الإخوان المسلمون والديمقراطية

د. عبد الله السوري

الإخوان المسلمون والديمقراطية

د. عبد الله السوري

[email protected]

تعـريـف : النظام الديموقراطي هو النظام السياسي الذي تفرزه صناديق الاقتراع الحـر النزيـه،  وليس انتخاب ال (99ر 99 % )، حيث تتنافـس الأحزاب السياسية بعد طرح برامجها، ومن ثم يتـم الانتخاب النـزيـه، تحت مراقبة اقليمية ودولية، ثم يشكل الحزب الذي فاز بأغلبية أصوات الناخبين الحكومة، أو يأتلف مع غيره إذا لم تكن المقاعد التي حصل عليها كافية لتشكيل الحكومة وحده . وعندما يفوز هذا الحزب بنسبة مرتفعة ( بشكل نـزيـه )، تصل أو تتجاوز الثلثين، يحق لـه تعديل الدسـتور .

وعكســه النظام  الديكتاتوري  ( الجبري ) الذي يستلم الحكم على إثر انقلاب عسكري في جنح الظلام، ثم يحكم الشعب بالحديد والنار، والمدفع والدبابة وراجمات الصواريخ، وفي النظام الديكتاتوري يؤلـه الفـرد، ويصبح الزعيم الأوحد، ويصبح دورالمفكرين والسياسيين شـرح مبتكرات الزعيم الأوحد وكلماته، وهمهماته للشعب القاصر عن بلوغ مستوى فهم الزعيم الفـذ العبقري الذي جاد بـه الزمان .

والتعددية السياسية تلازم النظام الديموقراطي، حيث يسمح بقيام أحزاب بشروط، منها أن تحترم دستور البلاد، ولاتتعامل مع العدو، ويتم التداول على السلطة من قبل الأحزاب السياسية بواسطة الانتخابات، كما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوربا الغربية، ويوماً بعد يوم يزيد عدد البلدان الملتزمـة بالتعدديـة السياسية.

وهـم سببه الجهـل :

يكثر في هذه الأونـة القول أن الإخوان المسلمين السوريين يواربون ويدعون أنهم يقبلون بالديموقراطية، وقد نالني من هذا الاتهام بالإسم من قبل الأستاذ (......) في موقع كلنا شركاء، حيث يقول أنني أدعـي بأن الإخوان يريدون الديموقراطية، وأنني موارب ولا أقول الحقيقة. ويدعي هو وغيره كثير أن الإخوان سوف ينقلبون على الديموقراطية بعد استلامهم للحكم .

كما ينظر بعض الناس إلى الحركة الإسلامية على أنها لاتـقبل التعددية السياسية، ويدعو خصوم الإسلام إلى محاربة الحركة الإسلامية والحيلولة دون وصولها إلى الحكم ؛ لأنها سـوف تفرض نظاماً آحادياً  ( شمولياً ) أو ( عقائدياً ) يمنع قيام أحزاب سياسية، ويمنع المعارضة، ويكم الأفواه، ويصادر حرية الكلمة . لذلك قال بعضهم : الإخوان كالبعثيين لو حكموا البلاد لن يكونوا أكثر ديموقراطية من البعثيين، بل سيكونون أكثر فردية وشمولية وعقائدية. حتى قال بعضهم : الإخوان والبعثيون وجهان لعملة واحدة .

وهذا جهل بواقع العمل السياسي في سوريا، الحالي، والماضي، فللإخوان المسلمين تجربة سياسية في سوريا معروفة وهي ملك التاريخ، وسوف أذكر بعض جوانبها .

وقد سـاعد أصحاب هذا الفهم الذين يتهمون الإخوان بالديكتاتورية  بعضُ الدعاة ـ عن طيب قلب ـ أو جهل بالعمل السياسي الإسلامي،  عندما أفتـوا أنه لا أحزاب في الدولة المسلمة، وأن التحزب لم يذكر في كتاب الله إلا في معرض الذم، وأن المسلمين جماعة واحدة، يقودهم إمام (حاكم ) واحد، وطاعته واجبة عليهم بنص القرآن الكريم .

