المطلوب من الإخوان والمعارضة

معاذ السراج

هناك سمات ميزت الثورة السورية اليوم ولعل أهمها أن الثورة ثورة شباب سقفها الانتماء الوطني وأهدافها الحرية والكرامة ولا تقيدها أية انتماءات حزبية أو فكرية أو دينية أو مذهبية أو عرقية  أيا كانت مما جعلها تتسع لكافة الأطياف والاتجاهات وتتجاوز كافة الحساسيات ..ولعل هذه السمة هي بحد ذاتها مصدر قوة كبرى للثورة ..واذا أضفنا اليها الاستعداد غير المتناهي لتحمل تبعات الحركة الاحتجاجية التي تتصاعد تكاليفها يوما بعد يوم بما يتساقط من مئات الشهداء وآلاف المعتقلين ...وأيضا ما يعلمه جميع السوريين وخاصة من يعيش في الداخل من حقد السلطة وترصدها لكل من يبدي أي شكل من أشكال المعارضة لتنتقم منه ولو بعد حين ...والسمة الأهم وهي سلمية الثورة التي تتضح أهميتهايوما بعد يوم مقابل البطش الوحشي للسلطات مما يجعل العالم كله أمام ثنائية فريدة تعري النظام أيما تعرية وتبرز كل نقاط ضعفه وخاصة عدم امتلاكه لأي تصورات جدية للاصلاحات والتغيير الديمقراطي ...

لكننا لابد أن نتساءل عن موقع المعارضة وخاصة الاخوان المسلمون من الثورة وأهدافها وامكانية دعمها وبأية كيفية ..

ان معظم الاخوان والمعارضة فوجئوا باتساع الاحتجاجات وتصاعدها وارتفاع سقف مطالبها أعلى بكثير مما كان يحلم به أكثرهم تفاؤلا ولا شك بأن المعارضة استفادت من الاحتجاجات الشئ الكثير وبدت وكأنها جزء من الثورة وهي كذلك بالفعل لكن بحكم أحداث لم تتسبب في تفجيرها ولكنها انساقت في تيارها ..وربما لم يغب عن ذهنية المواطن السوري ما قدمته المعارضة في فترات سابقة من تضحيات وبخاصة جماعة الاخوان التي لازال الآلاف من أبنائها بين مهجر ومفقود .. وهذا ما جعل الجميع في الداخل والخارج يندمج في بوتقة الاحتجاجات بسرعة متناهية ..

اليوم وبعد أكثر من شهرين ونصف على اندلاع الثورة يحق لنا أن نتوقف مليا عند موقف الاخوان ومن بعدهم المعارضة .

في مؤتمر أنطاليا وهو الأول من نوعه للمعارضة السورية لم يكن الاخوان موفقون في تصريحاتهم تجاه المؤتمر والمشاركة فيه وبدا موقفهم مترددا بعض الشئ مما فهمه البعض على أنه علامة خلاف بين أطراف المعارضة , ثم جاء ما يسمى بقرارالعفو الذي أصدره رأس النظام السوري ليظهر موقف الاخوان مرة أخرى مفتقرا للوضوح والحزم المطلوبين في مثل هذه الأحداث المصيرية فهم من جهة يصفون القرار بالايجابي وبالخطوة على الطريق الصحيح ومن جهة أخرى يشككون بجدواه الأمر الذي أحوج موقفهم للوضوح مرة أخرى خاصة وأن المعارضة السورية بعمومها تفتقر للتنسيق الذي غاب عنها طويلا لتجد نفسها اليوم أحوج ما تكون لوحدة المواقف ووضوح الرؤية ...ولقد أخطأ كثيرا أحد مقربيهم الذي لم يحالفه التوفيق بالحديث عن مؤتمرهم المزمع في بروكسل مقارنة مع مؤتمر أنطاليا حيث قال انهم سيقدمون دعما حقيقيا للثورة ..فهل يعني هذا أن الآخرين لا يقدمون مثل هذا الدعم الحقيقي ...

