دوافع الخطوة الخليجية

صلاح حميدة

[email protected]

أثارت دعوة مجلس التّعاون الخليجي لانضمام كل من الأردن والمغرب للمجلس  الكثير من الاستغراب، فهما دولتان لا تقعان جغرافياً ضمن حدود الخليج العربي ولا ضمن حدود الجزيرة العربية، بل تعتبر المغرب بعيدة جداً عن منطقة الخليج، كما أثار التّوقيت المزيد من الاستغراب أيضاً، فالدّول الخليجية كانت ترفض انضمام دول مثل العراق واليمن للمجلس سابقاً، وهي على موقفها حتى الآن، بالرّغم من كونهما الأجدر بهذه الدّعوة منذ زمن بعيد، بل كانت خلافات تلك الدّول الخليجية حول العملة والسّياسة الخارجية والموقف من إيران تكاد تودي بالمجلس من أساسه.

في الفترة الأخيرة دبّت الحياة في عروق مجلس التّعاون وتم تفعيل قوات درع الجزيرة، وأخذ المجلس يقوم بمبادرات سياسية في المنطقة العربية، بل أصبح مركز الحراك السّياسي العربي، وهذا كلّه لم يكن مصادفةً.

  تعتبر العوامل السّكانية أحد أهم هذه الدّعوة، فدول المجلس تعاني من إغراق سكّاني أجنبي، وبالذّات الهندي منه، حتى كاد يفقد الخليج العربي هويّته العربية، وفيما تتصارع دول الخليج العربية مع إيران حول فارسية أو عربية الخليج، يناقش مجموعة من النّوّاب الهنود اليمينيين مسألة فرض الاستفتاء الشّعبي على دول مجلس التّعاون، حتّى يتسنّى للأغلبية الهندية حكم تلك الدّول تحت تهديد القوّة العسكرية والنّووية الهندية، وبالتالي سيصبح الخليج هندياً، لا عربياً ولا فارسياً، أو ربّما ستقتسمه إيران والهند القويّتان، هذا الهاجس كان الدّافع الأول لهذا التّحرّك نحو دولتين عربيّتين فيهما خزّان بشري كبير، سيمكّن دول مجلس التّعاون من عملية إحلال منظّمة وسريعة لمواطنيهما مكان الأيدي العاملة الأجنبية في دول مجلس التّعاون.

الأردن والمغرب عبارة عن دولتين بنظامين سياسيين ملكيين، وهما يتماثلان مع بقيّة دول المجلس في هذا الشّأن، ولذلك يوجد انسجام تاريخي وتقاليد ملكية حاكمة تجمع بين هؤلاء جميعاً، بالاضافة إلى تقاليد سياسية داخلية وخارجية متماثلة بين هذه الدّول، وتختلف منهجياً مع دول الملكيّات الجمهورية العربية، التي تعيش أزمات مضاعفة في ظل موجة الثّورة العربية.

الخوف من إيران من العوامل الجذرية التي حرّكت هذا التّصرّف الخليجي السّريع، فدول الخليج العربي تعيش عارية إستراتيجياً هذه الأيّام، وأصبحت نهشاً لكل الطّامحين الإقليميين، وهي تعيش حالة من الرّعب الحقيقي والواقعي، وهي تعلم أنّها أصبحت في خطر، فالمظلّة الأمريكية والغربية لم تعد تحمي هذه الدّول، وأمريكا على وشك الانسحاب من المنطقة. ف"إسرائيل" تقول أنّها تريد استعادة خيبر والمدينة المنوّرة وضمّهما إليها، وتستعد تركيا وإيران لاقتسام تعبئة الفراغ الإستراتيجي في المنطقة، كما أعلن منسق شبكة أمان أنيس النّقاش في لقاء على قناة المنار، وهو مقرّب من مراكز صنع القرار في إيران، بل زاد الرّجل بتهديد مباشر لدول مجلس التّعاون إن لم تسحب قوّات درع الجزيرة من البحرين، وبعد أيّام قليلة صرح قائد  الجيش الايراني بأنّ ( الخليج كان دائماً ملكاً لإيران) وهذا تعبير حرفي لتهديدات أنيس النّقاش، وبما أنّ إيران تعتبر أنّ الخليج ملكها، ولم يعد الخلاف على تسميته بين عربي وفارسي، فهذا يستدعي تفسيراً يقول أنّ الأنظمة العربية الخليجية تغتصب أرضاً إيرانية، وإيران تستعدّ لتحرير أراضيها، وهذا تهديد وجودي داهم، ولهذا استدعت دول الخليج دولتين تنسجمان معها في الرؤيا، وفيهما خزّان بشري كبير، يمثّل مع الجغرافيا عمقاً إستراتيجياً لها. كما أنّ التقارب المصري الإيراني بعد ثورة مصر أزعج الخليجيين، وبدأوا ينظرون بعين الشّك لمصر الثّورة، وهذا انعكس فتوراً في العلاقات، واعتبرت بعض دول الخليج أنّها فقد ت ظهيرها الإستراتيجي في مصر والسّودان.

