قانون المطارق

قانون المطارق

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

والمطارق جمع مطرقة ، والمطرقة معروفة عند الناس جميعا ,  وعرفها رجال اللغة بأنها  آلة الحداد يضرب ويطرق بها الحديد وأشباهه لكسره أو تشكليه .

وما أرى قانون الطوارىء إلا قانونا للمطارق , إذ يصدق عليه كل ما ذكره اللغويون في المطرقة  ، فالطاغية  " حداد " لا يعرف اللين ، وآلياته  هي الحديد والنار ( نار الكير ) .

وقانون الطوارىء ، مطارق يتعامل بها الطاغية  ورجاله مع الشعب  ، ويرمي بذلك لتحقيق هدف من هدفين :

الأول :   تكسير الشعب ماديا بشل حركته  إذا أراد أن يقاوم الظلم والاستبداد  . وتكسيره معنويا بالقضاء على ثقته بنفسه  ، والبلوغ به  إلى درجة  اليأس معتنقا المقولة المشهورة "مفيش فايدة "

أما الهدف الثاني فهو تشكيل الشعب وإعادة صياغته مسايرا النظام القائم بحيث يمحو من قاموس حياته أداة النفي " لا"  ، كما نرى في " الأغلبية المزعومة " .

وأصبحت العلاقة بين الحكم القائم وعامة الشعب . متمثلة في قول  للشاعر

دعَوا باطلا ، وجلوا صارما             وقالوا صدقنا ؟ فقلنا نعمْ

لقد مدوا قانون الطوارىء  مرات متعددة ، وطبل المطبلون ، وزمر المزمرون لهذا المدّ ، وكأنه كان ضرورة الضرورات .. لا أقول لأمن مصر  وسلامتها ، بل أقول لحياة  مصر  المحروسة ... أي لبقائها على وجه الحياة .. حتى قال الألمعي اللامع اللميع  الدكتور / مفيد شهاب : " أنا لا أستطيع أن أعيش شهرا واحدا من غير قانون الطوارىء " . وأقول : آه ... لوغيرك قالها يارجل القانون " !!!! .

  ثلاثة عقود ياسادة ... ونحن نحكم بقانون الطوارىء , وإنه لقانون المطارق ، حتى أصبح  في مصر جيل نسميه  " جيل الطوارىء " .... ومن الملاحظات الغريبة أن كل من أصابهم الدور,  وجندوا في الجيش ينتسبون لهذا الجيل , وكذلك أغلب  من يتقدمون للعمل وشغل وظائف حكومية ، أو أهلية .

وإذا كان هذا هو وضعنا فإني أقترح على " أسيادنا الحكام " أن يكون الطوارىء هو الأصل , ويبقى القانون الطبيعي هو الاستثناء .

 و " الطوارئيون " أو المطارقيون " يدافعون عن فرض هذا القانون بحجج واهية أهمها :

1-        كل دول العالم – حرصا على سلامتها – تطبق قانون الطوارىء .

2-   نحن نطبق قانون الطوارىء في أضيق نطاق . فهو لايطبق  إلا على " الإرهابيين وتجار المخدرات " .

3-        والمد الأخير ( لمدة سنتين ) يرجع إلى أن الدولة  لم تنته بعد من الصياغة النهائية لقانون الإرهاب .

     وقد وجه مندوب الأهرام السؤال التالي للسيد مفيد شهاب :

بصفتكم مسئولا عن اللجنة المكلفة بإعداد قانون الإرهاب ، فقد أتهمك البعض بتأخير تقدم الحكومة بالقانون . فماذا تقول ؟

فأجاب بالحر ف الواحد :

" هذا اتهام غير صحيح فاللجنة التي اشرف برئاستها تضم 25 عضوا من الخبرات والكفاءات العلمية المعروفة في هذا المجال من بينهم 9 أعضاء يتولون عملية صياغة ما يتم الاتفاق عليه . وقد قامت اللجنة على مدى عام ونصف العام بمراجعة العديد من التشريعات التى صدرت في دول العالم بالإضافة إلى القانون الاسترشادي  النموذجي للأمم المتحدة بخلاف الإتفاقيات الدولية  التي أبرمتها مصر في مجال مكافحة الإرهاب ، وقد انتهت من إعداد غالبية المواد ، غير أن هناك بعض الموضوعات التي لم يتم الاتفاق عليها وهناك نقاط أخرى  تحتاج  لدراسات أعمق ، وقد تم إرسال القانون لرئيس مجلس الوزراء الذي أحاله لوزارة العدل باعتبارها الوزارة المختصة من أجل استكمال دراسة وإعداد القانون بشكل نهائي.

ومع هذا  فإن هذا القانون في حاجة إلى دراسة متأنية ودقيقة حيث أنه يرتبط بقوانين أخرى وأوامر عسكرية بعضها مرتبط بالامن القومي والحدود وسيناء "

وما سبق كان ومازال أوهي من بيت العنكبوت,  فحكومتنا هي أسرع حكومات  العالم في " تدويل " مشكلاتنا : فارتفاع الأسعار في مصر أصبح – بقدرة قادر – موجة غلاء عالمية.

وأقول لو صح هذا فهو نصف الحقيقة ؛ لأن المتحدث  لم يعلن عن مضاعفة المرتبات والأجور في الدول الأخرى ، لمواجهة حادة ارتفاع الاسعار . أما المصري المسكين فأجره ثابت . ومع ذلك  يطلب منه مواجهة غول الغلاء بآليته الضعيفة ، وبذلك صدق عليه قول الشاعر .

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له              إياكَ إياك أن تبتل بالماءِ

فتدويل مشكلاتنا وتعليمها ( أي الزعم بأنها مشكلات عالمية ) ، أسطورة  مرفوضة ، أو – على أحسن وضع - تمثيل لنصف الحقيقة . ولامانع أبدا أن  يقتحم المضمار المحروس جمال مبارك بتصرحاته التى تدور في هذا الفلك ، والتي تحتفي بها  كل الصحف القومية ، ومن آخر ما نشرته الأهرام لسيادته :

أعلن السيد جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني وأمين السياسات  أن المتغيرات الأقتصادية  العالمية والمحلية ، والتي تتم تتسم بالحدة  في ارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلة الغذاء ،  أصبحت  تحتم على الحزب الوطني  إعادة ترتيب أولوياته بالاتفاق مع الحكومة . والعمل على إيجاد بدائل جديدة , تنفيذا للبرنامج الانتخابي الواضح المعالم والمستمد من البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك .

وأكد جمال مبارك التزام الحزب بفلسفة البرنامج الانتخابي الذي بدأ  تنفيذه منذ ثلاث سنوات . والتي تمثل نصف المدة لتنفيذ البرنامج بأكمله يقتضي وقفة في المؤتمر السنوي الخامس للحزب في نوفمبر المقبل للمراجعة والانطلاق إلى  مرحلة جديدة  .

جاء ذلك في الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الديمقراطي

أمس  برئاسة السيد جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب وأمين السياسات والذي شهده السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب . وأعضاء الأمانة العامة وعدد من الوزراء ورؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات  الصحف وأمناء الحزب بالمحافظة .

وفي المؤتمر الصحفي العالمي الذي عقده  السيد جمال مبارك عقب اجتماع  المجلس أكد أن الحزب الوطني  ليس حزب رجال الأعمال ولكنه حزب داعم  للإستثمار وأنه لولا نجاح الحزب في تنفيذ سياسات أدت  إلى ترسيخ مناخ الثقة في الاقتصاد المصري ما كان لنا اليوم أن نتصدى للتحديات التي تواجهنا ...( الأهرام ـ الخميس 3 7   2008)

والشعب يتساءل : هل الحزب الوطني وطبعا على رأسه – ما يسمى بلجنة السياسات – هو حزب الحكومة ، أم أن الحكومة هي حكومة هذا الحزب .

