كوميديا الجحيم في سجن تدمر يرويها فرج بيرقدار
عن الرجل الذي أطعموه فأراً ميتاً وأشياء أخرى
كوميديا الجحيم في سجن تدمر يرويها فرج بيرقدار
اعتقل الشاعر السوري فرج بيرقدار (من مواليد حمص 1951) ثلاث مرات في سورية. الأولى
عام 1978 بسبب كرّاس أدبي شبه دوري. الثانية عام 1978 بتهمة الانتماء إلى رابطة
العمل الشيوعي. الثالثة في 31 آذار 1987 بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، حيث
أمضى في السجون أربعة عشر عاماً متواصلة إلـى
إلى الشرق
أنهى المساعد قراءة الأسماء وطوى الورقة ليضيف بصوت انثوي حاد وموقّع:
- كل من ورد اسمه في اللائحة، يضبّ أغراضه.
تهللت أسارير بعضنا رغم ملامح الخيبة والحزن والقلق، التي ارتسمت على وجوه الآخرين، ولا سيما أولئك الذين لم ترد أسماؤهم في اللائحة.
إذاً، رفعت الملفات، وجفّت الدماء بعد أحد عشر شهرا من التحقيقات....
- لن تفرحوا بها، قال المساعد، فوالله أينما ذهبتم سيكون مرجوعكم إليّ، ولن تخرجوا، إذا كان لكم نصيب بالخروج، إلا من هنا، حتى ولو بعد خمس سنوات.
لم يكن لدينا أغراض لنضبها، فقد كانت زياراتنا ممنوعة طوال فترة التحقيق.
خرجنا من فرع فلسطين بثيابنا وقيودنا فقط.
كنا نتمنى أن يفضي خط رحلتنا إلى سجن صيدنايا، فقد سمعنا بطريقة ما، انه افتتح منذ شهور وان جميع رفاقنا القدامى اصبحوا فيه الآن.
ولكن من يدري؟! فمنذ بداية الحملة تسير الوقائع خارج توقعاتنا، وأحيانا على النقيض تماما.
ألم نعتقد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من اعتقالنا أننا نجحنا في إغلاق جميع الثغر الأمنية؟!
لا بل انهم نقلونا إلى الفرع 248 كمحطة على طريق نقلنا إلى سجن ما، وفجأة أعادونا إلى فرع فلسطين، ليبدأ التحقيق من جديد، وعلى نحو انتقامي فاجر. ثم ألا يمكن أن يواصلوا انتقامهم فيرسلوا مجموعتنا إلى سجن المزة مثلا؟
كان لافتاً أن مجموعتنا الآن منتقاة على الأرجح بصورة مدروسة: عسكريين وأعضاء مركزية حصرا. وفي هذا من الاعتبارات ما يكفي لجعل احتمال عزلنا واردا وربما مرجحا، لأسباب أمنية على الأقل وانتقامية وحتى إجرائية.
لا بأس... المهم أن الشطر الأكثر خطورة في هذه الرحلة العمياء قد انتهى، وها نحن الآن في طريق آخر يستحيل أن يكون أكثر سوءا مهما كانت احتمالاته.
قامات مهدّمة، تسير متحاملة على نفسها، وليس لها ما تتكئ عليه سوى الكبرياء. لم تكن المسافة من فرع فلسطين إلى الفرع 248 تتعدى الدقائق.
هناك أوقفونا في أحد الكوريدورات من العاشرة صباحا حتى الرابعة بعد الظهر.
- أنت... أبو البيجاما البنية... انهض.
- لا أستطيع... معي كسر في الحوض.
- قلت لك انهض أحسن ما أجيبلك الدولاب ها!!!
- قلت لك لا أستطيع، ودولابك أيضا لا يستطيع.
يبدو أن الإجابة أحنقت العنصر وأربكته، وحين لم يجد رداً مناسبا صبّ انفعاله في اتجاه آخر.
- أبو الكنزة السوداء وجهك لقدام...
وأنت أيها الحوت... يديك وراء ظهرك.
- يداي نصف مشلولتين.
- من شو.. . يا عين أمك؟
- من الله... وربما من الكرسي الألماني.
- بس... بلا حكي برّا الطريق.
- دعهم يا رجل... فرع فلسطين كفّى ووفى.
- من اراد الجلوس ليجلس... ولكن حذار البربرة والبصبصة... وأنت أبو الفيلد العسكري، ثبّت الطميشة على عينيك احسن ما أحطلك طميشة ثانية.
أمسكني أحدهم من كتفي:
- تعال أنت.
سحبني بضعة أمتار، وربما أدخلني إلى واحدة من الغرف المجاورة. سألني صوت هادئ ومسالم، رغم نبرته الاستجوابية:
- أنت هو الشاعر أليس كذلك؟
- لا ادري إن كنت أنا من تعنيه... ولكني اكتب الشعر.
- ماذا كنت تعمل قبل التخفي؟
- في الصحافة.
