اكتشاف الشر قبل وقوعه من السهل التعامل معه لاحقاً

اكتشاف الشر قبل وقوعه

من السهل التعامل معه لاحقاً

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

ثورتنا في سورية وصلت لمرحلة النضج الأولي للكعكة , وما على الآخرين إلا التهامها , أو أن كل طرف يريد أن يحصل على جزءٍ منها قبل أن تتعمق حلاوتها بحيث كل طرف يود وضع السكر المناسب عليها ليصل فيها لمزاقه الخاص

أو على سبيل المثال لو جمعنا منجزات الثورة بقبضة رجل واحد تتمثل فيها منجزاتها بقطع  منفردة من حبات الملبس كل حبة تعبر عن هدف تم تحقيقه , وهذه المنجزات موجودة بقبضة الرجل الثائر على الأرض , ولسبب ما في زحمة شديدة ضُرب كفه من الأسفل فصعدت حبات الملبس للأعلى وانتثرت على الأرض , وهنا كل شخص موجود في هذه الزحمة سوف يسرع ويلتقط منها مايصل إليه فقد يستولي على المهم فيها طرف واحد , وصاحب القبضة التي كانت تمسك فيها قد ضاع في الزحمة وأصبح خالي الوفاض  .

فئات ثلاثة تحيط بصاحب القبضة الرجل الثائر هم:

النظام السوري , والمعارضة , والمجتمع الدولي

فالنظام يسعى للحصول على هذه المكتسبات من خلال الحوار والتنازل عن بعض الأشياء وبالتالي يمكنه ذلك من بقاء القوى الصامتة والتي حتى الآن لاتعرف في أي طريق سيكون مسلكها , وقد يرضيها تلك الإصلاحات فتميل بغالبيتها مؤيدة للسلطة , وينعكس ذلك سلباً على الثائرين في الشارع ضد النظام بحيث يعمل على مزيد من الإنقسامات داخل صفوف الثورة , بحيث تكون الضربة القاسمة لها عند وجود الإنقسامات بداخلها , ومن ثم فالسلطة تستعيد توازنها مرة أخرى , لتعود نفس النغمة التي اعتادت عليها لعدة قرون مضت

المعارضة في الداخل والخارج هي ضعيفة وضعفها ناتج عن تفتتها وانقسامها , وحتى لاتكون المعارضة ضعيفة فما عليها إلا أن تعلن موقفا ثابتاً في تجمعها ومساندتها للثورة , وأن يُعبر عن ذلك في أن يتفق جميع فصائل المعارضة على صوت إعلامي موحد , وقد عبر عن هذه الفكرة الدكتور برهان غليون في إحدى مقالاته , في أن يكون الخطاب الإعلامي موحداً بين فصائل المعارضة , بحيث يتم تشكيل لجنة إعلامية ويتم انتخاب ناطق باسمها معبراً عن ما يدور من أحداث على الساحة السورية والعالم وتطور الثورة ودفعها للأمام أكثر فأكثر .

المجتمع الدولي وعلى رأسهم أمريكا وأوروبا ومن ورائهم اسرائيل , وكذلك تركية وإيران , وهنا لانستطيع أن نفصل السياسة التركية تجاه سورية عن سياسة أمريكا وتوابعها , فقد وقع المجتمع الدولي هذا في حيرة من أمره , والذي كان راض أشد الرضا عن النظام السوري , بين فضائح النظام القمعية ضد الشعب السوري والمتظاهرين السلميين , وبين التوجيه لانتقاد ما ولو كان صغيراً لهذا النظام خوفاً على مشاعره التي أفناها خدمة للتكتل الخارجي السابق , بحيث تُرك التصرف للدور التركي في حلحلة الأمور سلمياً ببعض الإصلاحات الديمقراطية في سورية

