وقع ما كنت تحذر منه فماذا أنت فاعل يا أردوغان
وقع ما كنت تحذر منه
فماذا أنت فاعل يا أردوغان؟!
محمد فاروق الإمام
[email protected]
على مدى أيام خلت.. والسيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي
يحذر صديقه الرئيس بشار الأسد من تكرار مجازر حماة وحلبجة، ويحضه على الإسراع
بتلبية طلبات المحتجين المحقة التي اعترف بها سريعاً دون مماطلة أو إبطاء،
والانتقال بسورية من نظام شمولي ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي يقوم على التعددية
والتداول السلمي للسلطة، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.. فصبر المجتمع الدولي له
حدود، وأنه سيكون من ضمن هذا المجتمع إذا ما قرر التدخل لوقف حمام الدم.
تحذيرات رجب طيب أردوغاني الصادقة والمشفقة لم تجد آذاناً صاغية
لدى صديقه الرئيس السوري بشار الأسد بعد أكثر من شهرين من القمع الممنهج الدموي،
الذي راح ضحيته نحو ألف شهيد، وأكثر من ألف مفقود، وثلاثة آلاف جريح، واعتقال ما
يزيد على عشرة آلاف، وعلى العكس فقد أوغل هذا الذي اتخذه رجب طيب أردوغان صديقاً في
قمع الجماهير السورية المتظاهرة سلمياً، والمطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية،
ولم يكن قمعه لهؤلاء المتظاهرين بقنابل الغاز ولا برش المياه أو الهراوات كما هو
متعارف، وكما تفعل كل دول العالم، حتى تلك الدول التي تحكمها أعتى الأنظمة الشمولية
ديكتاتورية وفاشية، فكل تلك الأدوات في فكره وثقافته لعب أطفال.. فقد كان قمعه
للمتظاهرين من اللحظة الأولى بإطلاق الرصاص الحي الذي استهدف الرأس والعنق والصدر
بهدف القتل، والإجهاز على الجرحى ومنع إسعافهم وملاحقتهم حتى المستشفيات وإنهاء
حياتهم إن وصلوا إليها، ومحاصرة المدن بالفرق العسكرية وقصف المساجد والأحياء
بقنابل مدفعية دباباتها، واعتقال الآلاف، دون تفريق بين شيخ وطفل أو امرأة ورجل،
فكل المتظاهرين بادعائه مجموعة عصابات ومندسين ومخربين وسلفيين وعملاء وخون ينفذون
مؤامرة خارجية، وسوقهم إلى معتقلات ميدانية في المساجد والمدارس والساحات العامة
وبعض المؤسسات الحكومية، بعد أن اكتظت سجونه وأقبية فروع أمنه على كثرتها
بالمعتقلين.
السيد رجب طيب أردوغان إن ما حذرت منه صديقك قد حدث.. ففي يوم
الاثنين السادس عشر من أيار الحالي، وبعد السماح بالتجول في مدينة درعا المحاصرة..
اكتشف الأهالي، الباحثين عن ذويهم المفقودين، على ثلاثة مقابر جماعية ضمت نحو ستين
جثة بينها نساء وأطفال، وفي إحداها كان هناك جثث مشوهة لأفراد عائلة كاملة (زوج
وزوجة وأولادهم الخمسة)، إضافة إلى العثور على جثث ما يزيد على عشرين قتيل ملقاة
بين الحقول وسنابل القمح وقد نهشت أجسادها بعض الضواري، في حين تفسخت أجساد بعضها
وتعفنت، وقد سارع الأمن ورجال الجيش إلى منع الناس من مواصلة البحث عن مثل هذه
المقابر التي قد تكون أكثر مما تم العثور عليه.
السيد رجب طيب أردوغان.. نحن لا نريد أن نطلب منك المستحيل..
نحن نطلب منك موقفاً شجاعاً كريماً شهماً من منطلق حق الجوار ويتناسب مع مقامك في
قلوب السوريين الذين أحبوك وقدروا مواقفك الشجاعة والنبيلة تجاه قضية فلسطين، ولا
أعتقد أن قضية الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة والذي يتعرض لأبشع وأفظع
عمليات القمع الرهيبة التي وصلت إلى حد دفن القتلى في مقابر جماعية وإلقاء جثث
القتلى في الحقول وتعرضها للنهش من قبل الضواري، ومحاصرة المدن بالفرق العسكرية
بكامل تسليحها الثقيل والمتوسط والخفيف وقد عاشت مسترخية لنحو أربعين سنة في مواجهة
العدو الصهيوني، وقطع الماء والدواء والغذاء ووسائل الاتصال عنها، في ظل تعتيم
إعلامي غير مسبوق، ولا اعتقد أن الشهداء الذين سقطوا على يد صديقك بشار الأسد هم
أقل قيمة وقدسية من الشهداء الأتراك الذين سقطوا على يد الصهاينة في أسطول الحرية
وبالتالي فإن السوريين ينتظرون منكم فعلاً تجاه ما اقترفته يدا بشار لا يقل شجاعة
وحمية عن موقفكم مما اقترفه الصهاينة بأهل غزة وبدعاة السلام في قافلة الحرية.
لا أريد أن أملي عليكم ما يتوجب فعله رداً على هذه المجازر التي
يرتكبها صديقك بشار الأسد وسبق وحذرته من تكرارها، أنتم ولا شك تعرفون ما تملكون من
أوراق ضغط على بشار الأسد ورجال حكمه الفاشيين، وليس أقلها التلويح في دعم العواصم
الغربية الداعية لفرض عقوبات زاجرة ورادعة تشمل بشار وأركان حكمه وأنتم جزءاً منها،
ورفع الغطاء عنه وعن نظامه، والدفع باتجاه اعتبار نظام بشار الأسد لم يعد نظاماً
شرعياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء وسحب السفراء، والمنع من السفر،
وحظر الطيران، وتجميد الأموال، ومنع بث وسائل الإعلام الرسمية السورية عبر الأقمار
الصناعية والتشويش عليها.. وهناك الكثير والكثير من أوراق الضغط الأخرى التي يمكن
أن تمارسوها بحق بشار وزمرته الحاكمة، وإن من شيء نرفضه ولا نوافق عليه هو التدخل
العسكري وأن تطال العقوبات الشعب في غذائه ودوائه وحليب أطفاله.
ختاماً نريد من السيد رجب طيب أردوغان مواقف جادة ومفعّلة على
الأرض، تشعر بشار الأسد بجدية أقوالكم وتحذيراتكم وتخويفاتكم له من العواقب إن لم
يوقف قمع المطالبين بالحرية والكرامة، ووقف نزيف الدم والقتل العشوائي ومحاصرة
المدن وانتشار عناصر أمنه وشبيحته وفرق موته كالغربان في كل المدن السورية وقراها،
وأن يستجيب لمطالب الثوار والانتقال بالبلاد سريعاً من حالة النظام الشمولي
الديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، يقوم على التداول السلمي للسلطة والاحتكام
إلى صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة وإرادة الجماهير وخياراتها.