عندما تقول الشعوب لا للظلم ونعم للحرية

م. محمود الدبعي

إنها ثورة المستضعفين و الفقراء على الظلم و على القمع السياسي و على الحاكم اليوم أن يختار بين طريقين لا ثالث لهما، إما أن يتصالح مع الجماهير الغاضبة و يقوم بإصلاحات جذرية في نظام الحكم و يدعو لإنتخابات ديمقراطية و يعيد تقسيم الثروة الوطنية بحيث يأخذ من المتخمين و المفسدين و يعيد الأموال المنهوبه الى خزينة الدولة أو يرحل تاركا الجماهير تبني مستقبلها و تختار من يسوسها.

و نحب أن نذكر الحاكم أن من أبرز أسباب النجاح في قيادة البشر، هو قدرة الحاكم على تكوين الرؤية المستقبلية من خلال قدرتة على أن يرى فرصًا لا يراها غيره، وأن يحيل هذه الفرص من خيال لا تدركه أبصار الآخرين، إلى واقع لا يخطئه مبصر، إنها تلك الآمال التي تذكي الهمم، وتفجر الطاقات، وتلهب الحماسة، فتحيل حياة الناس حركة ودأبًا، وتسمو بنفوسهم إلى الغايات العليا، ولما كان تكوين الرؤية المستقبلية وصياغتها من أهم مهارات القائد الناجح، صاغ لنا على سبيل المثال لا الحصر نابليون بونابرت مقولة رائعة تلخص ذلك المعنى في قوله: (لا يستطيع أحد أن يقود أفرادًا دون أن يقوم بتوضيح المستقبل الخاص بهم، فالقائد بائع الأمل). إن رؤية ما يمكن أن تؤل إليه الأوضاع في الوطن العربي الكبير، ورسم صورة لإنتفاضة الجماهير كي يروها الحكام، ويفهموها حقًا ليحدثوا تغيرا جذريا في انظمة الحكم أو يؤل الحكم الى فئات إنتهازية من اقصى اليمين الى أقصى اليسار و يكون الخاسر هو الوطن.

 و لكم يا حكامنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في صناعة هذا الأمل وبناء هذه الرؤية، بل ورسمها بصورة تعلق بالأذهان وتشحذ الهمم، وتذكي الطموح، فعندما جاءه خباب بن الأرت يشكو تعذيب قريش له ولضعفاء المسلمين، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم ليقوي من عزيمته فذكر ما تعرض له السابقون من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، ثم رسم هذا الأمل في لوحة رائعة تصور انتصار الإسلام وتمكين الله له في كلمات موجزة فقال: (والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [رواه البخاري، (3612)]، فما توقف النبي صلى الله عليه وسلم عند زرع البشرى كأن يقول: إن الله سينصر هذا الدين، بل انطلق صلى الله عليه وسلم يجسد صورة النصر بصورة واقعية يسير فيها الراكب في الصحراء المقفرة الموحشة بأمان تام. واليوم تريد الشعوب أن تحدث التغير ليعود الوطن العربي موحدا من المحيط الى الخليج.

 وإليكم مثالًا يضربه الدكتور عبد الكريم بكار؛ موضحًا أهمية الرؤية المستقبلية في حياة البشر، فيقول: (ولأهمية تكوين هذه الرؤية المستقبلية، فإن دولة السويد أنشأت وزارة تابعة لرئيس الوزراء للاهتمام بالمستقبل، وذلك عام 1973م، كما أنه بلغ عدد المؤسسات المهتمة بالدراسات المستقبلية في أمريكا وحدها نحوا من 600 مؤسسة، ويذكر بعضهم أن الدراسات المستقبلية تشكل حاليًّا نحوًا من 415 مقررًا دراسيًّا موزعة على 18 ولاية أمريكية). والوطن العربي الكبير بحاجة اليوم الى مثل هذه المؤسسات للإهتمام بالمستقبل و القائد الناجح يرى مصلحة الجماهير اساسا في صناعة المستقبل . و نقول للحاكم ما فائدة الأرصدة التي تتزايد في الحسابات البنكية و لا يتمتع بها و لا يصرفها على شعبه و عليه أن يتعض بهامان و فرعون و كل ملوك الأرض و الحكمة تقول : لو دامت لغيرك ما وصلت اليك.

