام ، ولذلك هو لا يشرِّفه – كما يقول - الانتماء والانتساب لهذه الثورة !.
ثم خرج علينا مؤخراً ، ليدعو الأسد إلى التنحي ، ويدعو الشعب السوري أن يفصل بين الثورة والإسلام !. أما دعوتك الأولى فقد فات ميعادها وهي دعوة متسلق ترجح له أن النظام آيل للسقوط لا محالة ، وأما دعوتك الأخرى فهي كمن يدعو إلى فصل الجسد عن الروح ، فهل تراه يقوم بعدها أو يحرك ساكناً !؟.
ومن دلالات تسمية جمعة " الله معنا " أن الله سبحانه هو مصدر قوة الشعب وعزته ، وهل تظن أن صمود السوريين الأسطوري المدهش كان ليتم دون تأييد الله تعالى لهم أو إذا كنت ممن لا يرى الله في الوجود ؛ هل كان صمودهم ليتم لولا إيمانهم بالله وصلتهم العميقة به ؟. وهل يتحمل هذه الألام والجراح الكبيرة إنسان منبت عن الله بعيد عنه ؟. وهل كان صمودهم ليتم لولا قيم الكرامة الإنسانية التي يغرسها الدين القيم في نفوسهم !؟. وهل كان هؤلاء الشباب سيركضون إلى الموت لولا اعتقادهم بالعوض الأخروي وجنة عرضها السموات والأرض وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون !.
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن جمعة " الله معنا " تعكس يأس الشعب السوري من الموقف العربي والدولي والإقليمي ، وأنه بات مقتنعاً بأن الجميع قد تخلوا عنه بل يشاركون النظام السوري في مذابحه ومجازره ؛ إمَّا بصمتهم المريب وقد كانت جمعة السوريين الماضية تحمل اسم جمعة ( صمتكم يقتلنا ) وإمَّا بدعمهم المباشر وغير المباشر للنظام ، وحثه بالتصريح أو بالتلميح على حسم معركته مع شعبه ، وإذا كان الأمر كذلك فليس لها من دون الله كاشفة !. و( صمتكم يقتلنا ) لا يقتصر على مواقف الحكام والدول بل صمت الشعوب والأحزاب والجماعات والنقابات ، فأين جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم مما يجري في سوريا ؟. وأين شيوخ الحرم المكي وهيئة كبار العلماء !؟. آه من شيوخ الحرم الذين لم نسمع منهم كلمة مواساة وتعزية للسوريين ؟. ألا يستحقون أن يخصَّوهم بالدعاء ؟. ولم شُرِع القنوت في ديننا ؟. أليس القنوت في النوازل مشروعاً باتفاق المذاهب ، تأسياً بما فعله صلى الله عليه وسلم في دعائه على قتلة القراء في بئر معونة ؟!. ما ينبغي للمسجد الحرام أن تُحصر رسالته ويصغَّر دوره ويُقزَّم هكذا ، وهو الذي ينبغي أن يكون لسان الأمة وأن تكون خطبة الجمعة الصادرة عنه بمثابة بيان عام للأمة يحمل همومها ، ويواسي جراحها ، ويشخص الداء ، ويصف الدواء ، دون اعتبار لسياسة الدولة الخاصة واتجاهاتها الضيقة ؟.
ولئن سكت شيوخ وأئمة الحرم المكي السديس والشريم وسواهم فإن أئمة وخطباء الكويت لم يسكتوا ، وصدعوا بالحق ، ونددوا بالظلم والبطش وقاموا خلال خطبة صلاة الجمعة بالدعاء على النظام السوري والتنديد بجرائمه ، لكن وزارة الأوقاف الكويتية عمدت إلى إيقاف هؤلاء الخطباء ومعاقبتهم ، فيا للعجب يمنعون عن السوريين حتى الدعاء !.
رسائل جمعة " الله معنا " :
وفي جمعة " الله معنا " عدة رسائل ، منها :
- رسالة إلى الدولة السورية ، بأن الله معنا والنصر حليفنا لأن الله غالب على أمره ولا غالب له !.
- ورسالة أخرى بأن الثورة في معية الله وحفظه وأنها تمثل الحق والخير والفضيلة والأخلاق لأن الله في جانبها بينما تمثل السلطات نقيضها !.
- ورسالة أخرى أيضاً لكن لبعض رموز المعارضة الذين يحادُّون الله وإذا
سمعوا ذكره اشمأزت قلوبهم ، الرسالة تقول : نحن السوريين متدينون بالفطرة
وأي محاولة لمخالفة الفطرة أو إنكارها والانتقاص من القيم الدينية
والروحية فإن السوريين سينكرونها وينبذونها هي ومن ينعق بها نبذ النواة
!.