- هل حقا لك أشعار مطبوعة؟
- نعم... لي بعض الأشعار المطبوعة.
- أين طبعتها؟
- في لبنان.
- ووزعتها بصورة غير مشروعة طبعا!!
- أبدا... لديّ ترخيص فيها من وزارة الإعلام.
- كان ينبغي أن تكون هنا منذ ثلاث سنوات... ولكن ساعدك الحظ كثيرا على ما يبدو.
- شكرا للحظ.
- ولكنك وقعت أخيرا.
- ليست معجزة.
- هل كنت تنشر في الصحف السورية؟
- سورية وغير سورية.
- ما حرام تضيّع مستقبلك؟!
- مستقبل أمة بكاملها ضائع.
- يبدو انك لم تتعلم شيئا من تجربتك... أعيدوه إلى مكانه.
في الرابعة بعد الظهر وزعونا على منفردات متباعدة، وفي اليوم التالي جمعونا في غرفة واسعة نسبيا، وتعاملوا معنا بطريقة شبه حيادية.
قال أحدنا انه التقى البارحة أثناء الخروج إلى التواليتات بسجين سياسي قديم في الفرع، اخبره أن ذهابنا إلى سجن صيدنايا مستبعد، فإما سجن المزة وإما إلى تدمر لفترة عقابية قد تصل إلى ستة اشهر.
- غير وارد على الإطلاق، علّق أحدنا بطريقته القطعية، وغير منطقي أبدا، فرفاقنا الذين كانوا هناك، نقلوهم جميعا إلى صيدنايا، فما مبرر ذهابنا إلى هناك؟
قال آخر:
- تعلمون أن عضو المركزية مضر الجندي شوهد لمرة واحدة أثناء التحقيق، وبعدها انقطعت أخباره، وليس هناك إلا واحد من احتمالات ثلاثة: إما أنه استشهد أثناء التعذيب. وإما أن لديه معلومات خطيرة يخشون أن تصل إلينا أو إلى الخارج، فعزلوه عنا، وانتم تعرفون أن هناك سابقة من هذا النوع. وإما انه انهار وتعامل وخرج. وبغض النظر عن أرجحية الاحتمال الأول، فان أياً من الاحتمالات السابقة، يجعل ذهابنا إلى تدمر اكثر من وارد.
تناقشنا طويلا، ولكن نقطة واحدة اتفقنا عليها فيما لو تحقق هذا الاحتمال التدمري الأسود، هي رفض "التشريفة" هناك أو مقاومتها والاحتجاج عليها بكل السبل الممكنة.
بعد ساعات أعادوا توزيعنا على الزنازين، لنخرج منها بعد يومين إلى ميكروباص أنيق، جعل أحدنا يعلق متفائلا:
- النقل إلى تدمر يتم عادة بالسيارة "القفص"، أما هذا الميكرو السياحي!!!
ما كدنا نجلس على المقاعد حتى احضروا الكلبشات والطميشات.
- الكل يداه إلى الخلف.
كانت النبرة آمرة وقاطعة.
لا ادري لماذا تصر المخابرات العسكرية على استيراد هذا النوع من الكلبشات الإسبانية الصنع!!! صحيح أنها أنيقة ولامعة، لكنها في منتهى اللؤم.
سامحكم الله أيها الإسبان... لا أنكر أن أجدادنا احتلوا بلادكم في ما مضى، وهذا رغم كل شيء يؤسفني حقا، ولكن ألم تجدوا طريقة أخرى غير هذه لرد الجميل؟!
- انتبهوا إليّ جيدا... الجميع رأسه دون مستوى المقعد الذي أمامه، وأي حركة يمينا أو يسارا ستكلفكم غاليا.
صمت ضبابي عائم، يضفي عليه فحيح اشطمان الميكرو شيئا من القشعريرة.
اتجه الميكرو باص شمالا ثم شرقا ثم شمالا...
لا تزال الشوارع معروفة بالنسبة الينا جيدا... أطوالها، ميولها، اتجاهاتها، وانعطافاتها.
تبخر احتمال المزة، فخط السير الآن يتأرجح بين الشرق والشمال.
هذه أول مرة أدرك فيها بعمق، مدى الأهمية والكيفية التي تعمل بها الحواس الأخرى لدى الضرير. اجتزنا المفرق الأول المؤدي إلى صيدنايا... بقي هناك احتمال أن نذهب إليها عبر مفرق معلولا. هكذا أكد لنا أحد الرفاق منذ يومين.
لا يزال هناك أمل... مفرق أبو الشامات - تدمر قبل معلولا بكثير، فإذا اجتزناه بقي احتمال صيدنايا فقط.
ولكن... لماذا يأخذوننا إلى صيدنايا عبر مفرق معلولا، بينما طريق برزة - تل منين اقصر واسهل؟!
لا ادري... بدأت هواجس تدمر تنشر دخانها في رأسي بكثافة.
- أبو البلوزة الكحلية راسك لتحت.
إذا كان المصير إلى تدمر فهذا يعني أن وضعنا سيبقى مجهولا إلى أن تُفتح الزيارات.
