حافظ الأسد ضد الطائفة العلوية

عبيد الله شدهان

رويدك أيها القارئ الكريم ، انتظرني قليلاً ، لاتستغرب ، لو أنك تمعن النظر في الأحداث لما استغربت ، وسوف أقدم لك حججاً بينة واضحة كالشمس ، وأعذرك أن تستغرب هذا العنوان لأنه مثير فعلاً ، وخلاف المعهود ، وما انتشر بين الغثاء ، الذين وصفهم رسول الله r بوصف ( غثاء كغثاء السيل ) ، والأهم من ذلك كله أنه حقيقة تاريخية يجب إثباتها .

وعندما يتضح أن حافظ الأسد رفس الطائفة العلوية أكبر سلّم استخدمه للصعود إلى عرشه الشخصي ، وإلى تحقيق ماكلفه به أسياده الذين زرعو ا جده بين الطائفة العلوية ، ثم مكنوا لوالده علي بعد أن علموه ( أين ومتى !!!؟؟؟ ) المهم يؤكد باترك سيل أنه كان متعلماً ، وتصله مجلة بالبريد إلى القرداحة وفي بيته خارطة يشرح للناس عليها مجرى الحرب العالمية الثانية ، ثم تولوا حافظ مذ دخل الثانوية فساعدوه حتى صار رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا ، ثم تابعوا معه حتى صار ملكاً لسوريا ، نفذ لهم كل ما أرادوه من ضرب الحركة الاسلامية في بلاد الشام ، وممارسة الطائفية حتى صارت واضحة كوضوح الشمس ، وقتل عشرات الألوف من الفلسطينين ، والوقوف مع الفرس ضد العراقيين ، ثم الوقوف مع أمريكا ضد العراقيين .....ولايفوتنا ضربه وتمزيقه لحزب البعث وإخراجه من دائرة السعي من أجل الوحدة والحرية إلى أنه جعله عصابات من المافيا العالمية .....إلخ . كل ذلك لمصلحة أسياده الذين زرعوا جده بين العلويين ، ثم مكنوا له حتى نفذ لهم ما أرادوا ...

ومازال بعض العلويين يدافعون عنه وعن أولاده من بعده ، دون أن ينتبهوا إلى مافعله حافظ الأسد للطائفة العلوية ، وماجره عليها من ويلات قد لاتنتهي لعدة أجيال . وصعد على جماجم الطائفة العلوية حتى (طوّب ) سوريا عند كاتب السجل العقاري ملكاً شخصياً له، يرثها أولاده من بعده كأي عقارات غيرها ، ثم رفس الطائفة العلوية كما رفس حزب البعث وغيرهم . عندما يتضح ذلك نعرف أن الطائفة العلوية مظلومة إذا حملناها أوزارحافظ الأسد التي تئن الجبال من حملها ، ويعرف العلويون أيضاً حقيقة أمرهم فيقفون كتلة واحدة مع المعارضة السورية ، مع الشعب ضد النظام الفردي الأسدي .

حافظ الأسد سخر الطائفة العلوية ليصل إلى ملكه الشخصي :

للذكرى نقول يتضح من كتاب باترك سيل أن جد حافظ الأسد ، والذي يسمى سليمان ، جاء وافداً إلى القرداحة ، وليس من أهل القرداحة ، وينسب باترك سيل أسرة الأسد إلى عشيرة الكلبية([ii])، بينما ينسبه فان دام إلى المتاورة ([iii]). وهذا التناقض له معنى ، وهو أن انتساب سليمان إلى الطائفة العلوية مشكوك فيه ، بل المؤكد أن سليمان هذا وافد إلى المنطقة ، وليس من الطائفة العلوية ، وإلا ما وقع الخلاف في انتسابه إلى المتاورة أو الكلبية . والذي أراه مؤكداً أن سليمان ( الذي لانعرف لقبه سوى الوحش الذي حصل عليه من حلبة المصارعة ([iv]) ) جاء إلى القرداحة ، و هو لاينتمي إلى الطائفة العلوية أصلاً .

 ولابد من التذكير بأن حافظ الأسد هو العنصر المحرك في الخفاء ، الذي شكل اللجنة العسكرية ، ويحركها بحذر من وراء ستار ، وبقيت اللجنة العسكرية تحقق له مخططه وأهدافه ، ولما وصل قضى على رفاقه ( العلويين وغيرهم ) أعضاء اللجنة العسكرية واحداً بعد الآخر . وهذا الأسلوب ( التحريك في الخفاء ، وعدم الظهور على الساحة ) يؤكد لنا أن حافظ الأسد جاء وافداً إلى المنطقة .

 يقول (فان دام ) ص ( 71) :

( ورغم أن جديد والأسد شأنهما شأن عمران ، قد اعتمدا بصورة واسعة على أنصارهما الشخصيين من العسكريين العلويين للاحتفاظ بمراكز سلطتهما ، ومن المحتمل أنهما استفادا من الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية لتقوية مراكزهما ) . ( وقد صرح عمران : أن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها ) . ( وفي ص 75 ) يقول فان دام : ( وفي النصف الثاني من عام (1965) غدت المواجهة بين أبرزالمنافسين العسكريين واضحة خلال الاجتماعات الحزبية والعسكرية ، وكان محمد أمين الحافظ يتطرق باستمرار لموضوع الطائفية ويتهم جديد ، ببناء كتلته (العلوية ) داخل الجيش ) . أقول وكان حافظ الأسد يغذي هذا الصراع بين جديد وأمين الحافظ ليستثمره فيما بعد .

وفي ص (76) يقول فان دام : ( والتحاق العديد من الضباط العلويين بمعسكر جديد نتيجة هذه التطورات لايعني بالضرورة أنهم يؤيدونه ، ولكن يعني أنهم تحولوا لصلاح جديد ضد محمد أمين الحافظ ) .