على أية حالة  فلنعد إلى مقولتهم الدفاعية : كل العالم يحكم بقانون الطوارىء "  وهي مقولة تعني أن قائلها – حتى نحكم بصدقه – قام بعملية استقراء شامل  للتعرف على القانون الذي تحكم به كل  دولة   . وهذا ما لم يحدث , إنما هي كلمة باطل أريد بها باطل ، وعلى سبيل التذكرة نقول إن الدول الآتية تحكم بقوانينها  الطبيعية : فرنسا – انجلترا – الهند – ماليزيا – موريتانيا – إسرائيل .

وحتى لو صح هذا التعميم ( أن كل دول العالم تحكمها قوانين الطوارىء )  فليس هناك مَن  أو ما يلزمنا  بسلوك النهج نفسه .  ونحن أمة عربية مسلمة حرة . أم أننا قبيل من العبيد يصدق عليه قول المتنبي :

لا تشترِ العبدَ إلا والعصا معه            إن العبيد لأنجاس مناكيدُ

وقوله :

والعبد يقرع بالعصا            والحر تكفيه الملامـةْ

**********

ويقول حكامنا الاشاوس المغاوير : إننا لانطبق قانون الطوارىء إلا في أضيق نطاق أي على الإرهابيين وتجار المخدرات ، وأقول : إنه ادعاء كاذب ،  وكلمة باطل أريد بها باطل .

فما زالت المخدرات ترفع رايتها ، وتزداد كل يوم ارتفاعا ، ثم أصبحت " البودرة " شريكا راقيا " له  وجود وكيان ، وانتشار واسع . وقد اخبرني  من لا أتهم أن " البانجو " يباع في الريف علانية كالفجل والجرجير  .

ثم أين هم الإرهابيون يا " مغاوير الحكم "؟  لقد أعلن العادلي  وزير الداخلية الهمام ضبط شبكة إرهابية من قرابة مائة إرهابي , يعدون العدة للقيام بعمليات  تخريب ونسف . وتحت هذا الخبر الذي نشرته صحيفة " المصري اليوم " جاءت عشرات من تعليقات القراء بأنها " قديمة  .. ومكشوفة " ياعدلي  "  وما أعلن هذا الخبر إلا لتبرير مد قانون الطوارىء  .

  أما الإرهاب الحقيقي فهو إرهاب الحكومة ضد المواطنين . من ذلك تعذيب المواطنين  حتى الموت . واقتحام مساكن المصريين في الفجر وتخريبها ، ومصادرة كل مافيها من مال وحلي وأجهزة الكترونية ، وهتك أعراض الرجال في أقسام الشرطة .

  وهل  يدخل  في نطاق " الإرهابيين " عشرات الألوف من المعتقلين من عشر سنين أو تزيد , ولا يعرف عنهم أحد شيئا ؟

  وهل  من الإرهابيين شرفاء الأمة الذين حولوا إلى القضاء العسكري ليحاكموا بتهم  ما أنزل الله بها من سلطان . ثم أليس  إرهابا أن يعاد اعتقال مواطن حكم له القضاء بالبراءة مما وجه إليه ... ويعاد اعتقاله بعد كل حكم ببراءته ، ويقولون : هو بريء بالقانون الطبيعي ، ونحن نعيد اعتقاله باسم قانون الطوارىء  لمصلحة البلد .

  أي ان قانون الطوارىء  ـ كما ذكرت أنفا ـ أصبح هو الأصيل ، وأما قانون الأمة الطبيعي فأصبح  هو   الاستثناء .... ولك الله يا مصر .

**********

وفي ظل الطوارىء ترعرع الفساد ، وازداد وانتشر بشكل بشع ، والرشوة أصبحت هي الوسيلة الوحيدة لقضاء مصالح العباد ...

وفي ظل  الطوارىء  رزئنا بجرائم جديدة  منها : شبكات الفسق بالأطفال , ورأينا السرقات باقتحام الشقق ، أو الخطف بالدراجات البخارية نهارا جهارا ، وتعددت عصابات الاتجار بالأعضاء البشرية بطريقة غير شرعية وغير قانونية وغير إنسانية .

فلم يعد واحد في مصر آمنا على نفسه ، ولاعلى أبنائه وأسرته .

