الفيّاضية
"الفيّاضية":
فساد أقل،
دكتاتورية أكثر ودولة ممنوعة من الصرف
عريب الرنتاوي
بالنسبة لخبير مرموق بوزن "ناتان براون" ومؤسسة محترمة من طراز "كارنيجي للسلام الدولي"، فإن الفلسطينيين لا يقتربون من هدف إقامة دولتهم المستقلة، بل هم أبعد مايكونون عن إقامة هذه الدولة، على الرغم من أن المسافة التي تفصلهم عن موعد "اكتمال" بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال، لا تتعدى السنة الواحدة وفقاً لـ"وعد فيّاض" وخطة حكومته التي يبدو أنها "ممنوعة من الصرف".
براون في ورقته الأخيرة الصادرة عن "كارنيجي"، يكسر البديهييات الغربية السائدة "Stereotypes" في النظر إلى "الفيّاضية" على حد تعبير "توماس فريدمان" أحد أشد المعجبين بسلام فيّاض والمروّجين لبرنامجه ومقارباته، فالرجل الذي كاد أن يحمل لقب "أبو المؤسسات" أو"رئيس الوزراء الباني والمؤسس"، لم يضف سوى عدد قليل منها إلى ما كان قائماً، وكل ما عمله – فيّاض - هو إحياء وتفعيل المؤسسات التي بُنيت زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، برغبته أو بالضد منها، لكن مع ذلك هناك فيض من الثرثرة المحيطة بفيّاض، لا ينقطع ومعروفةٌ دوافعه السياسية لكل أعمى وبصير.
لا يخفي براون إعجاباً شخصياً بكفاءة فيّاض وديناميكيته، بيد أنه يفضل التمييز بين الشخصيات والسياسات، هو ينتقد السياسات ويقول أنها لن تفضي إلى تمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم المستلة، بل نراه ينقل عن كثيرين ممن التقاهم في الضفة الغربية "قناعة مشابهة" بمن فيهم نشطاء ومسؤولين يعملون لصالح فيّاض وحكومته.
قد يكون حال فيّاض وحكومته ومؤسساته، أقل فساداً مما كان عليه الحال زمن ياسر عرفات، لكن براون يؤكد أن إن فيّاض وحكومة رام الله وسلطة الضفة، أكثر ميلاً للقمع، لقد سقطت الديمقراطية في الضفة الغربية تحت حكم عباس/ فيّاض (بالطبع هو لا يرى أن هناك ديمقراطية في قطاع غزة تحت حكم حماس كذلك)، براون يرسم صورة كئيبة للوضع في الضفة الغربية، لم تنحط بعد إلى مستوى كوريا كيم جونغ إيل، بيد أنه بلا شك، يتميز بتفشي ثقافة الخوف والسيطرة على المجتمع المدني وإضعاف الحياة السياسية والحزبية وتحجيم المعارضة.
أما عن فتح التي احتفت واحتفى معها أصدقاؤها بمؤتمرها السادس قبل أقل من عام، فهو يرسم صورة كئيبة لها: المؤتمر لم يعالج مشكلات فتح، والحركة تعيش حالة من الفوضى الكبرى، قيادتها التاريخية تعاني أعراض الشيخوخة وجيل الوسط منقسم على نفسه، وثمة فجوة بين منظماتها وإذرعها المحليها، ووضعها في 2010 ليس أفضل من وضعها في 2006، وما ينطبق على فتح يسري على المنظمات اليسارية الصغرى وبصورة أكثر تفاقماً.
نجاح فيّاض في تحقيق تقدم محدود في حفظ الأمن وبناء بعض المؤسسات، أمر ممكن، لكن من غير المتوقع أن تفضي هذه النجاحات مجتمعة إلى قيام دولة فلسطينية تحت زعامته أو بقيادته، فبدائله محدوده، وخياراته محفوفةٌ جميعها بالمخاطر، وهنا يكتفي براون بسرد ثلاثٍ منها: (1) تبني خيار "المقاومة الشعبية" و"مقاطعة المستوطنات"، وهذا خيار قد يفضي إلى نتائج لا تحمد عقباها، ولا يمكن الرهان على التحكم بها وإبقائها تحت السيطرة، خصوصاً إن انعدمت المسافة بين "المقاومة الشعبية" و"العنف"، فيّاض المفتقر للشعبية، يسعى في سبيلها عبر تبني هذا الخيار الخطر...(2) الجنوح لخيار الوحدة الوطنية، مع حماس حركة وحكومة، وهو خيار غير مفضّل من قبل النخب الممسكة بتلابيب جناحي السلطة في رام الله وغزة، وهو يحمل من المخاطر ما ينذر ربما بتهديد كل ما إنجز أو هو قيد الإنجاز، فيّاض ليس الرجل الأكثر حماساً لهذا الخيار بالطبع...(3) أما الخيار الثالث، فهو الاستمساك بأهداب حكومته وسلطته وتلابيبهما وتقديم صورة أفضل لنجاحاته الإدارية والمالية، بانتظار أن تصحو واشنطن وتل أبيب على الحاجة لدعم خياراته وغالبا ما تحتاج هاتان الدولتان لزلزال عنيف لكي تعيدا النظر في سياساتهما ومقارباتهمها، فهل يصمد الرجل في لعبة الانتظار هذه ؟!
براون يرجح الأخذ واقعياً بالخيار الثالث، من دون أن يرى بأن سيفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية، أو إنهاء الصراع والوصول إلى حل نهائي متفق عليه، ومن دون أن يقول إلى متى يستطيع الرجل بدعم عباس وفتح، أن يصمد إن طالت حالة الجمود واستطالت، أو إن ظل "السياق السياسي" غائباً ومعطلاً ؟