في كنف الحرف تولد المعجزة، وفي تجليات الفكر العميق تنهض أرواح تعرف طريقها نحو الخلود. ومن بين تلك الأرواح، تُطلّ الدكتورة سناء الشعلان، لا كامرأةٍ عابرة في مجاز الأدب، بل ككائنٍ سرديٍّ متجذّر في معنى الوجود، تكتب وكأنها تنقّب في الذاكرة الجمعية عن أسرارنا الأولى، وتصوغ من التجربة الإنسانية قصيدة هوية. هي ليست فقط ابنةَ الجامعة الأردنية، بل هي لغتها السرّية، لغتها المضمَرة، التي تجيد اختراق المعاجم والتصنيفات، وتعيد تشكيل الأكاديمية لا كنسقٍ معرفيٍّ جامد، بل كنبضٍ يتوالد من رحم الحياة، وكأنها تطبّق في كل لحظة مقولة درويش: "كُن حارس الظل... لا تتبع الضوء، فالضوءُ مرشدُ موتٍ جميل." إنها لا تتبع الضوء كمريدٍ مسحور، بل تصنع ضوءها من مفردات تُشبه الصلوات، ومن جمل تُشبه الوحي العاشق، ومن حبكة تُعيد ترتيب علاقتنا بالعالم واللغة والذات. عندما تكتب، فإنها لا تكتب فحسب، بل تعيد ترتيب خرائط الإدراك، وترتقي بالحبر إلى ما بعد المدلول، تلامس طبقات لم تُكتب بعد، وتجعلنا ندرك أن الكلمة ليست وسيلةً للتواصل فحسب، بل وسيلةٌ للفهم الأعمق، للشفاء، وللخلاص. ألم يقل نزار قباني: "أريدكِ أنثايَ حتى الجنونْ وحتى صهيلِ الخيولِ التي تستحمُّ بصوتِ المطرْ"؟ كذا هي سناء؛ تستحم كتابتها بصوت المطر، ويصهل نصّها كما الخيول العاشقة، تتقدّم نحو المدى، وتغرس حوافرها في جسد اللغة، كي توقظها من سباتها، وتدفعها للرقص مع المعنى. هي لا تكتب الرواية كما يكتبها محترفو الصنعة الباردة، بل كما تُشعل القلوبُ النارَ في غابة القهر، وكما يكتب الحالمون الذين لم يفقدوا يقينهم رغم العواصف. في زمنٍ أُغلقت فيه أبواب الحلم، تفتح هي نافذةً، وتُعلّمنا أن الضوء يمكن أن يخرج من كلمات لا تُساوم. وحين تكتب للأطفال، لا تُخاطبهم من عَلٍ، بل تنحني لتكون معهم على ذات الأرض، على ذات العشب، حيث تتعلّم منهم براءة المعنى، لتصوغ منه أدبًا يُربّي الروح قبل أن يُسلّيها، ويُهذّب الذوق قبل أن يُدهشه. منجزها لا يُقاس بعدد الصفحات، بل بعدد الأرواح التي هزّها، وعدد الأسئلة التي أطلقتها في عقول قرّائها، فتتحوّل النصوص إلى مرايا، والقرّاء إلى كائنات أكثر صمتًا، وأكثر إنصاتًا لما بداخلهم. إنّ تجربتها تشبه ما قاله درويش ذات عزلة مشرقة: "أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي..." وهكذا نحن؛ نَحنّ إلى أدبٍ يُشبه خبز الأم، لا يتكلف ولا يتزيّن، بل يُشبع الجائع فينا إلى الحقيقة والجمال. وتمنحنا سناء خبزها على هيئة قصة تُغنّي، أو مسرحية تُقاوم، أو رواية تُنقّب في طبقات الهوية كما يُنقّب المنجم في أحشاء الأرض. أعمالها جوائز في ذاتها، حتى وإن لم تُكرَّم، لكنها كُرّمت، فحملت عشرات الأوسمة من قلوب أقرّت بعلوّ كعبها. هي لا تركض خلف الأضواء، بل تصنع منها قنديلًا، يمشي على خطى جبران، ومي، وغادة، ولكنْ بخطّها الذي لا يُشبه إلا ظلها. هي، بكل صدق، مرآة لجمال العربية حين تتخفّف من ثقل الاستعراض، وتتحوّل إلى كائن يتنفّس بعين امرأة تعرف كيف تنظر إلى العالم من علٍ، دون أن تنفصل عن ترابه. حين تمرّ سناء الشعلان في الجامعة، لا تمرّ كأستاذةٍ تؤدّي محاضرة، بل كقصيدة تمشي على قدمين، ككلمةٍ كانت تبحث عن مكان.

هناك حقيقة واضحة معروفة، ليس إلى الاغفال عنها من سبيل، أن مؤلفاتكم المترفة، التي نتبادل فيها الرأي، وندير فيها الحديث، لا نستطيع أن ننكر منها شيئا، أو تضطرنا حتى للطواف حول مضامينها عدة مرات، لكي نستقصي مراميها، وأهدافها، فهي واضحة جلية، أقامها صاحبها على الخير المحض، وأقصاها عن الدنس المريب، لأجل ذلك طافت من بلد إلى بلد، ومن بيئة إلى بيئة، دون أن تعيقها عوائق، أو تتكلف عناء عظيما، لتحقق الغاية المنشودة منها، مضت مؤلفاتكم الجامعة لشتيت الفوائد، عالمنا الثبت "ماجد"، تطوف أقطار الأرض، لتدفع عن بابل، و مراكش، مصر، والسودان، الشر المستطير، ونحن إذ نظهر لها هذا الحب، ونخبرها أنها قد ملأت القلب فتونا،  لا لشيء إلا لأنها حاربت الجهل، وفضحت الزيف، وعالجت العلة، ولم تتورط في معرة الاستلاب لا عن عمد، ولا عن غفلة، نظهر هذا الرضا، وهذا الإذعان لكتب أستاذنا "الغرباوي"، لأن صاحبها قد خاض في خطوب لست في حاجة إلى تفصيلها في هذا المقال، ولكني في حاجة لأن أعلم كيف احتمل هذه الخطوب؟ وكيف صبرها عليها؟ وكيف لم توهي صريمته مظاهر الضعف والفتور، تلك الأسقام التي تعبث بنا نحن أصحاب الطموح الساذج؟.  لقدسارت كتب  "الغرباوي" في كل صقع وواد، لأنها  في الحق، تصور الوقائع للناس التي تألفها عقولهم، وتطمئن إليها أذواقهم، كما يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

لقد احتفظت حقاً مؤلفات المفكر "الغرباوي" بطهرها ونقائها، ولم تتورط في خطايا انفصام الوعي، أو محاربة الثوابت، أو تقديس الرمز، أو  اهتبال الأفكار، تلك الأفكار التي تدعونا للأخذ بهذه الحرية المسرفة، والتحرر من قيود التراث في غير ابطاء، وواهماً من ظنّ أن الأستاذ "الغرباوي"، ساخطاً على التراث، ناقماً عليه، فهو يعي أن التراث ضرورة لا مرد لها، ولا منصرف عنها، فالتراث الذي تظله الفضيلة وتسيطر عليه، يذهب أستاذنا "ماجد" ما شاء من المذاهب في مناصرته، ومعاضدته، والهتاف له، ولكنه يتردد، ويحتاط، ويتحفظ، على ذلك الضرب من التراث، الذي يثير في دواخلنا الشك، ويدعونا إلى شيء غير قليل من الريبة، هذا التراث الذي يحمل عقولنا على أن تظل جامدة هامدة، تسعى أسفار "الغرباوي" إلى دحضه، لأنه اشتمل على الخمول والجمود، وبث في مجتمعاتنا العداوة والبغضاء، ومنعنا عن البحث والاستقصاء، وتراثنا الغث الضعيف هذا، موجود دائماً، ومتصل بعقول الناس، الذي يحرصون على تمجيده، ويكرهون تقييده، إن النتيجة  التي انتهينا إليها بفضل هذا التراث، هو انحراف أمتنا عن حقيقة الدين الصافي، الذي يؤمن بسلطان العلم وتفوقه، ديننا الذي يزداد قوة وانتشاراً غداة كل يوم، أضرّ به هذا التراث الذي يدعو إلى العنف المنكر، والتسلط الذي لا يطاق.

