الإجماع الوطني سيفٌ مأجور

مصطفى محمد أبو السعود

مصطفى محمد أبو السعود

كاتب من فلسطين

التأمل في قضايا الوطن نصف انتماء، والعمل على حلها انتماء كامل للوطن ، وللمتأمل في حال البلاد، يرى أن البعض يعزف على سيمفونيات بالية لا جدوى منها، لكنه يستخدمها حين يريد ، ويسرحها إذا شاء، هذا حال الإجماع الوطني الذي طالما تغني الكثيرون به ، وبضرورته، وبقدرته الجبارة على إخراج القضية الفلسطينية، من أسفل أبار الذل إلى أعلى أبراج الكرامة، ونظروا له كرافعة تحمل أحلام الشعب إلى القمة ، وعنوان النجاح في أي خطوة ، وأعطوه لقب سوبر ستار ، ووصل منسوب عشقه لأعلى المستويات خاصة حينما يتعلق الأمر بتشكيل ضغط على فصائل المقاومة ، أما حينما تظهر سيدة الدبلوماسية الأمريكية في الأفق لتمارس أساليبها الماكرة حيث الوعود دون معايير، فسرعان ما تختفي روعة الإجماع، ليدخل إلى غرفة الإنعاش ،لأن إدارة أمريكا أرادت أن يأخذ الإجماع الوطني فترة نقاهة، ومصاريف الرحلة مدفوعة الأجر سلفاً.

فكل الأحاديث عن ضرورة انطلاق مسيرة التحرير، والبناء الفلسطينية من عباءة نصوص الإجماع الوطني، المكتوبة في مسند الشعب الفلسطيني ،هي أحاديث ضعيفة، لأنها صيغت بأيدٍ ليست ذات ثقة، لذا شكلت في أغلب الأحيان عبئ ثقيل على كاهل الشعب ، وقيدٌ وُضعَ في معصمه ، حتى لا يُقاتِل ، ويبقى في ضيافة الوهن يختبئ خلف عجزه .

يخرج الإجماع من كهفه إلى الكون الرحب ليُدخل القضية في ضياعٍ جديد متناسياً أهات الشعب، ودماءه ،وأيتامه، وبيوته المهدمة، ومآسيه، وأسراه الذين أتعبهم الانتظار، ليشكل عبر ذلك ، العار الحاصل على دكتوراه في قانون التنازل، فالمتنازل يطرح المواضيع، تاركاً لأهل المنفعة تبرير الخيانة ، بحجة أن المصلحة تتطلب خوض المزيد من التجارب ، وهكذا أصبح الإجماع سيفاً يُرفع في وجه الإخوة ، إذا أرادات أمريكا، ويغمده إن شاءت إسرائيل.

على الذين اخترعوا كذبة الإجماع، أن يحترموا إرادة الشعب، وعقوله، ويتنازلوا عن فكرة التنازل إلى الأبد، وعلى الفصائل المنضوية تحت المنظمة التي شاخت ، ورسم الزمن على جسدها علامات الكهولة ، أن تحدد مواقفها من كافة القضايا ،لأن بقائها في قاعة الانتظار سيضر بما تبقى لها من التاريخ الجميل ، وعليها الخروج من دائرة  النقد بالنهار والمباركة الليلية ،التي لا تفاوض ولا تستعد للقتال، واستعادة دورها الداخلي بعدما سكنت علاقاتها الخارجية في ذمة الماضي.