الخداع الصهيوني
الخداع الصهيوني
في موضوع المستوطنات "الشرعية" وغير الشرعية!!
رشيد شاهين
هذه التسمية أو التوصيف أو التقسيم والتصنيف للمستوطنات ـ "شرعية" وغير شرعية ـ ليس بجديد في الخطاب السياسي والإعلامي الصهيوني، وهو في الحقيقة تم تداوله على مستوى واسع خلال السنوات الماضية، إلا إن اللافت في هذا الموضوع هو هذا الاستخدام المكثف والمركز له خلال الفترة الأخيرة والتي أعقبت تسلم اليمين الصهيوني الفاشي بقياد (بنيامين نتانياهو) للسلطة في الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى وصول السيد (باراك اوباما) إلى سُدة الحكم في الولايات الأمريكية المتحدة وخاصة فترة ما قبل وما بعد زيارته إلى القاهرة.
باعتقادنا أن هذا التركيز على لا شرعية بعض المستوطنات التي هي في حقيقة الأمر ليست سوى بؤر محددة صغيرة جداً، إنما يهدف إلى الخداع والتضليل وتزييف الحقائق أمام الرأي العام العالمي حيث أن هذه المستوطنات أو البؤر الاستيطانية لا تضم في بعض الأحيان سوى مجموعة من "الكرافانات" المتنقلة التي قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ولا يمكن أن تُشكل سوى نسبة لا تُذكر إذا ما تمت مقارنتها بما يعتبره الكيان الصهيوني "مستوطنات شرعية" أو مستوطنات تم بناؤها بترخيص من سلطة الاحتلال، لكن هل يجوز لدولة الاحتلال أن تمنح "تراخيص" لذلك؟ وهل يتسق ذلك مع القوانين والشرائع والاتفاقات الدولية؟
الحديث بهذا الشكل عن هذه المستوطنات غير الشرعية والتركيز في الخطاب الإعلامي الأمريكي حوله وحول ضرورة إيقاف البناء والتوسع في "المستوطنات الشرعية" استناداً إلى ما أصبح يوصف بـ "الزيادة الطبيعية" للمقيمين في هذا المستوطنات، فيه محاولة خبيثة، الغرض منها "تبييض" وجه الكيان الصهيوني القبيح، والترويج لدولة الاحتيال والاحتلال التي تشوهت صورها بشكل كبير خلال الفترة التي قامت فيها بالاعتداء على قطاع غزة، وارتكاب مجزرة ضد أهالي القطاع سقط خلالها آلاف القتلى والجرحى كانت نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، كما تم تدمير كل ما يمكن تدميره من قِبل آلة الحرب الأمريكية الصهيونية، وذلك فيما إذا وافق الكيان الصهيوني على إخلاء هذه البؤر العشوائية والمتناثرة هناك وهناك في الضفة الغربية المحتلة.
إن من المتوقع والمؤكد أن يقوم الكيان الصهيوني بإخلاء هذه "المستوطنات غير الشرعية" بعد أن يقوم بعملية من المماطلة والابتزاز طويلة، وبعد أن يقوم بعملية استعراضية أمام الكاميرات ووسائل الإعلام العالمية في الكيفية التي سيتم بها إخلاء هذه البؤر "رغما" عن قاطنيها، وسوف نشهد التظاهرات الصاخبة والدموع والأسى، وسوف تظهر دولة الاحتلال كمن "يقبض على الجمر" عند إخلاء مجموعات وقطعان المستوطنين رغماً عنهم، وعند ذاك سوف تنال سلطة الاحتلال الفاشية على الرضا والمديح والترويج والتصفيق من دول العالم وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية وسيد البيت الأبيض الذي برغم كل ما قاله عن المستوطنات، إلا أنه لم يُشر ولو مرة واحدة إلى أن هذه المستوطنات ـ جميع المستوطنات ـ غير شرعية، وأن محاولة إضفاء "الشرعية" على أي منها إنما هي محاولة لإضفاء "الشرعية" على الاحتلال بحد ذاته، وسوف يقول العالم أن الكيان الصهيوني يتجاوب ويستجيب للمطالب الدولية والأمريكية بشكل خاص وانه يعمل بجد في هذا الإطار!
إذا ما وافقت حكومة الكيان الصهيوني على إزالة هذه البؤر ـ وهي ستوافق ـ كما أشرنا، فهذا يعني أنه لا بد من دفع ثمن بالمقابل، والسؤال ما هو هذا الثمن الذي سيتم دفعه لدولة الاحتلال التي ستكون "مسنودة" من أمريكا لقيامها بذلك؟
اللعبة التي يُمارسها الكيان الصهيوني ـ ومعه أمريكا كما نعتقد ـ هي لعبة مكشوفة، حيث أنها تهدف إلى إضفاء صفة "الشرعية" على كل التجمعات الاستيطانية الكبرى والتي تقطع أوصال الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي لا زالت حكومة الكيان الصهيوني تتمسك بالإبقاء عليها وضمها إلى دولة الاحتلال في أي تسوية قادمة ضمن ما أصبح يُعرف بتبادل الأراضي.
في الواقع إن القول بأن هنالك مستوطنات "شرعية" ومستوطنات غير شرعية يعني بالضرورة أن هنالك "احتلال شرعي" واحتلال آخر غير شرعي، وفي هذه الحالة فإن كل ما يمكن أن يقوم به الكيان الصهيوني يمكن أن يتم تصنيفه على أنه "شرعي" أو في أفضل الحالات سوف تتم "شرعنة" أي شيء يرغب الكيان الصهيوني "بشرعنته"، لهذا فإنه لا بد من التعامل بحذر مع كل ما يجري في هذا السياق، لأن من غير المستبعد أن تتم بهذا المعنى "شرعنة" الاحتلال الصهيوني بممارساته أو بعض منها، وبكل ما يقوم به الكيان أو بجزء كبير مما يقوم به وإعطائه صبغة "قانونية"، خاصة في ظل كل الأصوات المتعالية والمنادية بالتوقف عن المقاومة، على اعتبار أنها "أعمال إرهابية"، وفي ظل ما نادى به السيد (اوباما) في خطاب القاهرة إلى الإقتداء بالنضال السلمي للسود في أمريكا.