وأمر آخر أحب أن ألفت النظر إليه وهو تخوف البعض من أن تكون الثورة
السورية إسلامية وبعضهم يستخدم تعبير ( أسلمة الثورة ) وهو مصطلح خطأ لغة
ولا يستسيغه الذوق العام ، فالإسلام في سوريا ليس غريباً عليها بل هو
دينها وفطرتها وتاريخها وحضارتها وروحها ونسغها ، ولا يمكن سلخ سوريا عن
إسلامها ، وكل عملية من هذا القبيل محكوم عليها بالفشل ، نعم هي تؤخر
سوريا وتعرقل نهضتها لكنها في نهاية الأمر ترجع إلى دينها وثقافتها
وفطرتها ويرجع إليها . ثورتنا وطنية بامتياز بمعنى أنها ليست طائفية وهي
تنادي على الطوائف جميعها بالالتحاق بركب الثورة والمسارعة فيها ، لكن
الثورة وإن كانت وطنية فإنها إسلامية الصبغة ؛ ألا ترى جموعها المتدفقة
كالسيل الهادر تخرج من الجوامع !؟. ألا تسمع هتافاتها وشعاراتها
وتكبيراتها !؟. ألا تسمع نداء التوحيد وضجيج التكبير الذي تصدح به
الحناجر ؟. ألا ترى أن كتلتها الأكبر هم مسلمون بينما لا تزال الطوائف
الأخرى تنظر وتنتظر ولم تحسم أمرها بعد !؟. نعم هناك شرفاء أحرار من كل
ألوان الطيف السوري ونفتخر بهم ونباركهم ونقدرهم وهم إخوتنا في ثورتنا
ونحن وإياهم همٌّ واحد وهدف واحد ودرب واحد لكني أقصد الطوائف ككتل
وجماعات !. ثم لم لا تكون إسلامية أو يغلب عليها هذا الطابع ، وقد نيل من
الإسلام من قِبَل هذا النظام الجائر ، إقصاءً وتشويهاً وتآمراً وتخريباً
! ولا يغرك تقريب البوطي وأمثاله فما هو تقدير للدين ولأهله لكنه
يستخدمهم لتخدير الناس وتضليل الجماهير أما قناة " نور الشام " الجديدة
ونقل خطبة الجمعة وتحول القنوات السورية إلى قنوات دينية وتحول رامي
مخلوف إلى فاعل خير فإنها لا تخرج عن هذا السياق وهي من حزمة رشاوى
النظام الرامية وألاعيبه لإسكات صوت الشعب ، ولسوء حظ النظام أن السوريين
يتمتعون بذاكرة قوية لا تنسى ما اقترفته يداه !.
- وأخيراً فإن جمعة " الله معنا " تستحضر مشهد غار ثور ؛ إذ لجأ إليه
الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه : { إذ هما في الغار } ، والقوم
على إثرهما يتعقبون ، والصديق - رضي الله عنه - يجزع - لا على نفسه ولكن
على صاحبه - أن يطلعوا عليهما فيخلصوا إلى صاحبه الحبيب ، يقول له : لو
أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه . والرسول - صلى الله عليه
وسلم - وقد أنزل الله سكينته على قلبه ، يهدئ من روعه ويطمئن من قلبه
فيقول له : « يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ » . ثم ماذا كانت
العاقبة ، والقوة المادية كلها في جانب ، والرسول - صلى الله عليه وسلم -
مع صاحبه منها مجرد؟ كان النصر المؤزر من عند الله بجنود لم يرها الناس .
وكانت الهزيمة للذين كفروا والذل والصغار ، وكذلك نقول للشعب السوري : (
لا تحزن إن الله معنا ) .
- وفي جمعة " الله معنا " نجـأر بالدعاء إلى الله تعالى أن يخلصنا من هذا
الطاغية ، وأدعو السوريين جميعاً إلى سلاح الدعاء حتى كافرهم فإن الله
يجيب دعوة المظلوم وإن كانت من كافر ولا تيأسوا من روح الله ، فالله معنا
ولن يضل أعمالنا ولن يتخلى عنا ، وابشروا بنصر الله والفتح والفرج القريب
العاجل ، فالمبشرات والمتحولات كثيرة والدماء الغالية لن تذهب هدراً ،
والله معنا !.