الثورة السورية المباركة: الرسالة التاسعة

دمشق وحلب: كيف ومتى؟

مجاهد ديرانية

مع دخول الانتفاضة السورية شهرَها الثاني بدأ بعض الناس يفقدون الثقة في الفيحاء والشهباء، وبدؤوا يتساءلون: هل ستتحرك دمشق أو تتحرك حلب؟

يا لغرابة هذا السؤال. بالطبع سوف تتحرك دمشق وتتحرك حلب، بل يجب أن تتحرك حلب وتتحرك دمشق، ولكن السؤال هو: متى وكيف؟ تعالوا نحاول الإجابة عن هذين السؤالين، ومعهما سؤال ثالث: لماذا تأخرت المدينتان الكبيرتان عن اللحاق بالرّكْب؟ ولكن لا بأس أن نعود قليلاً إلى الماضي قبل تفصيل الجواب.

قُرّاء هذه الرسائل أقلُّهم من الكهول والشيوخ وأكثرُهم من الشباب، وكلا الطرفين يسمع ويردد عبارات تتحدث عن إجرام النظام الحاكم في سوريا، لكنّ فهمَ هؤلاء لمصطلح "إجرام النظام" غيرُ فهم أولئك، فالأوّلون يفهمون الإجرام كما رأوه في مجازر وجرائم الثمانينيات، والآخِرون يفهمونه كما يشاهدونه اليوم على الشاشات في المشاهد التي يصورها المتظاهرون. إنكم -يا شباب- تسمّون ما ترونه اليوم جرائم، ولكن الكهول الذين عاشوا المحنة الأولى يرونه نزهة في جنب تلك الجرائم القديمة.

هذه المقدمة ضرورية لفهم ما بعدها. لقد ضُربت المدن الكبيرة في محنة مطلع الثمانينيات ضرباً موجعاً، تراوح في شدته بين مجازر وحشية صغيرة وحملات ترويع وإذلال في دمشق وحلب، ومجازر هائلة وصلت إلى الإبادة الجماعية في حماة. هذه المجازر لم تقتصر على القتل الجماعي الذي كانت محصلته عشرات من ألوف الضحايا، بل وصلت إلى ما هو أسوأ. فاحتملوا مني بعض الإطالة في بيان هذه النقطة، لأعود بعدها إلى موضوع الرسالة الأصلي.

لقد عاشت سوريا مِحَناً عصيبة في الماضي، فاستُبيحت مدنُها أيامَ الغزو الصليبي في القرن الميلادي الثاني عشر، ثم في أيام الغزو المغولي الأول (حملة هولاكو) في القرن التالي، ثم في الغزو المغولي الثاني (حملة تيمور لنك) في القرن الرابع عشر، وكانت تلك مجازرَ فظيعة لن ينساها التاريخ. ثم دخلت بلادُ الشام في حِمى الإمبراطورية العثمانية القوية فعاشت في أمان نسبي خمسة قرون. نعم، لم تخلُ تلك القرون من ثورات واضطرابات تجدون تفصيلاتها في كتب التاريخ، ولا شك أنها كان فيها ظلم كثير كما أنها كان فيها خير كثير، لكن المؤكد أن بلاد الشام عاشت في كنف هذه الدولة خمسةَ قرون في مأمن من الاستباحة والمجازر الكبيرة وجرائم الإبادة الجماعية. بل حتى الاحتلال الفرنسي الذي استمر في الشام ربعَ قرن بالتمام والكمال، ذلك العهد لم يشهد جرائمَ ومجازرَ جماعية، بل مضى بخيره وشره بندوب قليلة نسبياً... إلى أن جاء العهد الأسدي الأخير، وعادت معه ذكريات المغول والصليبيين.

منذ بدأتُ بكتابة هذه الرسائل ألزمت نفسي أن أقتصر على الحقائق وأن أبتعد عن العبارات الحماسية الفارغة التي لا تقدم ولا تؤخر، فأرجو أن تضعوا ما ورد من وصفٍ آنفاً في سياق الحقيقة التاريخية ولا تَحْملوه على الحماسة والإثارة المجردة.

هل تعلمون ما معنى أن يفقد المرءُ الشعورَ بالأمان في بيته وحيّه ومدينته؟ لقد عرف أبناء الثمانينيات "تمشيط" الأحياء والمدن، فهل يعرف الشبان اليوم ما معنى "التمشيط"؟ هل تتخيلون أن تحاصَر أحياء كاملة في المدن أياماً متواصلة أو أسبوعاً كاملاً فيُمنَع كل من فيها من الخروج منها ويُمنَع من هو خارجَها من الدخول إليها، ثم يبدأ "التمشيط" بالدخول إلى البيوت بيتاً بعد بيت، فيقوم العسكر بتفتيش البيت بحجة البحث عن سلاح أو اعتقال مسلحين، وفي أثناء التفتيش يروَّع الآمنون ويُهتَك ستر الحرائر ويُهان كرام الناس ويُسرق المال والحليّ والمتاع، ثم يعذَّب من يعذَّب ويُقتَل من يُقتَل من الأبرياء؟ هل تتخيلون أن يقوم عسكر النظام بإخراج الناس المدنيين العزّل الآمنين من بيوتهم، الكبير منهم والصغير، ثم يُجمعون في الساحات فيُقتلون قتلاً جماعياً بلا جريمة ولا تهمة ولا محاكمة؟ هذا ما صنعوه في حلب وحماة وجسر الشغور... بل إنهم لم يجدوا لتنفيذ مجزرة حلب (في حي المشارقة) أفضلَ من صبيحة يوم عيد الفطر سنة 1980، حينما يجتمع الناس ليفرحوا بعيدهم وفطرهم بعد صيامهم، حينها جاء أولئك المجرمون فأخرجوا مئة رجل من بيوتهم فجمعوهم معاً ثم أطلقوا عليهم النار، ثم جاؤوا بالجرافات فحفروا أخدوداً دفنوهم فيه، وفيهم من لم يفارق بعدُ الحياة!

لا أريد أن أجمع القصص وأرويها فليس هذا محلّها، بل أردت أن أبيّن حقيقة البطش الذي عاش الناس في ظله، وما زال يزداد يوماً بعد يوم وتُغلَق الأحياء على ساكنيها بالأسابيع في تمشيطات مروِّعة، حتى وصلوا إلى المجزرة الكبرى وجريمة العصر في حماة، وخبرها مشهور. إن حماة مدينة صغيرة كان يعيش فيها في ذلك الوقت نحو نصف مليون إنسان، فإذا علمنا أن شهداءها بين ثلاثين ألفاً وستين (لم يُعرَف العددُ الدقيق إلى اليوم بسبب التعتيم والإرهاب) فإن هذا يعني أن واحداً من كل عشرة من سكان المدينة تقريباً قد قُتل في المجزرة!

في تلك السنة، 1982، دخلَت سوريا كلها في نفق الرعب، وصارت سياسة الترويع والإذلال هي سياسة الأمر الواقع. القصص التي يمكن أن تُروى في هذا المقام تملأ مجلدات، ولا أريد أن أطيل بروايتها لكني مضطر إلى التمثيل بقصة واحدة على الأقل أنقلها عن شاهد عيان. يروي صاحبها أنه ركب حافلة بين بلدة وبلدة في بعض مناطق سوريا، وفي واحدة من المحطات صعد إلى الحافلة راكب جديد لم يجد مكاناً يجلس عليه إلا مقعداً متسخاً، وكانت في يده جريدة فنشرها على المقعد وجلس فوقه. في تلك الأيام كانت حواجز الأمن كثيرة، وكان مألوفاً أن يدخل العسكر الحافلات للتفتيش عند كل نقطة. هذا الجزء من الحكاية لا يشي بأن فيها شيئاً غريباً، لكن الذي حدث بعد ذلك كان أغرب من الخيال. صعد إلى الحافلة عسكري وبدأ بالتفتيش، وحينما صار أمام ذلك الرجل المسكين توقف وبدأ بضربه ورفسه وسبه وشتمه، ثم نادى رفاقه فاجتمعوا على الرجل وراحوا يضربونه بأعقاب البنادق وبالبساطير، وهو يستغيث ولا مغيث، ويرجو ويتوسل ولا مجيب. وبدأ الركاب المذعورون يفهمون القصة عندما صاح العسكري بالرجل: تجلس على صورة الرئيس يا ... تهين صورة الرئيس يا ... هذا ربك، هذا إلهك، كيف تتجرأ على إهانته والجلوس فوقه؟! وإذا بالرجل المنكوب لمّا أراد أن يقعد على الجريدة قعد على صورة حافظ الأسد، لأن الأمر الحتمي الافتراضي هو أن صورة الرئيس بقيت تتصدّر كلَّ عدد من كل جريدة يومية أو أسبوعية أو فصلية أو سنوية في سوريا من عام 1970 إلى عام 2000! يقول صاحب القصة إنه كان مذعوراً كسائر الركاب، فلم يفتح أحدٌ منهم فمَه بكلمة، وقد سحب العساكر الرجلَ خارج الحافلة ثم أمروا سائقها بالتحرك، فساقها صامتاً مستسلماً وابتعد بها عن النقطة دون أن يجرؤ هو أو يجرؤ غيره على السؤال عن مصير الرجل.

