جَزِعَ وأخواتها

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

(جَزِعَ) الرجلُ، أي: لم يصبر على ما نزل به من نوازل ومصائب، وإنّ أعظم المصائب، هي التي تنجم عن حُبّ الجبّارين في الأرض لشعوبهم!..

إذا (جَسُمَت) المصائب والنوازل، أي: عَظُمَت، و(جَاعَ) الشعب، لأنّ فخامة الجبّار الجائر قد (جَرَشَ)، أي: اختلس مالَ الأمة، مع زبانيته الكرام وأجهزة حُكْمه النبيلة، وإذا عَطِشَت الأمة، لأنّ كل المتنفّذين الأحبّاء قد (جَرَعوا) الماء كله، أي : بَلَعوه، وجرعوا معه النفط والثروات، وإذا (جَفَّ) الزرع والضرع، و(جَدَبَت) الأرض، أي: يَبِسَت، وإذا (جَسَرَت) الرعية، أي: شَجُعت (من الشجاعة)، ثم (جَشَّت)، أي: نفرت جماعاتٍ في نهضةٍ واحدة، و(جَرُؤَ) أعيانها وأشرافها على قول الحق.. إذا حصل كل أولئك.. فإنّ السيد الجبار الجائر سيفتح على رعيّته أبواب (جَهَنَّمه)!.. و(جَهَنَّم) هي النار التي يعذّب الله عز وجل فيها مَن يستحقّ العذاب.. أما جهنّم السلطان، فهي النار التي يَصُبُّها على معارضيه من أبناء رعيّته، الذين يتأوّهون من عَدْله، وينعمون بحبّه وديمقراطيّته الدكتاتورية.. ورحمته الخاصة ووطنيّته العجيبة!..

في الوقت نفسه، يبدو -فخامته- كَمَنْ (جَنّ) جنونه، فيلجأ إلى أسلوب (جَحَدَ)، أي: أنكر الأمر مع علمه به!.. والأمرُ هنا قد يكون قتلاً أو سلباً أو نهباً، تقوم به أجهزة فخامته، وقد ورد في محكم التنـزيل قوله عز وجل: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14).. كما يلجأ –سيادته- إلى أسلوب: (جَلَطَ)، أي: كَذَبَ، فيوهِم رعيّته أنه إن لم يفلح في تحقيق التحديث والحرية والإصلاح في البلاد.. فسيغادر كرسيَّ الحكم على طريقة (جَحَشَ)، أي: تنحّى!.. لكن بعد أن تهدأ الرعيّة لتصديقها (جَلْطَ) جبّارها.. يعمد الأخير إلى بَثّ (جِنِّه)، وزَرْع (جَانِّهِ)، في كل زوايا الوطن وتضاريسه المختلفة، بكثافة (جِنّيٍ) واحدٍ أو اثنين، في كل مترٍ مربّعٍ من مساحة الوطن، ووراء كل (جِدارٍ)، أي: حائطٍ.. فيصبح للجُدران آذان، تسمع دبيبَ النمل وصريرَ القلم وآهاتِ القلوب، التي (جُبِلَتْ) على حُبِّ مَن ظَلَمَها!.. و(جُبِلَتْ) تعني: طُبِعَتْ، وفي الأثر: (جُبِلَت القلوبُ على حُبّ مَن أحسنَ إليها)!..

*     *     *

بعد السهر في الليل (والنهار)، على أمن المواطن وراحته، تفشل أجهزة السلطان في (جَلْقِ) المتسبّبين بعودة الوعي إلى الرعيّة المقهورة، أي: كَشْفهم .. فتلجأ إلى طريقة: (جَاسَ)، لمعاقبة كل الرعيّة، و(جَاسَ) تعني: تردّد إلى المكان بالإفساد والخراب والدمار!.. وفي القرآن الكريم: (.. فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً) (الإسراء : من الآية 5).. ثم تلجأ -أي الأجهزة الساهرة على راحة المواطن وأمنه واستقراره- إلى أسلوب: (جَثَّ).. على كل صعيد، أي: قطع أو قلع أو اقتلع، فَيُقْتَلَع كل المتجاسرين على قول كلمة الحق، بدلاً من (جَثِّ) الشرّ والخبث وجذور الفساد والفاسدين من أرض الوطن!.. وقد ورد ذِكْرُ أحد تصريفات فعل (جَثَّ) في محكم التنـزيل بقوله سبحانه وتعالى: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (إبراهيم:26).

عندما تكثر أعمال (الجَثّ) بحق أبناء الرعيّة، فإنّ الباقين منهم لا يجدون حيلةً للخلاص من هذا النعيم المُقيم، إلا اللجوء إلى أسلوب (جَلاَ) عن الوطن أو من الوطن، و(جَلاَ) القومُ عن الوطن ومنه تعني: خرجوا منه أو هاجروا أو غادروه من الخوف أو الجَدْب، وهل هناك أجدب من الوطن، حين تُفتَقَد فيه الكرامة والحرية والعزّة والخِصال الإنسانية السامية؟!..

كلّما (جَاسَ) جِنُّ السلطان و(جُنْدُهُ) خلال الديار، اندفعت كوكبةٌ من الرعيّة في عملية (جَلاءٍ) جديدةٍ عن الوطن، فتكثر أعياد (الجلاء)، وتعمّ الأفراح والليالي المِلاح!.. ألا يعني الجلاء: تحرير الأرض والعِرض والبلاد والعِباد من المستعمر المحتلّ، الذي لم يجرؤ على فِعل رُبْعِ ما يفعله فخامة الحاكم بأمرِ أجهزته القمعية، وعُشْرِ ما تفعله أجهزته الوطنية الخاصة العتيدة.. بالوطن والمواطن والرعيّة؟!.

                

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام