بن علي ...

د. عبد الواحد حشاد

 بن علي ...

سكت ألفا ونطق كالعادة خلفا

د. عبد الواحد حشاد

تونس تشتعل منذ أسبوعين كاملين ، وشعبها يغلي منذ ثلاث وعشرين سنة ... ومحمد بوعزيزي رحمه الله إختار لنفسه باطن الأرض على أن يستمر على ظاهرها مجرد شيء. ومحمد بوعزيزي هو عنوان لنجاح سياسة عصابة الحكم على تونس ! هكذا نظر بن علي فقدر ثم قال ، إن ضخامة عدد خريجي الجامعة دليل نجاح سياسته .ولكي يكون نجاح سياسته أكثر بروزا وجب أن يرمي بآلاف من خريجي الجامعة على الرصيف . لكن محمد بوعزيزي رفض أن يعيش على الرصيف بعد أن قضّى ما يربو عن عقدين من الزمن في معاناة المذاكرة وجهاد و إجتهاد ليجد نفسه أمام "برويطة" لا لينقل عليها شهاداته المدرسية والجامعية وهو يتسوّل موعدا على أبواب سفراء عصابة الحكم المركزي في قرطاج ، بل عله يجني من نشاطه كتاجر متجول ما يطفئ جوعه .

فات محمد بوعزيزي أنه بعمله كان قد هدد عصابة الحكم مالكة البلاد التونسية وعبادها في متعتها سياسيا وماليا. الخطأ السياسي في عمل الخريج الجامعي محمد بو عزيزي الذي "يتعفف"عنه حتى من لا يقوى على مسك القلم في مجتمعات أخرى هو أنه نسي أن كل حركة تخضع لدفع الضرائب حتى تمتلئ جيوب عصابة الحكم السياسي على تونس .والوجه الآخر للخطورة التي إنطوى عليها عمل المرحوم محمد بوعزيزي هو أن التجار الصغار يضايقون الأسرة الحاكمة . فتونس من بنزرت إلى برج الخضراء هي مجرد أصل تجاري لهم .فالمداخل البحرية والمطارات هي مكفولة لحركة عصابة الحكم التجارية . وقدرتهم في السيطرة على السوق أهلتهم كذلك لربط علاقات سياسية مع بلدان مجاورة تحد من الحركة التجارية عبر الحدود البرية لمن إعتادوا أن يحملوا معهم ما خف حمله على ظهورهم وبيعه في قراهم .

يبدو أن المرحوم محمد بوعزيزي مات ضحية جهله بهذه الحقيقة ، ولذلك حوصر في قوت يومه ، ومات وهو يجهل أن بن علي قد صنفه هوومن جُرمعه إلى الموت لاحقا بأنهم قاموا بما قاموا به لأنهم مأجورون ومتطرفون.

لست أدري على أي أرصدة قد حولت أموال إستئجارهم ، ولصالح من قدموا هم حياتهم !!

الملفت ـ أقول الملفت و لا أقول الغريب ـ في قول بن علي أنه توعد المنتفضين وقود حركة التحرر الحالية في تونس حين أصدر أوامره أن يحاسب من مازال لم ينتحر بعد بأن يعذب و يقتل تقتيلا، و هذا هو التفسير الوحيد لقول " حساب قانوني عسير في خطابه" في واقع يسوده قانون الغاب.

و الملفت للإنتباه كذلك في ما ورد على لسانه إذعانا لزلزال أبطال هذه الإنتفاضة المجيدة أنه ألقى بالمسؤولية على زبانية نظامه الجهويين، و هذا دأب كل المستبدين. لكن هذا الإذعان له وجهه المضلل حين يقرأ قراءة خاطئة. فقد يقرأه البسطاء أو يمرر لهم على أنه إعتراف إرادي بذنب بدافع إمتصاص الغضب عند المنتفضين، فتخمد نار الإنتفاضة عندهم. وهكذا يخلو الجو لعصابة الحكم و الزبانية الصغار ، فينفردون بمن زُج بهم في السجون وبمن هم آتون خلفهم ويسومونهم سوء العذاب.

إن الوقوع في فخ " بكاء التماسيح" هذا، ذلك حين يُحمّل كلام بن علي ما هو ليس له أهل فتخنق بذلك نيران غضبكم بعد أن خنق هو وعصابته أنفاسكم سابقا ، هو أقل ما يقال فيه أنه تمديد منكم و إليكم في عمر آلامكم و مجرد تأجيل لإنتحار الكثير منكم. و لا أظن أنكم تهابون التلويح بالعقاب بعد أن سُلب منكم كل شيء . فهذا الرعب أنتم من قذفه في قلوب عصابة السراق. و لا أظن أن سجون تونس ستسع كل التونسيين إذا إستمرت إنتفاضتكم و لم تشق صفوفكم حيل بكاء التماسيح.

إن تهمتكم ـ كل أحرار الشعب التونسي ـ واحدة و هي أنكم جاهرتم بقول كفى للذل و التجويع و العبودية بعد أن سئمتم الحياة في بلد ـ من برج الخضراء حتى جالطة و بنزرت ـ و قد جعلها الطغاة سجنا كبيراغيرمعلن لكم، وها هم الآن يساومونكم بأن توقفوا رفع أصواتكم بآهاتكم، أو أن يقذف بكم في سجن معلن بتهمة الإرهاب كما و صف بن علي ضمنيا المرحوم محمد بوعزيزي وكل أحرار هذه الإنتفاضة المباركة.

إما حياة كريمة فوق الأرض أو راحة في باطنها.!!!