عندي كثير من الحكايات المشابهة، لكني لن أستطرد وأطيل بشرحها، إنما أريد محل العبرة. الرجل الذي قصّ علينا الحكاية لام نفسه لأنه عجز عن التدخل، لكني أنا لم ألُمْه، ولعلي كنت صنعت صنيعه لو كنت محله. بل لقد صنع صنيعه عشرون رجلاً كانوا معه في الحافلة، وكذلك صنع مئاتٌ ومئات في الحكايات الأخرى المشابهة، فهل يُلامون؟ إننا نقرأ في التاريخ عن ممارسة لا يرضى عنها الدين ولا تقبل بها الإنسانية، حين كانوا يُخصون المماليك ليصبحوا ناقصي الرجولة (أو معدوميها بالأحرى) ليجيزوا لهم الدخول على الحريم. هذه الممارسة البشعة واللادينية واللاإنسانية بحق ألوف من الناس في الماضي البعيد صنع مثلَها نظامُ الأسد في سوريا بحق الملايين في الأمس القريب... لقد خصاهم معنوياً -بالخوف- فأذهب رجولتهم، ثم ذهب يحكم آمناً مرتاحَ البال شعباً من الخصيان عشرين عاماً، ولا عليه بعد ذلك أن يورّثهم لابنه مع بقية حيوانات المزرعة!

حسناً، اسمحوا لي بعد هذا الاستطراد الطويل أن أعود إلى الموضوع الأصلي للرسالة، ولنبحث عن إجابة السؤالين، وأولهما: لماذا تأخرت دمشق وتأخرت حلب عن الانخراط في الثورة؟

(1) السبب الأول هو التركيز الأمني الكبير على العاصمتين، وقد رأى الناس حجم العنف الذي قوبلت به مظاهرات الأيام الأولى في الجامع الأموي في دمشق والجامع الأموي في حلب. لقد مضى الآن شهرٌ على تلك المشاهد ولكن قسوة رجال الأمن في التعامل مع الناس فيها ما تزال واضحة في الأذهان. لا تنسوا أن الشرارة الأولى للثورة اشتعلت في دمشق، ولكنها سرعان ما أُخمدت، ومن يومها استمرت محاولاتٌ متقطعة للتظاهر والتجمع في مناطق مختلفة من العاصمة على مر الأسابيع الماضية، ولكن السلطات حرصت على إخمادها كلها بسرعة وبضراوة، وأظن أن الأمر نفسه ينطبق على حلب. ولا شك أن مما يساعد النظام على تشديد القبضة الأمنية على دمشق أن نسبة لا بأس بها من سكان العاصمة صاروا من جماعة النظام وعشيرته في تغيّر ديموغرافي كبير طرأ على العاصمة في العقود الأخيرة، ولا أدري إن كان الأمر نفسه ينطبق على حلب.