 وكان من نتائج محاولة حاطوم الفاشلة تصفية كتلة الضباط الدروز، والضباط الباقين من أهل السنة، والجماعات الأخرى، فلم يعد لها القدرة على تكوين كتل قوية منفصلة يمكنها أن تهدد النظام بصورة خطيرة ([v]) ، ولقد شكل الضباط العلويون أعلى نسبة في المؤسسة العسكرية حيث وصلت إلى (49 %) بعد انقلاب الثامن من آذار/1963م، ثم ارتفعت هذه النسبة حتى بلغت ذروتها (63.2 %) في عهد صلاح جديد (ما بين 1966 - 1970م)([vi]) . وكانت هذه النسب العالية هدفاً أساسياً من أهداف مؤتمرات الطائفة العلوية تسعى إليها القيادة الدينية والعسكرية للطائفة .

وقد صرح سليم حاطوم لصحيفة النهار (15/9/1966) قائلاً : ( إذا سئل عسكري سوري عن ضباطه الأحرار سيكون جوابه أنهم سرحوا وشردوا ولم يبق سوى الضباط العلويين ، وإن الضباط العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم ، وهمهم حماية صلاح جديد وحافظ أسد ، وإن الاعتقالات الأخيرة شملت مئات الضباط من جميع الفئات إلا العلويين ) ([vii]) .

حافظ الأسد يبعد عمران ثم يغتاله :

ومحمد عمران ضابط علوي ( بالنسب والفكر ) ،من محافظة حمص ومن قرية (المخرم ) شرقي حمص ، ومن أعضاء اللجنة العسكرية :

يقول باترك سيل (ص 158 ) : ( .... لم يكن لدى عمران ميل للقسوة ، فقد كان يريد المصالحة مع الناصريين ، وعارض استعمال الدبابات في حماة (1964) ، وكان صلاح جديد يؤمن بأنه لابد من استعمال القوة ، وكان الأسد ينصت إلى الشجار بين عمران وجديد ، ووقف فترة متردداً، وأخيراً انحاز إلى صف جديد ، ويقول حافظ : هذا الانحياز لجديد كان إلهاماً من علم الغيب ([viii])!!! . وهذه الجمل تبين أن حافظ الأسد ليس له ناقة ولاجمل في خلاف جديد وعمران ، سوى أن يضرب أحدهما الآخر ليزيله من طريق حافظ الأسد نحو تنفيذ مخططه ... ومن مصلحته أن يقف مع القوي ، كان متردداً ( أي لامبدأ عنده ) ، ثم وقف مع القوي وهو جديد ..

وعندما شعر عمران بالعزلة داخل اللجنة العسكرية اتجه إلى القيادة القومية، وباح لعفلق وجماعته القديمة بسر اللجنة العسكرية ، فجُرد من صلاحياته ، وعين سفيراً في اسبانيا ... وكانت التهمة الموجهة له هي التحريض الطائفي داخل الجيش .

وانتقلت قيادة القوة الصغيرة التي شكلت لحماية الحزب والثورة بقيادة عمران ، انتقلت قيادتها إلى الشاب رفعت الأسد . وكانت هذه نواة سرايا الدفاع . ثم أعادت القيادة القومية التي حلت القيادة القطرية ، وحاولت الإمساك بزمام الأمور ، أعادت عمران وعين وزيراً للدفاع ، وبعد حركة (23 شباط 1966) خرج عمران إلى لبنان ، وهناك تم اغتياله بأوامر من حافظ الأسد .

حافظ الأسد يتخلص من أكبر كتلة علوية بقيادة صلاح جديد :

كان اللواء صلاح جديد علوياً بعثياً يسارياً حتى العظم ، وبعد شباط (1966) انغمس جديد في تسيير شئون البلد ، وأعطى الأسد مجالاً واسعاً لإدارة القوات المسلحة ، كان صلاح جديد مهذباً، يفضل ارتداء الثياب المدنية،ولم يكن يهتم بالثروة ولا الراحة والتنعم، فكان يعيش في شقة لايزيد ثمن أثاثها عن مائة جنيه استرليني ، وكان جديد يسارياً أكثر من حافظ الأسد ، وعين من أنصاره اليساريين مثل محمد رباح الطويل ، وعبدالكريم الجندي ، ويوسف زعين ، وابراهيم ماخوس ، ونور الدين الأتاسي ..... إلخ . وبالطبع ( يقول باترك سيل ) : صلاح جديد وفريقه على وجه العموم كانوا شرفاء ([ix]) ( يقصد لم يكونوا لصوصاً مثل غيرهم رفعت ، وغازي كنعان و...) الذين صاروا من أغنياء العالم ) .

وكان لكتلة جديد ( وهم علويون ) الدور الأول في القضاء على الضباط السنّيين ، ثم الضباط الدروز ، ثم الضباط الإسماعيليين ، وقد قدمت هذه الكتلة (كتلة صلاح جديد وهم ضباط علويون) قدموا خدمة عظيمة لحافظ الأسد ، أكبر من خدمات أخيه رفعت ، فعندما لم يكن رفعت سوى طالب ضابط أو ضابط صغير (ملازم ) كانت هذه الكتلة ( الضباط العلويون ) ، ودائماً كان قائدهم صلاح جديد لأن حافظ الأسد من طبعه أن يكون حذراً ، ولايظهر بسهولة وسرعة ، بل بقي كامناً حتى قارب الوصول إلى عرشه . كانت هذه الكتلة تصارع الناصريين وتقضي عليهم ، ثم تصارع البعثيين السنيين بقيادة محمد أمين الحافظ ، وتقضي عليهم وقد ساعد الملازم أول رفعت الأسد يوم (23 شباط 1966) عندما أجهز العلويون على البعثيين السنيين ، وأخرجوهم من اللعبة .