الوضع الصحي لمعظمنا لا يستطيع أن يتحمل تدمر... بعضنا سُحب من المشفى قبل استكمال العلاج، فهل يعقل أن يرسلونا إلى تدمر ونحن على هذه الحال؟؟!
رئيس الفرع موتور وحاقد، وما من شيء يمنعه عن إرسالنا إلى هناك.
ألم يقل إننا أسفل مجموعة يراها في حياته، وإننا عذبنا جلاديه اكثر مما عذبونا!!!
- يا كلاب ما أن ترفع الطميشة عن عيونكم حتى تحدقوا في وجه المحقق بنظرات وقحة لا تستطيعها حتى القحبات.
وشرف أمي لنسّيكم الحليب اللي رضعتوه يا عرصات.
السافل... ما علاقة شرف أمه بالموضوع؟؟!
فجأة انعطف الميكرو بحدة إلى اليمين مصوبا جهة الشرق.
اللعنة... هي تدمر إذاً !!!
لقد احترق الحبل الأخير من مظلة الوهم... كل شيء يحترق ويحترق ويحترق...
انه السقوط الحر.
أمال الرفيق الذي بجانبي ساقه حتى لامسني، وراح يضغط كما لو انه يريد أن ينعجن بي.
- تا دا مور راااا
هكذا صرخ صديق لي، قبل حوالي عشرين عاما، وهو يلقي إحدى قصائده عن تدمر زنوبيا.
بدأ الطريق يتلوى، لا لشيء سوى ليطول.
حقا إن اقتحام الخطر، اقل وطأة من ترقبه، وتدمر لا تريد أن تصل.
- آ ااااا خ...
صرخة نهائية فاجعة ممتدة على طول هاوية سحيقة.
- اخرس ولك شرموط... شو في عندك؟؟؟
- الكلبشة انزلقت، ويداي تتقطعان.
- دبّر له الكلبشة بمعرفتك.
- طخ... ضربة بأخمص البندقية على الرأس، اوقفت الصراخ في منتصف الهاوية، ثم شيئا فشيئا أصبحت السماء والأرض منطبقتين تماما، لا يفصل بينهما سوى خيط من الأنين وربما خيط من الدم، وفحيح اشطمان الميكرو.
يا الهي كم يبدو الزمن بطيئا ودبقا وكريه الرائحة!!!
- كم تبقى حتى نصل؟؟
سأل أحد عناصر الدورية المرافقة.
- ليس اكثر من نصف ساعة، أجابه آخر.
- نايمين يا عكاريت؟؟ من شوية كنتوا بالفرع عاملين لي قبضايات؟؟ هلّق منشوف زلوميتكن... قال شو...؟ ما بتعرف خيرو لتجرب غيرو... والله تاتشوفوا نجوم الظـهر هلّق... بتستاهلوا... ماني فهمان شو كان بدكن بهالشغلة الوسخة... كليتكن مثقفين وعايشين وعين الله... رفستوا النعمة لشو؟! شو يللي ما عاجبكن بسيادة الرئيس آااا؟ منين بدكن تجيبوا رئيس احسن منو؟! احكوا... هاتوا تاشوف... منين؟ صدقوني إذا بتبرموا الدنيا شرق وغرب ما رح تلاقوا رئيس بيجي لضفر من ضافيرو... والله لو تفهموا وتقدروا بس، تاكنتوا تركعولوا وتصلولوا يا عكاريت... قولوا بس شو يللي ما عاجبكن فيه؟! ولك والله شخاختو دوا... ولك والله والله خريتو مزار...
كانت كلمات المحاضرة تخرج من فم العسكري مهتوكة ومشرّمة ومليئة بالتأتأة والنبر في غير أماكنه، وبين الجملة والأخرى كانت أخامص البنادق تكمل عرض براهينها المفحمة بالدق على رؤوسنا حتى توقف الميكرو.
- كل واحد هلّق يترك الطميشة عند الباب وينزل وعيونو مغمضة وراسو بالأرض، وايدو بايد رفيقو.
كان الممر الذي دخلنا فيه أشبه بنفق مكشوف، وعلى جانبيه قيامة من السياط واللكمات والركل والأصوات البهيمية الزاجرة.
بعد زمن يشبه الغيبوبة وجدنا أنفسنا محشورين في غرفة صغيرة على ثلاثة انساق، واجمين ووجوهنا إلى الحائط.
حين نظّمنا العسكري على انساق رأى العدد زائدا في النسق الثالث، فطلب مني ان اقف منفردا في محاذاة الجدار، ثم تركنا وغادر الغرفة.
تساءل أحدنا:
- هل انتهت التشريفة؟
جاءه الصوت من الخلف كضربة سوط:
- بلا حكي يا منيوك.
ران الصمت من جديد... ثم فجأة أحسست بيد صلبة تسحبني من كتفي.. التفتّ لأرى نفسي أمام رقيب أشقر فاقع يرفع رأسه على نحو استنكاري وهو يحدجني بنظرة حجرية تقدح إنذارا ما.