(2) أرجو أن لا أُغضب أحداً إذا قلت إن علماء الشام وحلب هم السبب الثاني في تأخر الانتفاضة الدمشقية والانتفاضة الحلبية، فنحن أمة متدينة تحترم علماءها وتقدمهم وتتأثر بمواقفهم، وقد رأيتم كيف تفجرت الانتفاضة العربية الكبرى في كل البلاد التي سبقتنا إلى الثورة من الجوامع، ولم تكن الحالة السورية استثناء، بل حتى في دمشق رأينا كيف تحول جامع الرفاعي إلى بؤرة ثورة بفضل الشيخ أسامة الرفاعي. ولو أن كل العلماء والخطباء والدعاة في الشام جهروا في هذه المرحلة الحاسمة من حياة الأمة بكلمة الحق لتغير الميزان، وقد رأينا ما صنع علماء حمص من أعاجيب حينما رصّوا صفوفهم معاً وجهروا بالحق فارتصّت من خلفهم الأمةُ صفوفاً لا تُقهَر بإذن الله.

(3) السبب الثالث، ولعله الأهم بينها جميعاً، تجدونه في ثنايا المقدمة الطويلة السابقة. لقد نشرَت سنواتُ القمع الأولى ظلالاً طويلة عاش الناس في عتمتها سنوات كئيبة عديدة، والنتيجة أن الذاكرة الجماعية لجيل كامل قد شُحنت بالرعب والخوف والسلبية واللامبالاة. إننا مثل قوارير حُشيت بالقمع والترهيب والإذلال ثم خُتمت ودُفنت في رمل التاريخ، ويحتاج استخراجُها من ركامها وتفريغُها من حشوتها إلى جهد ويحتاج إلى وقت، بل ربما ينجح الجهد والوقت مع قليل منها ويفشل مع كثير، لأن الأغطية التي خُتمت هذه القوارير بها صَدئت مع الزمن حتى لتستعصي اليوم على الفتح والعلاج.

لكن هؤلاء الناس تزوجوا ولهم أولاد، وهؤلاء الأولاد صاروا اليوم من الشباب. الإحصاءات الحديثة في سوريا تقول إن الشباب بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين يمثّلون ربعَ عدد سكان سوريا، أي أن في دمشق وحدها -دون ضواحيها- نصف مليون من هؤلاء الشباب، وفي حلب أكثر من هذا العدد منهم. هؤلاء شبّان خالون من أعباء الحياة، فلا وظيفةَ لهم ولا زوجةَ ولا ولد، ولذلك تجدهم حاسمين في اتخاذ القرار وسريعين في التحرك على الأرض.

ومن هنا نصل إلى جواب السؤال الثاني: كيف ومتى ستشارك دمشق وحلب في الثورة بكامل القوة والعنفوان؟

(1) التردد والتأخير يأتي غالباً من الكبار، لكن سيطرة الآباء على الأبناء لن تنجح في لَجْمهم إلى الأبد، وهي ستفشل -مع ازدياد الضغط- في منعهم من النزول إلى الشارع للمشاركة في المظاهرات والاعتصامات. إن الضغط النفسي على الشباب في دمشق وحلب يزداد يوماً بعد يوم وهم يرون الانفجارَ الكبير في بلادهم، وإن تَوقهم إلى الحرية والكرامة أشدُّ وأكبر من توق الآباء الذين اعتادوا حياةَ الهوان واستمرؤوها لطول العهد بها، وهم أكثر تواصلاً مع المواقع الإلكترونية واطّلاعاً على الأحداث، ولا بد أنهم يراقبون بإعجاب وانبهار ما يقوم به أقرانُهم في سائر المدن والمناطق، فهل سينجح آباؤهم في منعهم من الانفجار والنزول إلى الشوارع للمشاركة في صناعة تاريخ البلاد؟

إن قدرة الآباء على ضبط أبنائهم تراجعت في الجيل الأخير بمقدار تراجع قدرة الدولة على ضبط المواطنين؛ إنه زمن التفلّت من القيود، والحماسة التي تغلب على شباب دمشق وحلب لا بد أن تفعل فعلها وأن تدفعهم إلى ما دفعت إليه أقرانَهم في مصر وتونس واليمن، بل وفي سائر مناطق سوريا نفسها، ولن يطول الوقت كثيراً قبل أن نرى تصديق ذلك على الأرض.