و"الغرباوي" يسعى في الكثير من مؤلفاته لتحرير العقل من آساره، وأن يحملنا على أن نسعى لأن نقدم للإنسانية مزاجاً معتدلاً من الرقي والتطور، فالإنسانية تظهر ضيقها، وسخطها، واشفاقها منا، لأننا ننأى بأنفسنا دائما عن الجهد، والجد، والعناء، ولأننا لا نتكلف التفكير، ولا ننظر إليه إلا على أساس أنه تاريخ ليس غير، فالحقيقة المرة القاسية، أننا أمسينا لا نسعى لاستلهام أي لوناً من ألوان الفكر التي كانت سائدة في مجتمعاتنا القديمة، والتي تأثرت بها الثقافات الأجنبية، وأظهرت لها هذا الود، وهذا التقدير، وقادهم هذا الود، وهذا التقدير لمناهج فكرنا، لأن ينعموا في نهاية المطاف، بهذه الحياة الوادعة المطمئنة، ونشقى نحن بجهلنا وحياتنا الضئيلة التي كلها بؤس، وكلها شقاء، لقد استفاد الغرب الذي يسومنا الذل والهوان الآن، من التفاتات ذهننا، وبلغ من هذا كل ما يريد، ثم استأثر بالأمر كله، بعد أن بذل كل جهد، واحتمل كل عناء، حتى يقدم للناس، كل الناس، نهضتة المترفة، وتطوره الرائع.

وحضارة الغرب التي منها الملتوي، ومنها المستقيم، يحدثنا عنها الفيلسوف والمفكر" الغرباوي" حديثاً علمياً عميقا، تلك الحضارة التي لها حظ من أدب، ونصيب من خيال، خضعت لعقل "الغرباوي"الهادئ الرزين، والهدوء قد يكون من أهم  خصال "الغرباوي" وأوضحها، فهو يدنو من القضايا التي تؤرقه، وتشغل تفكيره في الكثير من الرزانة، ثم يلتمس مظاهر القوة والحياة فيها، ثم يتعمق في البحث عن الأشياء التي تبقي وتيرتها باقية متجددة، والموازين التي يتكئ عليها الأستاذ الغرباوي" في دراساته الضافية، ليس العقل وحده، بل نجد الحس والشعور، والاغراق في القياس والمقارنة، والاسراف في الشك في بعض الأحيان، والسمة البارزة في مؤلفات الغرباوي" كثرة الأسئلة" التي يطرحها بين ثنايا كتبه، "فالغرباوي" يستمع منك، ويتحدث إليك، في حوار طابعه الجد، كل الجد، حوار لا تكلف فيه ولا صنعة، كما لا يفسده الاطناب والتطويل، أو الامعان في التفصيل، وأنا هنا أريد أن أقدم أنموذجا لتلك الأسئلة التي يطرحها "الغرباوي" في عنف والحاح، ثم يتكفل بالرد عليها في هدوء وتؤدة، يقول الأستاذ" الغرباوي" في أحد مقالاته الرصينة، التي نجده يطرح فيها أسئلة عديدة، ثم يسلط عليها بوارقاً من الضياء، وهي أسئلة  بل شك تخدم غايته من طرحها، وهي مفيدة بأدق المعاني التي تحملها تلك الكلمة وأوسعها،  يقول الأستاذ الغرباوي:"

أسس القرآن الكريم منهجا، حالت رمزيته العالية دون ادراك أبعاده، وظل المسلم يعيد قراءة آياته، وهو لا يفقه من معانيه شيئا .