وأجيب هؤلاء بأن الإخوان المسلمين في سوريا :

1 ـ لايريدون التفرد بالحكم، ولايعملون من أجلـه : بل يريدون أولاً أن يسمح لهم بحرية الكلمة والتعبير عن أنفسهم، كما في مقالتي [ ماذا يريد الإخوان المسلمون في سوريا ] وقد نشرت في عدة مواقع منها سوريا الحرة، ومرآة سوريا، ومركز الشرق العربي، وأدباء الشام وغيرها .

 2 ـ المشاركة وليس الشمولية والتفرد بالسلطة :

 عندما تقوم انتخابات حـرة ونزيهـة في سوريا ويشارك فيها الإخوان المسلمون، فإنهم لايطمحون إلى أكثر من المشاركة في الحكم، كما فعلوا في الخمسينات، حيث شاركوا أكثر من مرة، وفي عهد الانفصال، وكما يشارك الآن الإخوان المسلمون في الجزائر واليمن والأردن وغيرها.. بل أن المشاركة وليس المغالبة أو الاستئثار بالحكم هي الاستراتيجية الحالية لدى مفكري الإخوان المسلمين، بدءاً من التنظيم الدولي الذي أصدر المشروع السياسي في التسعينات، ومن أهم بنود هذا المشروع المشاركة السياسية، وقد وضح فضيلة الأخ الراحل محفوظ النحناح يرحمه الله هذه الاستراتيجية لي في المدينة المنورة عندما التقيته فيها قبل وفاته بسنوات قليلة، فقلت له : لقد تعجب إخوانك في المشرق من ترشحك للرئاسة في الجزائر، ماذا ستفعل لو نجحت !!؟ كيف تحكم الجزائر في هذه الظروف الصعبة !!؟ فقال يرحمه الله :  أحكمها بالمشاركة وليس بالاستئثار بالسلطة، فنحن الإخوان المسلمين طرحنا مبدأ المشاركة، ونشارك الآن في الحكم، ولو نجحت واستلمت الرئاسة لأسهمت معي جميع القوى والأحزاب الوطنية في الحكم، لنقوم كلنا بمهمة النهوض بالبلد. فنحن ( الإخوان المسلمون ) ننظر إلى الحكم على أنه غرم وليس غنماً، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( يكفي آل الخطاب واحد أن يحمل وزر الأمة واحد فقط منهم ) .

وهو نفس المبدأ الذي بنى عليه الإخوان المسلمون السوريون التحالف الوطني للشعب السوري عام (1982)م، ليكون هذا التحالف كله مسؤولاً عن حكم سـوريا، وليس الإخوان المسلمون وحدهم .

والمشكلة أن مفهوم المشاركة السياسية غريب على الشعب السوري، الذي لم يـر طول حياته ( منذ عام 1963مً ) سوى حكماً شمولياً ديكتاتورياً، وزعيماً يهتف له عملاؤه وأزلامه ومرتزقة الأجهزة الأمنية   .

الإخوان والتعدديـة السياسية في سـوريا  :

 ومن خلال تاريخ الحركة الإسلامية في سوريا يتضح أنها وافقت على التعددية السياسية في عام ( 1943) ونجح نائب عن إخوان حماة وهو الشيخ محمود الشقفة يرحمه الله، ثم دخل الإخوان السوريون مجلس  عام 1947وانتخب المراقب العام الدكتور مصطفى السباعي يرحمه الله، وفي عام 1949م اختارت دمشق السباعي، وصار نائبًا لرئيس المجلس، وعضواً بارزاً في لجنة الدستور، وفي هذا المجلس وضع الدستور السوري وكان للسباعي خاصة وللإخوان عامة دور كبير فيه،  وقاد السباعي يومها الجبهة الإسلامية الاشتراكية، كما شاركوا في مرحلة ماقبل الوحدة مع مصر عام (1956م)، حيث شارك الإخوان بعدد من النواب في مجلس النواب، منهم مصطفى السباعي يرحمه الله ـ المراقب العام الأول ـ ومنهم الدكتور نبيل الطويل، والأستاذ محمد المبارك، وغيرهم، وكان في مجلس النواب عدد من النواب الشيوعيين يرأسهم خالد بكداش، كما شاركت الحركة الإسلامية بأكثر من وزير منهم محمد المبارك (وزيرًا للعـدل)، والدكتور الطويل (وزيراً للصحة ) .  والأسـتاذ عمرعودة الخطيب ( وزيراً للتموين )،كما شاركت الحركة الإسلامية في عهد الانفصال (1961م) بعدد من النواب في المجلس النيابي،  وكان لهم كتلة كبيرة منهم الأستاذ عصام العطار، والشيخ محمد علي مشعل، والأستاذ طيب الخوجة من حمص، والشيخان عبد الفتاح أبو غدة ومصطفى الزرق،ا عن حلب، وزهير الشاويش عن دمشق، وغيرهم . وصار في هذا المجلس ثلاثة أقطاب للقرار السياسي هم الأستاذ عصام العطار زعيم الكتلة الإسلامية، وخالد العظم رئيس مجلس الوراء، وأكرم الحوراني زعيم الكتلة الاشتراكية .