 وتبقي الدلالات الفاجعة لهذا القانون الذي ما وضع إلا لحماية النظام ورجاله  .

فهو اتهام بقصور ... بل بعجز القانون الطبيعي عن أداء واجباته التي وضع من أجلها

  وهو إهانة لشعب مصر , وقدر رأينا مفيد شهاب يعلن أننا لانستطيع أن نعيش من غير طوارىء  .

ورأي رئيس الوزراء السيد " نظيف" جدا معروف مشهور . ومؤداه  أن شعب مصر لم يبلغ من الوعي الدرجة التي تؤهله  للحكم الديمقراطي  .

كما أنه ضربة لمصر في مجال السياحة ؛ لأن  صورة مصر في الخارج هي صورة وطن يروج فيه الإرهاب .

وأذكر أن حكومتنا الرشيدة  جدا  قامت  من بضع سنين بتعليق لافتات على  أعمدة النور .. وغيرها من وسط القاهرة إلى المطار تحمل عبارة : نعم للسلام والاستقرار ولا للإرهاب .

وأسأل عباقرة الأمن ألا تعطي هذه العبارات والكثرة الهائلة من هذه اللافتات إيحاء عكسيا للسائح بان العكس هو الصحيح  .  وهذا يذكرني بنكتة الساذج الأبله الذي خاف على ماله من اللصوص , فوضع نقوده كلها في صرة , ووضعها في جزء نقره في حائط حجرة في بيته . وأعاد الحائط كما كان  ، وحرصا منه على نقوده من السرقة كتب بخط واضح على هذا الجزء من الحائط  عبارة نصها " ليس هنا نقود "

********

وبالنظر  إلى حديث مفيد شهاب عن قانون الإرهاب  المنتظر  أبرز في إيجاز ما يأتي :

-    في مصر من سنة 1992 قانون نموذجي لمواجهة الإرهاب نشر في الجريدة المصرية  العدد 29 مكررا بتاريخ 18/7/1992  .

-    لو أن اللجنة المفيدية الشهابية كانت مكلفة باختراع مفاعل ذري جديد لانتهت منه ولا أستطيع أن أفهم منطق مفيد شهاب في أن المسألة ليست سلق بيض ... بل مدروسة على أعلى مستوى ...

يا سلام يامفيد !!!! عشرون او ثلاثون مادة تستغرق كل هذا المجهود ... وكل هذه السنوات .. إنها المغالطة  التي لايصدقها ، ولا يستسيغها  عاقل ... أي عاقل في العالم .. وعلى أية حال هي ورقة .. مجرد ورقة ,  يلعب بها لإطالة عمر حكم يحتضر .

وأخيرا... لك الله .. لك الله يامصر ..

***************************************

قطرات نفس

ـ يا أخي الكاتب العظيم...والشاعر العظيم فاروق جويدة .. يكفيك العرش الذي تتسنمه أنت والأساتذة  فهمي هويدى  وأحمد سلامه وصلاح الدين حافظ . ويكفيكم رصيدكم الضخم في بنوك العقول والقلوب .. وأذكرك بقول الشاعر القديم :

إذا النعجة العجفاء كانت بقفرة        فأيان ما تعدل به الريح تعدل

ـ إلي  القط الذي يحكي انتفاخا صولة الأسد : كان إخفاقك ضربة قاصمة في " المألة  التمرية الجمركية " ، ولو كان هناك حكم عادل  لحوكمت بتهمة التزوير ، أو ترويح التزوير   وأتحداك يا وقط أن نسمع منك كلمة واحدة عن هذا الايصال .

ومن الأخبار التراثية  أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأى رجلا يمشي في شوارع المدينة , وقد رفع بيده تمره واخدة , واخذ ينادي بأعلي صوته : يامن ضاعت له تمرة ؟ ... يامن ضاعت له تمرة ؟

  فضربه عمر بدرته .... وزجره قائلا : كُـلُها .. كلها ياصاحب الورع الكاذب .

   وتعيش ياقط .. وتأكل غيرها ..