هززت رأسي مستفهما عما يريده، فقال لي:
- اغمض عينيك.
لم اكن اعرف أن إغماض العينين في تدمر هو الدرس الأول الذي يتلقاه السجين فور وصوله.
تذكرت كلمات رئيس الفرع:
- يا كلاب ما ان ترفع الطميشة عن عيونكم حتى تحدقوا في وجه المحقق بنظرات وقحة لا تستطيعها حتى القحبات.
أعاد الرقيب أمره بنفاد صبر كما لو انه الإنذار الأخير قبل إطلاق النار.
فكرت أنني لن أسمح له بترويضي مهما كان الثمن...
مرت بضع ثوان، كلانا يحدق في الآخر منتظراً أن تنتهي المبارزة لصالحه.
اقترب مني أحد العساكر...
- ما يقوله لك حضرة الرقيب أمر عسكري منزل من عند الله، ورفض التنفيذ يعني كفر وتمرد... نفِّذ أحسن لك.
همسات بعض الرفاق تصلني راجية ومشجعة ومستغيثة ومؤنبة ومواسية:
- نفِِّذ.
- ما مشكلة.
- خلص عاد.
- نفِّذ وبعدين منشوف.
- يا الله... بسيطة... الخ.
أغمضت عيني...
- أغمضْ جيداً.
أغمضت بقوة لعلي أقنعه بأنه كسب الجولة وانتهى من هذا الموقف السخيف.
صفعة كافرة قرقع صوتها تاركاً في فضاء الغرفة صمتاً مدوياً، أعقبه طنين شامت، شعرت معه أنني أقف على نصل حاد يشقني بين رغبتين: الانتحار او البكاء.
بعد قليل أدخلونا بالتتالي إلى غرفة الذاتية.
- فلان الفلاني...
- حاضر.
- يا ابن المنتاكة قل حاضر حضرة الرقيب.
دقق مسؤول الذاتية قيوده وبلطف واضح أعلن:
- خالصين تفضلوا.
تقدمنا بتثاقل وكان بعضنا يشهق ويزفر كما لو انه يتنفس الصعداء.
- عندك... الجميع جالساً...
جلسنا.
- اشبك يديك حول الركبتين.
شبكنا أيدينا.
تشرت تشرت تشرت... صوت ماكينة حلاقة يدوية بدأ من الخلف شاقاً طريقه إلى الامام بثقة واستهتار.
المرء بشعر وشاربين ليس هو نفسه بدونهما.
- بلدية...
صرخ الرقيب:
- خذوهم إلى باحة التشريفة.
يا دين دينكم!!!
- اخلع كامل ملابسك.
بدأنا بخلعها ونحن نتلكأ بفك الأزرار، كمن يحاول تأجيل قدر محتوم، ولو لبضع ثوان إضافية، لعل معجزة ما تغيّر مجرى الحكاية.
باحة شاسعة تتسع لخمسين زنزانة.
- نخلع الكلاسين ايضاً؟؟؟
- قلت كامل ثيابك... أترك الجلد فقط فنحن بحاجة إليه.
أغمضت أمنا الدنيا عينيها، وصكت أسنانها، وانزوت في الركن الأبعد من باحة التشريفة، مديرة ظهرها لأمواج متدافعة من الأصوات الممزقة بين الصراخ والعواء وما يشبه الولاويل.
هياكل لكائنات غريبة، محزومة أرجلها ومشدودة إلى أعلى.
كل الأشياء مقلوبة...... وحده الموت يقف عابساً مهيباً ثابت الجنان.
كانت السياط والكرابيج تشخط الهواء بزفيرها تاركة وراءها أنيناً مخطوفاً تتخلله شهقات دامية متقطعة.
- انهضوا... ثبتوا الطميشات على عيونكم، وليضع كل منكم يده على كتف الآخر...
- صفّاً... سِرْ.
تقدمنا كقطار تتدافع مقطوراته وتتراجع متلاطمة، تبعاً لحركة القاطرة الأولى التي يقودها أحد عناصر البلدية.
- تحرك يا حيوان تحرك... ارفع رجلك قليلاً عند اجتياز الباب.
اجتزنا الباب الأول.
- إلى اليمين تابع... تابع بسرعة... ارفع رجلك أيضاً... تابع... إلى اليمين... عندك... انتظر قليلاً... تابع... إلى اليمين... إلى اليمين ايضاً... قف... تقدم قليلاً... قف...
- ارفعوا الطميشات... هذا مهجعكم، وهذه البطانيات... خلال نصف ساعة أريد المهجع جاهزاً...
- من هم العسكريون بينكم؟
رفع العسكريون أيديهم.
- ما رتبتك أنت؟
- رائد.
صفعة خاطفة مدربة...
- قل رائد حضرة الرقيب... وأنت الآخر ما رتبتك؟
- مساعد حضرة الرقيب.