(2) الجامعات الكبرى في البلاد توجد في العاصمتين، فجامعة دمشق فيها مئة وعشرون ألف طالب وجامعة حلب فيها ستون ألفاً، وهما إذن مستودع بشري هائل من الشباب. نعم، نحن نعلم أن الحزبيين وأبناء الطائفة المدللين يمثلون نسبة كبيرة من هذه الأعداد الهائلة، لكن المستودع كبير بحيث تبقى فيه أعداد كبيرة جداً حتى بعد حذف أولئك الذين سيعادون الثورة أو الذين سيقفون على الحياد. إنني أكاد أكون واثقاً من أن جامعتَي دمشق وحلب ستلعبان في الأسابيع القادمة دوراً محورياً في تحريك المدينتين، بل أن تمتد الشرارة إلى جامعات أخرى في بقية المناطق، ولا أستبعد أن تتطور الأمور إلى درجة تعليق الدراسة وإغلاق الجامعات. إن الشباب في هذه السن هم الأكثر استجابة والأسرع حركة في كل تغيير اجتماعي، هذه قاعدة عامة ومجرَّبة في كل بلاد الدنيا، فلماذا يكون طلاب جامعاتنا استثناء منها؟

(3) لا يمكن فصل دمشق عن محيطها، فإذا تحدثنا عن أهمية دمشق العاصمة في هذه الثورة فلا بد أن نتحدث عن المدينة الكبرى (Metropolitan Damascus)، وهي تضم دمشق وما حولها من مدن وبلدات وقرى تمثل جزءاً مما يسمى "محافظة ريف دمشق". بعض آخر الإحصاءات يقول إن سكان دمشق يبلغون مليونين وسكان ريفها يبلغون ثلاثة ملايين، وهذه الأعداد ذات إيحاء مهم جداً، فلو أن سكان دمشق نفسها تأخروا في التحرك الفاعل فإن حركةً قوية من خارجها يمكن أن تخضّها بعنف، وقد رأينا نموذجاً عظيماً من هذا "الخض" في أحداث الجمعة الأخيرة، حينما تدفق على شرق دمشق عشراتُ الآلاف من سكان الغوطة الشرقية. هذه الحركة الكبرى كانت -برأيي- أهمَّ أحداث جمعة الإصرار، ورغم أنها محاولة مقطوعة لم تنجح في الاستمرار إلا أنها كانت "بروفة" ناجحة جداً بكل المقاييس.

والآن انظروا إلى خريطة دمشق وسوف تلاحظون أن فيها ساحتين عظيمتين للتجمع والاعتصام، الأفضل منهما في الغرب وهي ساحة الأمويين، والثانية في الشرق وهي ساحة العباسيين. ساحة العباسيين يصب فيها الطريق القادم من مدن الغوطة الثائرة منذ أسابيع، وهي دوما وحرستا وعربين وحمورة وكفر بطنا وسقبا وزملكا وجوبر، وأيضاً الطريق القادم من القابون وبرزة والتل. أما ساحة الأمويين فتجتمع فيها الطرق القادمة من الضواحي المضطربة في الغرب والجنوب، كفرسوسة وداريا والمعضمية. ولا شك أن ساحة الأمويين هي أعظم موقع للتجمع والتظاهر والاعتصام في دمشق كلها، ولكنها ستتعرض لضغط شديد ولن تسمح السلطات الأمنية بالوصول إليها، وقد تصبح هي الموقع المرشَّح لملحمة التحرير الكبرى في الأيام الأخيرة من عمر النظام.

هذه هي الملامح الرئيسية لدخول دمشق وحلب المتوقَّع في المعمعة، أما التوقيت فلا أراه بعيداً، ففي ضوء التغيرات والتطورات التي شهدها الأسبوع المنصرم وما بعده من أيام هذا الأسبوع نستطيع أن نتوقع انتشار الانتفاضة في المدينتين بصورة فاعلة ومؤثرة في غضون أسبوعين من اليوم، أو على رأس الأسبوع بعد القادم على أبعد تقدير بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون.