نمط من الوزراء
أ.د. حلمي محمد القاعود
من أعجب ما يعيشه المصريون في هذه الأيام ذلك النمط الغريب من الأشخاص الذين وضعهم أصحاب الأمر والنهي ليكونوا وزراء ، ويفترض أنهم سياسيون ، وينفذون سياسة يرضاها الشعب المصري الذي يرفعهم إلى أعلى الدرجات ، ويدفع لهم أجورهم ، ويمنحهم الامتيازات المنظورة وغير المنظورة في سبيل أداء واجبهم كما ينبغي ، ولكنهم للأسف الشديد حادوا عن الطريق المستقيم ، وراحوا يفعلون عكس ما يريده الشعب ، أو يطلبه في حياته اليومية والعامة والمستقبلية .. بل لا يجدون غضاضة في مصادمة الأمة في أعز ما تملك وهو الإسلام !
في أسابيع مضت لم يخجل وزير مقرب إلى القيادة العليا من وصف الإسلام بأنه لا يصلح إلا للجنازات وشئون الحيض والنفاس ، ولا شأن له – أي للإسلام – بالحياة العامة والسياسة والاقتصاد وغير ذلك.. الوزير المحترم يسعى أو يعدّ كما يقال ليكون رئيسا لما يسمى مجلس الشعب القادم في نهاية هذا العام !
وإذا كان ثمن الرئاسة هو تشويه الإسلام وازدرائه فبئس المنصب الموعود ، خاصة إذا تهافت الوزير المذكور على الكنيسة ليطلب أصوات الطائفة، ويعقد مؤتمرا بها في دائرته الانتخابية ، ويغازل التمرد الطائفي على حساب العرف والقانون الذي يفرض أن يكون النائب ممثلا لكل الأمة ، ولا يعزف على الوتر الطائفي المقيت .. لقد خرج أحد المتحدثين باسم الكنيسة ليعلن أن رئيس الكنيسة وافق على أن يمنح أهل الطائفة الوزير المذكور أصواتهم في الدائرة المرشح بها .. فهل هذا منهج وطني ؟ هل سيعقد الوزير المحترم مؤتمرا في أحد المساجد الكبرى ليطلب من المسلمين أن يصوتوا له ؟ ثم هل الدعاية مسموح بها في دور العبادة ؟ إن السلطة حرمت على المرشحين أن يهتفوا بشعار" الإسلام هو الحل" - وهو مجرد شعار - حتى لا تأخذ الانتخابات طابعا طائفيا كما تقول (؟!) فهل عقد مؤتمر انتخابي في الكنيسة لا يمثل حالة طائفية بامتياز ؟
وهناك الوزير المزمن الذي أفسد الثقافة والفكر والفن والأدب ، ولا يتردد أن يصادم الأمة بحديثه عن رفض الحجاب والنقاب ، ونشر الكتب الساقطة الرديئة التي تنال من الإسلام والمسلمين ، واعتماده على العناصر والنخب التي ترفض الإسلام والمادة الثانية من الدستور ، ولا يجد غضاضة في الزراية بأصحاب الفكر الإسلامي وحرمانهم من المشاركة في الحياة الثقافية بفكرهم المضيء ، ووضع أمور الثقافة كلها في يد من يكرهون الإسلام ، ومن لا يريدون له وجودا من أصحاب الفكر المادي المستبد الذي لا يعرف شيئا اسمه الحرية أو حق الآخر في التعبير والتفكير !
ثم هناك الوزير المزمن الآخر الذي ينبغي أن تكون وظيفته دفاعا عن الإسلام ضد خصومه المتوحشين الذين يهيمنون على وسائل التعبير المختلفة ، ويقلبون الحقائق ، ويزيفون الأفكار، ويدعون جهارا نهارا إلى نبذ الإسلام ، والعيش في ظل العلمانية الكافرة ، وتحريم تدريس الإسلام في التعليم أو الاتكاء عليه في الإعلام أو الثقافة.. هذا الوزير لايني يوجه انتقاداته السخيفة الماسخة للشباب المتدين الملتزم ، وينتقد اللحية والتمسك بالعبادات والحجاب والنقاب ، ويسفح أموال المسلمين المخصصة للدعوة الإسلامية في محاربة النقاب ، وتحديد النسل ، وإنشاء ما يسمى الأذان الموحد ، ولم يفتح الله عليه بكلمة واحدة ضد الذين يسبون الإسلام ليلا ونهارا وينتقدونه ، ويزدرون نبيه – صلى الله عليه وسلم - إنه مشغول بالتطبيع مع العدو النازي اليهودي الغاصب في فلسطين المحتلة ، ولا يمل من الدعوة الخائبة لأخذ تأشيرات يهودية لزيارة المسجد الأقصى حتى لا يهدمه الغزاة القتلة – حسب زعمه ! .
إني لم أسمعه مرة واحدة يدعو إلى الجهاد الذي يعد الركن السادس من أركان الإسلام ، ولا المقاومة ولا المقاطعة ، كما فعل وزير السياحة اليهودي في الكيان الغاصب حين دعا لمقاطعة السياح اليهود لتركيا بحجة الحفاظ على الكرامة القومية ! ولأن تركيا ليست موالية للكيان اليهودي وتؤيد حقوق الفلسطينيين !
إن هذا الوزير الذي يؤيد ضمنا أن تقوم جهة طائفية بحجز نساء أردن الإسلام – أو نساء غير مسلمات – دون سند من القانون أو القضاء ، ويكتفي بالقول إن المحتجزات لم يسلمن ؛ لهو وزيرلا يصلح لتحقيق مهمته الوزارية في تحقيق الحرية والكرامة للمواطنين بصفة عامة .
إن الوزير الذي يستأصل الإسلام الحي من فوق المنابر ، ويرضخ لمطالب الأمن غير المشروعة بحرمان الخطباء والأئمة الناضجين ، وتحريم موضوعات بعينها في خطب الجمعة ودروس الوعظ ، لهو وزير ضد أمته ، وضد قيمها وثقافتها .
إن وزيرا يطالب الأئمة بالابتعاد عن سياسة الترهيب والتخويف للمصلين، وعدم التحدث عن تارك الصلاة أو الغيبيات ثم يشمت في إغلاق القنوات الفضائية قائلا: "الحمد لله الكثير من الفضائيات إياها بدأ توقفها"، حيث إن بعض الدعاة - كما يقول - يتحدثون على شاشات هذه الفضائيات وكأنه هو الموكل المفوض للتحدث باسم الله في كل شيء، ويظهر أنه أعلم العلماء في كل شيء .. هل نجد في لغة هذا الوزير ما يجعله ينتمي إلى الدعوة الإسلامية ؟
إن وزيرا يهدر أوقاف المسلمين فيما لا يفيد ، ولا يحميها من العبث والضياع واللصوص لا يستحق منصبه بكل تأكيد .
ووزير يرضى بتزوير نتائج الانتخابات لصالحه في مجلس الشورى ، لهو وزير يقبل بشهادة الزور . لقد منحوه قرابة ثلاثمائة ألف صوت ، والقاصي والداني يعلم أن الذين أدلوا بأصواتهم في دائرة الوزير المبجل لا يتجاوزون ثلاثمائة شخص - أي مائة ومائة ومائة - في جميع أرجاء الدائرة .. هل هذا الوزير يمكن أن يؤدي مهمته الإسلامية ؟
ثم هذا الوزير الذي أمّروه على بعثة الحج المصرية هذا العام إلى الديار المقدسة ، ويفترض فيه أن يكون نقيا خالصا بعيدا عن الشبهات التي تغضب الله ، هذا الوزير لا يتورع عن رفض تنفيذ حكم القانون النهائي بطرد الحرس الجامعي من الجامعة ، وإنهاء سيطرته على الأساتذة والطلاب والعملية التعليمية ، وإهانته لبعض أعضاء هيئة التدريس والطلاب بطرق وحشية وغير لائقة .. هذا الوزير يلتف على القانون ويسعى لعدم تنفيذه بحجج واهية .. ثم لا يكتفي بذلك بل يهين مجموعة من الأساتذة الفضلاء الذين ذهبوا إلى جامعة عين شمس لتنفيذ الحكم القضائي ، ويوافق على أن تواجههم مجموعات طلابية تشبه البلطجية بالأحزمة والجنازير والمطاوي والسنج ، ثم وهو يتأهب لزيارة بيت الله الحرام الذي يجعل من يزوره طاهرا مخلصا ؛ يعود كيوم ولدته أمه ، لا يتورع عن التلاسن مع مذيع في التلفزيون الحكومي ، ويتهمه بأنه معارض في تحريض رخيص سافر ، وذلك لأن المذيع لم يؤيد السلطة الغشوم في ترك الطلاب البلطجية يهينون كرام الأساتذة ، بينما الحرس الجامعي (!) واقف لا يفعل شيئا ، والطلاب يرفعون أحزمتهم وجنازيرهم ومطاويهم في مجابهة الأساتذة الكرام كما نقلت الصور على شاشات التلفزيون؟
ثم وهو الأنكي يسمح أو يقبل أن يوصف الطلاب البلطجية بالطلاب الغيورين ؟ هل ضرب الأساتذة وإهانتهم من طلاب بلطجية يعد غيرة على الجامعة ؟
ثم وهو الأشد خطورة يقال إن جامعة عين شمس طلبت من جامعة القاهرة محاسبة الأستاذ الجليل ومن معه تأديبيا لأنهم اقتحموا جامعة عين شمس بدون إذن ؟ هل وصل الأمر إلى حد أن يدخل أستاذ جامعة مصري جامعة غير جامعته بإذن ؟ وإذا لم يحصل على الإذن يعاقب تأديبيا بحجة الاقتحام لجامعة أخرى ؟ ما هذا الهزل يامن تفوقت عليكم جامعات العدو النازي اليهودي وحققت مراكز متقدمة عالميا بدون حرس ولا أمن ؟
ثم هذا الوزير الذي كان ماركسيا وتأمرك وعينوه وزيرا للتنمية الاقتصادية ( أين هي التنمية الاقتصادية ؟ ) ، ويخرج على الناس ليردد كلاما غريبا وعجيبا حول الحد الأدنى من الأجور ؟ ويقول لا مجال الآن لزيادة الأجور ولا يتذكر أن كيلو اللحم اقترب من مائة جنيه ؟ وأن كثيرا من الناس لا يذوقونها .. هل كان هذا الوزير كادحا حقا في يوم من الأيام ؟ هل أربعمائة جنيه حد أدني تعتاش منه أسرة صغيرة أو فرد واحد؟ إن الألف جنيه في أيامنا لا تساوي خمسة جنيهات قبل ثلاثين عاما ، ويكفي أن نقيس ثمن الساندويتش الذي كان بقرش واحد عام 1970 على ثمنه الآن .. كم يبلغ ؟ جنيهان على الأقل .أي إن ثمن الشطيرتين من الرغيف الأسمر المحشوتين بالفول والمخلل ( بلاش الطماطم) تضاعف مائتي مرة .. أي إنني حين قلت إن الألف جنية الآن تساوي خمسة جنيهات قبل ثلاثين عاما لم أكن مبالغا !
منطق بعض الوزراء يؤكد أنهم لا علاقة لهم بالشعب ولا مشكلاته ، وأنهم يضعون أقدامهم في ماء بارد ، لأن كل شيء متوفر لديهم ، وبعضهم لا يتعامل بالنقود ، لأنه يخشى أن تلوث أصابعه من كثرة الاستعمال ، ويفضل الشيكات ، أو يقوم غيره نيابة عنه بالتعامل مع الآخرين ! وكثير منهم يتخذ المنصب للوجاهة أو الشهرة أو زيادة الغنى ! هل يصلح هؤلاء لإدارة وطن ؟