حسن نصر الله لم يعد رمزاً للمقاومة

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

بداية لا نريد أن ننزلق إلى ما انزلق إليه السيد حسن نصر الله ونغمط حق هذا الرجل الذي قاد المقاومة في لبنان وحقق ما لم تتمكن من تحقيقه الجيوش العقائدية التي قادها حافظ الأسد في حربين مدمرتين الحرب الأولى في حزيران عام 1967 وتخلى فيها عن الجولان السوري المنيع دون دفع أو مدافعة وكان وزيراً للدفاع، والثانية حرب تشرين عام 1973 وكان رئيساً للجمهورية، والتي تخلى فيها عن 34 قرية لإسرائيل حتى تكتمل حلقة الجولان (كل الجولان) بيد إسرائيل، ومن ثم عقد اتفاقية فك الاشتباك عام 1974 عند الكيلو 54 والتي تخلى فيها عن الجولان نهائياً وتكفل بسلامة وأمن إسرائيل، وأكد على ذلك الالتزام على مدى أربعين سنة لم يعكر أمن الصهاينة الذين استعمروه، أو صفو حياتهم أو تخويف أولادهم أو ترويع نسائهم، كما فعل هو على مدى ثلاثين سنة مع السوريين، وكما يفعل ابنه بشار اليوم معهم، وفاز عن جدارة بشهادة (حسن سلوك) من القادة الصهاينة على اختلاف توجهاتهم سواء كانوا من اليمين أو اليسار أو العنصريين أو المتطرفين، فكل هؤلاء اتفقوا – على كثرة خلافاتهم - على تقليد حافظ الأسد وابنه بشار من بعده وسام (حماية الأمن الإسرائيلي) من الدرجة الأولى.

أقول إنني لن أغمط حق هذا الرجل ومواقفه المشهود لها في قيادة المقاومة الوطنية وتحرير جنوب لبنان، والصمود البطولي عام 2006 عندما تصدى للعدوان الصهيوني الوحشي لنحو شهر وحال دون تقدم القوات الصهيونية في جنوب لبنان.

ولكن هذا لا يمنع من أن أنزع عنه هذا اللقب (شيخ المقاومة) تبعاً لمواقفه المستجدة المعادية للشعب السوري الثائر طلباً للحرية والكرامة والعدالة، الذي آزره وناصره وقدم يد العون له وتسابق شبابه للشهادة على ثرى لبنان، وفتح بيوته لاحتضان الفارين من الضاحية الجنوبية عند عدوان عام 2006.

مطالب الثائرين اليوم في سورية هي نفس المطالب التي كم رددها هذا الرجل في كل خطاباته وأحاديثه ومؤتمراته الصحفية، وأقول، ولست مغالياً، بأن هذا الرجل قد انزلق إلى ما لم نكن نتمناه له، متنكراً لكل المبادئ والقيم التي كم تغنى بها على مدى أكثر من ثلاثين سنة حتى باتت النشيد المحبب الذي يستهوي قلوب الملايين العرب، الذين استبدلوا صور أحبائهم وقادتهم بصوره، وأعلام بلدانهم الوطنية بعلمه الأصفر، لتتساقط سريعاً كما ارتفعت وتمزق وتحرق وتداس بعد أن استفاق هؤلاء على ما يدعو إليه هذا الرجل السوريين المقموعين، الذين تفجرت من أجسادهم الدماء وانتهكت منهم المحرمات والمقدسات، وضربت وجوه أبنائهم بالأحذية واقتلعت أظافر أطفالهم، يدعوهم هذا الرجل إلى المحافظة على (نظامهم المقاوم والممانع) الذي سلم الجولان للصهاينة عام 1967 وتخلى عنه نهائياً عام 1974 وذبح المقاومة الفلسطينية وشتت شملها وجزأ فصائلها وتاجر بها ولا يزال، حتى ذاب الثلج وبان المرج وانكشف على حقيقته أمام العالم وأمام من صدقوه وآزروه ونصروه، بعد كل ما شاهدوه من مذابح بشعة ومقابر جماعية وقتل مريع وتعذيب وحشي شنيع ومحاصرة للمدن وملاحقة وقمع المحتجين المتظاهرين السلميين وقنصهم جهاراً نهاراً، متحدياً مشاعر المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان السورية والعربية والعالمية التي اهتز ضميرها لهذه المشاهد ولم يهتز لها ضمير من كان يسمى (شيخ المقاومة). شيخ المقاومة يعلل دعوته هذه بأن الفارق بين سورية والدول العربية الأخرى التي شهدت وتشهد تحركات شعبية أن الأنظمة الأخرى مثل (البحرين لم تقتنع بالإصلاح)، بينما (الرئيس بشار الأسد مؤمن بالإصلاح وجاد ومصمم ومستعد للذهاب إلى خطوات إصلاحية كبيرة جداً، لكن بالهدوء والتأني والمسؤولية).