فتحدث القرآن عن حوار دار بين ابليس وبين البارئ - تعالى -، ليؤكد لنا ثمة اسئلة مشروعة، من اي جهة صدرت، يجب الاجابة عليها (ولو كان الرب جلّ وعلا). كما نقل لنا القرآن الكريم، حواراً دار بين الخالق وملائكته، وهم كائنات صالحة، دأبها الطاعة، لكن هواجس خلق الانسان استبدت بها، فكانت هناك اسئلة طرحها القرآن الكريم ورد عليها، دون اي قمع او اضطهاد او تهديد، كل ما في الأمر، أجّل الاجابة بالنسبة لسؤال الملائكة، لأن طبيعة الجواب تحتاج الى تجربة عملية . ثم طرح القرآن الكريم أخطر الشبهات التي تهدد رسالته، وهي التوحيد، دون اي اكتراث، ونقل لنا اسئلة المشككين، والكافرين والملحدين، والناكرين، وناقشها علنا. قال هكذا كانت اشكالاتهم، وهذه اجوبتنا . فهل هناك أخطر من مسألة وجود الله بالنسبة للأديان جميعا؟ وما قيمة ما عداها لو اهتز الايمان بوجود الله - سبحانه - أو توحيده؟ فلماذا لا يستفز الأنبياء من اسئلة المنكرين، والجاحدين؟ وكيف وضعهم القرآن وجهاً لوجه امام تلك التساؤلات؟ . لماذا لم يعترض النبي ويقول له يارب، لقد اخطأت التوقيت، انها ستضعف دعوتي، وأنا في بدايتها؟ لماذا تقبلها وأعلنها على الملأ بكل ثقة ومسؤولية، ورد عليها، وفند حججها . اذن المنهج القرآني يقوم على شرعية السؤال، وحق الرد، ومنهجه قائم على طرح الاسئلة بشكل شفاف علني، كي يتحمل المسلم مسؤوليته امام اي عمل يقوم به، ويكون مسؤولا تجاه اي رأي يطرحه، لاستحالة قمع الاسئلة، ولا بد من متنفس تطفو من خلاله بحثاً عن اجوبة مقنعة . ولولا السؤال لما تطورت الحضارة". انتهى. 

هذا أنموذج من بعض النماذج التي ينثرها لنا عقل "الغروباي" في كتبه، ومثل هذه النماذج كما أسلفت، شائعة في أسفاره وكتبه شيوعاً شديداً، ومثل هذه العروض تقبل الأخذ والرد كما نعلم، هذا ارهاصاً يدل أن "الغرباوي" لا يجد مضاً ولا غضاضة، في المناقشة، وفي نقد ما أيقن بصحته، وتلك مظاهر تدل على صفاء الطبع، وكمال الثقة،  وحسن الاستعداد، خصال قلّ أن نجدها في ذهنيتنا العربية المعاصرة.

حفظ الله صاحب الوعي المتميز أستاذنا "ماجد الغرباوي"، حامل لواء الفكر الناهض، ومدّ في أجله، وأترف عليه من مننه، وعوارفه، وفضائله.

في زمن تتقاطع فيه التحولات التقنية مع الهزات الفلسفية، وفي مرحلة تستشرف فيها الثقافة العربية طريقها نحو تجديد أدواتها ورؤاها، جاءت مبادرة اتحاد كتاب الإنترنت العرب لتطلق سلسلة من الندوات الرقمية المعمقة، محاولة استعادة دور المثقف في زمن الصمت الرقمي والضجيج الخوارزمي. هذه السلسلة لم تكن مجرد نشاط عابر، بل خطوة تأسيسية نحو بناء فكر رقمي عربي متجذر في اللغة والهوية والانتماء، بعيداً عن الانبهار الأجوف بالتقنية. وجاءت انطلاقتها بندوة نوعية خُصّصت لمناقشة مشروع الدكتورة «زهور كرام»، الكاتبة والأكاديمية المغربية، التي تُعد من أبرز الأصوات التي اشتغلت على الأدب الرقمي العربي تنظيراً وتحليلاً.

