شعب سورية
شعب سورية
الحاضر عبداً ضحيّة .. الغائب سيّداً بطلاً !
عبد الله القحطاني
أين شعب سورية !؟
هو ذا السؤال المطروح ، اليوم ، ومنذ أمد بعيد .. وربّما إلى أمد قادم ، لا يعلمه إلاّ الله !
المساومات والصفقات ، تنعقد في أسواق السمسرة الدولية ، وربّما أسواق النخاسة .. عليه ، وعلى وطنه ، وعلى حاضره ومستقبله ، وحتّى على ماضيه .. وهو غائب مغيّب ، لا يُستأمَر بشيء من أمر نفسه ، ولا يُستأذن! سواء أكان هذا الشيء سلماً ، أم حرباً ، أم هدنة ، أم حلفاً، أم معاهدة ، أم صفقة من أيّ نوع ! من دولة بعيدة أو مجاورة ، صديقة أو عدوة .. لبيعه ، وبيع وطنه ، وبيع أحلام أطفاله !
الذين غيّبوه ، من سماسرة الدول والشعوب الدوليين .. يعرفون لمَ غيّبوه ، وكيف ، وإلى متى يريدون له ـ منه ـ أن يظلّ مغيّباً ! حتى لقد بات ينطبق عليه ، تماماً ، مضمون بيت الشعر القديم :
ويقضَى الأمرُ حين تغيب تَيمٌ ولا يُستأمرون وهمْ شُهود
والذين غيّبوه ، من سماسرته الداخليين ، المحسوبين عليه وعلى وطنه .. بل المحسوبين قادة وسادة ، له ولوطنه .. يعرفون ، كذلك ، لمَ غيّبوه ، وكيف ، وإلى متى يصرّون على أن يظلّ مغيّباً !؟
والذين يبحثون عنه ، وعن دوره .. يَسألون : أين هو ، وكيف تمّ تغييبه !؟
وهؤلاء أنواع :
· الشعوب ، التي تنتمي مع شعب سورية ، إلى أرومة واحدة ، وتاريخ واحد ، ولغة واحدة ، وحضارة واحدة ، وطموحات مشتركة ، ومصير مشترك ! وهذه لاتستطيع أن تفعل شيئاً ، لشعب سورية .. بل ، ربّما لايستطيع الكثيرون من أبنائها ، أن يفقهوا شيئاً ممّا يجري لشعب سورية ، داخل سورية ، وخارجها !
· الساسة والمثـقّـفون والمفكّرون ، والمحلّلون والدارسون .. من أبناء الأمّة ، ومن سائر الأمم والملل .. الذين يستغربون غياب شعب سورية ، عن صناعة قراره ، وعن صناعة حاضره ومستقبله .. بل ، ربّما عن حياته نفسها ، ويرون الأمر شاذاً ، بل في غاية الشذوذ ، برغم وجود حالات مشابهة له ، نسبياً ، في العالم المتخلف ؛ لأن الأمر في سورية ، بلغ درجة من السوء ، يصعب على عاقل تصوّرها ، إلاّ في إطار تراجيدي غريب ، بل في إطار سوريالي خيالي ، كابوسي ، شديد الغموض والإبهام والمأساوية ..!
· القوى المسيّسة المثقّفة المعارضة .. التي تتصدّى لقيادة الشعب ، من سنوات عدّة .. وهذه لا تَسأل ، بل تشعر ـ بحكم منطق الأشياء ـ أنها هي المخوّلة بالإجابة ، والمؤهّلة لها ! لأن السؤال منصبّ على عقولها ، أولاً ، وقبل كل شيء !
· السؤال المطروح الآن ، هو : هل هذه القوى المسيّسة ، تشعر أنها ، هي ، المكلّفة بالإجابة على هذا السؤال ( أين شعب سورية ؟) أم أن طول التغييب والتهميش ، أفقدها هذا الشعور ، أيضاً ، فصارت تستغرب مجرّد طرح السؤال عليها .. وربّما اتّهم بعضُها السائلَ ، بأنه فظّ غليظ ، يطرح أسئلة محرجة ، على أناس ، يعلم أنهم لا يملكون الإجابة عليها ، برغم أنهم ، هم ، المخوّلون بهذه الإجابة ، دون غيرهم ، بحكم الواقع كله .. بجملته وتفصيلاته !
وربما قال بعضهم متنهّداً : واحسرتاه ! لم تعد العين بصيرة ، واليد قصيرة ، وحسب.. بل صار اللسان ، حتّى اللسان ، قصيراً !
وربّما قال بعضهم ، متحدّياً ، مستغرباً السؤال نفسَه : ما معنى السؤال : أين شعب سورية !؟ وهو ملء السمع والبصر.. في المحفل ، والمؤتمر، والمهرجان ، والصحيفة ، والقناة الفضائية .. عبر ممثّـليه الحقيقيين ، من قيادات المعارضة الشعبية ، الجادّة الأصيلة !؟
وربّما قال بعضهم ، باسماً ، بثقة : عشْ رجباً ، ترَ عجباً !
وربّما تمثّـل بعضهم ، بقول الشاعر القديم :
أرى خَلـلَ الرمادِ وميضَ جَمرٍ ويـوشك أن يكونَ له ضِرام
وربّما .. وربّما ..
ويظلّ السؤال مطروحاً .. وتظلّ الإجابات الافتراضية ، المتوقّعة وغير المتوقّعة ، ممكنةَ الطرح ، في أيّ وقت ، وفي أيّة صيغة ..!
ويظلّ شعب سورية ينتظر!