الأوضاع العراقية... بين التفجر والتحسن

الأوضاع العراقية... بين التفجر والتحسن

د. ياسر سعد

[email protected]

الإدارة الأمريكية ما تفتأ تكرر القول أن الأوضاع في العراق في تحسن مضطرد بعد خطة زيادة القوات الأمريكية, التحسن المقصود يكمن في القدرة على السيطرة العسكرية ومحاصرة المناوئين للاحتلال الأمريكي دون اعتبار لأحوال العراقيين ومعاناتهم. من أهم المؤشرات التي توحي بذلك التحسن المزعوم الانخفاض بعدد الجنود الأمريكيين القتلى والذي وصل في شهر مايو الماضي إلى 19 جنديا, والأعداد المتزايدة لقوات الأمن والجيش العراقية.

فهل التفاؤل الأمريكي في محله وله ما يبرره؟ أم تراه موهوما لرفع المعنويات الأمريكية المتهاوية في العراق - خصوصا وأن الجهود الأمريكية وصلت لحدودها القصوى- ومحاولة للتسويق في عام السباق الانتخابي الأمريكي؟ من المرجح أن الأجهزة الحكومية والقوات العراقية والتي يعول عليها الاحتلال مخترقة من قبل الميلشيات المختلفة وربما بدرجة اقل من بعض فصائل المقاومة. هذا الاختراق سيترجم إلى عمليات قاتلة ضد الأمريكيين في أوقات حرجة قد تسهم في حسم معركة عض الأصابع الدائرة في العراق.

 ففي مدينة المدائن العراقية فتح أحد أعضاء المجلس البلدي النار على عدد من الجنود الأمريكيين مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم وإصابة أربعة آخرين كما أفادت مصادر من الشرطة العراقية, بينما كان عدد من الجنود الأمريكيين ومسؤولين عراقيين يشاركون في احتفال بمناسبة افتتاح حديقة عامة في المدينة. كما قتل جنديان ومدنيان أمريكيان جراء انفجار قنبلة مزروعة أثناء اجتماع لمجلس محلي في مدينة الصدر. مسألة الاختراق ستضعف ثقة الجانب الأمريكي في الأجهزة والقوات العراقية مما قد يؤدي بالأمريكيين لاقتراف أخطاء قاتلة بحق حلفائهم وهو ما  سيعزز بدوره مشاعر الريبة والكراهية بين الجانبين.

العديد من النجاحات الأمريكية تمت من خلال شراء ولاءات بعض العناصر العراقية, ومن الطبيعي أن الارتباط المادي سريع التقلب ولا يعول عليه خصوصا في الأوقات الصعبة أو حين تتدخل عوامل أكثر تجذرا في النفس كالعوامل العشائرية أو حين تنقطع أو تتأخر المكاسب المادية مما قد يغير تلك الولاءات.

 الأحوال المعيشية الصعبة في العراق وفشل أو بالأحرى إعراض الاحتلال والحكومة العراقية عن التعامل مع الهموم اليومية للمواطن العراقي مع الحديث عن عودة الشركات النفطية الغربية العملاقة للعراق سيدفع بالمواطنين العراقيين للاقتناع بأن ما يجري في بلادهم هو عملية نهب واسعة تحت شعارات براقة وزائفة, مما يدفع بالزخم الشعبي باتجاه مقاومة الاحتلال وبمختلف الوسائل.

الاتفاقية الأمنية المزمع عقدها بين الحكومة العراقية والاحتلال الأمريكي والرفض الشعبي الواسع لها, ستساهم في إسقاط ما يسمى خيار المقاومة السياسية والسلمية بشكل نهائي من الضمير العراقي والذي كان يتشدق به السياسيون العراقيون ممن ارتضوا أن يكون جزءا من اللعبة السياسية التي أدارها الاحتلال. الاتفاقية وما تحمله من اعتداء واضح على السيادة العراقية والتعامل بدونية مع الطرف العراقي واستباحة أرضه وسيادته وإعطائها الحصانة لمقاولي الجيش الأمريكي ستحرك المشاعر العراقية الوطنية الغاضبة خصوصا وهي تستحضر جرائم وتجاوزات عناصر بلاك ووتر وغيرها.

الاعتداءات المتكررة على الحرمات والمقدسات والتي كان أخرها استخدام جنود أمريكيين القرآن الكريم كشاخص للرماية تزيد من الاحتقان والسخط الشعبي. كما إن الأعداد الكبيرة من ضحايا الاحتلال الأمريكي والميلشيات التي ولدت من رحمه تحرك مشاعر الثأر الغاضبة في نفوس كثير من العراقيين خصوصا وهو يعايشون الاستهانة الأمريكية في التعامل مع العناصر التي اقترفت الجرائم والتجاوزات بحق العراقيين. وقد رأينا المظاهرات الغاضبة في مدينة الحديثة في أعقاب قرار المحكمة الفيدرالية الأمريكية بتبرئة سبعة عسكريين متهمين باقتراف مجزرة في المدينة.

الأوضاع الإقليمية والدولية ستؤثر على مجريات الأمور في الساحة العراقية, ولعل الإنهاك الأمريكي في أفغانستان والخسائر الأمريكية المتزايدة هناك يعطي المقاومة العراقية زخما معنويا كبيرا. ليس من السهل التنبؤ بمسار التطورات في العراق, لذلك لم يجانب الدقة التقرير الفصلي لوزارة الدفاع الأميركية الصادر يوم الاثنين الماضي والذي اعتبر أن التقدم الحاصل "يبقى هشا وقابلا للتبدل". وإن كنت لا أستبعد تفجر ثورة شعبية عارمة تقلب الطاولة على الأمريكيين وتبعثر حساباتهم.