ثم قرر حافظ الأسد أن يتخلص من صلاح جديد ( العلوي والبعثي المثالي ، المتشبع بمبدأ العمل الجماعي ، والانتماء للحزب ، ومشاركة الرفاق في الضراء والسراء ) ، وكل هذه الأفكار لاتناسب حافظ الأسد الذي يريد بناء مملكة شخصية له ، وليست للحزب ، ولا للطائفة العلوية ، ولا لآل الأسد ، بل له ولأولاده من بعده . وليحقق مهمة أوكلت إليه وقد ظهر عليه التفاني من أجل تنفيذها ، وقد نفذ معظمها قبل موته ، ومن معالم هذه المهمة تحويل الشعب السوري خاصة وبلاد الشام عامة إلى غثاء كغثاء السيل ، يبحثون عن الطعام والشراب ، بعد أن كانوا قبل حافظ الأسد يبحثون عن الوحدة والحرية والاشتراكية ( العدالة ) . ومن معالم هذه المهمة تحويل المنطقة إلى دويلات متحاربة فيما بينها ، ليسهل على إسرائيل العظمى قيادة المنطقة ثم العالم كله حسب مخططات حكماء صهيون .

وزملائي الذين عاشوا فترة الوحدة ، يدرك الفرق الكبير بين الشعب العربي السوري قبل حافظ الأسد ، وبعد حافظ الأسد ، ويدرك أن حافظ الأسد أدى المهمة الصعبة التي انتظرتها الصهيونية العالمية ..

يقول باترك سيل ص (266) :

( ...كان الحزب منقسماً على نفسه ، ولاسبيل لرأب الصدع ، وكان الأسد وجديد وأتباعهما لايتبادلون الكلام مع بعضهم ، ويتجابهون بشكل مسموم وعلني . كان الأسد مدعوماً بالجيش ، أما جديد فمازال مسيطراً على الجهاز الحزبي ، ولذلك دعا جديد في (30/10/1970) القيادة القومية إلى مؤتمر استثنائي ([x]) . وأول قرار للقيادة أن يوقف الأسد نقل الضباط خلال مدة المؤتمر ، ولكن الأسد لم يتقيد بقرار القيادة القومية ([xi]) . وخلال اثني عشر يوماً من المجادلات اتهموا فيها حافظ الأسد بأنه قبل التسويات الاستسلامية ورضخ للامبرياليين ، وانتهى المؤتمر بقرار يقضي بضرورة تخلي حافظ الأسد عن وزارة الدفاع ، وكذلك تخلي مصطفى طلاس عن رئاسة الأركان .

إلا أن الأسد كان قد نشر قواته حول قاعة المؤتمر ، وفي يوم (12 /11 /1970 ) انتهى المؤتمر ، وفي يوم (13) اعتقل حافظ الأسد صلاح جديد وأعضاء القيادة القومية ، وتمكن بعضهم من الفرار مثل إبراهيم ماخوس الذي وصل الجزائر ، وعاش فيها طبيباً جراحاً في مستشفى مصطفى باشا في العاصمة ، ووضع صلاح جديد ، ونور الدين الأتاسي ، وزعين ، وغيرهم في سجن المزة ، ولم يخرجوا منه إلا وهم على فراش الموت ) . ( ولعب رفعت الأسد دور البطل الأول في هذا الانقلاب الأبيض الذي سموه (الحركة التصحيحية ) ، وتلاه مصطفى طلاس ، وناجي جميل ومحمد الخولي ، والرائد علي المدني ( الحموي ) قائد الشرطة العسكرية ([xii]) .

حافظ الأسد يتخلص من شقيقه رفعت

بنى رفعت الأسد سرايا الدفاع ، التي وصل عددها إلى (000ر55) مقاتل ، ( 95 % ) منها من الطائفة العلوية ، وتم تسليحها بأفضل الأسلحة ، وخاصة الحوامات الحديثة ، ومنذ (1966) صار حافظ الأسد يعتمد بشكل أولي على شقيقه رفعت ، وخاصة في الحركة التصحيحية (1970) ، وفي أواخر عام (1983) مرض الأسد ودخل الممستشفى ، وعين لجنة سداسية تدير الحكم في غيابه وهم ( طلاس ، الأحمر ، الشهابي ، مشارقة ، الكسم ، خدام ) ، كلهم من السنة ، وهم موظفون ، أما دعائم الحكم الحقيقية فهم ( رفعت ، علي دوبا ، علي أصلان ، علي الصالح ، شفيق فياض ، علي حيدر ، محمد الخولي ، .... ) .

ورأى كبار الضباط أن هذه اللجنة السداسية ليست كفؤاً لتدير شئون البلد لذلك دعوا القيادة القطرية إلى مؤتمر استثنائي في ( أواخر 1983) التي قررت أن تكون هي المشرفة على البلد ، وليس اللجنة السداسية . وكان هذا تمهيداً لتسليم رفعت الأسد ، لأن كل البعثيين والضباط كانوا يعرفون أن رفعت هو الساعد الأيمن لحافظ ، وهو البديل المؤكد ، وعلى الرغم من كراهية الضباط الكبار الذين يحكمون البلد لرفعت لأنه أصغرهم سناً ، ويرون أنفسهم  حسب تقاليد الجيش أو الحزب أنهم أحق منه  لكنهم كانوا قد رضوا بالأمر الواقع لما رأوا كيف صفّى حافظ كل معارض له ، من الحزب ومن الطائفة العلوية ، وقبلوا أن يكون رفعت خليفة لحافظ .

ولم يخطر في أذهانهم أن حافظ الأسد يريد الخلافة لولده باسل وكان عمره يومذاك (22) عاماً . ويعذر هؤلاء الذين ولدوا وعاشوا في نظام جمهوري ، وفي الحزب ، والقيادة القومية ، والقيادة القطرية ، وغيرها من إصطلاحات همشها حافظ الأسد وجعلها جوفاء فارغة . لم يخطر في أذهانهم أن حافظ الأسد الذي ملك سوريا ( وسجلها في السجل العقاري على اسمه الشخصي ) ، سوف يورثها لولده باسل .

