الحوار .. والحصار !
الحوار .. والحصار !
أ.د. حلمي محمد القاعود
حين تنازل فخامة الرئيس آية الله محمود عباس ميرزا زعيم سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود في رام الله ؛ وأعلن عن رغبته في الحوار مع منظمة حماس ، تفاءل بعض الناس خيرا وقالوا : لقد آن الأوان للمّ الشمل الفلسطيني ومواجهة العدو النازي اليهودي علي قلب رجل واحد انطلاقا من مبدأ : قاوم وفاوض .. ولكن الآنسة كوندي لم تمهل هذا البعض طويلا حيث اتصلت علي الفور بفخامة الرئيس وسألته عن طبيعة هذا الحوار، ويبدو أنها حذرته من المصالحة مع قومه فخرج علي الفور أحد أباطرة منظمة التحرير ليتحدث عن ضرورة إعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل يونيه 2007 ، وتراجع حماس عما يسمي بانقلابها علي السلطة الشرعية !
لم تبد عاصمة عربية ترحيبا باستضافة الحوار أو الاتصال بالطرفين لجمعهما . ويبدو أن تجارب الاتفاقات السابقة في القاهرة ومكة المكرمة وصنعاء لم تشجع علي دعوة فتح وحماس أو التدخل بينهما للتوفيق والتفاهم . . وحده الرئيس السنغالي "عبد الله واد " فاجأنا بدعوة مندوبي الفريقين إلي داكار بوصفه رئيس الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي وقد نشرت جريدة "القدس العربي" التي تصدر في لندن 1262008 م أن الرئيس السنغالي كان صريحا وحادا حيث قال للوفدين : بحكم خبرتي القانونية وبوصفي محاميا ( كان محامي الثورة الجزائرية ) اطلعت علي النظام الأساسي الفلسطيني ؛ تبين لي أن حكومة إسماعيل هنية هي حكومة شرعية بصفتها حكومة تصريف أعمال وأن حكومة الدكتور سلام فياض غير شرعية .. كان الرئيس السنغالي يقرأ نصوص القانون الأساسي أمام الوفدين ،وقال لهم إنني أحاول الوصول معكم إلي حل وسط .
ووصفت بعض المصادر المهندس "حكمت زيد" رئيس وفد حركة فتح أنه كان متعنتا ورافضا في البداية مبدأ إصدار بيان مشترك يوقع عليه الطرفان، ولكنه وافق بعد ذلك حين أصر الرئيس السنغالي علي ذلك مشترطا عدم الإشارة إلي انه جري حوار بين وفدي فتح وحماس والاكتفاء بان الرئيس استمع من الوفدين كل علي حدة ، بيد أن الرئيس السنغالي انفجر في وجه زيد غاضبا وقال إني أصرح بما أريد ولا أسمح لك بان تطلب مني تزوير الحقائق وإنه ليؤسفني أن أصارحك بأنك لم تكن صادقا معنا فقد ادعيت أنك مفوض ثم بدأت تتهرب وتتنصل من مسئوليتك فأنت لم تأت بنية الاتفاق وإنما لقطع الطريق علي أي اتفاق، وأضاف الرئيس في حديثه إلي زيد أنتم تلعبون لعبة أكبر منكم وأنا أعرف من وراءكم وماذا تريدون ، وإذا لم تتجاوبوا معنا ( موجها كلامه لوفد فتح ) سأخرج إلي الإعلام وأعلن أن حوارا جري بين الطرفين وأبرز الوثائق الخطية والصور التي تثبت ذلك وأحملكم مسئولية الفشل !
وتضيف "القدس العربي" نقلا عن مصادرها أن وزير خارجية السنغال "شيخ تيجان جاديو" أكمل الحديث بعد أن توقف الرئيس قائلا لوفد فتح : لقد نصبتم لنا فخا وحضرتم بنية عدم الموافقة علي أي شيء مخفين أجندتكم . ثم توجه حديثه إلي المهندس زيد : لقد ادعيت أنك مفوض ولكن كنت تعود للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في كل شيء.
وقال الرئيس السنغالي أمام الوفدين : بصراحة أريد التنويه أن حماس كانت معنا وتصرفت بمسئولية عالية فأرسلت وفدا مفوضا رفيع المستوي وكان سلوك الوفد جادا وتعاملوا بمسئولية وطنية تجاه كل الاقتراحات بما فيها الاقتراحات المجحفة
وأمام الانتقاد السنغالي اضطر وفد فتح للتوقيع علي البيان وإن كان المهندس زيد نفي أن يكون ذلك قد حدث من الرئيس السنغالي أو وزير خارجيته واتهم الرئيس بأنه ليس علي معرفة كاملة بالخلاف الداخلي الفلسطيني ، واضطر للضغط علينا أمام الطرف الآخر ( حماس)الذي يعرقل الأمور ، بهدف جرهم وإقناعهم .
