بثينة شعبان والتفريط بالأمانة

محمد فاروق الإمام

بثينة شعبان والتفريط بالأمانة

محمد فاروق الإمام

[email protected]

من يقرأ مقال السيدة بثينة شعبان مستشارة السيد الرئيس بشار الأسد الذي نشر في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية يوم 7 شباط الحالي، والذي كان تحت عنوان ( رصوا الصفوف ... ملايين وألوف) يصاب بالدهشة إن لم يصب بالغثيان، فبعد ان تكيل بثينة شعبان لسيدها الأول حافظ الأسد سيلاً من المديح، وتعدد مواقفه البطولية القومية، وتسوّق حنكته السياسية وحرصه على القضية الفلسطينية، تعرّج لتتباكى على حال العرب ومواقفهم المخذية.

لقد قلت في بداية مقالي أن من يقرأ ما كتبته بثينة شعبان في مقالها يصاب بالدهشة إن لم يصب بالغثيان، لأن كل ما جاء في مقالها كلمات حق أريد بها تحسين صورة باطل.. وحتى لا يقال أننا مفترين أريد أن أتوقف أمام الحقائق التالية:

تقول بثينة شعبان: (ولكن الهدف الغربي هو إبقاء العرب مقسمين ومشرذمين)، وأتساءل هنا من كان وراء ذبح الجمهورية العربية المتحدة وفصم عرى الوحدة التي قامت بين مصر وسورية عام 1958؟ غير حزب البعث العربي الاشتراكي الشمولي الانقلابي الذي يحكم اليوم سورية، وهو صاحب الشعارات الخادعة التي فتنت الناس وألهبت مشاعرهم في خمسينات القرن الماضي، كما يفعل اليوم وهو يصدح بإعلامه الخشبي الأجوف بشعارات الصمود والتصدي والممانعة والتحدي ويضحك على ذقون العرب ويستغفلهم، فقد أقدم الوزراء البعثيون وعلى رأسهم نائب رئيس الجمهورية العربية أكرم الحوراني – ولما تمض سنة على قيام الوحدة – على تقديم استقالاتهم من الحكومة لأن عبد الناصر لم يجعلهم سادة الإقليم الشمالي ويسلمهم سورية مزرعة يعيثون الفساد والنهب والقمع فيها كما يفعلون اليوم، ولم يكتف البعثيون بانسحابهم من الحكومة في محاولة لفرط عقدها، بل أقدم نفر من ضباطهم الذين كانوا يحتلون مواقع متقدمة في الإقليم الجنوبي – مصر – بتكوين (اللجنة العسكرية) ويخططون للإطاحة بدولة الوحدة وانكشف أمرهم، ولما كان الانفصال راحت هذه اللجنة تبيت الانقضاض على حكومة الانفصال تحت شعار إعادة الوحدة مستغلين اندفاع الشعب السوري باتجاه إعادة الوحدة الفورية مع مصر، والتحايل على الضباط الوحدويين والناصريين وعقد التحالفات معهم، حتى إذا ما تمكنوا من إنجاح انقلابهم فجر الثامن من آذار 1963، وكان رأس الحربة المقدم زياد الحريري، كان هؤلاء الضباط أول ضحاياهم، وللتذكير نورد بعض الأسماء (زياد الحريري، وجاسم علوان، ولؤي الأتاسي، ومحمد عمران، وعادل حاج مراد، وفهد الشاعر، ومحمد الجراح)، حتى إذا ما تمكنوا من الحكم راحوا يصفون بعضهم واحداً تلو الآخر (مجموعة أمين الحافظ وصلاح البيطار، ثم مجموعة سليم حاطوم وبدر جمعة وعزت جديد، ثم مجموعة نور الدين الأتاسي، ثم مجموعة صلاح جديد) إلى أن استقر الأمر لوزير الدفاع اللواء حافظ الأسد بالانقلاب الذي قاده في 16 تشرين الثاني 1970 الذي سماه (بالحركة التصحيحية)، مكرساً نهجاً تمزيقياً للأمة العربية تجلى بموقفه المشين تجاه العراق في حربه مع إيران عندما اتخذ موقفا بعيداً ومخالفاً لكل إجماع العرب، حيث وقف إلى جانب إيران واضعاً إمكانيات سورية السياسية والاقتصادية واللوجستية والعسكرية تحت تصرفات الخميني لثماني سنوات جعلت الاقتصاد السوري يترنح وتجتاح البلاد موجة من الغلاء والفاقة وفقدان أبسط المواد الغذائية، وهبوط حاد لسعر الليرة السورية (الدولار= 150 ليرة سورية في ثمانينات القرن الماضي)، ودخوله لبنان والقضاء على الوجود الفلسطيني فيه وتمزيق الفصائل الفلسطينية، وتسهيل دخول الخمينية إلى ذلك البلد العربي، وإنشاء ما يسمى بحزب الله ليكون الذراع المتقدمة للثورة الخمينية في البلاد العربية، في مقابل ضرب كل الأذرع المقاومة والوطنية في لبنان، وتفتيت وحدة لبنان والتخلي عنه عندما اجتاحت القوات الصهيونية جنوب لبنان واحتلت بيروت، بوجود ما يزيد على أربعين ألف جندي سوري كانوا في بيروت ومجمل المدن اللبنانية، والمشاركة في العدوان الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 1990، وتقديم الدعم اللوجستي والمخابرتي لأمريكا والمتحالفين معها لغزو العراق واحتلاله عام 2003 .

