في استهداف السفارة الدانمركية

في استهداف السفارة الدانمركية

د. ياسر سعد

[email protected]

التفجير الذي استهدف السفارة الدنمركية في العاصمة الباكستانية إسلام أباد أمس وأدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى, عمل مرفوض وينبغي أن يدان. الانفجار دمر بوابة السفارة وألحق أضرارا بواجهة المبنى وسيارات عند المجمع, فيما ذكرت الشرطة ومسؤولون أمنيون أن كل القتلى والمصابين من الباكستانيين. من الناحية الإسلامية تعتبر حرمة المسلم ودمه أعظم من حرمة الكعبة على علو قدرها ومنزلتها. حتى لو أن الفاعل نجح في الوصول للدبلوماسيين الدانمركيين, فبأي حق يؤخذ إنسان بجريرة أخر ولو كان من بني جلدته, وكيف للمخططين للعملية المؤسفة أن يعلموا أن أعضاء السفارة المستهدفين من الموافقين على الإساءات المشينة للرسول صلى الله عليه وسلم. الرد على الإساءة بالقتل الأعمى والتفجير والتدمير, يؤذي القضية التي يموت من أجلها المنفذون أكثر بكثير مما يخدمها.

ما حدث في إسلام أباد يجب أن يواجه ويعالج جذريا حتى لا يتكرر ومن ثم يترسخ في مجتمعاتنا أسلوب الرد كيفما اتفق وبأي وسيلة متاحة. من هنا فإن الواجب يستدعى قراءة الحدث بأبعاده ومعالجة جذوره وليس الاكتفاء بالتنديد أو بترديد عبارات مقولبة أصبحت غير مقنعة ومثيرة لمشاعر الضجر. يتحمل المسؤولية عما حدث في إسلام بالإضافة للجهة المنفذة العقلية التحريضية والاستفزاز المستمر لمشاعر المسلمين من خلال انتهاكات مقدساتهم وحرماتهم وبشكل متواصل تحت مسميات حرية التعبير والديمقراطية ومن خلال رسوم ومسرحيات وأفلام وتصريحات لسياسيين وإعلاميين بل وحتى لرجال دين. الحرية الغربية التي لا تعرف حدودا ولا ترضى بالقيود حين تتناول الشأن الإسلامي,  تتوقف صاغرة عند الحديث عن تجاوزات النازية وتجرم من يناقش ويجادل في تفصيلات ما حدث ولو كان مؤرخا أو ناقدا. إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية في الدانمرك تحت مسمى التضامن مع تهديدات مزعومة لأحد رساميها كان تصرفا خاليا من الحصافة والذوق والحس الإنساني وفيه استفزاز صارخ لمشاعر عموم المسلمين.

الشعور الطاغي عند كثير من المسلمين بانعدام مرجعية الدولة والتي تدافع عنهم حال وقوع ظلم عليهم أو على إخوانهم كما يحدث في جريمة حصار غزة وفي غيرها, أو ينافح عن مقدساتهم حال انتهكت بمواقف سياسية واقتصادية حازمة, واحد من أهم أسباب التطرف ولجوء بعض المسلمين إلى أخذ زمام المبادرة بأيديهم والتصرف بشكل ثائر وغاضب. حين احتج سيف الإسلام القذافي على تعيين روبرتو كالديرولي وزيرا في حكومة برلسكوني الأخيرة لتورطه في الإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في برنامج تليفزيوني عام 2006 حين ظهر مرتديا فيه قميصا عليه الرسم الكاريكاتيري. الاحتجاج الليبي ترافق مع تهديد بوقف التعاون الاقتصادي مع الحكومة الإيطالية إذا لم يعتذر كالديرولي على فعلته, وهو ما تم فعلا. الأمر المؤسف أن دولا عربية وإسلامية كبيرة لا تقدم على مواقف حازمة وتهديدات بعواقب جازمة إلا في حال تعرضها أو رموزها أو سجلاتها في الحرية والديمقراطية لانتقادات أو تعليقات ناقدة. في حين تتصرف بجمود وبرود في القضايا التي تمس المشاعر الشعبية وتستفزها انتهاكا لحرمات أو نصرة لمظلومين.

بعد التطورات في لبنان وسيطرة المعارضة على بيروت الغربية نشر موقع سي إن إن باللغة العربية على الشبكة العنكبوتية تقريرا بعنوان "حرب الإنترنت تشتعل في لبنان وسنّة يستنجدون بالقاعدة", جاء فيه أن منتديات تيار المستقبل شهدت مداخلات من شباب ناشدوا فيها القاعدة للتدخل لحمايتهم, فيما أبدى البعض ندما على عدم الوقوف بجانب تيار فتح الإسلام في معارك نهر البارد. الأطروحات التي نقلها التقرير تدل على وصول عناصر من تيارات علمانية لليأس من أي عون أو سند سوى آمال أو أوهام في دعم مجهول من جهة مجهولة. غياب المرجعية والرؤى الواضحة والإستراتيجية المدروسة تجعل الخيار أمام كثيرين ما بين الانهيار أو الدمار, وهو ما سيبقى يغذي تيارات العنف والتطرف والتي تؤذي بتصرفاتها قضاياها أكثر بكثير مما تنال من خصومها وأعدائها.