الصمت الخليجي – السعودي المريب

تجاه الثورة السورية ضد بشار الأسد !

محمد علي - دمشق

دعم ثورات الشعوب ليس بمستنكر ولا مستغرب ، لأن هذا الموقف هو الواجب الشرعي والإنساني لكن ما يدعو للعجب والدهشة ، هو التباين البالغ حد التناقض في المواقف بين ثورة وأخرى ، وهو ما ينطبق على مواقف دول مجلس التعاون الخليجي العربية من كلٍّ من ثورتي ليبيا وسوريا ، فهي إذ تؤكد "عدم شرعية " نظام الزعيم الليبي معمر القذافي ، وتدين " الجرائم المرتكبة ضد المدنيين ، باستخدام الأسلحة الثقيلة والرصاص الحي ، وما نتج عن ذلك من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين الأبرياء " ، بل تجاوز الدعم الخليجي حد الكلام إلى الدعم الفعال للثورة الليبية بالمال والسلاح ومشاركة بعض الدول مثل قطر والإمارات في تطبيق قرارات مجلس الأمن !. لكن موقف هذه الدول ذاتها من الحالة السورية مختلف جداً ، رغم وحشية النظام السوري التي تفوق وحشية القذافي ، ورغم جرائمه الفظيعة المنكرة المرتكبة ضد المدنيين باستخدام الدبابات والمدفعية والرصاص الحي وعزل المدن وقطع الكهرباء والماء والاتصال ومنع الصحفيين والمراسلين والطحين وحليب الأطفال والعلاج ومنع إسعاف الجرحى والمصابين بل الإجهاز على الجرحى وقتل الأطفال والنساء ، وما نتج عن ذلك من سقوط ما يزيد على ألف شهيد وآلاف الجرحى والمعتقلين والمقابر الجماعية التي تكشفت مؤخراً وما خفي أعظم مع فارقٍ أساسي له اعتباره ووزنه ، يجعل من الحالة السورية أشد مأساوية وأدعى إلى التضامن معها ، وهو أن الاحتجاجات فيها سلمية بخلاف الثورة الليبية المسلحة ، وما تزال تحاول جهدها في الحفاظ على سلميتها ، رغم محاولات النظام القمعي دفعها إلى العنف دفعاً ، من خلال ارتكاب أبشع المجازر وأقذر الممارسات في حق شعب أعزل ، لا ذنب له إلا أنه خرج في مظاهرات مشروعة بحسب تصريح النظام السوري نفسه ، ليطالب بإصلاحات مشروعة أيضاً باعتراف النظام ورأسه !. وعليه خرج السوريون الذين صبروا أكثر من أربعين سنة على الضيم والتهميش والخنق ، خرجوا بصدور عارية إلا من الإيمان ، يطالبون بحريتهم وكرامتهم ، مثل إخوانهم في ليبيا تماماً ، فهل هذا المطلب مشروعٌ لليبيين حرامٌ على السوريين ؟. أليس من حق السوريين أن يعيشوا حياة حرة كريمة لائقة بالآدميين وأن ينعموا بالأمن والاستقرار ، وأن يحقِّق الشعب السوري ما يصبو إليه من رخاء وازدهار ؟!. فلماذا هذا الصمت الخليجي – السعودي المريب ؟. وبماذا نفسره ؟. وكيف نبرره ؟. أليس هذا هو الكيل بمكيالين ؟. ألا يدل ذلك على أن دموع السعودية ودول الخليج التي ذرفوها على الليبيين هي دموع تماسيح ! وأن صفقات بيع الشعوب والمصالح النفعية الآنية والروح الأنانية الضيقة لا الأخلاق ولا المبادئ الإنسانية ولا الأخوة الإسلامية التي تتبجح بها السعودية خاصة ، هي التي تحكم توجهات السياسة وخياراتها !؟. وإلا فكيف نقرأ صمتها عن وحشية آل الأسد وشبيحتهم التي فاقت وحشية القذافي ومرتزقته ؟. ألا يستحق الشعب السوري من قادة مجلس التعاون الخليجي في قمتهم الأخيرة بياناً على الأقل تستنكر أو تندد فيه بالجرائم الفظيعة التي يقترفها النظام السوري المستبد تجاه مواطنين مسالمين برءاء !؟. لكن المؤسف حقاً أن الدول العربية ودول الخليج خاصة لم تسكت فقط عن حمامات الدم في مدن وقرى سوريا ، بل اعتبرت ما يجري شاناً داخلياً ، وكأنها تعطي للنظام ضوءاً أخضر ، ليواصل قتل شعبه ومواطنيه بالمئات لا بالآحاد والعشرات ، بل سبق وأن أرسل – ويا للعار - كثيرٌ من حكامها وأمرائها رسائل تأييد ووقوف إلى جانب النظام القمعي ،  ليشاركوه في المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن الدماء المسفوحة !.