يقول فان دام ص (188) : ( ... في نهاية التسعينات ([xiii])كان الكثير من السوريين يعتقدون أن باسل الأسد يجهز لخلافة والده  واتضح الأمر طبعاً بعد إقصاء رفعت وطرده من سوريا  وفي (1990) أشير لحافظ الأسد بأبي باسل للمرة الأولى ، وكان يكنى ( أبا سليمان ) وهذا لغز أيضاً ، فلماذا يكنى باسم جده وليس باسم والده أو ولده . حتى اعتقد كثيرون أن حافظ بن سليمان علي الأسد ، والصحيح هو حافظ بن علي سليمان الأسد ، وصار باسل الساعد الأيمن لوالده ، وعهد إليه بمهام خاصة مثل : مكافحة الفساد والتهريب ( وطارد أولاد أعمامه رفعت وجميل ، لأنهم سلاطين تهريب المخدرات في العالم ) ، وتمكن من كبحهم ، وربما قتل أحد أولاد عشيرة الأسد في إحدى الاشتباكات الدامية أثناء المطاردة بالقرب من حماة ، كما يروي شهود عيان من المنطقة . وعهد إليه بقيادة لواء مدرع في الحرس الجمهوري بينما كان في رتبة رائد ، ولكنه لقي حتفه بحادث سيارة في ( 21 /1/ 1994) وعمره اثنان وثلاثون عاماً .

هذا هو السبب الحقيقي الذي جعل حافظ الأسد يقصي شقيقه رفعت :

ولما علم الأسد وهو في النقاهة ، بقرار القيادة القطرية الذي همش لجنته السداسية ؛سخط سخطاً شديداً لأن أي انحراف عن الطاعة الكاملة الخالية من أي تساؤل كان يثير شكوكه ([xiv]) . فاستدعى كبار ضباطه ووبخهم على الابتعاد عن تنفيذ رغباته الصريحة ، وبذلك فتحوا الباب لأخطار غير متوقعة : أولم يروا أن دفع رفعت إلى المقدمة كان خطة أميركية  سعودية لإزاحته عن الحكم ([xv]) ؟

يقول باترك سيل :

ولما مرض حافظ في نوفمبر (1983) ، وتجمع الضباط حول رفعت ، فجأة ظهرت في كل مكان في العاصمة دمشق ، صورة لرفعت تظهره في أوضاع قيادية آمرة وقد ارتدى زي المظليين .

يكبر حافظ رفعت بسبع سنين ، وكان يرغم أخاه المتمرد الأصغر على احترامه ، وكان رفعت يشبه حافظ في البنية الجسدية القوية ، والذكاء اللامع ، ولكنه يختلف في أنه أكثر ضحكاً من حافظ ، وميال للمتع ومندفع ، وكريم إلى حد الإفراط ، وبينما انهمك حافظ بكرسيه مشغولاً في شؤون الدولة كلياً ، انهمك رفعت في بناء سرايا الدفاع ، كجنود مخلصين له ، وكان رفعت يمار س سلطات مطلقة ، وقد أثرى هو وأصدقاؤه الحميمون ، كما كان يذهب في مهمات سرية إلى الأصدقاء والأعداء على السواء ، ويشترك في مشاريع أخرى يحيط بها الظلام والضباب في عالم السياسة والتجارة في البلاد العربية ([xvi]).

أما دور رفعت في تثبيت نظام أخيه حافظ فيعرفه القاصي والداني ، منذ شباط (1966) في إزاحة أمين الحافظ وعمران ، وفي (1969) في التخلص من عبدالكريم الجندي ، والتخلص من صلاح جديد وزمرته القوية (1970) ، ثم سحق التمرد الإسلامي (1981 1982) في حماة . وأصبحت سراياه جيش قوامه خمسة وخمسون ألفاً (95 % ) من العلويين ، وعنده أحدث الدبابات (ت 72) ، وأسطول من المروحيات ، ولهم رواتب متميزة عن الجيش السوري ، كان راتب الجندي عنده في السرايا بدون رتبة (1500) ليرة ، في الوقت الذي كان راتب الضابط في الجيش لايزيد عن (1000) ليرة فقط . وتزوج أربع نساء وأنجب سبعة عشر ولداً ، ماعدا البنات .

كان حافظ الأسد يكره طريقة أخيه رفعت في الحياة ، وكذلك زوجته (أم باسل ) السيدة أنيسة مخلوف المتحفظة والمؤثرة كانت تنتقد طريقة رفعت في الحياة ، وكان ينقد أخاه الذي اشترى بيتاً في أمريكا بمليون دولار أمريكي ([xvii]).

 وكان لايثق بصداقات رفعت مع ياسر عرفات والملك الحسن ملك المغرب ، وغيرهما .

وقعت مهمة (احتواء رفعت ) على عاتق الجنرالات الذين أتوه في مرض حافظ يبايعونه ، ولكنهم بدلوا ولاءهم ورجعوا لما شفي حافظ ، ولما عرفوا خلاف قناعتهم أن حافظ لايريد توريث الحكم لشقيقه رفعت ، انقلبوا (180) درجة وأظهروا كرههم الدفين لرفعت . ومن الواضح أنهم كانوا يريدون رفعت خلفاً لحافظ وليس بديلاً عنه ، ولما وبخهم حافظ وفهموا قصده انقلبوا على أنفسهم ، ومعظمهم من العلويين وهم (علي دوبا ، ومحمد الخولي ، وفؤاد عبسي ، ومحمد ناصيف ( وهو من القليلين الذين يتصلون هاتفياً بحافظ الأسد ) .

