خبر استوقفني

النائب/ حسام كمال الطويل

[email protected]

ازدحمت علينا الدنيا منذ مدة ليست بالقصيرة بطوفان هائل من الأخبار والتصريحات والتحقيقات ووذلك مع تعدد الوسائل المتاحة لنقلها حيث تعددت الصحف والمواقع الالكترونية والصفحات والمنتديات والفضائيات والمحليات والاذاعات بشكل يفوق التصور وذلك منذ أن أصبحت ثورة المعلومات واقعا ًمعاشا ًمع بدايات العقد الاخير من القرن الماضي ومع هذا الكم الهائل من الاخبار المتلاحقة والمتسارعة يجد المرء صعوبة ما في المتابعة الشاملة لهذا السيل المتدفق وان اجتهد احيانا ًفي التوثيق والأرشفة لعدد من الملفات التي يراها كل منا انها هامة حسب اختلاف الفكر والرؤية والتحليل،

كما أن هناك صعوبة أخرى تكمن في عدم القدرة على تحديد مدى مصداقية الكثير من هذه الأخبار التي تبث في هذا الفضاء الواسع سواء كان فضاءً واقعيا ً أوموازيا ً مقروءً أومسموعا ًوما يخفف من عبئ عملية تقصي حقيقة الخبر ومصداقيته ان هناك الكثير من المواقع ووكالات الانباء والفضائيات تتمتع بقدر كبير وهام من المصداقية والاستقلالية ولعل من محاسن هذا الواقع الاعلامي الجديد علاوة على الانفتاحات والفتوحات التي تحققت على صعيد حرية الرأي والتعبير هو الانهيار شبه الكامل لمهمة الرقيب ومقصه سيئ السمعة اللهم الا في بعض الوسائل الاعلامية الرسمية التي ما زالت تتبع مؤسسات رئاسية او حكومية،

وما تقدم من هذا المقال كان مجرد تناول مقتضب لواقع اعلامي معاش جديد وباب مفتوح لبحث ونقاش طويل وفي كل الأحوال له علاقة وثيقة بمدى صحة وصدقية الخبر الذي استوقفني كونه خبر رسمي تم نشره وتناوله مؤخرا عبر الكثير من وكالات الانباء الرسمية والمستقلة المحلية منها والدولية وهو ما صرّح به السيد كريستيان برغر ممثل الاتحاد الأوروبي قبل عدة أيام من أن الاتحاد يدرس امكانية تقليص الدعم المالي المقدم للسلطة الفلسطينية في حال لم تحدث اختراقات في المفوضات الغير مباشرة التي تجريها السلطة مع اسرئيل عبر الوسيط الأمريكي السيد جورج ميتشيل ثم ما لبثت نفس هذه الوكالات والمواقع أن نشرت نفي السيد برغر نفسه لكل ماسبق وأن نشر على صفحاتها ومنابرها،

فما كاد المرء يفيق من صدمة الخبر الأساس ويتـأهب لامتشاق القلم ليقول للسيد برغر أن تصريحاته تعتبر ضغطا ًسياسيا ًصريحا ًعلى السلطة الفلسطينية لاجبارها على تقديم تنازلات للجانب الاسرائيلي وأن هذه الضغوط موجهة للجانب الخطأ وهو الفلسطينيين وتمثل دعما سياسيا للجانب الخطأ أيضا ً وهي اسرائيل التي تمعن بسرقة أراضي الفلسطينيين بالجدار والمستوطنات وتضع العقبة تلو الأخرى في طريق أي تسوية سياسية ممكنة،

وهي الطرف الذي ارتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية خلال الحرب على غزة وهي الطرف الذي كان يجب أن يكون هدفا ً للضغوطات بدلا من توجيها الى الطرف الذي يمثل الضحية في المعادلة الراهنة بما يعكس خللا ًًواضحا ًفي المقاربة السياسية التي اعتمدها السيد برغر اساسا ً لهذه التصريحات والتي تنطوي على ازدواجية واضحة في المعايير،

هذا كله علاوة على ما كان سوف ينبري قلمي الى كتابته مما كانت ستجود به القريحة على شاكلة: ان الشعب الفلسطيني يعتبر الاتحاد الاوروبي صديقا ًحقيقا ًواذا كان هناك طرف يجب الضغط عليه على خلفية اهدار أموال الاتحاد الاوروبي هو بالتاكيد الطرف الاسرائيلي الذي وعلى مدار أكثر من عشر سنوات قام بآلته العسكرية بتدمير كل ما قدمه الاتحاد الاوروبي خاصة في قطاع غزة،

 وهذا الواقع المثبت يجعل الاتحاد الاوروبيي  قادرا على ملاحقة  اسرائيل قانونيا في المحاكم الدولية ومطالبتها بالتعويضات المناسبة مقابل تدميرها لكل أشكال الدعم الانساني الذي قدمه الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين من أموال دافعي الضرائب من مواطني دول الاتحاد وهذا هو المسار المنطقي الذي كان يجب أن يسلكه الاتحاد الاوروبي عوضا عن مسار الضغط على الجانب الفلسطيني،

ولكن ما جعلني احجم عن كتابة كل ما تقدم وأقوم بليّ سن القلم هو ذلك النفي الذي ورد على لسان السيد كريستيان برغر نفسه لكل ما تم نشره حول هذا الموضوع، هذا النفي الذي شكل تصريحا جديدا ًوهاما ًوجد طريقه الى نفس وكالات الأنباء المحلية والدولية بنفس السرعة والحيوية ومستوى الاهتمام الذي حظي به الخبر الأول الذي طاله النفي،

واذا ما أضفنا الى هذه الحالة الحقيقية التي لمسناها واقعا ً معاشا ً على مدار الأيام القليلة الماضية الكثير من الأخبار والتصريحات التي تنشر عبر الفضاءات المفتوحة للاعلام والتي سرعان ما يطالها النفي والتكذيب أو التهرب والتملص لاكتشفنا أننا أمام معضلة جديدة لا يكون محورها مدى صحة الخبر وصدقيته بل أن محورها هو كم من الوقت سيمر على هذا الخبر قبل أن يتم نفيه من مصدره الأساس كما وأننا أمام تساؤل مهم ستكون اجابته برسم المستقبل وهذا التساؤل يدور حول ما اذا كانت هذه الاخبار التي سرعان ما يتم نفيها ما هي الا سياسية يمكن من خلال فهمها وتحليلها استشراف النوايا على قاعدة أن نوايا الرجال تظهر في فلتات لسانهم وأن نوايا الدول والحكومات تظهر في فلتات تصريحاتهم.