جوائز النظام
جوائز النظام
ومثقفو الحظيرة
أ.د. حلمي محمد القاعود
في بداية الصيف من كل عام يعلن النظام جوائزه العلمية والأدبية ، ويفترض أن هذه الجوائز مكافأة لأصحاب الفكر والثقافة والعلم الذين يتميزون عن غيرهم أو يتفوقون كيفاً وكماً ، ويرى الناس أنهم تركوا بصمة حقيقية واضحة في مجال تخصصاتهم ومواهبهم .
كانت المسألة معقولة في الخمسينيات والستينيات ، وكان كثير من الفائزين بالجوائز يستحقها عن جدارة وأهلا لها ، ويوم تحوّل النظام إلى حالة بوليسية فاشية قبل ثلاثين عاماً ، فإن الجوائز ضلت طريقها في الأغلب إلى أتباع السلطة والموالين لها ، مهما كانت الكفاءة متدنية ، والموهبة ضحلة ، والمستوى هابطاً . المهم أن الفائز عندئذ هو ابن النظام عامة ، والمدافع عنه ، والقائم على إسكات خصومه ، ولو كان هؤلاء الخصوم هم أفراد الشعب جميعه !
لوحظ أن العقود الأخيرة خلت من أهل الأزهر الشريف . فلم تمنح الجائزة لواحد من أعلامه أو خريجيه ، باستثناء رئيس جامعة سابق لجامعة الأزهر لأسباب غير علمية أو أدبية ، حيث لم يترك أثرا في مجال تخصصه العلمي .
والموقف من الأزهر ليس تلقائياً أو اعتباطياً ، ولكنه يرجع إلى أن القائمين على أمر الجوائز في خصومة دائمة مع الإسلام وكلّ من يمثلونه ، حتى لو كان تمثيلهم صورياً غير مؤثر في الواقع العام أو الحياة العامة . فهؤلاء الذين يسيطرون على المؤسسة الثقافية ينتمون في معظمهم إلى التيارات المعادية للإسلام ( شيوعيون وماسون ومتأمركون وليبراليون وعلمانيون وباحثون عن المنافع والمصالح الصغيرة بصرف النظر عن المبادئ أو المواقف ) ، وهؤلاء لا يتسامحون مع الإسلام ، ولو كان مجرد شكل يعبر عنه الأزهريون ، الذين قال شيخهم ذات يوم إنه " موظف حكومي " ، وقال مؤخراً : " كل واحد حر في دولته " تعليقاً على موقف ساركوزى من الحجاب والنقاب .
وإذا كان الأزهر غائباً عن جوائز النظام بسبب الشكل الإسلامي فقد غاب من ينتمون إلى الإسلام فكراً وسلوكا ، نظرية وتطبيقاً ، قضية ومصيرا ، فهؤلاء يعدّون من أعداء النظام ولا يجوز بحال أن تذهب إليهم جائزة واحدة ، ولو كانت الجوائز تموّل من أموال المسلمين وعرقهم وكدهم !
ومن يتأمل أسماء الفائزين في هذا العام الذين أعلن عنهم المجلس الأعلى للثقافة ، يجد أن أغلبيتهم الساحقة من مثقفي النظام ، أو ما يُطلق عليم مثقفو الحظيرة ، أما من فاز من خارج الحظيرة ، فقد زال خطرهم على النظام معارضة أو رفضاً ، بسبب المرض أو عدم الرغبة أساساً في مواجهة السلطة .
وهكذا يصبح مثقف الحظيرة نجم الموسم الثقافي بفوزه بجائزة النظام ، ولو كانت قدراته الأدبية متواضعة ومحدودة . فالنظام يتولى الترويج له والدعاية لكتاباته الرديئة وأعماله الفنية الفجة ، لقد أبلى بلاء ( حسناً ) في التشهير بالإسلام والمسلمين ، والقتال ضد الدعوة إلى اعتماد الشريعة منهجاً وأسلوباً ، وفرض إرادة الأقلية الدنيوية على الأغلبية الإسلامية الساحقة ، وتأييد السلطة في تعديلات الدستور والقوانين التي تقصى الإسلام أو تعزله في ركن ضيق ، بالإضافة إلى تأييد التمرد الطائفي واتهام المسلمين بالتحرش بغير المسلمين والتعصّب ضدهم واضطهادهم !
