تطور العلاقات الصينية مع الدولة العبرية
مسمار يدق في نعش العلاقات العربية الصينية
محمد فاروق الإمام
لقد نجحت الدولة العبرية عن جدارة خلال السنوات الماضية في إقامة شبكة علاقات واسعة مع الصين شملت كافة المجالات والمستويات وتجلى ذلك التعاون بين الطرفين في تغيير الصين لموقفها التقليدي المتعاطف مع قضايا العرب وخاصة القضية الفلسطينية.
ولعل من المفيد استعراض العلاقات الصينية-الإسرائيلية التي تعود إلى عام 1899م عندما قدم اليهود إلى الصين، وذلك وفق ثلاث موجات أو مراحل من الهجرات حيث كانت الموجة الثانية من المهاجرين عام 1917م إثر الثورة البلشفية في روسيا، أما الموجة الثالثة بعد ذلك بـ12 عاماً إثر نزاع صيني روسي على الحدود فيما قدّر عدد اليهود في الصين آنذاك بـ20 ألف يهودي.
ويقول بان جوانج (أستاذ التاريخ في معهد الدراسات الأوروبية والآسيوية في مدينة شنغهاي): (إن معظم اليهود الروس قدموا إلى الصين وأصبحوا فيما بعد عماد الطبقة الوسطى بعد أن آتت جهودهم أكلها، لكن الأوضاع والتطورات السياسية التي سادت بعد ذلك جعلت من العسير على اليهود مواصلة الحياة في الصين، مما أدى إلى خروجهم من جديد في أوائل الخمسينات).
ومن يومها والصين تعتبر من أكثر الدول مقاطعة للدولة العبرية على كافّة الأصعدة، حيث كانت الصين تعد الدولة العبرية نموذجاً لزرع كيان إمبريالي يروّج لقيمها، وبقيت هذه النظرة إليها حتى السبعينات من القرن الماضي، عند توقيع مصر - أكبر دولة عربية - لاتفاقية (كامب ديفيد) مع الدولة العبرية وإنهاء الصراع العربي اليهودي تقريباً بعد تحييد مصر، حيث لم يتمكن العرب مجتمعين بعد تحييد مصر من لعب الدور المصري في مواجهة الدولة العبرية، وهذا الواقع الجديد دفع الصين إلى إعادة النظر بعلاقاتها مع الدولة العبرية، وبذلك خسر العرب كعادتهم استثمار الصين إلى جانبهم وهو ما حصل مع العديد من الدول التي كانت مقاطعة للدولة العبرية ثمّ ما لبثت أن غيّرت موقفها لتحقيق مصالحها وبسبب الإهمال العربي لتنمية العلاقات معها لانشغالهم في صراعاتهم الداخلية وتقلب الأمزجة وتقلب الموالاة عند الحكومات العربية دون رؤية واضحة أو استشراف واقعي للمستقبل.
لقد بدأت العلاقات العسكرية الصينية مع الدولة العبرية في أواخر السبعينات من القرن الماضي، عندما أبرمت الصين معها في عام 1985م صفقة أسلحة ومعدات لتحديث الدبابات الميدانية من طراز(أف 62) السوفييتية الصنع كما شملت الصفقة أجهزة اتصال رادارية ونظماً دفاعية خاصة بالصواريخ جو - جو وأجهزة إطفاء الحرائق وأجهزة الليزر والأشعة فوق الحمراء للرؤية الليلية، وكذلك الأنظمة البالستية التي تعمل بالكمبيوتر لتحديد الهدف، ليس هذا فحسب، بل يقال: إن الفنيين اليهود وفروا فيما بعد التقنية اللازمة لقذائف الدروع القادرة على اختراق الواجهة الأمامية للدبابة السوفييتية (تي 72).
وفي أواخر عام 1987م ذكرت مجلة (جينز) العسكرية الأسبوعية أن الصين والدولة العبرية قد توقعان قريباً صفقة بمليارات الدولارات تقوم الدولة العبرية بمقتضاها بتزويد الصين بكميات كبيرة من العتاد الحربي وتقنية صناعة السلاح مقابل حصولها على الفحم والحرير الصيني. وأضافت المجلة أن الصين تعتقد بأن الدولة العبرية هي أنسب دولة لمساعدتها في تحديث جيشها وفي إقامة صناعة حربية دون أن تكتسب الدولة العبرية نفوذاً في السياسة الداخلية الصينية.
وقد أثارات العلاقات العسكرية الصينية مع الدولة العبرية غضب أمريكا، ولكن الدولة العبرية تمكنت من تبريد الأجواء مع أمريكا سريعاً، دون أن يسفر غضبها عن أي تأزم في العلاقات معها.
وتعد الدولة العبرية حالياً وحسب تقارير الكونغرس ثاني أكبر مصدّر للسلاح للصين منذ العام 1993م بصفقات تتعدى المليار دولار سنوياً، فيما تقول الدولة العبرية إنّ ذلك غير صحيح وإنّ جميع صفقاتها لا تتعدى الـ20 مليون دولار.
