مصالحة فلسطينية متعثرة ومتعذرة

د. ياسر سعد

[email protected]

على الرغم من الإعلانات المتكررة من الطرفين الفلسطينيين المتنازعين عن الرغبة في المصالحة، ومع كل الوساطات العربية، ومع ضرر الخلاف الكبير على الوضع الفلسطيني وقضيته، فإن حركتي فتح وحماس أبعد ما يكونا عن الالتقاء، فيما تزداد المسافات بينهما شقة واتساعا.

الخلاف ليس في اجتهادات سياسية أو رؤى عامة من الممكن المقاربة والتوافق بينها، بل هناك فروقات كبيرة بين المرتكزات والمنطلقات. فكيف يمكن اللقاء بين نهج السلطة والذي يدين ما يعتبره عنفا ويجرمه ويعتبر أن المقاومة المسلحة كانت كارثة على القضية الفلسطينية، وبين من يعتقد أن لا سبيل لاسترداد الحقوق واسترجاع الأرض سوى المقاومة والقوة والتي لا يستوعب الاحتلال لغة غيرها؟ مواقف حماس تستند بالنسبة لها لمواقف عقائدية، ولدعم شعبي كاسح عبر عن نفسه في الانتخابات التشريعية. أما مواقف السلطة من عملية السلام فتعتبر المبرر الأساسي لوجودها السياسي، ولتلقيها الدعم الأمريكي بل وحتى الإسرائيلي في مواجهة حماس. وبالتالي فإن إي تنازل جوهري من أحد الطرفين إنما هو إلغاء لمرتكزات وجوده وبقائه.

الضغط الشعبي الفلسطيني هو الذي يدفع بالطرفين للإعلان عن رغبتهما في المصالحة وبالتالي الاستجابة للمبادرات العربية في هذا الاتجاه كالمبادرة السعودية واليمنية والمصرية، غير أن التفاصيل والتفسيرات المتضاربة للاتفاقات والمبادرات سرعان ما تعود بالجميع للمربع الأول. كما إن الفيتو الإسرائيلي والأمريكي على المصالحة يجعل من السلطة عاجزة عن التحرك باتجاهها ولو بخطوات رمزية.

وإذا كانت الأنظار تتجه هذه الأيام للقاهرة لعلها تنجح في رعاية مصالحة فلسطينية طال انتظارها، فإنني أتوقع للمحاولة الجديدة أن تبوء هي الأخرى بالفشل، وإن كنت أرجو غير ذلك. فبالإضافة للأسباب التي سبق ذكرها، فإن النظام المصري غير مرتاح من سيطرة حماس على القطاع وهو الذي يجد في حركة الأخوان المسلمين غريمه السياسي المحلي الأبرز. كما إن ارتباط مصر بعلاقات وثيقة مع واشنطن وحاجتها لدعمها الاقتصادي والسياسي في مسألة التوريث، يحد من قدرة القاهرة على الضغط على السلطة الفلسطينية ودفعها باتجاه المصالحة.

في حين تبادل حماس القاهرة الشعور الصامت بعدم الرضا وانعدام الثقة، فحماس طلبت من القاهرة علنا الضغط على عباس لوقف الاعتقالات السياسية في الضفة وإطلاق السجناء السياسيين كما فعلت هي. كما تنظر الحركة بعين من الريبة والتشكك لدور حكومة مصر في الكشف عن الأنفاق وفي محاصرتها وقمعها لقوافل الإغاثة الشعبية المصرية باتجاه القطاع المحاصر.

حركة حماس تشارك في المباحثات الحالية وهي لا تستطيع غير ذلك رغم تشككها بقدرات القاهرة ونواياها. وهي تشتري الوقت والذي قد يكون في صالحها استنادا للفشل التفاوضي الذريع لسلطة عباس، وانتظارا لنتائج الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية، كما إنها تراقب الخطوات الغربية للانفتاح نحوها مثل الدعوة الأخيرة من البرلمان الأوربي لنوابها لزيارة بروكسل.

الحالة الفلسطينية هي ثمرة مرة لوضع عربي متعثر ولضعف الإرادة والقدرة السياسية العربية. فما دام ليس عند العرب أمام الانتهاكات الإسرائيلية سوى التمسك بمبادرة السلام، فإن السلطة ستبقى مرتهنة للمزاج الإسرائيلي وعاجزة بالتالي عن اتخاذ أية خطوة نحو المصالحة.