ألم يسمع ( خادم الحرمين ! ) بمجازر درعا والصنمين ودوما وبانياس والبيضا وحمص وسواها من قرى سوريا الذبيحة ومدنها !؟. ألم ير كيف أذلوا الرجال في البيضا ، وداسوا على شواربهم ولحاهم ؟. ألم يسمع الأنباء المروعة عن قتل النساء والشيوخ والأطفال والعمال ؟. أوما رأيت – يا جلالة الملك - الدبابات تصول وتجول بين البيوت ؟. تحركت قلوب اليهود والنصارى لصورة حمزة الخطيب واستنكروا ما يجري ، ولم يتحرك قلبك ؛ أَقُدَّ من صخر أم من حديد ؟. أليس من الواجب التدخل والسعي لإيقاف هذه المجازر والمقابر ؟. أم أن جلالته يستمتع بمتابعة هذا المسلسل اليومي من العنف الدموي كما استمتع من قبل في حصار بغداد ومجازر الفلوجة وغزة !؟. إنكم ميتون ، وإنكم لموقوفون ومحاسبون ، ولسوف تسألون عن الدماء الزكية وعن دموع الأطفال وأنات الثكالى وزفرات الأرامل !.

ثم لو نحينا لغة الأخلاق والمبادئ جانباً ، وحتى لغة العاطفة لأنه لا مكان لها – كما زعموا - في عالم السياسة الذي تحكمه لغة المصالح ، أقول : لو سلمنا جدلاً بصحة هذه المقولة ، وتكلمنا بلغة المصالح ؛ فهل من مصلحة دول الخليج بقاء هذا النظام واستمراره ؟. ألا يعلمون أن سقوط هذا النظام هو إجهاض للحلم الفارسي وإفشالٌ لمشروعها التوسعي العدواني في المنطقة العربية عامة والخليج خاصة ، وأن إيران ستخسر حليفاً قوياً لها وجسراً يربطها مع ( حزب اللات ) ، فكيف يغفل حكام الخليج أو يتغافلون عنه ؟. وكيف يضيعون هذه الفرصة التاريخية التي إن ضاعت فإنها لن تتكرر من قريب ، وستتعاظم عندئذٍ قوة إيران الضاربة ، وتقترب من تحقيق حلمها القديم المتجدد في ابتلاع الخليج ونفطه وثرواته لا البحرين فقط ، وعندئذٍ يعض الخليجي على يديه من الندم ، ولات حين مندم !.

يقال أن زواجاً غير شرعي تم بشكل مفاجئ ومريب ، أيد فيه بشار الأسد دخول درع الجزيرة ، لإخماد ثورة البحرين وباع إخوانه من الشيعة هناك ، مقابل شراء تأييدٍ خليجي لإجراءات النظام السوري ضد شعبه ومواطنيه !. ويرى بعض المحللين أن الخوف من أن تسري نار الثورات الشعبية في هشيم تلك الأنظمة الهشة المتآكلة كان وراء موقف الخليجي !. ربما يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍّ ما لكنه غير كافٍ لتفسير التخبط والتناقض الصارخ ، وربما تكتمل الصورة إذا تذكرنا أن السياسة الخليجية والسعودية تابعة للسياسة الأمريكية ، وبتعبير أصح للإملاءات الأمريكية ، ومعلوم أن السياسة الأمريكية ما تزال تعاني من تردد وتباطؤ في الوقوف إلى جانب الثورة الشعبية السورية ، بسبب مخاوفها من المجهول الذي سيعقب نجاحها وعقدة وصول الإسلاميين إلى السلطة وأمن إسرائيل ....إلخ ، وهذا التباطؤ أو حتى التواطؤ مع النظام السوري في رأي كثير من المراقبين انعكس على موقف الخليجي ، ولو أن إدارة أوباما تجاوزت مخاوفها ، وغيرت موقفها ، وحذت حذو الأتراك الذين بدأوا يعتقدون بدنو رحيل النظام ، فإن الخليجي أيضاً سيغير سياسته ومواقفه تجاه النظام السوري ، ويقع بينهما طلاق بائن لا رجعة فيه !.