وبشكل عام كان منافسو رفعت بالإضافة لمن ذكر : علي حيدر قائد الوحدات الخاصة ، وعدنان مخلوف من قادة الحرس الجمهوري ، وعدنان الأسد ( ابن عم حافظ ) قائد سرايا الصراع ، والجنرال شفيق فياض ، والجنرال إبراهيم صافي ، والجنرال علي أصلان ، كان هؤلاء هم الجنرالات الذين تجمعوا حول رفعت أول الأمر ، ثم انقبلوا ضده ، والذين بدأوا في مطلع عام (1984) يناورون لإيقافه عند حده .

يقول باترك سيل :

وفي (23شباط 1984) بعد استقبال أحد الأمراء في مطار دمشق من قبل أنصار رفعت استقبالاً يفوق الترحيب الرسمي للكسم رئيس الوزراء ؛ أمر الأسد رئيس الأركان حكمت الشهابي أن يقوم بتسريح العقيد سليم بركات مدير أمن رفعت ، وكان الأسد يريد أن يتم خروجه في نصف ساعة ، وناشد بركات رفعت أن يحميه ، وتحدث رفعت مع الشهابي هاتفياً ليطلب مهلة قدرها (48) ساعة ، ولكن الشهابي رفض وقال أوامر الرئيس واضحة جداً . ولكن بركات رفض التخلي عن منصبه ، وهنا سارع علي دوبا إلى ثكنة بركات فاقتحمها بمفرده ودونما سلاح ، وانقض على بركات وجرده من مسدسه الذي كان يلوح به ، ثم صفعه على وجهه واقتاده بعيداً . وبعد بضع ساعات تمكن رفعت من الوصول إلى الأسد على الهاتف ، فسأله :

 ماذا فعلتم (بزلمتي ) بركات !!؟ فرد الأسد باقتضاب :

 أعتقد أننا أعدمناه .

 ولماذا تفعلون ذلك ؟

 لقد أمرت بنقله ، ولكنه رفض أن يذهب .

وبعد لأي عثر رفعت على بركات في السجن ، فأمن إطلاق سراحه ودبر له وظيفة أسلم له من السابقة .

وأرسل رفعت أخاه جميلاً ليشفع له عند حافظ ، ولكن حافظ قال : أنا أخوكم الأكبر الذي أنتم مدينون له بالطاعة ، لاتنسوا أنني أنا الذي صنعتكم جميعاً .

وفي (29/2/1984) عقدت القيادة القطرية جلسة طارئة وتقرر تعيين ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية وهم : عبدالحليم خدام ( عدو رفعت ) ، والدكتوررفعت نفسه ([xviii])، وزهير مشارقة ، ونقلت إمرة سرايا الدفاع بموجب مرسوم جمهوري إلى العقيد محمد غانم ، ولكن رفعت جمع الضباط في السراياوطلب منهم انتخاب خلف له فاختاروا معين ناصيف ( زوج تماضر رفعت الأسد ) أما غانم فقد تنازل من تلقاء نفسه .

وهكذا استمر الضغط على رفعت من أواخر عام (1983) وحتى آذار (1984) حيث تم نقل واعتقال العديدين من أنصاره الموالين لهم ،وقيل أعدم بعضهم . وهذا هو محل الشاهد ، فهؤلاء كلهم من العلويين طبعاً ، أعدم بعضهم ، وسجن آخرون ، وشرد بعض آخر .

وفي (30/3/1984) لم يستطع رفعت أن يتحمل أكثر فأمر سرايا دفاعه بالتحرك نحو دمشق ، والاستيلاء على السلطة ، فتحركت دباباته إلى داخل العاصمة ، وتمركزت سرية دبابات عند دوار كفر سوسة خارج مبنى قيادة المخابرات العامة ، حيث كان بإمكانها قصف المدينة ، واحتلت دبابات أخرى الحدائق عند الشيراتون وقصر الضيافة الجديد ، وزرعت الألغام أيضاً ، وطوقت فرقة مشاة القيادة القطرية .

وبسرعة حشد شفيق فياض دباباته على طول النهر في المعرض ، وانتشرت قوات المغاوير التابعة لعلي حيدر ، وأخرج المدنيون من بيوتهم الواقعة في مناطق الاقتتال المحتملة ، وصعد الملحقون العسكريون على الأسطح يراقبون بالمناظير التحركات الخطيرة .

في اليوم الذي سبق زحف رفعت أحضر الأسد أمه ( تجاوزت الثمانين ) من القرداحة بطائرة خاصة لتبقى في منزل رفعت ، وكان يعرف أنها لاتزال تمارس تأثيراً قاهراً على طفلها الأصغر .

ولبس الأسد الزي العسكري الكامل ، واتجه بالسيارة مع ولده باسل فقط ، بدون حرس ولا مرافقين ، عبر الشوارع الفارغة الموحشة إلى مواقع أخيه المحصنة جيداً في ضاحية المزة السكنية ، حيث يقع منزل رفعت ومقر قيادة سرايا الدفاع . وكان رفعت قد وضع دبابات في البساتين المجاورة وعلى طول الطريق الرئيسي ، ونصب مدفعية على جبل قاسيون المطل على المدينة . وفي الطريق لتحدي هذه القوة المركزة توقف حافظ الأسد عند دوار كفر سوسة المليء بدبابات رفعت وأمر الضابط المسؤول أن يعود إلى ثكنته .

وفي منزل رفعت في المزة وقف الأخوان آخر الأمر وجهاً لوجه فقال حافظ :

 أتريد أن تقلب النظام !!؟ ها أنذا . أنا النظام .

ودار بينهما جدال عاصف طيلة ساعة . ولكن الأسد في دوره كأخ أكبر ، ومع وجود والدته في البيت ، لم يكن ليفشل في كسب النزاع ، فاختار رفعت أن يقبل تعهد أخيه بأن مصالحه وأرصدته سوف تحترم ، بل حصل على مبلغ جديد عجز البنك المركزي عن دفعه فاستنجد الأسد بالقذافي ، ودفعه القذافي ليحمله رفعت معه إلى أوربا . وأذعن لأخيه كما كان يفعل أيام شبابهما . ونقل أصدقاء رفعت فيما بعد أنه قال : إن قراره بترك القتال كان أعظم غلطة ارتكبها في حياته .

وبعد ... طاف حافظ الأسد على وحدات رفعت المنتشرة في منطقة المزة وأمرها بالانصراف . وبعد يوم أو يومين تنفس الناس الصعداء . وهم يرون اختفاء الدبابات من شوارع دمشق .

وفي حفلة عشاء صنعها رفعت لحوالي خمسمائة من رابطة الخريجين التي حلها حافظ الأسد قال رفعت : ( إن أخي لم يعد يحبني ، وعندما يراني يكشر ، وأنا لست عميلاً أمريكياً أو سعودياً ، ولما اتصلت بالأمير ( .... ) كان ذلك من أجل الحصول على المال ، وكنت أعمل من أجل سوريا . لو كنت أحمقاً لكان باستطاعتي أن أدمر دمشق كلها ، ولكنني أحب هذا المكان ، لقد كان رجالي هنا طيلة ثمانية عشر عاماً ، وقد اعتاد الناس علينا ، وهم يحبوننا (!!!!) والآن يريد هؤلاء (يقصد وحدات علي حيدر ) أن يطردونا إلى الخارج ([xix]) .

وكان رفعت يعارض سياسات أخيه حافظ في عدة أمور منها :

1 اعتماد سوريا أكثر من اللازم على السوفيات ، وبُعدها عن أمريكا .

2  تورط سوريا في لبنان .

3  يعارض دعم المنشقين عن فتح مثل أبي موسى وأبي نضال .

4  ويعارض التحالف مع إيران ويقول ماذا يختلف هؤلاء عن الإخوان الذين قاتلناهم في سوريا ، كيف يمكن للنظام أن يتبع سياسة في حماة وأخرى مختلفة عنها في طهران !!؟هل كان الصراع ضد الإخوان المسلمين صورياً أم عقائدياً !!!؟

ويقول رفعت : إننا نتحدث عن الحرية ، ولسنا أحراراً إلا في أن نأكل ونتزوج فقط . وفي (28 /5/1984) أرسلت طائرة محملة بسبعين من كبار الضباط (!!!!!) إلى موسكو لفترة تهدأ فيها النفوس ، وكان من بينهم رفعت الأسد ، ولما أعلن بعضهم خوفه على النظام قال له حافظ : لاتخافوا على النظام بل خافوا على أنفسكم .

ثم تم استدعاؤهم جميعاً ماعدا رفعت ،وفي (5/6 /1984) وصل رفعت إلى جنيف ، وكان يرافقه أكثر من مائة ، وقيل مائتين من حراسه ومساعديه ، وهذه حاشية باهظة التكاليف تكفل القذافي بتمويلها كي يبقى رفعت في الخارج .

وفي أيلول (1984) انتقل رفعت مع بقية طاقمه  بعد أن عاد الكثير منهم إلى سوريا ، انتقل رفعت إلى فرنسا . وظل رفعت محتفظاً بلقب (نائب رئيس الجمهورية ) ، وفي (26/11/ 1984) زار رفعت دمشق ، وزار القصر الجمهوري ، وركع وقبل يد أخيه  ولكن أخاه لم يسامحه ([xx]) .ومنع من زيارة سرايا الدفاع ، وفي المؤتمر القطري (يناير 1985 ) وحضره رفعت لأنه عضو قيادة قطرية، تعرض رفعت لكثير من النقد والهجوم ، وكان بمثابة من يقف في قفص الاتهام ، وفي هذا المؤتمر منحت الصلاحية لحافظ الأسد كي يعين اللجنة المركزية كيفما يريد ، التي تنتخب القيادة القطرية .

وبعد ثلاثة أسابيع انتخب حافظ رئيساً للجمهورية للمرة الثالثة بنسبة (97ر 99) .

وفي مايو (1986 ) قام رفعت بزيارة غير معلنة لبريطانيا ، وقد سبقه أربعة من حراسه الشخصيين مسلحين يحملون جوازات سفر مغربية ، وهبطت بعدهم طائرتان خاصتان تحملان رفعت وأفراد عائلته ( زوجاته وأولاده الصغار ) والخدم والحشم ورجال الأمن وكان مجموعهم أربعين شخصاً معظمهم يحمل جوازات سفر مغربية .

حافظ الأسد يقصي أخاه جميل :

يقول فان دام ص 179 : (وفي أعقاب الصراع بين رفعت وحافظ سُلب أيضاً جميل الأسد شقيق الرئيس حافظ ، الأصغر منه مباشرة ، ( مواليد (1933) ، وبناء على أوامر الرئيس حلت ( جمعية المرتضى ) العلوية في ديسمبر (1983) ، التي أسسها جميل عام (1981) ، وهي تجمع سياسي وراء واجهة دينية ، قامت بتعبئة جزء من المجتمع العلوي عن طريق قنوات فضائية بحتة تختلف عن حزب البعث بل تناقضه أحياناً ) .

ويقول محمود صادق([xxi]) : ( حاولت جمعية المرتضى تغيير عقيدة البدو في الجزيرة السورية والبادية ، التابعة لحمص وحماة ، ونشر المذهب العلوي الشيعي بينهم ، بحجة أنهم شيعة ولكن الأتراك جعلوهم سنّة بالضغط والإكراه ، وأحياناً يتم تسليح أفراد جمعية المرتضى من سرايا الدفاع ، التابعة لرفعت الأسد . )

والشاهد هنا  مع أني ضد نشاط جمعية المرتضى  لكن واقع الأمر كان جميل يقوم بنشاط لصالح الطائفة العلوية ، ولكن حافظ الأسد خوفاً على كرسيه ومركزه منع ذلك النشاط وأقصى أخاه وولده فواز جميل الأسد عن المسرح السياسي .