ولما لم يأخذ بعين الإعتبار النظام في سورية بنصائح أصدقائه من أوروبا وأمريكا وتركية وأصر على سياسة القمع والبطش وعن طريق الحل العسكري , قد يكون ناتج عن الطلب من تلك القوى في إعطائه فترة محدودة ليقمع الثورة , وبالفعل تم إعطاؤه تلك المدة , ولكن كثرة الفظائع المرتكبة ضد الإنسانية من قبل النظام , جعلت هذه القوى الخارجية في موقف حرج من ذلك , وتصاعد وتيرة الثورة , وعلى مايبدو انتهت الفترة التي أعطيت للنظام لقمع الإحتجاج ضده , فكان لابد من انقاذ الوضع بخطة مدعومة دولياً ومنقذة للنظام من الإنهيار الشامل والإبقاء على بعض رموزه متمثلاً في بشار الأسد شخصياً

مؤتمر الإنقاذ الذي سيتم انعقاده في اسطنبول يوم السادس عشر من الشهر الجاري وفي نفس الوقت في دمشق, وحول هذا المؤتمر علينا أن نربط انعقاده في اسطنبول ومع خطة الإنقاذ المقترحة من تركية وكتلتها لتجاوز الأزمة الموجودة في سورية

ولا بد من السؤال الذي يطرح نفسه هنا:

هل سيكون المؤتمر هذا وتشكيل حكومة الظل المقترحة هو الوسيلة لتطبيق خارطة الطريق المقترحة على النظام والمدعومة من القوى العظمى في العالم ؟

فليس هنا مطروح هو التشكيك بالشخصيات التي دعت للمؤتمر , ولا بمواقفهم المشرفة والمعروفة للجميع كشيخ المناضلين هيثم المالح وعارف دليلة والبشير وغيرهم من المعارضة الوطنية الشريفة

ولكن علينا بالتذكير وعدم الإنسياق لخطة الطريق تلك , فقد تدخل هنا المؤثرات العاطفية في حقن دماء السوريين والتأثيرات السياسية والضغوط الخارجية , مما يضر القائمون على المؤتمر للتنازل عن هدف الثورة الحقيقي ,وهو اسقاط النظام بشكل كامل

فالخطة كماأتصورها ستكون على الشكل الآتي :

إلغاء الدستور والعمل بدستور جديد , يعتمد على عدم سيطرة الحزب الواحد وحرية تشكيل الأحزاب والإنتخابات تكون حرة ديمقراطية  , تعيد للأذهان الوضع التركي بعد الإنقلاب العسكري 1980 بحيث سيطر الجيش على مجلس الأمن القومي والمحكمة الدستورية , وكل حزب ينجح في الإنتخابات إن خرج عن النطاق المرسوم له و تجاوزه , كان يلغيه وينقلب عليه وحتى بدون تدخل عسكري كما حصل في الإنقلاب الأبيض ضد حكومة أربكان رحمه الله سنة 1998 , ومن ضمن تفاصيل الخطة الجيش والأمن سيبقون في يد الرئيس بشار الأسد

والسؤال موجه لمؤتمر الإنقاذ هو:

هل من الممكن أن يكون التحاور المستقبلي بين قيادات مؤتمر الإنقاذ والنظام على أساس هذه الخطة , أم أنه لايمكن التنازل عن اسقاط النظام بكامله ومساندة الثائرين على الأرض في تحقيق أهداف الثورة كلها ؟

فالثورة لن تعترف بكم إلا في حالة واحدة هو استعدادكم لتحمل المسئولية المؤقتة لاستلام زمام الأمور في سورية وترتيب الأوضاع بحيث تكونون الجسر الذي يتم عليه العبور لولادة سورية الحديثة  , أما غير ذلك فستكونون في وضع لن تحسدوا عليه كمؤتمر التشاور الذي عقد في دمشق أخيراً , فالماضي لن ينفعكم في شيء وقتها , ونرجوا من الله تعالى أن تكونوا ممن أحسن الثوار فيهم حسن الظن ولن يندموا على على حسن ظنهم هذا أبداً .