- إذاً، أنت رئيس المهجع... انتبه جيداً لتقديم الصف كلما فُتح الباب وكلما أغلق... مفهوم؟
انسحب الرقيب والعساكر، وما كاد الباب يغلق حتى فتح من جديد.
- رئيس المهجع تعال.
رشقة من الصفعات وقذيفة على البطن.
- لماذا لم تقدّم الصف عندما أغلق الباب؟ قدِّم الصف تا شوف.
- حاضر حضرة الرقيب... انتبه... استا... عد... استا... رح... استا... عد... المهجع انتهى من التفتيش حضرة الرقيب.
صفعة طرشاء...
- قل الرقيب أول ولك عرص... أعد.
- المهجع انتهى من التفتيش حرقيب أول.
هكذا دمج رئيس المهجع كلمة حضرة مع كلمة الرقيب من شدة الارتباك.
ابتعدت الخطوات وتدحرجت عيوننا في أرجاء المهجع... واسع متآكل... مخنوق بالغبار... والجدران أشبه بلوحات سوريالية مطروشة بالدم والوسخ ولطخات متنوعة من الدهان والبقع المرممة بشيء من الإسمنت... أما الأرض...
حسناً سأختصر الموضوع وأسألكم... هل سمعتم باسطبلات "أوجياس"؟!
دوائر ذات شهيق متصل
آخ يا تدمر...
في أواخر عام 1978 التقينا للمرة الأولى. كنا يومها بضعة أصدقاء، يجمعنا الشعر، والحنين إلى ما لا نعرف، ومقدار ليس قليلاً من البراءة والمستقبل.
في ذلك المدرج المشرف على أمومة التاريخ... عمّرنا سهرتنا وكان القمر زنوبياً إلى حد الفتنة. وها نحن الآن وبعد اكثر من عشر سنين نلتقي ثانية... لكن هذه المرة بدون الشعر، بدون ذلك القمر الزنوبي الفاتن، وربما بدون المستقبل.
تدمر هذه المرة... تاريخ رملي وجغرافيا متحركة... دم يطغى ويتدافع دوائر... دوائر... دوائر فاجرة ذات شهيق متصل، تبتلع في طريقها الآثار والنخيل، الناس والمدن، وحتى الزمن والاسماء.
تدمر هذه المرة زمن آخر، زمن يسير على أربع، مغمض العينين، يعوي حيناً، ويموء حيناً وتتقطع أنفاسه حين يبدأ تنفّس المهاجع في الباحات.
لا أدري إذا كانت كل الباحات مثل باحتنا... غير أن الوهوهات، والعواءات المقلوبة المتناهية إلينا من الجوار، كان لها الملامح نفسها... مطعونة بالإيقاعات نفسها.
أجل... التنفس في الباحة قطع أنفاس حقيقي، وفي بعض الأحيان قطع أنفاس نهائي.
ليس في هذا مجاز لغوي أو مفارقة شعرية.
لقد حدث ذلك في باحتنا أربع مرات على الأقل خلال عام واحد، أربع مرات أكيدة شاهدناها من ثقوب الباب، وفي أحيان أخرى كنا نشعر بكثافة الموت وهي تدق الأبواب، ولكن شبح الشرطي القريب من الشراقة الفاغرة في السقف، كان يحول دون اقترابنا من ثقوب القلق والفضول والمعرفة.
حين تنقطع أنفاس أحد السجناء بشكل نهائي، في فترة التنفس أو بعدها بقليل، كان يكتفي رئيس المهجع بدق الباب، بالطبع لا داعي لأي تساؤلات حول سبب الدق.
ثمة أمور بديهية بالنسبة إلى السجناء، ولاسيما القدامى منهم، فالدق على الباب يعني في الغالب وجود حالة موت، ذلك انه لا يمكن أن تسمع أي دق على الأبواب خارج هذه الحالة ومرادفاتها.
للحق كان الطبيب يأتي مع شرطيين أو ثلاثة، ومن وراء الباب يسأل صوت ما عن سبب الموت، ويكون الجواب أي شيء سوى الحقيقة... لأن إعلان الحقيقة يمكن أن يكلف المهجع المعني ضحية جديدة في اليوم التالي.
مرة... أعلن أحد السجناء في المهجع المقابل إضراباً مفتوحاً عن الطعام.
حاولوا جاهدين أن يتفاهموا معه...
تعبت الأحذية والقبضات والعصيّ.
أثناء التنفس... أثناء توزيع الطعام... وفي الليل عبر الشراقة الفاغرة في السقف.
أحياناً كانت أمواج الهستيريا الذئبية تنعقد وتفور، وهي تمارس انتقاماً مجروحاً بالعنانة ومختوماً بالموت، لكن لا تلبث تلك الأمواج أن تتكسر على سد الأجساد البشرية التي تخرج من المهجع كقطيع مذعور، وتدخله كقطيع مذعور، وتصطف أثناء التنفس كقطيع فقد إيمانه بالجدوى الانذارية التي يمثلها الرعب.
بين موجتين أحضر الشرطي فأرا ميتاً.