وواضح أن القوم في رام الله ؛ لهم غايات أخري مختلفة تماما عما يريده الشعب الفلسطيني ، وأن الآنسة كوندي لها القول الفصل في تحركاتهم وسلوكهم ومواقفهم ، وقد زارت مؤخرا الضفة الغربية وأعلنت أن المستعمرات اليهودية لن توقف المفاوضات (تقصد المفاوضات العبثية بين السلطة والغزاة) ؛ وتحت مظلة رايس أعلن اليهود القتلة أنهم قرروا إقامة أربعين ألف مسكن في القدس الشرقية المحتلة وأعلن أحد قادتهم أن القدس والمستعمرات خارج نطاق المفاوضات ..
يتم ذلك والحصار الصهيوني لغزة وشعبها يأخذ منحني خطيرا في إطار حرب الإبادة التي يشنها النازيون اليهود الغزاة ضد الشعب الفلسطيني وحرمانه من أبسط ضروريات الحياة .
إن المجاهدين في غزة والضفة يدافعون عن وطنهم ويبذلون الأرواح الغالية ولكن أباطرة رام الله يجيدون الإنشاء والبلاغة الفارغة في تسويغ مواقفهم المتخاذلة المنكرة ، واستخدام معجم متكرر لا يملون من ترديده مع أنهم يعلمون أنه كذب كله ، وافتراء كله ، وتضليل كله.. فيزعمون أن حماس قد انقلبت علي الشرعية ! والسؤال البسيط : هل هناك من ينقلب علي نفسه ؟ إنهم أي حماس أصحاب الشرعية , وقاموا بحمايتها من خونة الأمن الوقائي الذين خططوا أو خطط لهم العدو الصهيوني مع الوحشية الأمريكية لإسقاط الشرعية واستئصال الإسلام فجاءت رمية من غير رام ؛ حين أرادت حماس أن تضع حدا للقلاقل والتفجيرات والمذابح التي قام بها أنصار دحلان ، فاكتشفت المؤامرة والمتآمرين وكان القضاء علي خطة دايتون والخونة أمرا طبيعيا وظن الغزاة وحماتهم في واشنطن أن الحصار سيقلب الأوضاع ويقضي علي المقاومة ولكن خاب ظنهم وأخفق مسعاهم حين رأوا الشعب الفلسطيني يزداد تمسكا بالمقاومة وحماس والجهاد والجبهة وبقية الفصائل المجاهدة ..
لقد استطاع المحاصرون أن يصنعوا ملحمة فريدة في الصبر والاحتساب وفي الوقت ذاته تمكنوا من خلق ميزان الرعب الذي جعل الغزاة القتلة يولولون في المستعمرات التي تقع علي حدود القطاع وشعر سكان سيدروت وعسقلان بان واحدا من أقوي جيوش العالم لا يستطيع حمايتهم وقد جربوا ومازالوا غارتهم الوحشية بأحدث الطائرات والدبابات والمدفعية وقتل العشرات وإصابة المئات علي مدار الساعة ولكنهم لم يحققوا الأمان ولم ينالوا السلام .
إن أباطرة رام الله يلعبون لعبة خطرة وينساقون وراء العدو وحماته من أجل مصالحهم الخاصة ومنافعهم الشخصية وهو أمر يصيب القضية الفلسطينية في مقتل ، ويؤخر عودة الحقوق إلي أصحابها ولكن صفحات التاريخ لا ترحم ، والشعوب تنتصر في النهاية ..وليت قومي يعلمون .
كراهية الإسلام !
اعتاد نفر من كتاب صحيفة يومية كبرى اصطياد بعض الأحداث لإعلان شماتتهم في الإسلام والمسلمين ، ولا أدري لماذا يجاهرون بهذه الصورة الفجة ، وهم يعلمون جيدا أن المسلمين لن يتركوا إسلامهم مهما كانت قوة الخصوم والأعداء .. هل حكم المحكمة الدستورية التركية الخاطئ برفض التعديلات التي تسمح للطالبات التركيات بارتداء الحجاب يمثل نصرا تاريخيا على الإسلام يستحق هذه الشماتة من كتاب يحملون أسماء إسلامية في صحف يفترض أنها إسلامية في بلد يعد عقل الإسلام وقيادته الفكرية ؟ ترى ماذا يقولون عندما تحكم هذه المحكمة الظالمة بحل حزب العدالة والتنمية الحاكم ، لأن بعض أعضائه لديهم جذور إسلامية ؟ عيب يا سادة !