أصبح عاهراً غصباً عنه وخرج من العهر مجبراً
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
مرور أربعين سنة جلس الرجل يستعرض ذكرياته والمواقف المهمة في حياته , مع اختيار جانب معين من تلك المواقف , وأخذ يحاول إطلاق تسمية على هذه الجوانب المميزة في مسيرة حياته , وبعد جهد كبير ومقارنة الجوانب الإيجابية والسلبية منها , وموازاة ذلك في نتيجة يمكن استخلاصها من هذه المقارنة
شاب سوري في المرحلة الأولى من المرحلة الثانوية , بدأ يرسم طريق حياته المستقبلية , فاستقر تفكيره على اختيار الجيش , وسينضم إليه بعد الشهادة الثانوية حتى يكون ضابطاً يرتقي في سلاح الجيش , فقد كان الزمن في ذلك زمن ثوري وتحرك ونخوة والجيش يعتبر الطريق الوحيد للنضال تجاه العدو الصهيوني , وتحرير الأرض من الغاصبين , وفي نفس الوقت ببناء الجيش نستطيع حماية مشروعنا السياسي والإجتماعي ومشاركة العالم في حركته التطورية والتفاعل الإيجابي بين المجتمعات , فلا احترام للضعيف , ولكن القوة جاذبة للتعاون والعطاء وتبادل المنفعة بين الفرقاء
ولكن لكي تكون جندياً مخلصاً في الجيش فعليك أن تكون بعثياً , فلا مفر أمام الشاب إلا أن ينتمي لتنظيم الحزب القائد في البلاد , مع أن الشاب يلعنه في داخله كلما جال ذكره في قلبه
تحول هدف الشاب لمسار آخر وعندما وجد ان الجيش هو حركة خاصة وتجمع ,هدفه فقط أن يحافظ على كرسي الحاكم قال لابد من التحول للدراسة الجامعية
وحصلت في ذلك الزمن تطورات في الداخل السوري , فإن انسحب من الحزب مصيره دهاليز السجن وإن بقي في مكانه فهو منافق من الدرجة الأولى
ففر هارباً من هذا الواقع النفاقي المثير للقرف والإشمئزاز , فتخلى عن الحزب غصباً في مقابل تخليه عن الوطن وما فيه
وفي الخارج التحق أو اعتنق فكراً أخر , ولم يكن ذلك باختياره : فكان أمامه اختياران لاثالث لهما , البقاء على الاختيار السابق أو اختيار جديد لم يكن يعرف عنه كثيراً , ولكن في قرارة نفسه كان معجباً فيه لكي لايكون هنا الإختيار قدرياً جعل الهوى في نفسه وانضم إليه
لم تنتهي قصة الشاب عند هذا الحد , ولكن اكتشف بعد زمن ومن السجن والقهر والغربة والحرمان , أنه موضوع في دائرة حمراء لو اجتمعت عليها كل قوى الأرض لايمكن إزالتها من حوله , وكان نتيجة ذلك الحصار , الإتهام المشين والقذف والإهمال ليجد نفسه خارج التنظيم , وأصبح الرجل بعد أن كبر في العمر ينطبق عليه القول من قبل الدائرة الحمراء الجديدة (هو منا ونحن لانعترف فيه وهو يقول أنه منا ويعمل جاهدا ولكن أي عمل يقوم فيه مهما كان جيداً فهو مشكوك فيه , لذلك توصية من الداخل لاتعبروه ولا تهتموا فيه فلم يخرج من الدائرة الحمراء بعد , وهذا من المستحيل )
جاهد في العراق بما يستطيع سجن في العراق بين أبو غريب وبوكا والمطار , وفي مصر بعدها غامر مغامرة لصالح الكل , فكانت النتيجة سجن وترحيل في الثياب التي عليه
سلك طريق الثورة والخلاص من الظلم في سورية وكانت النتيجة أن قامت الثورة والذين كانوا ضدها أو ليسوا معها ظهروا فجأة ولهم في كل مؤتمر جلسات ومقررات وهو مهمش جالس مركون في دوائره الحمراء تلك
جوع وقهر وحرمان وتشرد ووحدانية , والمؤتمرون في فنادق متعددة النجوم , ولا وجود لك بيننا و مقال حالهم بيننا يقول
دائرة حمراء من علمانييوا الوطن ودائرة حمراء من اسلاميوا الوطن , وثورة تسلقها من الآن من كانوا يستغيثون ويترجون النظام حتى يعفو عنهم ويكون بطلاً , وآخرون يحذرون من التظاهر ومجابهة النظام فلا ثقة عندنا منك أيها الملطخ بكل أنواع من الموانع والقارات والمحيطات
فأصبح الظهور على التلفزيون عنوان النضال وفي داخله الكثير والكثير عنوانه لابد من التسلق والوصول
حكاية أطرتها واختصرتها , فيها حكم موجهة للثورة والشباب الثائر في سورية وفي كل الوطن العربي
كل التركيبات والتنظيمات والتي انبثقت من تحت سقف نظام الحكم والإستبداد لاتختلف عن النظام الحاكم في الظلم والدوائر الحمراء والإقصاء , والثورة لابد من أن تكون ثورة على كل قديم , فالمعارضة والنظام يستويان في أنهما وجها لعملة واحدة , فالذين خرجوا من ثقافتهم الحزبية لنفس الثقافة التي تحكم البلاد , سياسة الإقصاء والإنتقاء فيها على حكم الفرز إن كنت موال لشخص القائد أو لا
فالثورة يجب أن تخرج من عبادة الفرد والأشخاص لتأسيس مستقبل يعبر عن الرجل المناسب في المكان المناسب لإعادة الأشخاص
وكانت النتيجة مختصرة بكلمات يقولها الرجل لنفسه , وأحب أن يستخلصها لنفسه وقال لقد وجدتها......لقد وجدتها....إما أن تكون....؟؟؟!!!