بدل النداء إلى الأمة .... نداء إلى العلماء
بدل النداء إلى الأمة .... نداء إلى العلماء
بقلم : أمير أوغلو
قام ثلاثة وتسعون عالما ومفكرا وقائدا ومثقفا
عربيا وإسلاميا بتوجيه نداء إلى الأمة العربية والإسلامية البارحة الأحد تأثراً
بأحداث النجف , والسودان , وفلسطين , وأفغانستان ( من الملاحظ أن قائمة البلدان
المنكوبة تطول تدريجيا ) ناشدوا فيه الأمة أن تقف في وجه العدوان وأن تعارض
الإحتلال .
بعد أن عدد السادة العلماء الأحداث الرهيبة التي تتعرض لها الأمة , وهددوا أمريكا وإسرائيل والغرب وكل القوى المعادية بأن الأمة ستنفجر كالمرجل قريبا , بدؤوا بتعداد مطالبهم وسرد تصوراتهم عن كيفية الخروج من هذا المأزق الذي نعيشه , وقد كان هذا السرد والتعداد مخيبا لآمال كل من ما زال يعتقد أن خلاص الأمة سيكون عن طريق علمائها ومثقفيها ونخبها الحالية وقيادات المعارضة فيها مهما كبرت مناصبهم واشتهرت أسماؤهم .
البيان لايختلف عن أي بيان حكومي رسمي يصدر عن أي دولة عربية ولا يتميز عن البيانات الختامية لجامعة الدول العربية , فهو يستنكر العدوان , ثم يتضامن مع الشعوب المستضعفة , ثم يدعم الأسرى , ثم يدعو الشعوب لمعارضة الإحتلال , ثم يطالب الشعوب فقط دون الحكام بإقامة الديمقراطية , وأخيرا يهيب بالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والإتحاد الأفريقي بأن يهبوا لنجدة السودان ولا ينسى أن يختتم بآية من القرآن الكريم تشير إلى النصر القادم .
الخلاصة : إستنكار , تضامن , دعم , معارضة , ديمقراطية , نجدة قادمة ......
لقد نسي السادة العلماء أن يقولوا لنا كيف نقيم ديمقراطية تحت ظل هذه الأنظمة التي تقمع كل نفس من أنفاس شعوبها , ونسي العلماء أن يقولوا لنا كيف ندعم إخوتنا الأسرى ماديا وقد جفف حكام المسلمين منابع التبرعات والجمعيات الخيرية وسكتوا عن اعتبار حماس منظمة إرهابية بل وافقوا على ذلك , ونسي العلماء أن يقولوا لنا كيف نتضامن مع شعب العراق ضد حكومته العميلة بعد أن اعترف كل الرؤساء العرب بهذه الحكومة وصار من يخالفها إرهابيا ومن يقاومها ويقاوم المحتل هو العميل الخائن للوطن , ونسي السادة العلماء أن يقولوا لنا كيف نقاوم الإحتلال الإسرائيلي وحكامنا يحمون حدود إسرائيل من الجهات الستة .
ياعلماء الأمة إطمئنوا فالأمة لن تنفجر ما دمتم أنتم الذين تقودون وتتحكمون بهذا الإنفجار من بيوتكم الفارهة وملاجئكم الآمنة في الشرق والغرب , واطمئنوا فالأمة لن تنفجر لأن الله هيأ لحكامها علماء من أمثالكم لا يريدون أن يسموا الأشياء بأسمائها ولا يريدون أن يجهروا بكلمة الحق ولا يريدون أن يقولوا للناس ما هو السبب وما هوا لخلاص بل يدورون ويلفون حول الكلمات وينتقون أجمل الألفاظ التي تروق للحكام حتى يعلنوا للناس في المستقبل أنهم أدوا واجبهم تجاه الأمة ونصحوا لها وبينوا الطريق , واطمئنوا يا سادة فالأمة لن تنفجر ما دام كل صاحب حزب وجماعة يضع مصلحة حزبه وجماعته قبل مصلحة الأمة والوطن , ظانا أنه هو الذي سيخلص الأمة عندما تصل جماعته إلى الحكم .