الســباعي يوافق على فقرة في الدستور خلاف رأيـه :

ولما وضع الدستور السوري، وكان السباعي رحمه الله من كبار المؤسسين لهذا الدستور، أصـر أعضاء البرلمان من غير الإسلاميين على رفض فقـرة ( سوريا دولة مسـلمة )، أو ( دين الدولة الإسـلام ) وهذا مطلب للشـيخ السـباعي، وهذا هو الواقع لأن المسلمين في سوريا يصلون إلى أكثر من (90 % ) من السكان، فلماذا لاتكون سوريا دولة مسلمة !!؟ ولماذا لايكون دين الدولة الإسلام !!؟ وهل يعاب على الإسلاميين لو سـعوا من خلال البرلمان، إلى الوصول إلى هذا الهدف !!؟  ولما أصـر البرلمانيون يومذاك على رفض هذه الفقـرة، واكتفوا بفقرة تقول : ( دين رئيس الجمهورية الإسلام )، خضع السباعي يرحمه الله لقرار غالبية المجلس، وواجـه انتقـادات من بعض العلماء، ولكنه كان مثلاً رائعاً ـ يرحمه الله ـ للعمل السياسي الديموقراطي، وهو القبول برأي الأكثرية .

أبو أنـس البيـانـوني يحفظه الله :

وقبل أيام قليلة أصر محي الدين اللاذقاني في قناة الديموقراطية  على طرح سؤال وجهه لفضيلة الأخ أبي أنس البيانوني المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا  يحفظه الله : وهو هل توافقون على أن تحكم سوريا امرأة !!؟ وهو يعرف أن هناك نصاً لرسول الله r يقول : [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ]، ومعظم العلماء وليس كلهم يمنع المرأة من استلام منصب رئيس الجمهورية، وكانت إجابة فضيلة الأخ أبي أنس موفقة تماماً، وهو أننا نقبل بما يقبل بـه الشعب السوري، في انتخابات حـرة ونزيهـة . وهذا أصول العمل السياسي الديموقراطي وهو قبول رأي الأكثرية، ولو خالف رأي الأقلية، فعلى الأقلية أن تخضع لرأي الأكثرية، ونحن نشـد على جواب أبي أنـس يحفظه الله، ونؤيده تماماً، ونقول : نحن مع الشعب، أقصد مع أكثرية الشعب عندما تختار بحرية ونزاهة، وليس كما تعودنا ( 99ر 99 % )، نريد أكثرية تزيد على الخمسين فقط، كما في الشعوب الراقية سياسياً .

التحالف الوطني للشعب السوري :

وفي عام 1982م أسهم الإخوان المسلمون السوريون في إقامة التحالف الوطني للشعب السوري، ويتكون هذا التحالف من عدة حركات سياسية منها الإخوان المسلمون، والبعثيون القوميون المنشقون عن النظام السوري، والاشتراكيون، والناصريون، وإحدى فصائل الحزب الشيوعي، وبعض المستقلين .