 

حافظ الأسد يقصي كبار الجنرالات العلويين المعارضين لخلافة بشار

وهذا هو الفصل الأخير من محاربة الأسد للطائفة العلوية ، التي ثبتت حكمه ودولته ، وبنى عرشه من جماجم الطائفة العلوية خاصة وجماجم الشعب السوري عامة ، إذ أنه عندما قرر نقل الخلافة لولده بشار بدرت بعض الانتقادات من كبار الجنرالات الذين ساعدوه على شقيقه رفعت مثل اللواء علي حيدر قائد القوات الخاصة ، الذي قتل آلافاً من الحمويين ليثبت كرسي حافظ الأسد ، والذي واجه سرايا الدفاع ليقصي رفعت الأسد عن سوريا ، ولما سمع حافظ الأسد أن اللواء علي حيدر غير مسرور بخلافة بشار أقصاه ، وجلس في قريته ( حورات عمورين ) التابعة لمحافظة حماة ، في السفوح الشرقية لجبال العلويين ، وذكر لي أكثر من شاهد عيان أنه لم يترك له سوى سيارة واحدة مع سائق وهو حارس بنفس الوقت ، في حين أضناه مرض السكر .

يقول (فان دام ، ص 185 ) : ( ...أن أسلوب بشار كشخصية قيادية كان موضع انتقاد وتساؤل من قبل البعض ، ومن بينهم اللواء العلوي علي حيدر الذي اعتقل هو وآخرون لفترة ما في صيف (1994) لهذا السبب ) .

وكذلك أخرج اللواء علي دوبا ، واللواء شفيق فياض لنفس السبب ، وهؤلاء علي حيدر وعلي دوبا وشفيق فياض ممن ساعد حافظ كثيراً ضد صلاح جديد ، وضد رفعت الأسد ، ثم أقصاهم حافظ الأسد ليمهد الطريق لولده بشار .

وكل الأسماء اللامعة في التسعينات ثم غابت عن الساحة عند موت حافظ الأسد ، أقصاها من أجل التمهيد لخلافة ولده بشار .

ومن أقوى الأدلة عندي ، حيث ضغط حافظ الأسد على الطائفة العلوية قبيل موته، لأنه يعرف أن المنافس الوحيد لولده هم العلويون ، ولا أحد غيرهم ، حيث لم يبق في الجيش من الضباط الكبار غيرهم ، لذلك أقصى مجموعات كبيرة من الضباط العلويين الكبار قادة الألوية والأفواج والكتائب ، ولذلك اضطر حافظ الأسد إلى البحث في ثلاجة الجيش السوري ، أقصد الأركان ، يبحث عن ضابط يوليه قيادة بعض الألوية أو الأفواج بدلاً من قادتها العلويين الذين كان يخاف منهم على خلافة ولده بشار . واستدعى ثلاثة من الضباط السنّة ، وقد وضعوا في الأركان ينتظرون التقاعد ، استدعاهم بعد دراسة ملفاتهم ، وعرف أنهم لايمكن أن يفكروا بغير استلام رواتبهم والتمتع بالمزايا التي سيحصلون عليها ، وكانوا في الأركان يعطون كل عميد ثلث سيارة ، وبعبارة أخرى يعطون كل ثلاثة عمداء سيارة واحدة ، لكل منهم يومان في الأسبوع ، واليوم السابع عطلة السائق . أما قائد اللواء فيعطى خمس سيارات ، استدعى ثلاثة ممن يعرفهم كثير من الناس ، وبالتأكيد استدعى غيرهم أيضاً ، وكلهم من السنّة بعد أن زاد خوفه من الضباط العلويين فأقصاهم ، استدعى هؤلاء الضباط من السنّة وسلم اثنين منهم قيادة ألوية ، والثالث رئيساً لأركان لواء .

لماذا يبحث حافظ الأسد في الأركان عن ضباط يسلمهم قيادة ألوية ، الجواب الوحيد والأكيد أنه لم يعد يثق بأبناء الطائفة العلوية ، بعد أن أقصى كثيراً منهم ، وقتل بعضهم ، وشرد الآخرين . فلما أساء لهم صار يخاف منهم .

هل صدقتم أن حافظ الأسد رفس الطائفة العلوية ورماها كما نرمي قارورة الماء الفارغة بعد أن نشربها ، كما رفس سائر السلالم التي صعد إليها إلى كرسي العرش في مملكة سوريا الجمهورية الأسدية !!!؟؟؟.

ولماذا رفس حافظ الأسد الطائفة العلوية ، كما سبق أن رفس الحزب حزب البعث ، ثم هاهو يرفس أخويه رفعت وجميل ...لماذا !!!؟ لأنه لايستطيع أن يبوح لأحد بسره وبالمهمة التي كلف بها ، وأمضى عمره من أجل تنفيذها ، وهي ضرب الحركة الإسلامية خاصة ، والمسلمين والعرب عامة . وقد خرجت فلتة لسان منه في عام (1973) عند أحداث الدستور ، عندما اعتقل قادة الإخوان في حماة وحمص واللاذقية ، وذهب الشيخ محمود الشقفة يتشفع بالمعلمين من أهل حماة الذين تضررت أسرهم كثيراً باعتقالهم لأن رواتبهم أوقفت وساءت أحوال أطفالهم كثيراً ، فغضب حافظ الأسد على الشيخ الشقفة لماذا يتشفع بهؤلاء ، وكلمه بقسوة ومما قاله : لأقطعن اليد التي لم يستطع عبد الناصر أن يقطعها ... لقد سمعت هذه الملة منذ ذلك الزمن ورسخت في ذاكرتي وفهمت فحواها .

