كنت أبكي على شعبي... أما الآن فشعبي يُبكيني
كنت أبكي على شعبي...
أما الآن فشعبي يُبكيني
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
صمت قاتل استسلام رهيب وفظيع يقول للقاتل والغاصب والفاجر والمجرم , كل ماتريده هو لك وإن غاب شيء عن شهواتك وغادرت ذاكرتك فسأكون لك عونا على تذكرها ,حتى تتم نعمتك علي في أن تبقيني حياً , إن كانت رغبتك الفائضة في تعذيب جسدي فهو ملك لك , وإن فاضت عن ذلك لتقتل ابني وتغتصب حرماتي فلا بمقدوري أن أقول :إلا هنيئاً , وإن لم تشبع شهوتك إلا بالقتل فهذه عائلتي كلها فداءاً ...افعل ماتشاء , ويكفيني أن أعيش في ظل حمايتك
إن تمرد ابن لي أو بنت ضد رغباتك فخذهم فأنا منهم بريء وإن استمروا في السجون عندك دهر فلن أسأل عن مصيرهم , فقد كفروا بنعمتك وشذوا عن طاعتك وكأنه مًسح عقلي بطائف فقدان الذاكرة الأبدية ولن يكون لهم خاطر في نفسي بعد الآن , المال مالك والأرض والملك وأنا كله لك , صناعة أنت قمت فيها فصنعتني ولك الحق في كل ماتفعل
وبعد أن يخلو في نفسه ويغلق أبوابه عليه ويسدل الستائر ويضع عوازل على شبابيك الغرفة والتي يعزل نفسه فيها , وبعد أن يتأكد من خلو المارة وسكون الأصوات عندها يجهش في البكاء
ويسألني المتردد والموالي:
من يكون هذا الشخص وفي أي عصر كان يعيش ؟
وجوابي باختصار :
هو شعبي الذي أول من علم العالم الكتابة والقراءة , هو شعبي الذي تكلل بالشام وعزتها , ومباركة بمحبة من حبيب ربها , ومنها انطلقت جحافل المسلمين لتعرف العالم أجمع عراقة وأصالة شعوبها .
إن الذي يبكيني ويعصر قلبي ألما هو هذا الذي جرى لهذا الشعب الأصيل والحر في ظل هذا النظام والمستمر منذ عقود لينتزع كل تلك الأصالة والعزة والكرامة منهم , والنخوة والكرم والشجاعة , فباعنا في الجولان إلى عدو بغيض ليذلنا ومن ثم عزلنا عن العالم ليتهمنا بالإرهاب , وبعدها وقبلها وأثناءها حطم كل شيء نملكه ليصل فينا لما نحن فيه
كنت أنده بأعلى صوتي ومعي الكثير , كنا نبكي ألما فلا من مجيب أو مستجيب , فالخوف والبطش حطم كل ثقة بالنفس وبين الكل , كان ذلك يبكيني دما وقهرا وحزنا ومتسائلاً:
فمتى الخروج لشعبي الأبي من هذا الجحيم ؟
ولكن منذ ثلاث شهور مضت تحول عندي البكاء , فصار شعبي هو مصدر البكاء عندي الآن!!!!
يبكيني أطفال الإبتدائية في درعا فخرا , وتريح مقلتاي أهل درعا وحوران , وريف دمشق والقابون والقدم والميدان , حمص واللاذقية وبانياس , والخضراء ادلب ومافيها من أحرار , والقامشلي وعامودا والرقة
فلا تستعجلون علي ياأبناء الفرات , ولا حماة
أبكي الآن فرحاً فالصمت انتقل للظالم والفاجر وبدأ يترنح كما السكران , بينما شعبي الحر صار يتخطى صوته قمم الجبال , قلبي يعتصر ألما على الشهداء ممن سقطوا فإلى رحمة الله تعالى وجنة الخلد فلولاهم لبقينا نبكي على الشعب , وحزني عليهم في أن العز قادم ولن يروه عندما كانوا مستعدين للفداء , ولكن ماعند الله خير وأبقى
أيها المتردد من شعبي اخرج من الذل والبكاء عليك لنبكي منك فرحا في المستقبل القريب , وأنت أيها الموالي سينقلب عندك الحال وسيكون مصيرك كما كنا من قبل , في مكان مظلم معزول تبكي لوحدك تنزف دمك تموت وتدفن لن يهتم لذلك وفيك أحد , ومصيرك حفر النار المظلمة عند الحاكم العادل هو الله , فليس لك خير في الدنيا ولا في الآخرة فاسرع واخرج من موالاتك إلى شعب حر إن عدت إليه ضمك بحب وحنان
وحماة ودير الزور بركان يعصف بالطغاة وحمص ليس بأقل منها والمسيرة قادمة وقريباً بإذن الله ليعود هذا الوطن لسابق عهده في الحرية والعزة والكرامة من حوران لإدلب ومعرة النعمان , ومن الساحل الأشم باللاذقية وجبلة بانياس إلى دير الزور والقامشلي والرقة وعامودا فخر الفداء
فلن أبكي على شعبي بعد اليوم , ولكن هذه المواقف الحرة والقوية والعزة والكرامة هي التي تبكيني فرحاً وحسرة في هرمي وشيخوختي , ولكن الحمد لله أبناؤنا هم قرة أعيننا فسوف نغادر هذه الحياة وقلوبنا فرحة في أننا قد تركنا أمانة عظيمة عند أبنائنا وهم أهل لها بإذن الله