فوبيا عقلية المؤامرة

جميل السلحوت

[email protected]

يلاحظ في تصريحات بعض السياسيين وغالبية المثقفين العرب، بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية وميولهم السياسية ومعتقداتهم الدينية،  وبغض النظر عن عمق ثقافتهم أو هشاشتها، أن عدم قراءة الأمور والمتغيرات بشكل صحيح هو السائد، وأن الخوف من (المؤامرة) هو من يحكم عقليتهم، فاذا كان الخوف من التغيير ثقافة سائدة ومتوارثة في أمّة ارتضت سياسة "القطيع" وسكتت على الهزائم في مختلف المجالات لعقود طويلة، فان استهداف الامبريالية العالمية لمنطقتنا باحتلال الأوطان والمؤامرة على الشعوب قد رسخ عقلية التشكيك في كل شيء، وليتنا نتمسك بالفهم الفلسفي للتشكيك، فأحد الفلاسفة قال"أنا أفكر اذا أنا موجود" وآخر قال"لماذا 1+1=2وليس 3"والمقصود هنا اشغال العقل واطلاق سراحه ليفكر، لكننا ونتيجة لعقود القهر والاستبداد أصبحنا نخاف من كل شيء، حتى أن البعض يشكك بنفسه، وهذا قادنا الى ما يمكن تسميته"ارتهان العقول" فالنظام مهما كان عادلا يتم التشكيك فيه، والأحزاب التي تسمي نفسها طلائعية يتم التشكيك فيها أيضا، وحتى فصائل المقاومة يُشكك فيها رغم تضحياتها الممهورة بالدماء، والكل يتهم الكل بالعمالة للأجنبي، وبعض الحركات الدينية تشكك بالحركات الدينية الأخرى ، وتتهمها بالعمالة أو بعدم فهم الدين الصحيح، فمن ليس معي فهو ضدي، ولا مالك للحقيقة غيري، وأصبحت ثقافة التخوين والتكفير منتشرة الى درجة يمكن أن تسود فيها اذا لم يتم لجمها بعقلانية ووعي من خلال اطلاق الحريات، وسيادة الثقافة الديموقراطية التي تقوم على احترام الرأي والرأي الآخر، ونشر ثقافة الحوار بدل ثقافة الصدام بين ابناء الشعب الواحد والأمة الواحدة، مع الانتباه الى أن الديموقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، بل هي تربية وسلوك، ونمط حياة.

فعلى الصعيد السياسي شهدت منطقتنا خلال الشهور الثلاثة الماضية حراكا جماهيريا ثوريا، أسقط النظامين الديكتاتوريين في تونس ومصر، وهي تهز عروش الطغاة في ليبيا واليمن، لكننا نجد تصريحات وتنظيرات تشكك بنقاء هذا الحراك الثوري، بل ان البعض يصفه بأنه مؤامرة أجنبية جاءت لتحقيق أجندة أجنبية غربية أمريكية، ووصل البعض الى درجة وصفه بأنه تنفيذ لمشروع "الشرق الأوسخ الجديد" و"الفوضى الخلاقة" التي طرحتها ادارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، وهذا الطرح لا يحمل الدفاع عن أنظمة الطغاة الساقطة التي أهلكت شعوبها وأوطانها، ونهبت خيراتها، وأصبح الفساد ديدنها فحسب، بل فيه اتهام للشعوب بالعمالة للأجنبي، وهذا ما لا يقبله عقل عاقل، فبوصلة الشعوب لا تخطئ، ولا يمكن أن تجمع الملايين الثائرة على الخطأ.

وعلى الجانب الآخر فان حراك الشعوب العربية الثورية قد أربك القوى المعادية التي يخيفها ما يجري، ويهدد مصالحها، ويقلب موازين القوى التي كانت تبني سياساتها عليه،  ولذا فهي تحاول الالتفاف على التغيرات الجديدة، لتبقي لها موطئ قدم في المنطقة، وكنوع من التكفير عن سياسات سابقة في دعم حكم الطغاة، وهذا أمر طبيعي، فالعلاقات بين الدول تقوم على المصالح، ومن حق هذه الدول أن تحافظ على مصالحها، لكن في حالة وجود أنظمة ديموقراطية تمثل مصالح البلاد والشعوب، فان مصالح الدول الطامعة لن تكون على حساب مصالح أوطاننا وشعوبنا كما كانت في عهد الطغاة، فلماذا الخوف من التغيير الذي جرى في تونس ومصر، وفي طريقه الى النصر في ليبيا واليمن، مع أن اللجوء الى السلاح في ليبيا واليمن أمر مخيف وليس في مصلحة البلدين الشقيقين، ولا في مصلحة شعبيهما، وهذا ما استدعى التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، مع ما يحمله من مخاطر على استقلال هذا البلد، وما يتبعه من تدمير لليبيا وقتل لشعبها، وبالرغم من أن حكم القذافي لليبيا والذي استمر لحوالي 42عاما، لم يكن يوما لمصلحة ليبيا وشعبها، بل انه يشكل كارثة قومية وانسانية تتخطى حدود ليبيا، وأي بديل له حتما سيكون أفضل منه.