ألم يحن الوقت بعد لانطلاق ثورة العبيد
ألم يحن الوقت بعد لانطلاق ثورة العبيد؟
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
كان الناس في الماضي يقسمون لقسمين رئيسيين:
الأحرار والعبيد
وعندما منع الرق عالميا , واندثرت طبقة العبيد , وبقيت طبقة الأحرار
فنحن كشعوب عربية وحتى معظم الشعوب الإسلامية , هل اندثرت عندنا طبقة العبيد , أم أن الذي اندثر عندنا هو:
طبقة الأحرار لتبقى فقط طبقة العبيد ؟
الفرق بين الحر والعبد هو:
ذلك حر بتصرفاته أي الحر , وذك مقيدة تصرفاته بأوامر سيده أي العبد
الشاعر نزار قباني منذ السبعينات يوضح لنا الحالة التي تنطبق علينا
يصير الناس في مدينة
ضفاضعاً مفقوعة العيون
ولا يُغنّون ولا يبكون
ولا يموتون ولا يحيون
تحترق الغابات والأطفال والأزهار
تحترق الثمار
ويصبح الإنسان في موطنه
أذلّ من صرصار
فمن هو المسئول عن انحدارنا لهذا المستوى من العبودية , ومن سلبنا صفتنا الحرة, في أننا مجتمع الأحرار وليس العبيد؟
لابد من وجود أسباب قاهرة تجعل الحر عبداً , ولن يقبل أي حر أن يكون عبداً طواعية
وانطلاقا من هذه العبارة , أن الذي جعلنا ننحدر للمستوى الأدنى من الرق والعبودية هي السلطة الحاكمة والمتمثلة بكل أنواع الطغيان والإستبداد , والديكتاتورية والشمولية والأوتوقراطية
وهنا لابد من شرح بسيط يظهر معنى تلك الكلمات المستخدمة سياسيا , ومن خلال ترجمتها يمكن تحديد نظام الحكم الذي عندنا , وما هي الصفات التي تنطبق عليه من تلك المدلولات السياسية
أ.د. إمام محمد إمام في كتابه (الطاغية)
ومنقولة منه
أولا: الطاغية
الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع , فيمكن أن يكون اغتصب الحكم بالمؤامرات أو الإغتيالات أو القهر أو الغلبة بطريقة ما.
وباختصار هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيراً طبيعياً.لكنه قفز لمنصة الحكم عن طريق غير شرعي, وهو لهذا:
يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم , ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم , ويعلم من نفسه أنه الغاصب والمعتدِي, فيجعل كعب رجله في أفواه الملايين
ثانياً: المستبد
هي بالأصل كلمة يونانية تعني رب الأسرة , أو سيد المنزل , أو السيد على عبيده . ثم خرجت من هذا النطاق الأسري إلى عالم السياسة
بحيث تكون للأب أو السيد على عبيده السلطة العليا بالكامل على أبنائه
ثالثاً : الديكتاتور
المصطلح روماني الأصل , وهو كمنصب لحاكم مؤقت في الظروف الحرجة ولمدة محددة تنتهي بانتهاء الظروف الموجودة الحرجة كالكوارث الطبيعية والبشرية , ويماثله في أيامنا هذه الحاكم العسكري أو فرض الأحكام العرفية لفترة مؤقتة . ولكن في الإستخدام الحديث : الذي يعني النظام الحكومي الذي يتولى فيها شخص واحد جميع السلطات , وفي الأعم الأغلب بطريقة غير مشروعة , ويملي أوامره وقراراته السياسية . ولا يكون أمام المواطنين سوى الخضوع والطاعة .
رابعاً :الحاكم الشمولي
قد يكون حكما شمولياً جماعياً كما في ديكتاتورية البروليتاريا عند كارل ماركس , أو فرديا كالحاصل عندنا في أنظمة الحكم
ولكي يثبت القادة الشموليون أن إرادتهم هي إرادة الشعب فإنهم يلجئون إلى
أسلوب الاستفتاء العام , والتصويت التهليلي , وبهذه الطريقة يستخرج الزعيم الملهم والقائد الساحر , من قبعة الديكتاتور أرنبا اسمه الديمقراطية
خامساً: الأوتوقراطية
تعني الحاكم الفرد الذي يجمع السلطة في يده , ويترأسها على نحو تعسفي , وقد يكون هناك دستور , وقد تكون هناك قوانين . تبدو من الظاهر أنها تحد من سلطة الحاكم أو ترشده .
غير أن الواقع يقدر أن يبطلها إذا شاء أو يحطمها بإرادته. ومعظم المنظرين يعتقدون أن الحكم الأوتوقراطي يتطلب تركيز السلطة بيد شخص واحد لا في يد جماعة أو حزب أو حتى مؤيدين
ويعرف أفلاطون الطاغية في كتابه (الجمهورية)
والحيوان الأكبر هو الطاغية الجاهل الذي يرضي شهواته , ولا يخضع لحكم العقل فالطاغية<<كتب عليه أنه شخص يأكل أولاده>> على حد تعبير أفلاطون
الشيء المحير في الأمر , في البلدان العربية والإسلامية غالبية سكانها يعتنقون الإسلام والمسيحية المؤمنة بالله تعالى وتمنع السجود في معتقداتها لغير الله تعالى
مع أن هذه الشعوب رضخت لهؤلاء الحكام وسجدت لهم , وعفت وغفرت عن جرائمهم , وكأن جرائمهم وذلهم لشعوبهم ما هو إلا:
بركان انفجر وعم الخراب والدمار من حوله , أو زلازل عمت الأمكنة , فليس لها غير التسليم بقدر الله تعالى
وأصبح الحكام في بلادنا قدر من الله لا يمكن تغييره ولا الوقوف تجاهه , واستسلموا لقدرهم استسلام تام , فمنهم من فضل الحياة عبدا مطيعاً ذليلاً يتصدق عليه ربه ببسمة قد يكون قبلها ذل ما بعدها ذل إن ابتسم , ويبقى ما يفيض عنه هو عطاءً من شخصه الكريم , أو يغامر بحياته ليرحل عن البلاد وحال قوله (إذا حل الثقيل في بلاد قوم ما على الساكنين إلا الرحيل)
فلا مكان يخلو من صورهم أو تماثيلهم وكل القلوب متجهة لتقول أجمل تحية للقائد المتسلط , فإن باع جزءاً من الأرض يقال له يعيش .........الخ
وإن سكت عن عدوان ترسل له برقيات التحية وعلو الشأن في ضبط النفس وعدم الانجرار لمعركة يرد فيها الكرامة , وإن جرت على يده أنهار من الدماء من عبيده , فتحية له لأنه منع الفتنة في الوطن وتمزيق البلاد
لقد مضى أكثر من نصف قرن والحاكم الديكتاتور مازال باقيا , لقد مضى أكثر من نصف قرن والأحكام العرفية والحاكم العسكري الأوحد في نفس المكان
هل هو ذنب الحاكم أم هو ذنب العبيد ؟
ذنب الحاكم أنه وجد الناس عنده مستعدون لأن يسجدوا أمامه ويمتطيهم ويجرهم أينما شاء .ولكنه استخدم كل الوسائل القمعية لكي يبقوا عبيدا ولم يجعلهم أحرار ا
وذنب الشعوب أنها تحمل في نفسها القدسية للحاكم , ورضيت وما زالت راضية بحكم عائلة الطغيان الموبوءة والكريهة
ونصيحة ألقيها
أن وجود الطغاة عندنا ليس قدرا مفروضاً من الله تعالى , فالله تعالى هو العادل وليس الظالم , وإنما جعل لنا عقولاً نفكر فيها ووسائل كثيرة نستطيع استخدامها , للتغلب على منغصات حياتنا
ومن هنا لابد من ثورة العبيد ,ولا بد من التحرك مهما علت التضحيات حتى نحصل على حريتنا , وهي لن تكون بعد ذلك مملوكة لشخص , وإنما هي هبة من الله لنا .
والسلطة الحاكمة هي سلطة موجهة حامية تقود الأمة للخير والحرية والكرامة
ولنا أمثلة كثيرة في العالم والتي لم ترض بالطاغية ولا بالمستبد ولا بكل أشكال الظلم .لتنهض بعدها عندما ركزت على قيمة الإنسان.