هذا وترى الصين أنّه لابد من الاستفادة من الدولة العبرية للولوج إلى التكنولوجيا الأمريكية العسكرية المتطورة خاصّة وأنّ الاعتكاف عن التعاون العسكري مع الدولة العبرية سيؤدي إلى زيادة التعاون الوثيق أصلاً بين الدولة العبرية والهند التي لها مشاكل عديدة مع الصين، وعندها سيصبح التفوق العسكري الإقليمي لصالح الهند عدا عن قيام الدولة العبرية بإمكانية بيع أسلحة لتايوان بهدف الكسب المادي، وقطعاً لتلك الطرق كان يتوجب على الصين الاستفادة قدر الإمكان من التقنيات الأمريكية في الأسلحة التي بحوزة الدولة العبرية.
وقد نجحت الصين في إقناع الدولة العبرية في عهد (حكومة باراك) ببيعها عدداً من
الطائرات العالية التطور والتقنية (فالكون) وهي طائرات بدون طيّار مقابل صفقة قدّرت
قيمتها آنذاك بحوالي 250 مليون دولار، إلا أنّه وفور اكتشاف الولايات المتّحدة لهذه
الصفقة أبلغت (رئيس الوزراء) إيهودا باراك باستحالة الموافقة عليها، ممّا اضطرّه
إلى إلغائها.
ثمّ ما لبثت الولايات المتّحدة أن اكتشفت قيام الدولة العبرية ببيع هذا النوع من
الطائرات إلى الصين قبل عدّة سنوات، وعندما استوضحتها أنكرت الأمر جملة وتفصيلاً،
وسرعان ما افتضح أمرها عندما أعلنت الصين أنها تمتلك هذه الطائرات وأنها أعادتها
إلى الدولة العبرية لصيانتها ثمّ استلمتها الصين مجدّدا، وقد أدت هذه الفضيحة إلى
إشعال غضب عارم في صفوف المحافظين الجدد المعروفين أصلاً بدعمهم اللامحدود للدولة
العبرية لدرجّة أنّهم وجهوا رسالة قاسية، بحسب ما تناقلته وكالات الأنباء، إلى
المسؤولين في الدولة العبرية أبلغوهم فيها أنّهم قد (ملّوا ألاعيبهم ودسائسهم).
وقد أدت هذه الفضيحة إلى سلسلة أخرى من الفضائح تمّ الكشف فيها عن بيع الدولة العبرية صواريخ وأسلحة هجومية إلى الصين، وقد ظهر ذلك عرضاً عندما قامت إحدى الطائرات الهجومية الصينية المقاتلة باعتراض طائرة تجسس أمريكية كبيرة دأبت الولايات المتّحدة من خلالها على مراقبة الصين والتجسس عليها، وهي طائرة عالية التطور وبحجم طائرة الركاب العادية، وعند مشاهدة الأمريكيين لفيلم التسجيل، حيث اعترضت المقاتلة الصينية طائرة التجسس الأمريكية، وجد الأمريكيون أن الطائرة الصينية كانت مزودة بصواريخ هجومية لا تملكها إلا الدولة العبرية.
وقد اعترفت الدولة العبرية فيما بعد أن الصين نجحت في عقد عدّة صفقات معها ما بين توريد أسلحة وتدريب مقاتلين وطيارين.
العلاقات الصينية-"الإسرائيلية" مسمار جديد في نعش العلاقات الصينية العربية:
على الرغم من أنّ الصين قد حافظت تقليدياً على سياستها الخارجية الداعمة للقضايا العربية، إلاّ أنّ النفوذ السياسي الصيني على الصعيد العالمي يكاد لا يرى إذا ما تمّت مقارنته بنفوذها الاقتصادي، وكعادة العرب في إهمال المكاسب وتوسيع دائرة صداقاتهم ومصالحهم للضغط على الدولة العبرية فإنّ العرب أهملوا الصين التي كانت حتى أواخر السبعينيات أبرز مقاطع عالمي للدولة العبرية على كافة الأصعدة.
فيما عكست نظرة الدولة العبرية الإستراتيجية لتطورات العالم اتّجاهاً جديداً يقضي بتوسيع دائرة أصدقائها وحلفائها والتغلغل في مناطق النفوذ والقرار، وعليه فإنّ الدولة العبرية لا توفّر فرصة لمد نفوذها نحو روسيا والهند والصين وأوروبا ودول القرن الأفريقي، عدا عن أمريكا وبريطانيا اللتان لا تنفكان بمناسبة وغير مناسبة تؤكدان على حماية الدولة العبرية والمحافظة على سلامة أمنها وبقائها وحدودها وتمكين قدرتها العسكرية على التفوق على مجموع ما تمتلكه الدول العربية من قدرة عسكرية، فيما تبدو السياسة العربية كما المنطقة العربية في حالة تجمّد وموت حيث لا يتغيّر شيء في الميت سوى أنّه يتحلّل ويندثر بعد حين، فهل سيستفيق العرب من نومهم الطويل هذا وغفلتهم ويتنبهون إلى حقيقة ما يدور من حولهم ويفقدون كل أصدقائهم والمتعاطفين مع قضاياهم المصيرية، ويكون حالهم كحال اليتيم على مأدبة اللئيم!!