والنظام البوليسي الفاشي معه حق ، فهو لم يسلك سلوكاً غريباً أو نشازاً حين يكافئ هؤلاء الأتباع والأنصار من مثقفي الحظيرة ، فقد هيمنوا على الساحقة الثقافية تقريباً ، واستطاعوا أن تكون لهم الكلمة الأولى في المؤسسات الثقافية والصحفية والإعلامية ، بل والتعليمية وتمكنوا من وضع الإسلام في دائرة الاتهام دائماً ، فهو الإرهاب وهو التطرف وهو الإظلام فضلاً عن المسميات الأخرى : الرجعية ، الأصولية الظلامية ، الجمود ، التخلف ، التشدد ، البداوة ، الوهابية ، الصحراوية ، الماضية وقد صارت هذه المسميات لصيقة به وبتشريعاته وقيمه .
وفى المقابل يتم من جانبهم الترويج للمصطلحات الغربية المراوغة : الليبرالية ، التنوير ، التقدمية ، المستقبلية ، الثورية ، التحررية ، المدنية ، التطور ، التسامح .. إلخ .
نجوم الحظيرة إذاً يستحقون المكافأة بالفوز بجوائز النظام المختلفة ، ويحق لهم أن يتقبلوا شكر السلطة على جهودهم في تقويض دعائم المجتمع المسلم على مدى ثلاثين عاماً ، انهار فيها التعليم ، وتدنت الأخلاق ، وتمزقت روح الأمة ، وتلوثت مما أدى إلى المضاعفات التي تسمع عنها وتطالعها يومياً في الأخبار عن الحوادث البشعة والجرائم الرهيبة ، فضلاً عن السرقات والانحرافات والرشاوى والتزوير والانحلال والغش والنصب والخداع والوساطة والمحسوبية .... إلخ .
لقد تم إقصاء الإسلام من الثقافة والتعليم والإعلام ، وراح مثقفو الحظيرة يفاخرون بأدوارهم في هذا السياق ؛ ولم يكن غريباً أن تستضيف قناة طائفية أحدهم ليفاخر بانتصار الليبرالية والعلمانية على من يسميهم الوهابيين المتطرفين الإرهابيين ، وأن الجائزة التي نالها تمثل تغييرا في اتجاه المجتمع نحو المواطنة والاعتراف بالعلمانيين رسل التنوير والتطوّر ضد الظلامية والرجعية ، ويشيد مقدم البرنامج الذي صعد على بساط تقارير لاظوغلي إلى منصب رئيس تحرير بالفائز الذي لا يخافت بعدائه الصريح للإسلام والمسلمين وحصوله على أصوات عالية من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة الذي يسميه الفائز صوت الضمير الثقافي الشعبي (!)
ولسنا في مجال يسمح بالجدل حول الفائز الذي يشكك كثير من الناس في درجة الدكتوراه التي يزعم أنه حصل عليها . أو سرّ الاهتمام الدعائي به يوم كان زوجاً لابنة شيوعي شهير ، أو أكاذيبه الفكرية ومغالطاته الثقافية ومسرحياته الدعائية ، ولكن المؤكد أن الرجل خدم النظام خدمة جليلة في مجال التشهير بالإسلام ، سواء في جريدة الوزير التي تفسح له مقالاً طويلاً أسبوعياً يشكك من خلاله في الإسلام ، أوفى بقية الصحف الحكومية أو القنوات التلفزيونية التي تقدمه مفكراً مستنيرا يكافح التطرف – أي الإسلام !
إن المهمة التي يتمركز حولها مثقفو الحظيرة ، هي تشويه صورة المسلم الذي يتمسك بإسلامه وشريعته ، وقد حقق بعض الفائزين ثروات ضخمة من التجارة في هذه المهمة الوضيعة ، وانتقل من غرف السطوح إلى أجنحة الفنادق الفاخرة ، ولا عجب أن يعيش بعضهم تحت حماية الشرطة ، وليس حماية الشعب ، وأن ترتبط شهرة بعضهم بحضانة السلطة البوليسية الفاشية وليس بالتأثير في الناس وترقيتهم ..
ومن المؤكد أن المستحقين الحقيقيين للجوائز خارج الحظيرة ، وبعيدون عنها ، وليسوا في حاجة إلى شهادة من المجلس الأعلى للثقافة الذي لا يمثل بالضرورة ضمير مصر الثقافي ، وإن كان كثير من أعضائه قد نعموا بالحظيرة وخيراتها على حساب المسلم الفقير وأشياء أخرى .


حاشية :
- مدير الأهرام في تركيا يتقاضي راتبه بالعملة الصعبة من دماء المسلمين الكادحين نظير مقالاته الأسبوعية القصيرة التي يدافع فيها عن منظمة أرجينكون المعادية للإسلام والمسلمين ! عجبي !
- العربجى ومثقف الحظيرة كلاهما صاحب موقف . الأول يأكل من عرق جبينه، وينطق بما تعلمه في الشارع ، ولا تثريب عليه ، أما الآخر فيأكل سحتا وينطق بما تريده السلطة .
- موعدنا مع الخائن يعقوب قريبا إن شاء الله .