ربما كان ينوي إطعامه لذلك السجين المضرب عن الطعام، ولكن حالة السجين على ما يبدو، لم تكن قابلة لغير الموت. لهذا كان الفأر من نصيب أقرب سجين إلى الشرطي.
كنا حينها اكثر من عشرين عيناً تتوامض متقاطعة وهي تتزاحم على ثقوب الباب.
أدخل الشرطي فأره في فم السجين، وأمره أن يبتلعه ابتلاعاً بدون أي مضغ. حاول السجين في البداية قليلاً قليلاً... ولكن في منتصف الطريق بدأت عضلات وجهه تتقبّض وترتجف.
لو اي شيء غير هذا الفأر الميت!!!
لو كان مسلوخاً على الأقل!!!
أدار السجين رأسه بحركة لولبية بطيئة وهو يضغط على العنق.
كانت يداه... كأنما تشدان شيئاً ما، ولكن بدون جدوى.
باعد قدميه... أو تباعدتا وهو يوازن حركته مخالفاً ما بين دفع عنقه إلى الأمام، ونتر يديه إلى الخلف.
أن يبتلع الفأر إنساناً... يبدو لي أسهل من أن يبتلع الإنسان فأراً!!
عاد السجين يمط عنقه، بينما كان جسده يتلوى وينحني هابطاً إلى نقطة تمكنه من الانتفاض مجدداً، فيقمح برأسه على طلقات متتالية، ومع كل طلقة يخطف يديه إلى الخلف، ويستعيدهما بلجلجة واضطراب ليخبط بهما في اكثر من اتجاه، مثل غريق يبتلعه الهواء.
سكن للحظات بدا فيها مستنزفاً إلى آخره...
- يا ابن الشرموطة إياك أن تمضغ.
يلكزه الشرطي في خاصرته.
- قلت لك أن تزلطه زلطاً إلى النهاية.
فجأة عاد السجين يحاول، وقد أطبقت كفاه على عنقه وراح يضغط حيناً ويمسّد حيناً بحركات متشنجة ومتواترة.
بين كل حركة وأخرى تنفلت يداه وهما تلوبان على شيء ما في الفراغ، ثم يعيد المحاولة وتنفلت يداه...
أين يقع مفترق الله مع الإنسان، مفترق الأرض مع السماء، الحياة مع الموت... أين؟
- يا منيوك لا تحرك فكيك... قلت لك زلطاً.
لم يزل السجين يحاول... مرة... اثنتين... ثلاثا... أربعاً...
سقط على ركبتيه.
- انهض يا كلب يا خرا... قلت لك انهض... ترفض الأمر العسكري؟ بسيطة... إذا بقيت حياً نتحاسب.
نهض السجين. دار دورتين في المكان وهو يدق صدره بقبضتيه ثم ما لبث أن بدأ ينتفض ويترنح، إلى أن بلغ أقصاه وبدا واضحاً أن ضريبة إعلان عجزه، لن تكون اكثر سوءاً من الاختناق، فنزل على ركبتيه مردفاً رأسه إلى الخلف، وهو يشير بيديه مستغيثاً يطلب الماء.
كان الجزء الاخير من ذيل الفأر، لا يزال متدلياً عند زاوية الفم.
آخ يا تدمر آخ...
لم أكن أنوي الدخول في هذا الاستطراد المرهق... ولست مقتنعاً الآن بالتراجع عنه، ولم يعد لديّ القدرة على العودة إلى تفاصيل ما تعرض له ذلك السجين المضرب خلال الأربعة، أو الخمسة أيام اللاحقة.
أعتقد أن بإمكانكم مساعدتي، أو على الأقل تفهّم وغفران عدم قدرتي، وربما عدم رغبتي في استكمال ما بدأت.
لقد حاولوا جاهدين أن يتفاهموا معه. تعبت الأحذية والقبضات والعصيّ، ولكنه...
هل يكفي القول ان ما تعرّض له ذلك السجين منفرداً، يفوق ما تعرض له المهجع مجتمعاً؟ ومع ذلك المسكين... لم يمت!!!
فقط اصبح مجنوناً...
اصبح مجنوناً... فقط.
الساعة الآن الثالثة والنصف صباحاً، وقد مضى على انتقالي إلى هنا، أعني إلى سجن صيدنايا، اكثر من عامين، فما الذي أخذني الآن إلى تدمر؟
لعله الحديث الذي دار في أول السهرة بيني وبين أخي حول العام الذي زرته فيه عندما كان يعمل مدرّساً في تدمر. كنا يومها بضعة أصدقاء يجمعنا الشعر، والحنين إلى ما لا نعرف، ومقدار ليس قليلاً من البراءة وال...
تدمريات... ما فوق سوريالية
1
أسوار عالية من الإسمنت العنيد البارد... أبراج للمراقبة... حقول ألغام... حواجز ونقاط تفتيش... تحصينات ووحدات عسكرية عالية التدريب... وأخيراً... محيط من امثولات الرعب الوطني الخالص.
يا اسماء الله!!
حتى لو سقطت سوريا بكاملها تحت الاحتلال، فان هذا السجن يستحيل أن يسقط.
2
هل خطر في بال أي فنان أن يرسم سماء زرقاء مغرورقة ترتدي برقعاً من الأسلاك الشائكة؟
من أتيح له أن يقف في واحدة من باحات سجن تدمر، ويختلس نظرة خاطفة إلى أعلى، سيرى هذه اللوحة الفادحة، وسيدرك عندها أي عبقرية ترعى واقعنا وأحلامنا!!
3
عسكري ذو ملامح موقوتة يأمر سجيناً عجوزاً، أن ينحني ويلحس بلسانه جزمته العزيزة، ثم ينهره ليمسحها بكمّّّ سترته المهترئة، وبعد ذلك، يصفعه بالجزمة على وجهه وهو يشتمه مستنكراً تجهمه الذي يدل على عدم رضا داخلي أثناء تنفيذ المهمة.
معنويات العسكري، وهو يرى ذلك العجوز الوقور ينظف له جزمته بلسانه، توحي بأنه قادر على إغلاق جبهة بمفرده.
4
سياط تتخطف ظلالها، وتعيد اشتقاق الألوان.
قامات محنية وربما عارية تماماً، تنسدل فوقها حرامات عسكرية بلون الجرب.
عربدة السياط مرسومة بحركية بارعة، تبدو كأنها ستخرج من اللوحة، وقامات السجناء تتلوى تحت لسعها وتستجير، فتخفق الحرامات وتنفث غباراً كثيفاً.
كأنك أمام كائنات خرافية عمياء، كائنات على هيئة خفافيش ضخمة، تتخبط في وهدة من الجمر.
من يصدق أن بإمكان اللوحة تصوير مشهد سَوق السجناء إلى الحمّام، بكل هذه الحمحمة المجنونة والواقعية إلى درجة الفوران؟!
5
في يسار هذه اللوحة أشباح متراهصة، اقرب ما تكون إلى جذوع أشجار ضربتها عاصفة ....... هكذا يبدو السجناء وهم جالسون في الباحة للتنفس.
إلى اليمين قليلاً سجينان، أحدهما في وضعية سجود، والآخر يجلس في مواجهته آخذاً وضعية الركوع.
الساجد مكشوف الظهر، وقد كممت الثياب رأسه المدفون بين فخذي زميله. أما الراكع، فكان يمسك به من تحت إبطيه محاولاً تثبيته.
عسكريان متقابلان تهوي سياطهما بالتناوب على ظهر السجين الساجد، فتتفطر إنحاء اللوحة بصرخات بهيمية مشروخة.
مع كل صرخة تتقصف حروف كلمة واحدة تتكرر بإيقاعية متلاهثة: يا الله... يا الله... مرة قراراً ومرة جواباً.
ملامح الراكع تتمعج وترتج، وكأنها ترسم خطاً بيانياً لانتفاضات جسد زميله.
الآن... ظهر السجين الساجد يأخذ لوناً خمرياً متوهجاً، والجلد المكشوط... مرسوم بمهارة بنت كلب... مهارة فائقة إلى حد يثير القشعريرة حتى في ظهرك.
6
في أول الباحة عسكريان يمسكان سجيناً من يديه ورجليه... يؤرجحانه بحركة بندولية متصاعدة، ثم يطوحان به في الهواء... وما ان يرتطم بالأرض حتى يمسكا به ثانية من يديه ورجليه ويعيدان اللعبة من جديد.
في مكان آخر من اللوحة، في آخرها تقريباً... عدة متناثرة لورشة لحام بالأوكسجين، بينها مطرقة كبيرة، مهدة يتناولها العسكري... يرفعها عالياً بمشقة وتصميم، وينزل بها على منتصف العمود الفقري لذلك السجين أو لغيره.
صرخة السجين تجعل ألوان الجزء العلوي من اللوحة كامدة مبحوحة، مع مسحة ضبابية تتموج بارتعاشات صغيرة متناهية.
في المنتصف... في محاذاة الجانب الشرقي للوحة... عسكري يمدد سجيناً على الأرض، وهو يشير إليه أن يتوسد برأسه رصيف الباحة.
بعناية شديدة كان العسكري يشير إليه، ليرتفع قليلاً، ثم لينخفض قليلاً، حتى اصبح عنق السجين على الحافة. على الحافة تماماً. تلفت حوله بعصبية، ثم بإيماءة حازمة من رأسه ويده، دعا اقرب عسكري إليه.
تقدم زميله وعيناه تتلامحان بما يشبه الخوف، وربما الحزن أو العجز.
لا يبدو أي تشابه بين هذا العسكري وزملائه الذين تظنهم للوهلة الأولى توائم أو تماثيل مأخوذة عن قالب واحد.
