ذكريات .. أيام في عفرين

الشيخ حسن عبد الحميد

أول تعيني مدرسا سنة ١٩٦١ كان في مدينة عفرين ، وهي بلد الأكراد في سوريا ، كنا ١٤ مدرسا ، عشرة منهم مصريون لأننا كنا في أيام الوحدة مع مصر ، زيتون عفرين لا يعلى عليه ، وزيتها أطيب وألذ من زيت اسبانيا 

في عفرين مناطق تزار مثل هرة درة وجنديرس ، يمر بها نهر عفرين وعليه جسر كان منتزهنا عند الغروب .

قال لي مدير الثانوية وهو من حماة : أنت متهم بأنك توزع كتبا إسلامية على الطلاب ، واقترح أن أضع كل كتبي في مكتبة المدرسة والاعارة منها وقد فعلت .

كنت أدرس اللغة العربية ، ولما قيل لي أنك مراقب ، وكنت ألاحظ أن الآذن يدخل إلى الصف بحجة النظافة ، دخل مرة وأطال المكوث ، اخترت من كتاب القراءة نصا أدبيا من خطب الرئيس ناصر سجلته على السبورة وبدأت الشرح ، وهو كلام عامي لا يجوز أن يوضع في كتب القراءة العربية كي لا يفسد ذوق الطلاب الأدبي ، لكني لأني مُراقب وضعت النص على السبورة وبدأت الشرح ، أوله : عايزين إيه ؟؟ وحلقت بالشرح والتعليق ، حتى خرج الآذن وهو يقول هذا ناصري حراقة !!

وجاء رمضان فأحضرت معقب دعاوي كردي ويعرف العربية ، درست في الجامع الكبير بالعربية وهو يترجم إلى الكردية ، ثم ألقيت محاضرة في المركز الثقافي وكانت عن رمضان الذي نعيشه ،

والتقيت بابن البلد الشهم محمد الشامي ، وقد عين مفتيا لعفرين ، وبيني وبين الرجل صداقة حميمة ، وله خدمات جلى في أيام السعي لجعل دين الدولة الإسلام ، وجاهد الرجل بكل مايملك من مواهب

زرت وإياه مدير منطقة عفرين فما أبه لنا ، ولا أحسن الترحيب بزواره ، فما كان من أبي أسامة إلا أن أخذ هاتف المدير واتصل بمدير البريد وهو ابن بلدنا عبد الله ستواق رحمه المولى ، وطلب منه أن يصله بالقصر الجمهوري ، وسأل أخونا المفتي عن فؤاد بيك الحلبي ، وعن اللواء فلان وفلان ، وعن العميد علان مما لفت نظر مدير المنطقة ، فلما قمنا لنخرج ودعنا هذا المدير إلى الشارع !!!

وهنا لابد من كلمة حق : أبو أسامة خرّاج ولاج ، وهو من تلاميذ الشيخ محمد النبهان رحمه الله ، وله غرفة في جامع السلطاني ، وفيه أطلق عليه النار ، وأنا أبرىء شباب الحركة الإسلامية من دمه رحمه الله ، لكني أنكر دفنه في حرم جامع السلطاني ، فالدفن يكون في المقبرة لكائن من كان .

بذل رحمه الله جهودا جبارة من أجل إقرار مادة دين الدولة الإسلام ، وكان مع وفد العلماء الذي زار دمشق من أجل ذلك ، وللشيخ الفاضل رحمه الله أياد بيضاء علي شخصيا ، لما نقلت إلى إعزاز كلم المحافظ وأصدر منه قرارا باعادتي إلى الباب .

رحمه الله رحمة واسعة على جهوده في خدمة المسلمين والمعتقلين ، لقد ضغط عليّ مدير الأمن السياسي وهو عقيد لأن أكون عنده مخبرا ، وأحضر الموالد واكتب تقريرا عنها ، أخبرت أبا أسامة فقال لي فشروا المشايخ مابيصيروا جواسيس !!!

واتصل به غاضبا ، لكن الله سبحانه حسم الموضوع اذ قتل العقيد نايف في إحدى هجمات الشباب المسلم ، وكفى الله المؤمنين القتال ، أنا لا أدافع عن الرجل فله ماله وعليه ماعليه ، لنا الظاهر والله يتولى السرائر !!!!

لكني هنا أبدي رأيا ولو أغضب الكثير : قتل عالم مظهره ديني لا يجوز أبدا ، والأمر خطير ، ولا يترك للحماسة ولا للشباب ، إن الله سبحانه وتعالى حدد القتل فقال ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) 

وقتل طلاب العلم مهما غلطوا ، ونافقوا ، لايقتلون ، فما قتل النبي عليه السلام أحدا من المنافقين بالرغم من تأمرهم عليه ، والحكم يومئذ لمجلس القضاء الإسلامي .

حيا الله أيام عفرين ومدير الثانوية الحموي الشهم الأستاذ خليل جعلوك  ، بل وحيا مصايف عفرين ومنها الباسوطة ، وتحية إلى شباب عفرين الذين صاروا كهولا الآن وأخص الاستاذ عادل داود حياه الله ، وكلما ذكرت عفرين قلت : 

جادك الغيث إذا الغيث هما      

                   يازمان الوصل بالاندلس 

وأبدل كلمة بالأندلس بالعفريني ، فلي في عفرين أجمل الذكريات وأحلى الليالي .

وأقول صراحة إن عفرين يجب أن يكون مدرسوها اسلاميون ، لا قوميون عرب ، باسم الإسلام تستطيع أن تعود جحافل الأكراد إلى العزة والمجد ، أليس منهم صلاح الدين وعماد الدين ونور الدين ، إن الاسلام يحارب العصبية والدعوة إليها ،  ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من مات على عصبية ، وليس منا من دعا بدعوة الجاهلية 

وقال أحد الصحابة أنا ابن الاسلام ، فبكى عمر وقال وأنا ابن الإسلام .

رحم الله شهداء الثورة الأولى في الثمانيينات ثاروا في زمن عز فيه الثوار، وقدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل الله ، تحية لهم وسلام ، وهاهم اليوم الرعيل الثاني يكملون الطريق ...

رحم الله الشهيد موفق سرجية وزنجير وحسني عابو وإبراهيم اليوسف وعدنان عقلة وعبد الستار الزعيم ....

رحم الله سعد ابن الشيخ عبد الله علوان ورامز عيسى وأمين الأصفر وهشام جمباز ......

رحم الله الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب في تدمر ، رحم الله الشيخ محمد خير زيتوني ، ومحمود كلزي 

رحم الله الطبيب مصطفى عبود  وحسان كمال ، وعبد الكريم الحمدو الصالح والالاف المؤلفة

رحم الله شهداء ثورة العز والكرامة ، تقبلهم المولى وأسكنهم فسيح الجنات

أيها المجاهدون :

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا ) 

أيها المجاهدون ( لا تنازعوا فتفشلوا ) 

( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كانهم بنيان مرصوص )

والله أكبر والعزة للاسلام 

ونصرك ياقدير

وسوم: العدد 685