هل بقي مجنون أو عاقل في هذه الأمة سواكم لا يرى أن سبب نكبتها هم حكامها ؟ هل يشك مجنون أو عاقل في هذه الأمة سواكم في خيانة هؤلاء الحكام أو على الأقل في أنهم يقدمون مصالحهم وبقاءهم في الحكم على مصلحة الأمة ؟ إلى متى ستصمتون ؟ ومتى ستجرؤون على الصدع بالحق ؟ هل هناك طريق للإصلاح لا يبدأ من تغيير كل الحكومات العربية واستبدالها بحكومات تعمل لمصلحة الوطن والأمة تصون طاقاتها وتحفظ مواردها وتفسح المجال للمخلصين من أبنائها ؟ هل عندكم تصور آخر قولوه لنا بالله عليكم , هل أنتم مصرون على النصح للحاكم المنزل من عند الله ليتوب فينصلح حال الأمة وأنتم رافهون في بيوتكم ومؤتمراتكم وسياحاتكم في بلدان العالم تبيعون المسلمين معسول الكلام وتُسمعون كلاّ ما يحب أن يسمع ؟ متى ستضعون النقاط على الحروف وتقولون للناس قوموا في وجه حكامكم وانفجروا ضد الظلم والعبودية والرق المفروض عليكم حتى تستطيعوا بعد هذا أن تقاتلوا عدوكم وتنتصروا عليه ؟
لقد أصبح كلامكم ياسادة أبعث على الملل من كلام حكامكم الذين تريدوننا أن نصدق أنكم تعارضونهم , أستحلفكم الله أن تعنونوا هذا البيان باسم الجامعة العربية ثم تقرؤه ثانية لتلاحظوا كيف سيختلط عليكم الأمر ولن تعرفوا من كتب هذا الكلام .
لقد وضعتم أنفسكم في موضع القيادة فعليكم أن تتحملوا هذه المسؤولية لا أن تنعموا فقط بميزاتها كما يفعل حكامكم , وهذا المنصب يتطلب التضحيات والجرأة على قول الحق وعدم السكوت عن الحاكم وعدم التبرير له وعدم انتظار أن تتنزل هداية الله عليه بعد كل هذه السنوات التي عانتها الشعوب من ظلمه وجوره .
لقد ملت الشعوب هذا التلاعب بالألفاظ والدوران حول الأمور , لقد وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيها خطاب الستينيات والسبعينيات يفيد أحدا ولا يسمع أحدا , لقد تطورت الأمور في السنوات العشر الأخيرة إلى درجة صار فيها تعيين الواجبات فرضا أساسيا على العلماء , وأوجب الواجبات هو التغيير الحقيقي لكل الحكام العرب , لم يعد يجدي الإصلاح فكيف تكتفون بالكلام عن الإصلاح ؟ لم يعد هناك وقت للإنتظار فكيف تصبرون الشعوب حتى تنتهوا من نصح الحكام ؟لم يعد يجدي اللعب على الحبال فكيف تريدون الحفاظ على ثقة الناس وخطابكم لا يختلف في الأسلوب عن خطاب الحكام ؟
لقد توجهتم بالنداء إلى منظمة المؤتمر الإسلامي ونحب أن نطمئنكم بأن المنظمة قامت بدورها وسبقتكم في التنصل من واجباتها وألقت الكرة في ملعب إسرائيل كما ألقيتم أنتم الكرة في ملعب الشعوب , فقد قامت المنظمة في الأسبوع الماضي بتوجيه نداء إلى الحكومة الإسرائيلية تذكرها فيه بدورها في حماية المقدسات الإسلامية في القدس ( المسجد الأقصى ) باعتبارها دولة محتلة !!!!!! لا تستغربوا هذا فالمنظمة التي تريد من إسرائيل حماية المسجد الأقصى ليست أغرب من العلماء الذين ينصحون حكام الأمة بأن يغيروا من سياستهم ولا أغرب من العلماء الذين يريدون أن تقوم الشعوب المغلوبة على أمرها بتحرير فلسطين والعراق قبل أن تتحرر هي من حكامها . هل قرأتم نداء المنظمة لإسرائيل وكيف تقبلون مجرد ذكر اسمها في البيان بعد هذا النداء ؟ ألا ترون أنكم تعبثون بمصداقيتكم أمام الناس ؟
أما الجامعة العربية التي تستنجدون بها فلم نسمع عن أي تغير طرأ عليها منذ قيامها وحتى هاويتها الأخيرة في تونس فما الذي سيدفعها برأيكم إلى أن تنقذكم وتنقذ شعوبكم من حكامكم وحكامهم ؟ وكيف ستفعل هذا وهي أداة فاشلة عاطلة عن العمل بأيدي الحكام الذين اخترعوها , ينادي رئيسها دائما بأن فقدان الإرادة السياسية لدى الحكام هي مشكلته الكبرى , فأنتم هنا كالغريق المتعلق بقشة ستغرق معه أو بدونه .