الذي يهمنا هنا أن نتكلم عن الأشياء الجوهرية دون ان نتتبع عثرات الاخوان أو غيرهم فالمرحلة لا تحتمل اخطاءً من أي نوع، و لسنا في حلبة تنافس سياسي ... و من هنا فهناك تصورات تحدث عنها العديد من المعارضين الذين يتصفون بالرصانة و وضوح الرؤية و جدية الموقف و من بينهم الاخوان، لا بأس من وضعها بين هذه السطورو منها:

اولاً: المطلوب اليوم توحيد الموقف على اسقاط النظام بوضوح و حزم لا يحتملان اي لبس لكي لا يكون هناك اي ذريعة للاختلاف على هذا الهدف ...

ثانياً: اذا كان لا بد من حديث حول ما يسمى بالحوار او العفو الرئاسي او غيره فليكن ضمن اطار وضعٍ مهيأٍ لمثل هذا الحديث و هو الامر الذي يقع في ملعب السلطة التي يتوجب عليها اذا كانت جادةً في طروحاتها ان تمهد لهذه الطروحات بإجراءات على الأرض ليس اقلها سحب الأمن و الجيش من الشوارع و الكشف عن القتلة و المجرمين و اطلاق سراح كافة المعتقلين قدماء و جدد و الاعتراف بخطأ المعالجة الأمنية التي أدت إلى هذه الخسائر الفادحة و إلا فستضيع كل عروض الإصلاح مهما كانت وسط هدير الدبابات و صيحات المحتجين و مظاهرات تشييع الشهداء ...

ثالثاُ: لا شك ان المعارضة و الاخوان منها قدموا للثورة اشياء كثيرة و من بينها دعم الثورة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي و محاولات توحيد الرؤية و المواقف من خلال المؤتمرات و هذا شيءُ طيبُ ... لكن هناك الكثير مما يتوجب عمله... فمثلاً نحن في أمس الحاجة إلى فضائيات أكثر تنطق باسم المعارضة و تتواصل مع الثوار في الداخل و مع القيادات الشعبية و الفكرية و العشائرية و غيرها لتعمل على دعم الثورة على الواقع و توحيد الصفوف أكثر و أكثر و هذا لا يقلل من شأن قنوات بردى و أورينت و وصال التي تقدم جهوداً مشكورة و لا يستهان بها لكن لدينا الكثير مما يمكن عمله و المعارضة السورية زاخرة بالقدرات الاعلامية الكبيرة و المفكرون و العلماء القادرون على تجييش الشارع السوري و توحيد صفوفه في الاحتجاجات و ضم ما تبقى من قطاعات لم تشارك حتى الآن في التظاهرات ... و مثل آخر يتمثل في الاستفادة من ملايين السوريين المغتربين في الخارج كل في البلد الذي يعيش فيه عن طريق تشكيل ورش عمل و مؤتمرات محلية لتعبئة كل شرائح الشعب السوري مع الثورة ...

رابعاً : لا بد أن تكون هناك حوارات بين مفكرين و استراتيجيين و سياسيين لتقويم وضع الاحتجاجات و مواقف النظام و المعارضة أولاً بأول و التصرف حيالها بما يقتضيه الموقف الأمر الذي يضع المعارضة و الاخوان أمام تحديات خطيرة في توحيد الموقف و دعم الثورة حتى اسقاط النظام ...

خامساً: إن من مسؤولية المعارضة عموماً أن تتولى متابعة المواقف العربية و الدولية بما تمتلكه من إمكانات و صلات على ضعفها و قلتها مع أنها تجد اليوم ناصراً قوياً من المحتجين على الأرض الذين يعطون دفعاً قوياً و يحركون المواقف الدولية رغماً عنها ...

سادساً: و من مسؤولية المعارضة كذلك تحريك الشارع العربي و الإسلامي بما فيه من مفكرين و أحزاب و علماء دين و غيرهم و لا يفوتني هنا الاشارة إلى هزالة مواقف الكثير من الجهات الاسلامية سواء كانت حزبية أو فردية حيال ما يجري من احداث على ارض سوريا... الأمر الذي يثير الاستغراب و الحيرة لكنه على كل حال يضع الجميع امام مسؤوليات تاريخية لها ما بعدها...

مرة أخرى نقدر جهود جميع من يعمل على الساحة السورية و نؤكد الحاجة إلى المزيد فنحن أمام نظامٍ عاتٍ و تحدياتٍ مستقبليةٍ كبيرةٍ تحتاج إلى كل جهدٍ مخلصٍ و عملٍ دؤوب و مشورةٍ واعيةٍ...