انتقائية هذا الرجل في التعاطي مع الثورات والانتفاضات الشعبية العربية المطالبة بالديمقراطية والعدالة والإصلاح السياسي تثير الريبة فيه، فبينما هو يقف بقوة إلى  جانب الثورات العربية في مصر وتونس، وينتقد بشدة موقف السلطات البحرينية من احتجاجات بعض البحرينيين، لم يكن حاله كذلك فيما يتعلق بالانتفاضة السورية التي قدمت خلال ستة أسابيع أكثر من 1200 شهيد وأكثر من 3000 جريح وأكثر من 10000 معتقل وأكثر من 3000 مفقود، ولم نسمع منه أي نقد لحليفه بشار وما يرتكب من جرائم، ولم يوجه مرة له نصيحة بوقف نزيف الدم في البلاد أو إظهار بعض التعاطف مع الشهداء أو الترحم على أرواحهم أو مواساة ذويهم، وكان عليه أن يتفهم مطالب الشعب السوري العادلة ويتعاطف معها في مواجهة المظالم التي يتعرض لها ووسائل القمع الرهيبة والوحشية التي يجابه بها، التي لم يتعرض لمثلها ثوار تونس ومصر أو المحتجين في البحرين، وكل طموحات السوريين أن يسمح لهم بالتعبير عن رغباتهم وأحلامهم بحرية، وأن يختاروا نوع الحكم وشكله وممثليه عبر برلمان حقيقي، كما هو الحال في لبنان الذي كفل نظامه الديمقراطي الحرية لحسن نصر الله وأشياعه أن تكون لهم كلمة مسموعة، وسمح لحزب نصر الله وغيره من أحزاب بكل ألوانها بالتمثيل الكامل في البرلمان، والمشاركة بوزراء في الحكومة، ونسج تحالفات مع كتل برلمانية أخرى تستطيع إسقاط أو تشكيل حكومات، وأن يكون بينها تداول سلمي للسلطة، وليس كما هو الحال في بلدي (الأسد إلى الأبد).

وكان الأجدر بهذا الرجل أن يستغل علاقاته مع بشار الأسد ويطالبه بوقف المجازر التي ترتكبها أجهزة أمنه وشبيحته، ويطالبه بالإسراع بالبدء الفوري والجدي في الإصلاحات وعدم المماطلة والسين وسوف واتخاذ القرارات وتشكيل اللجان التي لا طائل منها ولا خير ولا منفعة.

ما يحصل في سورية يا حسن نصر الله تجاوز حدود الفهم والتفهم مهما قيل في نظام الأسد من معلقات الممانعة والمقاومة.. ما يجري في سورية يا حسن نصر الله هو أنهار زكية من الدماء، وجماهير تقمع بالدبابة والمدفع.. سورية يا حسن نصر الله ليست مزرعة والسوريون ليسوا أجراء عند آل الأسد، وقد آن الأوان ليفهم النظام وحلفاؤه أن العنف الثوري الذي نفعه في ثمانينات القرن الماضي لن ينفعه اليوم، وأن مواطنيه الذين خرجوا بصدورهم العارية أمام الدبابات لن يعودوا إلى مواخير العبودية.. السوريون يا حسن نصر الله أحرار، وولدتهم أمهاتهم أحرار وهم طلاب حرية، وقد قالوها من أول يوم: (الشعب السوري ما بينذل).

النظام السوري الباغي يا حسن نصر الله بحاجة إلى نصائح الأصدقاء وصدق الحلفاء في هذا الظرف الحرج أكثر من تأييدهم المفتوح له، لأن هذا التأييد قد يدفع النظام إلى مزيد من التغول في قمع الشعب السوري المسالم، وقد يفتح الطريق للتدخلات الأجنبية التي إن حصلت – لا قدر الله – ستحل الكارثة على رأس الجميع دون استثناء. 

أخيراً نتمنى على السيد حسن نصر الله أن لا ينحاز إلى جانب القتلة، وأن لا يقف في مواجهة الشعب الذي يطالب بالحرية والكرامة والعدالة بأسلوب سلمي وحضاري، وان يلجم إعلامييه الذين يطلون بين الفينة والأخرى من الفضائيات السورية وبعض الفضائيات اللبنانية لتغطي دم السوريين المباح بالحجج المتهالكة عن الممانعة والمقاومة التي باتت اسطوانة مشروخة وممجوجة، وأن يتوقف عن النظر إلى الثورات العربية بعين واحدة.. فالحرية لا تتجزأ ولا تكال بمكيالين.