وأما نداؤكم للشعوب لتقيم الحكومات الديمقراطية وأنتم الذين حرمتم عليها أن تبدل حكامها بكل الطرق بحجة غلبتهم على الأمر فهذا من عجائب الزمان وغرائب الدهر كيف سيبدل الشعب حاكمه بحاكم ديمقراطي وأنتم الذين تفتون له بأنه يجب أن يصبر ويحتسب وإن جلد ظهره وأخذ ماله مادام الحاكم وصل إلى الحكم بالتغلب والغلبة وصار القيام عليه فتنة وحراما ؟ ومن يا سادة سيوجه الشعوب إلى الطريق الذي تحصل فيه حقوقها وتقيم فيه ديمقراطياتها وأنتم تقفون ورائها لا أمامها تنتظرون أن تصل بكم وأن تحملكم إلى سدة الحكم بدل أن تحملوها أنتم إلى طريق العزة والكرامة ؟
لقد وقّع على البيان أشخاص كثيرون نحسبهم على خير بعضهم قد يكون وقّع إحراجا وبعضهم ثقة بمن كتب وبعضهم امتثالا لقياداته , ولكن الطامة الكبرى أن مثل هذه البيانات المتهافتة تسيء إلى أصحابها وتفقد المواطن العربي والمسلم الثقة برموز الأمة , وهذا ما لا نريده ولا نتمناه للكثيرين ممن وقعوا هذا البيان , إن السكوت في مثل هذه الحالات أشرف وأفضل مئات المرات من هذا الكلام المكرر المعاد الذي لا يسمن ولا يغني من جوع , لقد سمعت تعليقات الكثيرين ممن قرأوا البيان فكانت كلها ضد هذا الأسلوب العاطفي الإنشائي الذي يحرف الناس عن الطريق الصحيح للتغيير ويدمي قلوبهم دون أن يضع لها الدواء الشافي فتزداد كربة الإنسان العربي ويزداد يأسه الذي رعاه الحكام وغذوه فإذا بالعلماء يأتون ليزيدوه يأسا على يأس وكأنهم والحكام في صف واحد ضد هذا المواطن البائس اليائس . لقد كنتم في بيانكم هذا كمن يصف لمشلول مقعد علاجا بأن يركض كل يوم ألف متر ليشفى من الشلل .
حرام عليكم ياقوم , إرأفوا بنا وبعقولنا وبمشاعرنا وبأحاسيسنا , وارأفوا بالشعبين العراقي والفلسطيني الذين تتكلمون دفاعا عنهما , وارأفوا بالمجاهدين الصادقين الذين يقفون في وجه الأعداء في كل مكان , فقد خيبتم آمال الجميع وحطمتم حلما كان في بالنا عنكم بأنكم تتهيؤن للقيام بالتغيير الذي ينتظره كل عربي وكل مسلم , كان الصمت أشرف لكم وأحفظ لصورتكم أمام العالم وكان صمتكم من ذهب أما كلامكم هذا فهو حتما ليس من فضة .