التبادل المجنون بين الزعيم الليبي والتَلأبيبي

التبادل المجنون بين الزعيم الليبي والتَلأبيبي

الشيخ حمّاد أبو دعابس

رئيس الحركة الإسلامية

اجتمعت كل القرائن وعلى ألسنة آلاف الواصفين للزعيم الليبي ألقذافي بأنه لا يخلو من الجنون, والهوس, وغرابة الأطوار. وها هي ليبيا تلفظه وتحيله إلى شبح ٍ يسابقون الساعات والأيام التي يتخلّصون فيها منه ومن كل ماضيه. ويسعون لإراحة البلاد والعباد من صورته وهيئته ومجنناته. كان معمر ألقذافي لغزاً كبيراً محيّراً. فهو غريب الأطوار في لبسته, ومشيته وخطاباته, في خيمته وناقته, وفي نظامه السياسي الذي انفرد فيه عن سائر العالمين, حيث لا نظام ولا حكومة ولا وزارات. هذا إضافة إلى طاقم حُرّاسِه الشخصيين المكوّن من عناصر خشنة من" الجنس اللطيف". ولم يُعرف قبله أحدٌ خطب الجمعة حتى ما بعد أذان العصر,ليفوّت على الناس صلاة الجمعة في وقتها. وهو كذلك الذي نصّب نفسه داعيةً للإسلام, يدعو"بالحكمة والموعظة الحسنة" أمام حشد من النساء الأجنبيات" الفاتنات", مع دفعه الأجرة لكل من يستمع لمحاضرته.

تماماً بعكس التيار, وبخلاف كل الأصول والأعراف, قاد" الأزعر العجوز" ليبيا مدة 42 عاماً. والعجيب كيف يحكم المجنون بلداً فيه كم كبير من العقلاء.كأنها ساعة خِلسة استغفل فيها شعبه,حتّى وصل إلى سدّة حكمه, ثُمَّ أحكم سيطرته عليه بالحديد والنّار, فلم يجرؤ أحد على الاستئناف عليه. حتّى جاءت ثورة السابع عشر من شباط الحالّية التي هزّت كيانه وزلزلت أركانه فجعلته بإذن الله تعالى أثراً بعد عين.

هذا خبر العقيد الليبي فأين منه حكومة " بيبي"

ولا نريد في هذا السياق أن نظلم العقيد, الذي لا يسمّي نفسه رئيساً رغم تفرّده بالحكم ,بل هو "قائد الثورة" التي لا تريد أن تنتهي. يجمع كل التناقضات في آنٍ واحدٍ, حتّى بلغ به الأمر أن ينصِّب نفسه باللقب العجيب: " ملك ملوك أفريقيا", ودولته بالاسم العجيب :" الجماهيريّة الشعبيّة الليبية الاشتراكيّة العظمى" واعذروني إن كنت نسيت لقباً من ألقاب إمبراطوريته, التي يطيب فيها العيش بدونه. لا نريد أن نظلمه لأنه ليس المجنون الوحيد في صفّ قيادات هذا العالم. فبعد بوش الابن الذي لم يخلُ من الحمق فدمَّر العراق على شُبهةٍ لم يستطع إثباتها وهي شبهة سلاح الدمار الشامل. وفيدل كاسترو الذي حكم كوبا ما يقرُب من نصف قرنٍ, بعيداً عن أنظار العالم. فإننا اليوم نشهد حُكّاماً لا يخلون من الشذوذ وغرابة الأطوار مثل برلسكوني  وأحد سلاطين العرب وغيرهم. وحكومة " تل أبيب" لا تخلو كذلك من الجنون وغرابة الأطوار.

فبيبي نتنياهو أرخى العنان لوزير خارجيته ليبرمان وحزبه العنصري بتسييس الدولة في مسارات جنونية.حتّى أصبحنا على أصداء إقرار قوانين مجنونة وعنصريّة كل أسبوع تقريباً,كلُّها موجهة ضدّ المواطنين العرب. فنفس ليبرمان الذي هدّد بنسف السد العالي, ونقل الفلسطينيين في الداخل إلى شرق الأردن. هو وحزبه اليوم, وبمباركة نتنياهو يشرِّعون القوانين ضدّ لم شمل الأُسر  الفلسطينيّة, وقوانين ربط الجنسيّة بالولاء للدولة, وقانون بمنع لبس النقاب للمرأة, وقوانين لتقييد تحرّك مؤسسات حقوق الإنسان,وغيرها الكثير الكثير مما يصعُب حصرُه.