تقول بثينة شعبان: (وتم نشر العداء للأحزاب القومية في مقابل تشجيع المجموعات التكفيرية) غير النظام السوري، الذي جعل حزب البعث حزبين عدوين لدودين يتربص كل منهما بالآخر، وأن النظام السوري هو الذي قمع الأحزاب القومية والوطنية في سورية ولبنان (الاتحاد الاشتراكي، والوحدويين العرب، والقوميين العرب) وهو من أقام التنظيمات التكفيرية ومولها (جند الله، وفتح الإسلام) وخاض بها العديد من المعارك لمصالحه ومصالح طهران، في مقابل حربه الشرسة على الجماعات الإسلامية المعتدلة المسالمة وإصدار القوانين لاستئصالها (قانون 49 الذي يحكم على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام) وملاحقة المتدينين وفصل المدرسات المنقبات والمتحجبات من مؤسسات التعليم، ومنعهن من دخول الجامعات والانتساب إليها، وإقالة أساتذة الجامعات الملتزمين.

وتقول السيدة شعبان (وساد طوال عقود "السلام" الماضية الإحباط بين صفوف الملايين من أجيال متتالية من العرب وهم يرون الدم العربي رخيصاً لدى البعض من حكامهم الذين تمادوا في مصافحة الأيدي الإسرائيلية الملطخة بدماء العرب، وتمادوا بمهادنة مجرمي حرب من أمثال بوش الذي شن الحرب على الإسلام. لقد تمادى بعض الحكام في تزوير ارادة شعوبهم وصدقوا التزوير فتراهم يتكلمون الآن عن "الشرعية" وشعوبهم تلفظهم علنا).

وهنا تتوجه بثينة شعبان بالكلام إلى الدول التي عقدت اتفاقيات سلام مع إسرائيل وتحملها قمع شعوبها التي ترفض مثل هذه الاتفاقيات، وتنسى المستشارة بثينة شعبان أن سيدها الثاني بشار الأسد صافح الرئيس الإسرائيلي دون ان يكون هناك معاهدات سلام بين سورية وإسرائيل، وأنه يلهث وراء التفاوض مع إسرائيل وبأي ثمن، وأن الأسد الأب أجرى الدم أنهاراً في طول البلاد وعرضها، وقمع المواطن السوري على مدى ثلاثين عاماً وساقه إلى الأقبية والزنازين والسجون والمعتقلات والمقاصل والمقابر الجماعية والمنافي، وأكمل الدور الأسد الابن ولم يسلم من القمع في عهده لا شيخ ولا امرأة ولا شاب ولا شابة، فهذا شيخ الحقوقيين هيثم المالح الثمانيني يقبع في السجن، وهذا المهندس غسان نجار السبعيني اقتلع من غرفة نومه وسيق إلى أقبية التحقيق، وهذه المدونة طل الملوحي ذات التاسعة عشر ربيعاً تقبع في إحدى زنزانات النظام المنتشرة في سورية كالفطر في كل مدينة وقرية، وما ذكرناه عينة من آلاف الأشخاص الذين تغص بهم السجون والمعتقلات في سورية.    

وتختم السيدة شعبان مقالها بالحديث عن الجماهير العربية التي ثارت من أجل حريتها وكرامتها، ولم تذكّر سيدها بشار (وهي المؤتمنة) أن الذي حصل في تونس ومصر لابد حاصل في سورية إن عاجلاً او آجلاً فسورية أحق من تلك الشعوب بالثورة على حكامها والانتفاض عليهم، فسورية حُكمت ولا تزال تحكم بقانون الطوارئ والأحكام العرفية منذ نصف قرن، والنظام السوري قمع الجماهير السورية ونصب لهم المجازر التي راح فيها أكثر من ثلاثين الف مواطن على مدى ثلاثين عاماً، وسجن واعتقل الآلاف، وفُقد في تلك السجون ما يزيد على 17 ألف معتقل من خيرة أبناء الوطن، وحرم أكثر من 300 ألف مواطن سوري كردي من حق المواطنة وهوية الوطن، ويعيش في المنافي القسرية أكثر من مليون سوري موزعين على القارات الخمس، محرومين من أبسط حقوقهم المدنية.

هذا غيض من فيض مما فعله النظام السوري المستبد على مدى نصف قرن وسنينه العجاف بسورية وأهلها، وكان الأحق والأجدر أن تذكّر بثينة شعبان، وهي المستشارة والمؤتمنة، أن تذكر سيدها بشار، وتطلب إليه ان يسارع بالتصحيح والتغيير قبل أن تجتاحه العاصفة وقد هبت في سماء المنطقة، وأنه لن يكون هناك استثناء، وأنه إذا ما وقع لن يجد صديقاً ولا صاحباً سواء في داخل سورية أو خارجها إلى جانبه، ولن تنقذه المليارات التي اغتصبها وزبانيته من أفواه السوريين وجيوبهم، ومصير زين العابدين بن علي وحسني مبارك أمثلة حية لم يخبو بريقها بعد. علّه يتخذ منهما العبرة ويستفيد من الدرس، فالعاقل من اتعظ بغيره والأحمق من يفوت الفرصة ولات ساعة مندم!!