ولكن فاته أن عبد الناصر هلك وبقيت الحركة الإسلامية ، ولم يفطن حافظ الأسد إلى أنه سيهلك وستبقى الحركة الإسلامية ، لأن ماكان لله بقي واستمر ، وماكان خدمة لأعداء الله هلك وفطس ...

                

[ii]  باترك سيل ، الصراع على الشرق الأوسط ، ( ص 022) . وينتمي العلويون إلى أربع قبائل رئيسية هي اتحاد الحدادين ، واتحاد الخياطين ، والمتاورة ، والكلبية .

[iii]  فان دام ، الصراع على السلطة في سوريا ، ص 59 ، يقول في الهامش : وينتمي حافظ الأسد لشق النميلاتية من المتاورة ، بينما ينتمي جديد إلى الحدادين .

[iv]  يذكر باترك سيل في أول صفحة من كتابه أن مصارعاً تركياً يأتي إلى القرداحة ويتحدى الجميع ، وكلما تقدم إليه أحد الرجال صرعه ، وفجأة خرج له رجل طويل القامة وعريض المنكبين يسمى سليمان ، هجم على المصارع التركي ، وحمله في الهواء عالياً ثم رماه على الأرض ، فهتف الحاضرون وصاحوا : هذا وحش ، ومن يومها صار اسمه : سليمان الوحش .

[v]  فان دام ، الصراع على السلطة في سوريا ، ص 101 .

[vi]  فان دام ، الصراع على السلطة في سوريا ، ص 130 .

[vii]  فان دام ، ص 97 .

[viii]  بالطبع مثل حافظ الأسد يقف مع الأقوى دائماً ، ولو وقف مع الأضعف ، انتهى مع الأضعف ، أما عندما يقف مع الأقوى ، يبقى ثم يتصارع مع هذا الأقوى نفسه ، وكان حافظ الأسد كان متردداً ، يقف مع عمران أم مع جديد ، ولم يكن متأكداً من سينتصر ، ومن عادته أنه حذر جداً ولايغامر ، ويعمل في السياسة بعقلية الطيار ، ويبدو أنه في تلك المرة وقف مع جديد ضد عمران ولم يكن متأكداً (100 % ) أن جديد هو المنتصر ... ولما انتصر جديد على عمران يقول حافظ أن وقوفه معه كان من علم الغيب ..ولم يكن له مبدأ يقف معه ...بل يقف مع المنتصر ليتخلص من إحدى العقبات أمام هدفه الأخير .

[ix]  باترك سيل ، ص 179 .

[x]  يتضح أن جديد رجل حزبي ، يؤمن بالعمل الجماعي ، لذلك دعا القيادة القومية لتحل المشكلة .

[xi]  لأنه ليس حزبياً ، ولايؤمن بالعمل الجماعي ، بل فردي وديكتاتوري دائماً . ومن مهمته إخراج حزب البعث من ساحة العمل القومي العربي .

[xii]  لم يبق من هؤلاء الذين مهدوا الطريق لحافظ الأسد كي يصل إلى كرسي العرش ، ويضع التاج على رأسه ، سوى مصطفى طلاس ، صاحب كتاب فن الطبخ .

[xiii]  أما في (1983) لم يخطر في أذهان كبار الضباط السوريين أن حافظ سيورث مملكة سوريا الجمهورية لأولاده .

[xiv]  وهذا من أوضح الأدلة على أنه فردي ديكتاتوري مستبد ، فالتصرف الذي سار عليه أخوه كان منطقياً تماماً ، ومتمشياً مع العمل الجماعي المؤسساتي ، ولكن حافظ كبح الحزب منذ السبعينات وهمشه ولم يعد له مكانة عنده .

[xv]  هذا التبرير لا يستند إلى أساس من المنطق ، وإنما حافظ كان ينوي ويخطط من ذلك الوقت لتوريث الحكم لولده باسل . وحافظ على تفاهم مع أمريكا وإسرائيل أيضاً ظهر ذلك في دخول لبنان انظر باترك سيل .

[xvi]  يقصد سيل تجارة المخدرات التي جنى منها رفعت مليارات الدولارات ، وجعلته من أغنياء العالم ، كما بينت في دراستي عن رفعت .

[xvii]  هل سأل حافظ نفسه : من أين حصل رفعت على هذه الملايين كي يشتري بيتاً في آخر الدنيا ، بهذا المبلغ !!!؟؟

[xviii]  ويلاحظ الإشارة بالدكتور إشارة إلى الدكتوراة من جامعة موسكو على أطروحة عن الصراع الطبقي في سوريا ، ويعتقد أنها من تأليف أحمد داود العلوي الذي يجيد اللغة الروسية .. أما الليسانس في التاريخ ثم الحقوق فكان رفعت وولده وزوجته يجلسون في مكتب رئيس الجامعة ، وتحضر لهم الأسئلة والكتب ، وعندئذ قال رفعت : العمى هاتوا لنا أستاذ يدلنا على الأجوبة في هذه الكتب ، فأحضروا لهم . وبسبب ذلك ترك عدد من الأساتذة الكبار جامعة دمشق مثل الدكتور عمر الحكيم وغيره . انظر كتاب مصطفى طلاس (ثلاثة شهور هزت سوريا ) .

[xix]  باترك سيل ، ص 705 . وفي الحقيقة لايحبهم أحد من دمشق إلا العلويون وأمثالهم الذين جاءوا بهم إلى دمشق ليكونوا سنداً لهم .

[xx]  تبين هذا كله فيما بعد أنه من أجل توريث الحكم إلى ولده باسل .

[xxi]  محمود صادق ، حوار حول سوريا ، ص 79 ، نقل عنه فان دام في الهامش .