 ولكي يبني القائد هذه الرؤية المستقبلية في نفوس أتباعه، فعليه عدة أمور منها ما يلي:

1. رحلة إلى الماضي:

 وربما يعجب البعض كيف ننظر في الماضي كي نبني المستقبل؟! أوليس النظر في الماضي يدعونا للارتباط بتجارب وخبرات إيجابية و سلبية ربما حدثت فيه؟!

 ولكن العجب يزول حينما يجيب علينا الدكتور عبد الكريم بكار فيقول: (قبل أن يشرع الواحد منا في التخطيط لمستقبله، عليه أن يفكر في مصير القرارات التي اتخذها منذ سنوات، بمعنى أننا قد لا نكون في حاجة إلى الحديث عن مزيد من الخطط وبلورة المزيد من القرارات، وإنما تكون حاجتنا الحقيقية إلى أن نفكر لماذا لم يتم تنفيذ القرارات الماضية؟ وقد عبر عن هذا المعنى أحد أساتذة علم الإدارة حين قال: ليس المهم ما سنتخذه من قرارات من أجل المستقبل، لكن المهم أن نفكر في مستقبل القرارات الحالية)، فليس شرطًا أن تكون الرؤية المستقبلية جديدة مبتكرة حتى تكون جيدة، ولكن ربما يكون ميقات عرضها وطريقة صياغتها، ووسيلة تطبيقها عوامل تساعد في نجاحها.

 وليست تلك هي الأهمية الوحيدة للنظر في الماضي، بل علينا أيضًا أن نأخذ من هذا الماضي العبرة والعظة، فننظر في أخبار السابقين، كيف انتصروا؟ ولماذا هزموا؟ كيف نهضوا من كبواتهم؟ ولماذا وقعوا فيها أصلًا؟

لذلك جاء التوجيه القرآني في خاتمة سورة يوسف، وبعد سرد وقائعها وأحداثها، ليوضح لنا أهمية استكشاف الماضي فقال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]، فهي ليست قصصًا وحكايات بل فيها الهدى والرحمة وفيها النجاح والفلاح لمن فهم المعنى و وعى المغزى.

2. لا تكن العوبة بيد الغرب:

 ويتسق مع استكشاف الماضي وسبر غواره، أن نعي الحاضر وعيًا عميقًا، فإن الاهتمام بالمستقبل والعمل من أجل الغد، يجب أن يرتكز على قاعدة صلبة من معرفة الواقع؛ فالذي لا يعرف الظروف التي يعيش فيها والإمكانات التي يملكها والتحديات التي يواجهها لايستطيع أن يخطط للمستقبل ولا أن يتعامل مع المعطيات القادمة، فهناك حكمة تقول: (إن لم تكن تعرف أين تقف، فلن تعرف إلى أين أنت ذاهب؟!).

 فكيف للقائد أن يبني رؤية مستقبلية ملهمة محفزة، وهولا يدرك الحاضر الذي يحيى فيه، ولا يدرك واقع نفسه ولا واقع مجتمعه إدراكًا دقيقًا؟!

 و الحقيقة المرة التي يجب أن نعيها هي أن الغرب استطاع أن يخدع الحكام بأنه يقف معهم و يدعمهم و لكن لنا في الرئيس المخلوع بن علي زين العابدين عبره فقد تخلى عنه الغرب ، كما يفعل الشيطان مع اتباعه الذين ساروا خلفه و وقعوا في حبائله و يفر منهم يوم الموقف العظيم يوم لا ينفع مال و لا بنون.