القاسم المشترك هو "جنون العظمة"

يُصوِّر ألقذافي نفسه كأنه البطل المغوار الذي تصدّى لهجوم طائرات أمريكا وحلف الناتو والذي ردّها على أعقابها خاسئةً منكسرةً. مع انه هو الذي سلَّم اثنين من أبناء شعبه للمحاكمة في أوروبا على جريمة كل الإشارات تُشير إلى براءَتهما منها,ثُمّ يدفع مئات الملايين تعويضات لضحايا الطائرة, لشراء رضى الأوروبيين. وهو كذلك الذي فكَّك مشروعه النووي لمجرد بداية الضغط على العراق, فبطولاته خرقاء, وألقابه جوفاء وعنترياته لا تنطلي إلا على السفهاء.

أما حكومة نتنياهو ومن سبقه من رؤساء الحكومات الإسرائيلية فإنهم يتصرّفون من منطلق جنون العظمة على الدوام. فنصّبوا أنفسهم مُؤتمنين على هندسة الشرق الأوسط في جوِّه وبحره وبرِّه. يفعلون ما بدا لهم, ويتخلَّصون من المساءلة, وإذا ضُيِّق عليهم الخناق فهم في حماية الفيتو الأمريكي.الجندي الإسرائيلي في غزّة يدفع مقابله الفلسطينيون أكثر من ألفي قتيل وخمسة آلاف جريح وعشرة آلاف سجين. إضافة للحصار الخانق على مليوني فلسطيني في غزّة.

الجنون الإسرائيلي أوصلهم إلى تدمير غزّة وجنوب لبنان, واعتراض أسطول الحريّة في عرض البحر المتوسّط, وقافلة أسلحة في السودان, وموقع عسكري في سوريا, واغتيال محمود المبحوح في دُبي, وعماد مغنية في دمشق. والموساد الإسرائيلي يعمل ليلاً ونهاراً في كردستان العراق,ويستهدف العلماء النوويين في إيران,ويحيك المؤامرات في دول منابع النيل الأفريقية, وغيره الكثير الكثير من ممارسة الإرهاب والإفساد في الأرض كل الأرض. وقد تعترف أجهزة الأمن الإسرائيلية ببعض جرائمها وقد تتكتّم على غيرها,ولكنّ مصادر الجهات المستهدفة تُصرّ على تجريم إسرائيل.

الفارق الكبير أن جنون إسرائيل يكمن في أفعال ومخططات إجرامية تنفّذها ضد أعداء مفترضين, أمّا جنون ألقذافي, فهو أجوف أخرق, يقتصر على ألقاب ونياشين ينسبها لنفسه, بمقابل ألقاب وأوصاف بذيئة يُقزِّم بها شعبه, وخزعبلات وأفكار مجنونة يُنظِّر بها, ويُسوِّقها للسفهاء والجهلة الذين تنطلي عليهم هذه الاهابيل والمُجننات.

ليسقط في كل شهرٍ صنمان ...... وتيرةٌ ممتازةٌ

ما بين سقوط طاغية تونس وطاغية مصر أسبوعان, وبعد مبارك بأسبوعين يترنّح ألقذافي للنهاية المحتومة. ولا بُدّ أن تستمر مسيرة التغيير في العالم العربي, الذي أكل الدهر على قياداته وشرب وقد حانت ساعة الخلاص من جميع هذه الأنظمة الطاغوتيّة, وجميع هذه الأصنام التي نصّبت نفسها آلهة على رقاب العباد. فمنهم من حانت ساعة رحيله ومنهم من يرتقب. مبارك قال مصر ليست تونس, والقذافي قال ليبيا ليست تونس ولا مصر, والرئيس اليمني يقول اليمن ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا, ومن بعده سيذكر كل من سبقه وكأنه بخلافهم. ولكن قرارة أنفسهم تشهد أن شعوبهم قد قرفتهم, والأمَّة كلها ترتقب ساعة رحيلهم, لعلنا بعد غروب شمسهم نشهد فجر العزّة والكرامة والقوّة والوحدة لهذه الأمَّة التليدة, المصابرة.

والله غالب على أمرة