يقف العسكري الأول على ظهر السجين، ثم يستند بذراعيه على كتفي زميله. يقفز في الهواء قفزات رشيقة وفي القفزة الأخيرة يسدد بقدميه ويهوي بقوة مرتطماً بعنق السجين. ثم...
أصداء صمت ثقيل مخنوق، لا تعرف من أين بدأت، ولا أين ستنتهي.
تريدون الحق؟؟؟
لوحة بانورامية مذهلة... لا غيرنيكا ولا طلّ الخبر ولا الدم.
شروح تبسيطية مقاربة لبعض وسائل التعذيب
1- الشبح على السّلم: تعتمد هذه الطريقة على ربط قدمي السجين بالحبال إلى إحدى درجات السلّم العليا، فيتدلى جسده العاري مقلوبا، لتبدأ بعدها جولة التحقيق مع الجلد بالسياط على كامل مساحة الجسد.
السلم خشبي عادي، يستند إلى الجدار بزوايا تتدرج من شبه قائمة إلى شبه أفقية أو مستقيمة. أما السياط فإنها قطع متباينة الطول من الكابلات الكهربائية الغليظة، أو ما يسمّى الكابل الرباعي، وهي ثقيلة ومرنة وشبه مصمتة، بحيث يمكن ضربتها أن تفلع لحم السجين، أو تهرسه وتمزق جلده.
2- الفسخ: تتم هذه العملية بتمديد السجين على ظهره، ثم يوضع كرسي عند منطقة الحوض، لإدخال الساقين، بعد طيهما وتثبيتهما بين قوائم الكرسي، فتغدو الساقان منثنيتين عند الركبتين ومفتوحتين إلى أعلى، ليقف اثنان من الزبانية كل منهما فوق إحدى ركبتي السجين، ويبدأن الضغط بشكل متساوق عبر قفزات صغيرة متواترة، في محاولة لفتح الساقين بزاوية مستقيمة، وأحيانا توضع تحت حوض السجين قدة خشبية لترفعه قليلا عن سطح الأرض، الأمر الذي يعني أن ساقي السجين يمكن أن تنفتحا بزاوية اكثر من مئة وثمانين درجة، وهذه الحالة يلجئون إليها عندما يريدون كسر حوض السجين في نقطة المفصل العانيّ.
3- الدولاب: وسيلة التعذيب الأقدم والأكثر شيوعا، وتتم هذه العملية عبر دولاب أو إطار خارجي لسيارة صغيرة. في البداية يدخلون ساقي السجين في الدولاب، ثم يضغطون جذعه، ليدخلوا رأسه في فتحة الدولاب. بعدها يقلبونه على ظهره، بحيث يصبح رأسه وساقاه إلى اعلى، وتكون يداه مكبلتين خلف ظهره، وقدماه مشدودتين الواحدة إلى الأخرى بوثاق ما، ثم يبدأ الجلد بالكابل الرباعي على باطن القدمين. وإذا أرادوا الإمعان في تعذيب السجين، فانهم يغلقون فمه بخرق سميكة زنخة لمنعه من الصراخ.
4- الكهرباء: هي مولدة كهربائية يدوية، لها شكل صندوق صغير، يخرج منه سلكان كهربائيان يربطان إلى أجزاء حساسة من جسم السجين، كالأذنين أو الشفتين أو العضو التناسلي. تدار المولدة بوساطة ذراع معدنية صغيرة، فتضرب الكهرباء جسم السجين العاري والمبلل بالماء، محدثة ارتجاجات داخلية أو انصعاقات وتموجات يخيل إليّ أنها أشبه بتلك التي تحدث عند خروج الروح، ويترافق ذلك مع صراخ أو عواء مقلوب لا يمكن المرء التحكم به أو السيطرة عليه.
5- الكرسي الألماني: كرسي بسيط من كراسي المكاتب الرخيصة، ذو مقعد ومسند جلديين، وقوائم معدنية على شكل مواسير.
ينزعون المسند ليبقى ما بين قائمتي الظهر فارغا. يدخلون قائمتي المسند تحت إبطي السجين الممدد على بطنه مكبل اليدين إلى الخلف. تبرز قائمتا المسند من أمام السجين على جانبي الرأس، ويكون مقعد الكرسي ضاغطا عند اسفل الظهر.
يربطون قدمي السجين بحبل، كل واحدة إلى قائمة من قوائم الكرسي التحتية، والتي تكون اصبحت في هذه الحالة أفقية. بعد ذلك يبدأ الضغط على القائمتين الأخريين، ليرتفع رأس السجين وكتفاه إلى أعلى، متخذا جسده شكل قوس مقلوبة ومشدودة بالدرجة التي يرونها ملائمة لانتزاع الاعترافات.
بالطبع، إذا أرادوا يمكنهم الضغط والتوتير إلى الحد الذي يقطع تنفس السجين، أو يضرب عموده الفقري والبروستات.
لهذا... ولكي لا أسيء إلى الشعب الألماني، فإني أفضل أن اسميه: الكرسي النازي.
ـــــ
نقلاً عن الملحق الثقافي لجريدة النهار اللبنانية