موقفنا من تنظيم (فتح الإسلام)
موقفنا من تنظيم (فتح الإسلام)
الجماعة الإسلامية - لبنان
تأسيس فتح الإسلام:
ظهرت حركة (فتح الإسلام) في مخيّم نهر البداوي في 23/11 /2006 إثر اشتباك بين اللجنة الأمنية في المخيّم ومجموعة من 19 شخصاً من جنسيات مختلفة أغلبهم غير فلسطينيين، وقد اضطرّت هذه المجموعة للخروج إلى مخيّم (نهر البارد) حيث احتلّت في 27/11/2006 مراكز فتح الانتفاضة وأعلنت الانشقاق عنها تحت اسم (فتح الإسلام) بقيادة العقيد شاكر العبسي. وبدأت مجموعات فلسطينية من المخيّمات، ومجموعات من خارج لبنان تلتحق بفتح الإسلام حتى صار عديدهم يزيد عن مائتي عنصر وربما وصل إلى أكثر من ذلك.
من هو شاكر العبسي؟
هو فلسطيني- أردني، من مواليد أريحا 1955، كان عضواً في حركة فتح برتبة (عقيد طيّار)، وأرسل إلى ليبيا للتدرّب على الطيران، كان في تلك المرحلة معجباً بتشي غيفارا ويردّد قوله: (أنه يحمل في جعبته أمرين أحدهما الطبّ والثاني الذخيرة، فرمى جعبة الطبّ وقال: هذه تنقذ بضعة أناس، لكن الرصاص ينقذ أمّة). وكان هذا هو سبب تخلّيه عن دراسة الطبّ بعد نجاحه في السنة الأولى وحصوله على المرتبة الأولى بين زملائه. وحصل انشقاق فتح الانتفاضة وهو في ليبيا فانضمّ إلى المنشقّين، ثمّ انتقل إلى دمشق وأصبح مقرّباً من (أبو خالد العملة) الرجل الثاني في حركة فتح الانتفاضة. اتّهم باغتيال الدبلوماسي الأمريكي (لورانس فالي) في عمّان وصدر عليه الحكم بالإعدام غيابياً عام 2003، وكانت الأجهزة الأمنية السورية قد اعتقلته عام 2002 بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة وتهريب أسلحة فرفضت تسليمه إلى الأردن، وصدر الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، خرج بعدها (سنة 2005) وانتقل إلى العراق، وشارك في القتال مع مجموعات قريبة من تنظيم القاعدة، وبقي على صلة مع (أبو خالد العملة). وعندما اشتدّت الحرب المذهبية في العراق عاد إلى سوريا، وطلب من العملة الانتقال إلى لبنان مع مجموعة من الشباب للالتحاق بحركة فتح الانتفاضة، على اعتبار أنّ الأولوية يجب أن تكون لصراع اليهود في فلسطين.
التحق العبسي ومن معه بمواقع فتح الانتفاضة في بلدة (حلوة) عام 2005، حيث وقع اشتباك بين هذه المجموعة والجيش اللبناني، أدى إلى انتقالها إلى مخيّم البداوي، ومنه إلى مخيّم نهر البارد، حيث تمّ إعلان (فتح الإسلام) كحركة منشقّة عن فتح الانتفاضة في أواخر عام 2006.
المنطلقات الفكرية لحركة فتح الإسلام.
يقول شاكر العبسي في مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء: إنّ لجماعته هدفين اثنين هما: (الإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيّمات الفلسطينية في لبنان حتى تتوافق مع الشريعة الإسلامية. والثاني هو التوجّه لمواجهة إسرائيل). وهو يعتبر (كلّ من يقاتل دفاعاً عن راية الإسلام، ومن يقاتل أعداء الله الذين نهبوا خيرات هذه الأمّة فاحتلوا أرضها واستباحوا عرضها، كلّ من يقاتلهم على وجه الأرض هو أخ لنا) وهو يأمل (بطرد الأمريكيين خارج الوطن العربي وإنهاء مصالحهم فيه)، رغم أنه يؤكّد أنه (لا توجد صلات تنظيمية بين حركته وبين تنظيم القاعدة) ورغم أنّ بيانات (فتح الإسلام) تنشر على شبكة الانترنت من قبل المواقع التي تنشر بيانات تنظيم القاعدة.
أما العلاقة مع سوريا فإنّ (فتح الإسلام) تنفيها بقوّة، بل وهي تتّهم النظام السوري بأنّه قتل اثنين من مجاهديها هما أبو الليث الشامي وأبو عبد الرحمن الشامي على الحدود السورية العراقية عندما كانا يحاولان العبور لنصرة إخوانهم في العراق.
كما أنّ سوريا تنفي أي علاقة لها بهذا التنظيم، وهي أعلنت أنه تنظيم ملاحق عندها، وقد أصدرت مذكرة توقيف بحقّ شاكر العبسي بتاريخ 28/1/2007 لمعاودته للنشاطات الإرهابية بعد خروجه من السجن.
الأحداث الأخيرة:
يوم 13/شباط الماضي 2007 وقع تفجير حافلتي ركاب في (عين علق)، واتهمت وزارة الداخلية حركة (فتح الإسلام) بذلك كما اتهمت الاستخبارات السورية برعاية هذا التنظيم ، إلاّ أنّ شاكر العبسي نفى لصحيفة نيويورك تايمز يوم 16 آذار أن تكون لحركته أي صلة بعملية (عين علق) أو بأي هجوم داخل لبنان، وأشار إلى احتمال أن تكون بعض عناصر فتح الانتفاضة التي لم تلتحق بفتح الإسلام هي من نفّذ العملية.
أما الأحداث الأخيرة فقد بدأت مع عملية سرقة مصرف البحر المتوسّط في أميون يوم 12/5/2007، وبمتابعة الأجهزة الأمنية لبعض الخيوط توصّلت إلى تحديد بناية لجأ إليها السارقون وهي في شارع المئتين في طرابلس، وعندما حاصرتها فوجئت بوجود مجموعة كبيرة مسلّحة ومستعدّة للقتال ومتواصلة مع (فتح الإسلام)، وقد طلبت (فتح الإسلام) من الجيش فكّ الحصار عن مجموعة شارع المئتين، وعندما لم يستجب أقدمت على اقتحام نقطة تفتيش للجيش على مدخل مخيّم نهر البارد وقتلت (17) من العسكريين وهم نيام، وذكرت الروايات أنّ بعضهم قتل ذبحاً، كما أقدمت على قتل خمسة عسكريين في القلمون والكورة لا يحملون سلاحاً لأنهم متوجهون لقضاء إجازاتهم. وهذا ما دفع الجيش إلى محاصرة المخيّم وقصف مواقع (فتح الإسلام) ومطالبتهم بالاستسلام. وفي الأيام التالية وقعت انفجارات في منطقة الأشرفية (المسيحية) وفردان (السنية) وعاليه (الدرزية) في محاولة فسّرها البعض بالرغبة في توسيع رقعة المواجهة. ورفضت حركة (فتح الإسلام) تسليم عناصرها المطلوبين للدولة، وهي تصرّ على الموت وعدم الاستسلام، وقد ذكرت الصحف أنّ أحد المحاصرين في شقّة في طرابلس فجّر نفسه حتى لا يقبض عليه الجيش. وسبب ذلك أنّ أكثر عناصر (فتح الإسلام) إن لم نقل جميعهم مطلوبين في لبنان أو في بلادهم بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية.
الموقف الشرعي.
1- لا نريد أن نتحدّث عن اتهامات كثيرة تطلق على مجموعة (فتح الإسلام) طالما أنها هي لم تعلنها صراحة، ونحرص على أن نتكلّم فيما تمّ إعلانه- وهو قليل جداً-، وفيما أعلنت المنظمة أنها تقوم به من أعمال، أو لم تنكر نسبته إليها، فنقول: إنّ الأهداف المعلنة لحركة فتح الإسلام على لسان شاكر العبسي هي أهداف إسلامية ووطنية بلا جدال، فالإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيّمات الفلسطينية، والتوجّه لمقاتلة إسرائيل، واعتبار كلّ من يقاتل دفاعاً عن الإسلام وعن الأمّة أخاً لنا، ومحاولة إخراج الأمريكيين ومصالحهم من الوطن العربي في ظلّ الحرب الأمريكية المعلنة علينا... كلّ ذلك يعتبر أهدافاً مشروعة. لكن هل المنهج والوسائل المتّبعة لتحقيق هذه الأهداف مشروعة أيضاً؟
2- إذا كانت حركة فتح الإسلام قد تبرّأت من تفجير حافلتي الركاب في عين علق، ولم تعلن رسمياً تبنّيها للتفجيرات الأخيرة في الأشرفية وفردان وعاليه، ولا سرقة مصرف البحر المتوسّط في أميون. فإننا نقول أنّ هذه الجرائم لا يجوز أن تمرّ بدون تحقيق يكشف الفاعلين ويعاقبهم. وإذا كان التحقيق يصل في بعض خيوطه إلى أفراد من (فتح الإسلام) فيجب تسليمهم إلى القضاء ضمن تسوية تضمن عدم تعرّضهم للإذلال أو التعذيب، لأنّ أمن المجتمع واطمئنان الناس وفرض العقاب على المجرمين، يعتبر من أهمّ المقاصد الشرعية، ولذلك كان التشديد في عقوبة الذين يسعون في الأرض فساداً ويهدّدون أمن الناس: (أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) (المائدة: 33). إنّ الإصرار على عدم تسليمهم للقضاء يساهم في تعطيل العدالة وتشجيع المجرمين.
3- من واجبنا أن نبيّن الحكم الشرعي في قتل العسكريين وهم نيام، أو على الطرقات وهم متوجّهون لقضاء إجازاتهم مع أهليهم. لم يكن القتل في معركة، مع أنّ الواجب الشرعي أن يهرب المسلم من مثل هذه المعركة التي يتعرّض فيها لقتل بريء. لكن قتلهم بهذا الشكل يعتبر من الكبائر من وجهة النظر الشرعية، وليس له أي مبرّر على الإطلاق، فضلاً عن أنه يخلّ بمقتضيات الشرف والمروؤة حتى عند أهل الجاهلية.
- قال تعال: (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ) (الأنعام: 151)، وقال: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها...) (النساء: 93).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متّفق عليه. والثيّب هو المتزوّج. وقال في حجّة الوداع: (إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا... فلا ترجعنّ بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض..) متّفق عليه.
إنّ (فتح الإسلام) تعلن أنها تريد قتال إسرائيل، لكنها قاتلت اللبنانيين وهم ليسوا أعداء ولا محاربين، وقتلت العسكريين وأكثرهم مسلمون. حتى لو كان مقاتلو (فتح الإسلام) مقاتلين ضدّ إسرائيل فعلاً، فإنّ هذا الأمر لا يعفيهم من المسؤولية عمّا يقعون فيه من مخالفات شرعيّة ومن جرائم الاعتداء على الأبرياء والمدنيين (فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره).
4- من واجبنا أيضاً الإشارة إلى ما نشر في الصحف عن أنّ أحد المحاصرين في طرابلس فجّر نفسه حتى لا يقع في أيدي قوات الأمن. معنى ذلك أنه قتل نفسه، ويقال أنّ جميع عناصر فتح الإسلام مدرّبين على تفجير أنفسهم حتى لا يقعوا في الأسر. وقتل النفس كما هو معروف محرّم بشكل قاطع. روى البخاري ومسلم وغيرهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال عن الذي قتل نفسه بالسكين: (عبدي بادرني بنفسه، حرّمت عليه الجنّة). وإذا كان كثير من العلماء المعاصرين أباحوا العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون عندما يفجّرون أنفسهم بالعدوّ، فقد اشترطوا لذلك أن تكون نيّة المجاهد قتل الأعداء ولو كان متيقّناً من قتل نفسه، وأن يكون ذلك تجاه عدوّ محارب، وليس في قتال فتنة بين المسلمين، أما أن يقتل المسلم نفسه هرباً من الاعتقال فذلك ما لم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم.
الوسائل تعاكس الأهداف والأقوال تخالف الأفعال.
من العجيب أن تعلن (فتح الإسلام) أهدافاً سامية، ثمّ يتبيّن أنّ منهجها في العمل ووسائلها المستعملة ليس فقط لا تحقّق الأهداف، بل هي تساهم في تحقيق أهداف معاكسة. فقتال إسرائيل هو الهدف المعلن، لكن المنهج هو قتال اللبنانيين سلطة وشعباً. والإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيّمات هو الهدف المعلن، لكن المنهج هو إدخال المخيّمات وأهلها في صراع مع السلطة ومع الشعب المجاور لهم. وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بمثل ذلك، فقد ذكر البخاري ومسلم أنّ رجلاً اعترض على توزيع بعض الغنائم وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: اتّق الله يا محمّد، وأراد بعض الصحابة قتله، لكن رسول الله منعهم، وقال عن الرجل بعد أن ولّى: (إنّ من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم... يقتلون أهل الإسلام ويدعون عبدة الأوثان).
وقد ذكر البخاري أيضاً حديث أبي الخويصرة الذي لم يعجبه قسم رسول الله للغنائم فقال له:يا رسول الله اعدل. قال رسول الله: (ويحك من يعدل إذا لم أعدل؟) واستأذن عمر بن الخطاب لقتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (دعه فإنّ له أصحاباً يحقر أحدهم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية..) كما روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: (سيكون في أمّتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القول ويسيئون الفعل، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية..). وقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أهل الجمل الذين قاتلوه: (أمشركون هم؟ قال: من الشرك فرّوا. قيل: أمنافقون هم؟ قال: إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً. قيل فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا).
خلاصة الموقف من فتح الإسلام
إنّ أزمة (فتح الإسلام) في مخيّم نهر البارد، أضيفت إلى سلسلة الأزمات اللبنانية التي لا حلّ لها، أو المؤجّل حلّها إلى ما بعد حلّ أزمة الحكم وإعادة توحيد السلطة. خاصّة وأن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تزال تتصرّف مع شباب الصحوة الإسلامية بقدر كبير من سوء الفهم وإساءة التعامل، مما يساهم في دفعهم إلى الارتماء في أحضان التطرّف والمنظمات التكفيرية. وآخر هذه الممارسات ما حصل في جريمة اغتيال (أبي جندل) بلال المحمود، المقتول ظلماً برصاص قوى الأمن الداخلي، بعد خروجه من صلاة العشاء، وبينما كان يسهر مع أصدقائه وهو غير مسلّح، ولم يقع بينه وبين قوى الأمن أي خلاف أو تلاسن، كلّ ذنبه أنه كان موقوفاً غي أحداث الضنية- وأكثر الموقوفين فيها كانوا أبرياء- وخرج بموجب قانون العفو، فهو متّهم في جميع الأحوال على ما يبدو. صحيح أنّ القيادة الأمنية والقيادة السياسية طلبت إجراء تحقيق في ما حدث، لكن المشاعر المتهيّجة لن تهدأ قبل فرض العقاب على من يستحقّ.
إننا ندعو الجميع إلى الحذر والانتباه، وإلى أن نحاكم الناس إلى كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، وأن لا نكتفي بالأهداف المعلنة، أو ببعض الممارسات، لكننا يجب أن ننظر إلى كلّ عمل من الأعمال بالموازين الشرعية الصحيحة. إننا نعتقد أنّ عناصر (فتح الإسلام) يجب أن يحاسبوا أمام القضاء، ونحن نطالب لهم بضمانات تمنع الظلم عنهم، لكن لا يجوز بحال أن يمرّ قتل الأبرياء دون عقاب.
إنّ المعركة الحالية بين الجيش اللبناني ومجموعة (فتح الإسلام) سببتها أعمال هذه المجموعة التي تخالف الأحكام الشرعية وتناقض المصالح الوطنية اللبنانية والفلسطينية. ولا نرى لها حلاً إلاّ بتسليم المطلوبين للقضاء. ونطالب الجميع بتحييد المدنيين في المخيّم عن كلّ عمل عسكري، وندعو الله تعالى أن يكشف هذا البلاء ليجتمع الجميع في المعركة الواحدة ضدّ الصهاينة الغاصبين.
هذه الدراسة سيتم نشرها في مجلة الأمان الصادرة عن الجماعة الإسلامية في لبنان في عددها الذي سيصدر في الغد بإذن الله تعالى وجزى الله خيراً الأخ الذي زوّدني بها لنشرها قبل اصدارها .