ربيع الثّورات العربية أشعر الأنظمة الخليجية وشبيهتها الملكية بالتّهديد، ولذلك فهي تتجه للتضافر والتّوحّد والتّكامل فيما بينها، وهي بهذا تسعى لامتصاص نقمة شعوبها، وتطوير أداءها بطريقة تريح رعاياها بنوع من الوحدة العربية  المفقودة، والفوائد الاقتصادية الآنيّة، فالجامعة العربية أعجز من أن تقوم بأيّ دور فاعل في هذه المرحلة، بل لا نبالغ إن قلنا أنّ حجم التّناقضات بين دولها- بسبب الثّورة العربية- وصل حداً لا يمكن أن تعالج آثاره على المدى القريب، ولذلك يعتبر هذا التّكتّل هو التّكتّل الأكثر فاعليّة في المرحلة القادمة على مستوى العالم العربي، بانتظار تعافي مصر وعودتها لقيادة العالم العربي.

من الممكن توقّع خطوات مرتقبة لدول الخليج في المرحلة المقبلة، فحل أزمة اليمن برزمة واحدة تفرض على الرّئيس اليمني فرضاً مطلوبة وممكنة، فتفجّر اليمن وانحداره نحو الفوضى سيشعل دول مجلس التّعاون وسيطعنها في خاصرتها الليّنة، وهي بحاجة لتأهيل النّظام السّياسي اليمني وضمّ اليمن للمجلس بسرعة تكفل لها عمقاً إستراتيجياً مهمّا على باب المندب، بالإضافة إلى أنّ أصل العرب من اليمن، وأنّ اليمن دائماً كانت المصدر البشري لكل الجزيرة العربية، بالإضافة إلى وجود انسجام قبلي وعائلي في كامل الجزيرة العربية، ولا يشكّل ضمّ اليمن إضافة شاذّة لهذا التّكتّل.

أمّا العراق، فيستحق من دول المجلس دعوة للتّحضّر داخلياً للإنضمام للمجلس، وتحت مظلّة هذا التّفاوض من الممكن إجبار السّاسة العراقيين على تطوير النّظام السّياسي والإقتصادي والأمني العراقي، والعراق لا يمكن أن يشكّل عبئاً إقتصادياً على تلك الدّول، ولكن بالإمكان ضمّه بعد إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تزيل التّوترات والصّراعات داخل مكوّنات المجتمع العراقي، بالإضافة إلى أنّ العراق مهم إستراتيجياً لمجلس التّعاون أكثر من أي دولة أخرى في الإقليم، وكان دائماً مظلّة حماية ودعم لدول الخليج، وفي أحيان أخرى، كان إهماله بمثابة اللغم الموضوع في طريق الخليجيين، ولذلك سيكون إهمال العراق أكبر خطأ، بل خطيئة، يقع فيها مجلس التّعاون الخليجي، وأنا على ثقى بأنّ الشّعب العراقي وغالبية السّاسة العراقيين سيرحّبون بدعوة من هذا القبيل، والكرة في ملعب دول مجلس التّعاون.

 الرّاجح  أنّ  دول مجلس التّعاون ستلجأ لاقتناء سلاح الرّدع النّووي والصّاروخي، و ربّما الدّخول في ميدان التّصنيع العسكري على اختلافه، فبعض الاستراتيجيين الخليجيين يرون أنّه مهما توحّدت هذه الدّول فلن تكون في مأمن في منطقة تغصّ بالسّلاح بكافّة أنواعه، وبدول إقليمية تطمح للسّيطرة على ثراوته، من إسرائيل و الهند إلى إيران إلى تركيا وانتهاءً وابتداءً بالغرب الّذي بدأ يتراجع دوره في المنطقة. ومن المعروف أنّ السّعودية دفعت ثمن البرنامج النّووي والصّاروخي والتّسلّحي الباكستاني، وهناك من  يطالب السّعودية بأن تطلب من  الباكستان ردّ الجميل وسداد الدّين الآن، وإذا كانت دول الخليج بهذا الوضع االخطير، فمن الطبيعي أن تسلك طريق الحصول على هذه الأنواع من الأسلحة الرّدعية لكل من يطمع بغزوها أو تهديدها، فزمن الاعتماد على أمريكا ولّى إلى غير رجعة، وما حكّ جلدك غير ظفرك، كما يقول مفكّر خليجي بارز.

بعض المفكّرين العرب شكّك في نوايا هذه الدّعوة، واعتبرها محاولة للالتفاف على الثّورة العربية، ومحاولة لصنع محور عرب اعتدال جديد - بعد سقوط النّظامين المصري والتّونسي- ولكن يوجد بين دول الخليج من له رؤى مختلفة في قضايا كثيرة، كما أنّ الدّول العربية الأخرى ليست جميعها في محور معادي للولايات المتّحدة وسياساتها، فبعض تلك الدّول يعلن - عبر قيادات مؤثّرة فيه- أنّه حارس لأمن "إسرائيل"- وأنّ أمنها من أمنه، وهذا لم تجرؤ أي دولة خليجية على قوله، حتى ولو كانت أداةً في يد الدّبلوماسية الأمريكية، كما أنّ إمكانيّات التّأثير المتبادل بين الشّعوب العربية في مجلس التّعاون القادم سيكون لها أثر إيجابي على المستويات الاقتصادية والسّياسية والاجتماعية، ومهما كانت الإتهامات بسوء النّوايا لهذه الدّعوة الخليجيّة، فتأثيراتها الإيجابية على المستوى المتوسّط والبعيد ستكون لصالح العرب والمسلمين، وهي بالأساس خطوة نابعة من شعور بتهديد وجودي داهم ، لا أكثر ولا أقل.