كما أصدر الإخوان المسلمون السوريون حالياً المشروع السياسي لسورية المستقبل، يحددون فيه معالم العمل السياسي ومنه التعددية السياسية وحرية الأحزاب . وقد جاء فيه : ( التعددية سـمة من سـمات المجتمعات البشرية ، والاختلاف الفكري والسياسـي ظاهرة غنى في المجتمع يجب التعامل معـها لإثـراء وتمتـين الوحدة الوطنيـة ). كما جاء تحت عنوان السياسات الدسـتورية : ( التعددية السياسية وحرية تأليف الأحزاب ) .

كما أصدر الإخوان المسلمون [ ميثاق الشرف الوطني ] في أيار (2001)، ودعوا فيه إلى التعددية بكل أنواعها، الدينية والثقافية والعرقية، وأعلنوا قبول الآخر، بجميع هذه الألوان .

 كما دعا الإخوان المسلمون في سوريا إلى مؤتمر المعارضة السورية في شهر آب 2002 في لندن، حيث حضرت عدة فصائل من المعارضة خارج سوريا، من الإسلاميين والماركسيين، والبعثيين القوميين، والمستقلين، كما حضر ممثلون عن الحركات الكردية، وشخصيات علوية ومسيحية، وهكذا مثل المؤتمر معظم ألوان الطيف السوري .

وبعد دراسة ميثاق الشرف الذي أعدته جماعة الإخوان المسلمون، والمداولة والمناقشات، وتعديل بعض الفقرات، تمت الموافقة على هذا المشروع، والتوقيع عليه من قبل المؤتمرين، ليصبح الميثاق الوطني، كما تشكلت لجنة الميثاق الوطني من سبعة أشخاص أحدهم علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا .

ثم طرح الإخوان المسلمون المشروع السياسي لسوريا المستقبل ومما جاء فيه :

في عام [2001] طرح الإخوان المسلمون في سوريا ( ميثاق الشـرف الوطني ) الذي تحول بعد مؤتمر المعارضة في لندن (2002) إلى الميثاق الوطني، وفيه عبارات صريحة وواضحة يؤكد فيها الإخوان المسلمون في سوريا على التعددية السياسية ومنها :

( والدولة الحديثة دولة ( تداولية )، ومن هنا جاء الاشتقاق اللغوي لكلمة دولة، وتكون صناديق الاقتراع الحـر والنـزيه ؛ أساساً لتداول السلطة بين أبناء الوطن أجمعين، والدولة الحديثة دولة تعددية، تتبين فيها الرؤى، وتتعدد الاجتهادا ت وتختلف المواقف، وتقوم فيها قوى المعارضة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، بدور المراقب والمسدد، حتى لاتنجرف الدولة إلى دائرة الاستبداد أومستنقع الفساد) .

كما أعلن الإخوان المسلمون السوريون في المشروع السياسي لسورية المستقبل، الذي حددوا فيه معالم العمل السياسي ومنه التعددية السياسية وحرية الأحزاب . وقد جاء فيه : ( التعددية سـمة من سـمات المجتمعات البشرية، والاختلاف الفكري والسياسـي ظاهرة غنى في المجتمع يجب التعامل معها لإثـراء وتمتـين الوحدة الوطنيـة ).  

وبعد أن سـرد المشروع التعددية الدينية والمذهبية والعرقية في سوريا يقول : ( وعلى أساس هذه الرؤية التاريخية لأبعاد التعددية ( الدينية والفكرية والفقهية ) ... نؤكد أن التعددية السياسية هي حقيقة واقعة في كل تجمع بشري، كما أنها سـمة أساسية لأي دولة حديثة، تسعى إلى بناء وجود تنافسي لتحقيق مشروع حضاري عام . ) ثم يعدد المشروع إيجابيات التعددية ومنها : ( 1 ـ طرح العديد من البرامج لتحقيق المشروعات الوطنية الكبرى . 2 ـ التخلص من سلبيات الرؤية الأحادية . 3 ـ تضع التعددية العمل العام تحت مجهر الرقابة الشعبية . 4 ـ التعددية السياسية هي المقابل الموضوعي للاستبداد . 5 ـ بناء مؤسسات المجتمع المدني ....الخ ) .