3. إلى أين أنت ذاهب؟

 أيها الحاكم و يا من توليت أمرنا ، فبعد أن استكشفت الماضي فتعلمت من أخطائك، واعتبرت بمن سبقك، ثم نظرت إلى الحاضر، فحددت بدقة موضع قدمك الآن، لم يتبق إلا أن تحدد إلى أين تريد أن تذهب في المستقبل، فقد أثبت ما لا يحصى من التجارب أن إخفاق كثير من القادة في الوصول إلى ما يحبون الحصول عليه، لا يعود إلى ضعف في قدراتهم، أو إلى سوء الظروف التي يحيون فيها، وإنما يعود على نحو جوهري إلى أنهم يتصرفون بعفوية كاملة، و يربطون حاضرهم بما يرضى أسيادهم ويتعاملون مع المستقبل بفوضى تامة، فهم لا يعرفون ماذا يريدون.

 فإنك يا من توليت أمرنا ، حين تحدد أهدافك بدقة فأنت تكتب أول فصول نجاحاتك القيادية، فحين يعرف القائد هدفه، فإن ذلك يكسبه حساسية مفرطة ضد الوقوع في الخطأ، كما يجعل بينه وبين مضيعة الوقت أو إهدار الموارد، أو الإهمال سدًا منيعًا وحصنًا حصينًا.

وماذا بعد الكلام؟

ومن خلال ما سبق إليك يا من توليت أمرنا ، بعض الأمور العملية التي تعينك على تكوين رؤيتك المستقبلية كقيادة حكيمة و ناجحة و مدعومة من الجماهير:

1. اعتكف في قصر من قصورك ليوم واحد أو ابحث عن بيئة هادئة منعزلة، على شاطئ البحر مثلًا، أو على ربوة جبل واستمتع بهذه البيئة الهادئة، وابتعد عن كل نشاط يومي ليمكنك ذلك من التأمل الجاد المثمر، وقم بتكرار هذه الجلسة الهادئة بصورة دورية. من اجل التصالح مع نفسك و مع شعبك و لتحديد موقفك.

2. اقرأ السير الذاتية للقادة الذين أثروا في تاريخ هذه البشرية، حدد لنفسك وقتًا يوميًّا لتقرأ في سيرهم، واجعل معك مفكرة صغيرة تكتب فيها الدروس المستفادة والعبر المستنبطة من ثنايا قصص هؤلاء القادة العظام. فالتاريخ هو أكبر مدرسة و قد يتكرر ايجابا أو سلبا.

3. اقرأ في الكتب والمؤلفات التي تعينك على كيفية بناء هذه الرؤية المستقبلية، واسعِ إلى تطوير نفسك من خلال الإستماع لنصائح العلماء و تابع الندوات والدورات التي تساعدك في تكوين تلك الرؤى المستقبلية.

4. إعترف بالخطأ و لاتأخذك العزة بالإثم و لا تستمع لبطانة السؤء من المستشارين الذين يزينون الباطل و يضعون الحواجز بينك و بين الجماهير و ثق أنك أنت الرابح.

5. أترك للجماهير حرية إختيار ممثليها في البرلمان و اترك ممثلي الشعب يشكلون الحكومة و لا يضرك شئ ما دمت اسطلحت مع ربك و مع نفسك و مع شعبك.

 لا نريد ان نصبح كخيل الانجليز او نبقى تحت رحمة حكام الغرب و لا نريد أن نكون مطية لأحد فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام و إذا ارتأينا العزة بغيره أذلنا الله. و لا نريد كمن لا يعترض و لا يستنكر و لا يهدد بإيقاف الإجتماعات الأمنية، فقط نريد ان نعرف من نخاطب ونريد ان نعرف من هي الشخصية الاعتبارية القادرة على دراسة اوضاع الشعوب وحماية حقوقهم و نرجو من كافة الحكام و المسؤولين الأمنيين واصحاب الكلمة الاعلامية و رجالات النقابات الوظيفية و مسؤلي منظمات المجتمع المدني للوقوف صفا واحدا لرعاية حقوق المحرومين والمستضعفين و الفقراء في دولة القانون.