مرادفات مفقودة في تاريخ الوطن

مرادفات مفقودة في تاريخ الوطن

( عظم الله أجركم )

مقال أدبي سياسي ساخر (20 – 5 – 2008 م )

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

كن جميلا ترى الوجود جميلا ، فالجمال صفة كونية متأصلة في الوجود ، ولكن العيون أصابها ما أصابها من ألوان الرمد والعمى ، حتى أصبح كثير من الناس اليوم في زمن الحداثة والعولمة ، لا يجدون الجمال إلا في اللون الأحمر القاني المنبثق شلاله على أيدي بني البشر، كما وجدته متلذذة في ساديتها عند ممارسة المتعة الجنسية ، وفي طعم مزيج قطرات الماء المنبثقة من المقل ، والتي رسمت على الخدين محراث الزمن الأسود ، كما فحرت خطين على ذلك الوجه الملائكي ؛ ليسير عليهما قطار الذل والقهر، بالقدر الذي يسير على وجوه الأطفال واليتامى والأرامل والشيوخ ، والثكلى والجرحى والمعوقين والفقراء والمعذبين ، فالانتصار حتما للساخرين ولحمرة الشفاه .

في يوم من الأيام وفي الساعة السابعة صباحا ، دخلت حديقة جميلة واسعة بدون أن أخلع نعالي ، وعندما وقع بصري على مناظرها الخلابة ، بدأت تتفتق في ذهني كثير من المعاني والأفكار المفقودة على أرض الوطن الذبيح ، كنت أقرأ بخرافة ذهني على صفحات كل نبتة ، كثيرا من معاني الجمال والحب ، والصفاء والحيوية والعطاء الذي لا نظير له ، وكنت أشعر كأن قلبي يداعب قلب كل ووردة ، وكأن روحي تعانق روح كل زهرة وشجرة ، وبخطاب حال لا بخطاب مقال ، دار حوار كبير وعميق بيني وبين الحديقة اليانعة ،ولحسن حظي لم يكن عندي من الديدان والحشرات شيئاً فقد مللت من مجدهم الكاذب .

ذكّرني جمال الحديقة بجمال الوطن ، بل بجمال أوطان بني البشر على كوكب الأرض ، وتذوقت طعم الود من ذلك الحوار، فالود صفة تعلو صفة الحب ، وهي نتاج عنها ، وبدأت أسأل نفسي :  متى ينعم بني البشر بطعم الود والحب في أوطانهم

كانت أرض الحديقة مكسوة ببساط اخضر جذاب جميل تنبعث منه رائحة متميزة خاصة بعد ريه بالماء صباحا (( وجعلنا من الماء كل شيء حي )) .

انسجام لا نظير له ، وتكامل فريد من نوعه يجمع العلاقة بين الضدين ، بين طلع النبتة في أبواغ لقاحها ، وبين مبسم متاعها (( ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين )) .  

جذبني جمال الحوار مع الحديقة لأن أُبحر عميقا في بحار التفكير، فتذكرت مذابح عام 1915م بحق الأرمن والآشوريين ، ومذابح الأكراد ومذابح فلسطين واتفاقيات سايكس بيكو ووعد بلفور، ومذابح البوسنا والهرسك ، وحملات الإبادة في العراق وأفغانستان والصومال ، بل أعمق من ذلك حيث مذابح روما قبل التاريخ فلم يغير مدرج روما القديم الذي كان مسرحاً لمعارك دامية بين الأسود والمصارعين قبل ألفي عام صورته ، كما جاء في مقدمة الخبر الذي بثته رويترز ونشرته الرأي يوم (13/5/2002 ، ص 48)، بل شهد هذا المدرج يوماً دامياً آخراً تمثل في إقامة حفل لتشجيع السلام العالمي والمساواة مع التركيز بصفة خاصة على صراع الشرق الأوسط .

حيث غنى الشاب خالد مع المطربة الإسرائيلية في ذلك المهرجان الحاشد على جثث الشهداء أثناء ارتكاب الصهاينة لمجزرتهم البشعة في مخيم جنين .

جلست تحت ظل شجرة امتدت جذورها عميقا في تراب الوطن ، معانقة هواءه وسماءه بشموخ كل عزيز ، رغم أنف جرافات الاحتلال الإسرائيلي وجميع القادة العرب ، وتلوت قول الحق سبحانه وهو يصف تلك الأشجار : (( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )) ثم طارت ذاكرتي إلى تاريخنا الجميل إلى أولئك النفر الجرحى في غزوة بدر، الذين ماتوا عطشا ودماؤهم نازفة ، وكل منهم يؤآثر أخاه بالماء عن نفسه .

 جلست وقد كادت طنجرتي أن تنفجر، فحمدت الله على نعمة الوحدة والانفراد خشية وقوع إصابات ، وكنت حاملا جسدي الذي أرهقته السنون ،  وبيدي قلمي الرديء برداءة فكري والهش بهشاشة عظامي ..

 كان الدجاج يعيش في حظيرته برغد وسعة ، يربطهم من الحب أكثر ما كان بربط بين رومي وجولييت ، وعروة وعفراء ، وجميل وبثينة .

سأل الرجل صاحب المزرعة : كيف يمكن أن أنقل الدجاج مشيا على ألأقدام بدون أن يلتقط حبة شعير واحدة ؟ ..

أجب صاحب المزرعة : ضع رأس كل دجاجة قي مؤخرة الدجاجة الأخرى حتى آخر دجاجة .

قال الرجل : والدجاجة الأولى أين أضع رأسها ؟ .

قال صاحب المزرعة : في مؤخرتك .

هكذا هم النعاج في حالة الانبعاج

شكر الله سعيكم وغفر لموتاكم

زياراتكم وتعليقاتكم شرف كبير لي

www.tahsseen.jeeran.com    واحة الكتاب والأدباء المغمورين