أعذار قبيحة ومجازر أقبح
تحت ستار الدين والجهاد
كاظم فنجان الحمامي
شنوا هجومهم المباغت على الكنيسة, ففجروها بمصليها, أزهقوا أرواح الأطفال الأبرياء, أطفئوا بسمتهم, أغرقوهم في بركة من الدماء الزكية عرضها بعرض رواق الكنيسة, وعمقها بعمق مآسينا وآلامنا وأحزاننا, تعالى عويل المصلين, اختلط صراخهم بدوي المفرقعات والرمانات اليدوية, فتصاعدت الصيحات المذعورة: (يا ربنا الذي في السماء, يا رب سيدة النجاة, يا الله, يا رب الناس, اله الناس, ملك الناس), تقاطعت صرخاتهم مع زمجرات غاضبة انطلقت من فوهات الرشاشات الأوتوماتيكية لتُخمد أصوات المصلين, وتمطرهم بوابل من الرصاص, تداخلت صيحات الجرحى مع زعيق السفاحين المتهورين, وامتزجت مع زمجراتهم المتبجحة, فانطلقت من أفواه الإرهابيين عبارات تحذيرية مرعبة, كانوا يتصايحون بالفصحى, ويتشدقون بعبارات استعلائية مُلقَّنة : (الله أكبر, الله أكبر, الموت للكفار, انتم كلكم ستذهبون إلى جهنم, إلى الجحيم, أما نحن فسنذهب إلى الفردوس, إلى النعيم), وزيّن لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا. .
القاعدة تعترف رسميا, وتعلن مسئوليتها عن تدبير المجزرة والتخطيط لها, فتكشف لنا عن وجهها الحقيقي, وتظهر في العلن كتنظيم مسلح يقتل الناس على الهوية, ويُنكّّل بكل من يختلف عنه في العقيدة والرؤية, فيضيف الرياح القوية لمهزلة إفراغ العراق من شعبه, وتمزيق نسيجه الوطني المتجانس.
القاعدة تعترف مرة أخرى على لسان تنظيم (دولة العراق الإسلامية), بينما المنافقون يبرؤونها, ويبحثون عمن يلصقون به التهمة.
استأنف رجال العصابات المسلحة هجماتهم الإجرامية تحت ستار الدين والجهاد المزعوم, وتحت ستار المقاومة التي تخصصت باستهداف أبناء العراق دون غيرهم من الجنس البشري, فشنّوا في اليوم التالي هجومهم الأعمى الشامل, واستهدفوا هذه المرة ضواحي بغداد وأحياؤها السكنية, ثم ارتكبوا في الأيام اللاحقة مجازر أخرى للتدمير والقتل الأعمى في البصرة والموصل وبابل وكربلاء, فنسفوا المقاهي بمرتاديها, وفجّروا الأسواق والساحات والمحال التجارية بأساليب بشعة, ومن دون تفريق بين سني وشيعي, أو بين مسلم ومسيحي, أو بين كردي وعربي, فالعراقيون وحدهم هم المستهدفون في هذه التفجيرات بصرف النظر عن انتماءاتهم, تراهم يُقتلون من دون ذنب, وبلا سبب, ويُذبحون بذريعة الدفاع عن الدين, وبذريعة الاعتراض على المشروع الصفوي, ألا لعنة الله على العصابات الإجرامية وعلى المشروع الصفوي, ولعنة الله على الفكر الدموي المؤدلج, واللعنة الكبرى على الغزاة الطغاة وزبانيتهم وأقطابهم وأذنابهم, ولعنة الله على أعداء العراق حيثما كانوا, ومن أي جحور خرجوا.
نموت ألف مرة في اليوم بذريعة تحرير العراق, وألف مرة بذريعة الذود عن الإسلام والشريعة. نتعرض للموت الجماعي العشوائي بيد العصابات التكفيرية المتعصبة, تطاردنا المليشيات الطائفية لتقتلنا على الهوية, تستفزنا العصابات الشريرة المحرضة على العنف والقتل والإبادة, تتربص بنا العبوات الناسفة في البيت والمسجد والمدرسة وفي الطريق العام, وفي كل مكان, فيرسلوننا إلى المقابر في صناديق ملفوفة برماد المصيبة, أو يجبروننا على مغادرة أوطاننا باسم المناهج المذهبية المتطرفة.
أعذارهم أقبح من أفعالهم, وأفعالهم تُكذّبها أقوالهم, وأقوالهم تُقبح وجه الحضارة الإسلامية, كيف يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ باسم الدين الذي جاء ليهب الحياة والحرية للناس, وجاء ليبشرهم بالرحمة والمغفرة, ويشيع الأمن والطمأنينة بين الشعوب والأمم.
الإسلام دين بسيط متسامح, وهو أيسر الأديان وأكثرها وضوحا ونضوجا, وهو دين المحبة والعدالة والإنسانية, يهدي الناس إلى الإيمان بالله الرحمان الرحيم الغفور الكريم, الذي أمرنا بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة, وأمرنا بالتحاور مع الناس بالكلمة الطيبة والمواقف النبيلة, وأمرنا بالسعي لإشاعة المحبة والسلام, فالمسلم من سلم الناس من يده ولسانه, ومن يخاف الله لا يخاف منه أحد. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا.