قانون محاسبة سوريا

بين ضغوط أمريكية مستمرة ومناورات سورية

حفاظا على تماسك النظام السوري

· قانون محاسبة سوريا الذى صدر فى مايو 2003 ليس الأول من نوعه ، فقد استخدم ضد سوريا فى عهد الرئيس بوش الأب عام 1992.

· إن التعاطي السوري مع التصعيد الامريكى يثير العديد من علامات الاستفهام ؟؟ فالنظام السوري يتفاعل ببطء وبرود شديدين يثيران قلق واشنطن .

· النظام السوري فى موقف حرج تماما وليس هناك شفاعة أمريكية حتى لو قدمت سوريا أضعاف ما قدمته فسيظل الأمر على ما هو عليه لان الهدف الامريكى هو إعادة التوازن فى المنطقة.

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

قد يعتقد البعض أن قانون محاسبة سوريا الذى صدر فى مايو 2003 هو الأول من نوعه ضد النظام السوري ، ولكن فى الحقيقة أن هذا القانون قد استخدمته واشنطن فى عهد الرئيس الامريكى بوش الأب فى عام 1992 عندما أصدر الكونجرس الامريكى قانونا يشدد على معاقبة النظام السوري الحاكم الذى كان يرأسه فى ذلك الوقت الرئيس حافظ الأسد حيث أقرت الادارة الامريكية بتخفيض الصادرات الأمريكية الى دمشق الا أن بوش الأب كان اقل تطرفا فى معاقبته للنظام السوري من بوش الابن .

ولكن مع بداية ولاية بوش الابن أخذت الإدارة الأمريكية نهجا أكثر تشددا تجاه النظام السوري، وقد اتضح ذلك عندما أعلن أحد صقور الادارة الامريكية ريتشارد ارميتاج قبل احتلال العراق مباشرة انه فى حال تشدد النظام السوري وعدم تعاونه معنا فليس من المستبعد قيام الادارة الامريكية بعمل عسكري ضد نظام الحكم السوري ، وتبعه بعد ذلك وكيل وزارة الخارجية الامريكية جون بولتون عندما صرح بأن سوريا تدخل ضمن دول محور الشر وألمح الى الخيار العسكري ضد سوريا ، ثم تبعه تصريحات لوزير الدفاع رامسفيلد وبعد ذلك مساعده بول ولفوفيتز ، اضافة الى تصريحات ريتشارد بيرل رئيس مجلس السياسة الدفاعية الامريكى الذى أكد بوضوح أن سوريا ستصبح هدفا عسكريا محتملا إذا تبين حيازتها لأسلحة دمار شامل عراقية ، وقد كان من نتيجة ذلك وقف كافة تأشيرات دخول الرعايا السوريين الى الولايات المتحدة الامريكية .

مما سبق يتبين أن قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان قد ادخل نظام دمشق فى مرحلة بالغة التعقيد والتوتر بشكل غير مسبوق خاصة بعد احتلال أمريكا للعراق ثم انسحاب الجيش السوري الكامل (ما عدا الاستخبارات المدنية السرية ) من لبنان ،اضافة الى تصعيد العمليات الإرهابية داخل الأراضي العراقية نتيجة تسلل بعض العناصر الإرهابية عبر الأراضي السورية وتورط بعض أجهزة الاستخبارات السورية فى تدريب تلك العناصر قبل دخولها الى الأراضي العراقية وهو ما أدى مجددا الى توتر أمريكي حاد ضد النظام السوري وقد ظهر ذلك واضحا مؤخرا فى التمديد للعقوبات الامريكية على النظام السوري .

تشديد العقوبات الامريكية على سوريا :

فى 14 أكتوبر 2004 طالب أعضاء الكونجرس من الرئيس الامريكى بوش بالتحرك وبسرعة ضد الحكومة السورية لتجميد جميع الأصول الخاصة بالمسؤولين السوريين في الولايات المتحدة . وقال هؤلاء الأعضاء أن الوقت حان لمعاقبة النظام السوري الحاكم مستغلين فى ذلك ورقة حقوق الانسان وعمليات القمع ضد الأغلبية السنية والاقليات العرقية الأخرى خاصة الأكراد فضلا عن تهديد المصالح الامريكية بالمنطقة والسيطرة على السيادة اللبنانية .

وفى 19 أكتوبر 2004 عكفت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش على دراسة تشديد العقوبات الاقتصادية على سوريا من أجل سحب قواتها العسكرية والاستخباراتية من لبنان بالإضافة الى الضغط على النظام السوري بشكل أكبر لمكافحة ما تسميها واشنطن بالجماعات الإسلامية الإرهابية القادمة عبر الأراضي السورية الى داخل العراق . وفى هذا الصدد أكدت الادارة الامريكية أن تطبيق عقوبات إضافية بموجب "قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان " هو أحد خيارات الضغط على سورية لوقف دعمه للجماعات الإرهابية داخل العراق . وكان بوش قد فرض في 11 مايو 2004 سلسلة عقوبات على سوريا من بينها الحظر على جميع الصادرات الأميركية باستثناء المواد الغذائية والأدوية ، كما اتهم دمشق بدعم الإرهاب والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل وعدم منع عمليات تسلل الجماعات المتطرفة المعادية لقوات التحالف والمدنيين العراقيين من دخول العراق وتقويض الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار فى العراق .

وفيما يتعلق باستخدام ورقة مجلس الأمن ضد سوريا فقد تابعت الولايات المتحدة عملها بكثافة داخل الأمم المتحدة وقدمت بالتعاون مع فرنسا مسودة قرار إلى مجلس الأمن يهدف إلى ممارسة ضغوط جديدة على سوريا لسحب قواتها من لبنان فى محاولة لعزلها إقليميا ودوليا ، وقد ساندها فى ذلك المعارضة السورية بالخارج والأمريكيون من أصل سورى ، اضافة الى المبعدين اللبنانيين بالخارج الذين طردتهم أجهزة الاستخبارات السورية من بلدهم لبنان . وقد طالب مشروع القرار الامريكى-الفرنسي من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بأن يقدم تقريرا في هذه المسألة كل ثلاثة أشهر لمتابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي طالب برحيل كل القوات الأجنبية عن لبنان.

وفى هذا الصدد أعلن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد أن تخلف سوريا عن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559 يعتبر مشكلة خطيرة للنظام السوري . فى نفس الوقت نفى ساترفيلد في تصريحات لوسائل الإعلام اللبنانية عن شائعات تشير الى وجود اتفاق بين واشنطن ودمشق تبدي بموجبه الولايات المتحدة مرونة بشأن الملف اللبناني مقابل تعاون سوريا لمراقبة الحدود السورية العراقية بشكل أفضل.

واشنطن تبحث معاقبة دمشق

فى صباح 16 فبراير 2005 أعلنت الادارة الامريكية أنها تدرس اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضد سوريا ، وذلك عقب قيام واشنطن بسحب السفيرة الأميركية مارجريت سكوبي من دمشق في أول رد فعل على اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري (الذى ينتمي الى الطائفة السنية بلبنان) . بعد ذلك مباشرة أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر أن بلاده تشعر بالقلق بشأن أوجه عديدة في سلوك النظام السوري، مشيرا إلى أن قانون محاسبة سوريا يتيح فرض المزيد من الإجراءات العقابية على دمشق . وقال باوتشر: إن السفيرة سكوبي اجتمعت قبل استدعائها إلى واشنطن للتشاور مع مسؤولين سوريين للتعبير عن قلق واشنطن العميق وغضبها الشديد تجاه اغتيال رئيس الوزراء السني رفيق الحريري الذي وصفه بالعمل الإرهابي البشع . كما طالب باوتشر من حكومة دمشق مجددا بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1559 بسحب قواتها من لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. ودعا أيضا النظام السوري لوقف دعمهم لحزب الله الشيعي اللبناني والفصائل الفلسطينية المناهضة للسلام مع إسرائيل.

وفى ظهر يوم 16 فبراير 2005 أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذى كان يزور واشنطن أن الخلافات تتزايد مع الحكومة السورية. وقالت رايس : إن العلاقات مع دمشق لا تسير في اتجاه إيجابي، مشيرة إلى تصاعد الخلافات بشأن ما أسمته دعم الإرهاب والوضع في العراق. وطلبت رايس من دمشق ضرورة معالجة تلك الأوضاع "وإلا فإن واشنطن لديها الكثير من البدائل".

وذكرت مصادر مطلعة في واشنطن أن الإجراءات المقترحة تشمل مزيدا من العقوبات الاقتصادية، قد تصل إلى تفويض الجيش الأميركي بالعراق بالقيام بعمليات ملاحقة للمسلحين عبر الحدود السورية ( وهو ما حدث بعد ذلك فى شهر مايو 2005 ) .

وفى مساء 16 فبراير 2005 أعلن السفير الفرنسي بالأمم المتحدة جان مارك دو لا سابليير أن قرار مجلس الأمن يعد خطوة مهمة في سبيل إعطاء بعد دولي لجهود معرفة حقيقة ما حدث.

وفى 4 مارس 2005 أعلنت الادارة الامريكية أنها تبحث مع حلفائها الأوروبيين اتخاذ إجراءات مشتركة لمعاقبة سوريا في حال تقاعسها عن سحب قواتها من لبنان. وقد أوضح بيان للإدارة الامريكية أن واشنطن وحلفاءها يدرسون ما أطلق عليه بالخطوات الإضافية التي يستطيع المجتمع الدولي اتخاذها لإجبار سوريا على تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1559 والذي يدعو لخروج القوات الأجنبية واستخباراتها من لبنان . وفي هذا السياق صرح الرئيس بوش بأن رسالة الولايات المتحدة وفرنسا ودولا كثيرة أخرى إلى النظام السوري واضحة ومسموعة وتقضي بأن تسحب سوريا الآن ليس فقط قواتها ولكن أيضا أجهزتها الاستخباراتية من لبنان .

وفى الوقت الذى تشدد فيه واشنطن على سرعة التضامن مع الاتحاد الاوربى من اجل فرض عقوبات مشتركة على سوريا والعمل على إصدار قرار جديد من الأمم المتحدة أشد صرامة على النظام السوري طالب الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان فى 3 مارس 2005 في مؤتمر صحفي بحدوث تقدم بحلول شهر أبريل 2005 بشأن انسحاب القوات السورية من لبنان، مشيرا إلى أنه سيوفد مبعوثه الخاص تيري رود لارسون إلى المنطقة لمناقشة مسألة الانسحاب مع الحكومتين المعنيتين ( سوريا ولبنان ) .

تمديد العقوبات الاقتصادية على سوريا

وبتطور الأحداث ضد سوريا أعلن الرئيس الامريكى جورج بوش فى 6 مايو 2005 عن تمديد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الادارة الامريكية على سورية فى عام 2004 والتى أن بدأت فى 11 مايو 2005 . وقد جاءت الخطوة الأميركية هذه بعد أيام من تصريحات قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جون أبي زيد الذي قال : إن دمشق لا تستجيب بشكل كاف ، كما أنها لا تزال تسمح للإرهابيين بالتسلل إلى العراق عبر الأراضي السورية بمعاونة الاستخبارات السورية .وقد استند بوش فى تمديد العقوبات الى الاتهامات الموجهة لدمشق والمتمثلة بالآتي:

- دعم الإرهاب وتقويض الجهود الرامية الى تحقيق الاستقرار فى العراق وذلك بالسماح للإرهابيين بالتسلل الى داخل العراق عبر الحدود السورية .

- المماطلة فى خروج أجهزة الاستخبارات السرية السورية من للأراضي اللبنانية ، واتهام المخابرات السورية بتفجير السيارات المفخخة فى بيروت والتى بلغت نحو أربع عمليات حتى 7 مايو 2005 .

- تطوير أسلحة الدمار الشامل .

أما العقوبات الاقتصادية على دمشق فهي تلك التى فرضتها واشنطن على دمشق في الحادي عشر من مايو2004 وهى التى عرفت بـ" قانون محاسبة سوريا " والمتمثلة فى الآتي.

- قطع العلاقات الامريكية مع المصرف التجاري السوري .

- تجميد أصول وأموال السوريين المشتبه فى تورطهم بالإرهاب وكل من يساهم من النظام السوري فى تطوير أسلحة دمار شامل.

- تجميد الرحلات الجوية السورية من والى الولايات المتحدة الامريكية.

- استمرار حظر الصادرات الامريكية الى سوريا من الذخائر والسلع باستثناء المواد الغذائية والأدوية.

ولكن كيف وضع مشروع قانون محاسبة سوريا

الصادر فى مايو 2003؟

تعد لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الامريكى هي أول من وضعت مشروع معاقبة سوريا تحت عنوان ( قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان ) . فلقد تقدم بمشروع قانون محاسبة سوريا زعيم الأغلبية الجمهورية بالكونجرس (ريتشارد أرمي) ثم تبنته عضو مجلس الشيوخ (بابرا بوكسر) . كما دعم المشروع أعضاء الكونجرس ومنهم (بنجامين جيلمان)، (جوزيف كرولي)، (بيتر دويتش)، (واريد كنتور)، (هوارد بيرمان)، (روبرت ويستلر)، (جوزيف هوفل)، (مايك ما كنتلي) . ولقد نجح مروجو المشروع في الحصول على تأييد 157 عضواً من أعضاء الكونجرس ، بالإضافة الى تأييد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ .

وفيما يتعلق بإدراج قضية لبنان فى قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان : يؤكد العماد ميشيل عون أنه سعى ورفاقه من اللبنانيين المقيمين بالولايات المتحدة منذ شهر يونيو عام 2001 الى إقناع الادارة الامريكية بمشروع سيادة لبنان وجلاء القوات السورية عن أراضى لبنان التى احتلتها سوريا عام 1976 ، وقد استجاب الكونجرس لذلك وقرر دمجه بعقوبات أخرى على سوريا ، ( يذكر أن الكونجرس الامريكى استضاف العماد ميشيل عون ورفاقه من اللبنانيين لعدة شهور بقاعة صغيرة ملحقة بمبنى الكونجرس مع مجموعة صغيرة من أعضاء الكونجرس ونواب الشعب الامريكى حيث أطلق عليها لجنة استماع وذلك للتأكد من تجاوزات النظام سوريا فى حق سيادة لبنان واستقلاله، وقد قدم ميشيل عون ملفا كاملا حول التجاوزات السورية فى لبنان ). لذلك فان قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان هو قانون تلتزم به واشنطن ضمن سياسة أميركية في المنطقة . ويعلل العماد ميشيل عون استعانته بالإدارة الامريكية ضد الاحتلال السوري لأراضيه بما فعلته الكويت بالاستعانة بالولايات المتحدة لاستعادة أراضيها التى احتلها العراق والى عجز العالم العربى والجامعة العربية عن حل مسألة السيادة اللبنانية وجلاء الاحتلال السوري عن لبنان خاصة بعد أن صرح الرئيس بشار الأسد لصحيفة "الشرق الأوسط" فى شهر فبراير سنة 2001 بأن مسألة خروج سوريا من لبنان تتعدى قصة الصلح وقصة حل قضية الشرق الأوسط، وهو ما يعني أن الرئيس السوري لم يكن ينوى الخروج من لبنان .

وبالعودة الى كولن باول وزير الخارجية الامريكى الذى حذر النظام السوري أثناء زيارته لسوريا ولقائه بالرئيس بشار الأسد فى مايو 2003، حيث قال له : أن مشروع القانون الجديد لمحاسبة سوريا سوف يستهدف عددا من النقاط تأتى فى مقدمتها فرض سلسلة من العقوبات الامريكية الاقتصادية والدبلوماسية على سوريا ما لم تقم حكومة دمشق بعدد من الخطوات المحددة ، الا أن النظام السوري الحاكم لم يكترث لتحذيرات كولن باول .

يذكر أن المطالب الامريكية التى وجهها كولن باول بالتفصيل الى وزير خارجية سوريا فاورق الشرع فى مايو 2003 قد تضمنت الآتى :