من التجريب إلى التأسيس

مشروع الكاتبة المغربية زهور كرام، الممتد منذ أكثر من عقدين، لا يمكن اختزاله في الاهتمام بالأدب الرقمي كتقليعة عابرة أو موضة فكرية، بل هو مسار فكري ومعرفي انتقل من "الكتابة التجريبية" إلى التنظير لـ"الكتابة الترابطية"، ومن البحث في تمفصلات النص الإلكتروني إلى اقتراح تصورات فلسفية للوجود الإنساني في العصر الرقمي. وقد جاء اختيار هذا المشروع كموضوع للندوة الأولى ضمن سلسلة “النقد في زمن الرقميات” تتويجاً لمسار غني ومتشعب، انطلق من مساءلة الأدب الورقي وتطوره البنيوي، وصولاً إلى تأصيل خطاب أدبي نقدي عربي مواكب لتحولات الكتابة التفاعلية والذكاء الاصطناعي.

في كلمته الافتتاحية، أشار الدكتور «محمد هندي»، منسق السلسلة، إلى أن زهور كرام لا تكتب من موقع المتفرج، بل من موقع الفاعل الثقافي الذي يسائل اللغة، والنص، والكاتب، والقارئ، في ظل بيئة رقمية أصبحت تعيد تشكيل الذائقة والمعنى، بل وتعيد رسم حدود الإبداع نفسه.

مفاهيم متجددة: الأدب الترابطي والذات الرقمية

الندوة لم تكن مجرد إشادة بالمشروع، بل قراءة معمقة للمفاهيم التي تقترحها زهور كرام في أعمالها، لا سيما في كتبها "الأدب الرقمي: أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية"، و"السرد من التجريبي إلى الترابطي"، وكتابها الجديد "الإنسانيات والرقميات في عصر الذكاء الاصطناعي". في هذه الأعمال، تبلور الباحثة مفاهيم جديدة مثل “الكتابة الترابطية”، و“الهوية الرقمية”، و“الذات التفاعلية”، وهي مفاهيم لا تُستورد من الخطاب الغربي كما هي، بل يُعاد صوغها في ضوء السياق الثقافي العربي، وخصوصيات اللغة العربية كنظام دلالي متعدد الأبعاد.

وفي مداخلة الدكتور «عبد الرحمن المحسني»، بدا واضحًا أن مشروع زهور كرام هو مشروع متكامل، يتقدم نحو التأسيس لا الاستعراض، ويرتبط بعمق بتحول تمثلات الإنسان لنفسه وللعالم من خلال الأدب. لقد أشار إلى أن مشروعها لا يكتفي بوصف الظاهرة الرقمية، بل يحللها في ضوء سؤال معرفي أعمق: ماذا يعني أن تكتب، وأن تقرأ، في زمن يكتب فيه الذكاء الاصطناعي ويقرأ الخوارزميات؟

وفي كتابها الأخير، تقف زهور كرام عند مفارقة عميقة: اليد التي كانت مركز الإبداع في الفن الكلاسيكي - كما في لوحة فان غوخ "آكلو البطاطس" - اختفت في صور الذكاء الاصطناعي لصالح “العقل الصناعي”. هذا التحول، كما تشير الباحثة، يستدعي ليس فقط تغيير أدوات التحليل، بل إعادة التفكير في معنى "الإنسان" في بيئة رقمية تهدد بتذويب الفرق بين ما هو إبداع بشري وما هو توليد آلي.

إعادة إنتاج الذات الرقمية

في مداخلته، ركّز الباحث «أحمد مجاهد» على المفهوم المركزي في مشروع زهور كرام: "إعادة إنتاج الذات في البيئة الرقمية". فالذات في تصورها لم تعد كينونة مستقلة بذاتها، بل أصبحت “تُنتج” من خلال ما تستهلكه وتنتجه من محتوى رقمي، وهي ذات ترابطية تتحدد بعلاقاتها مع البيانات والنصوص وعمليات التفاعل. من هنا، تتحول القراءة إلى فعل إنتاجي لا استهلاكي، والكتابة إلى حوار مع بنيات نصية مفتوحة، لا إلى سلطة لغوية مغلقة.

وتوقف الدكتور «محمد الخولي» بدوره عند “المواطنة الرقمية” بوصفها ركيزة جديدة في المشروع الفكري لزهور كرام، معتبرًا أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يكون قائمًا على الرفض أو الاستسلام، بل على إعادة التفاوض مع التكنولوجيا بما يحفظ كرامة الذات الإنسانية. وهي دعوة ضمنية إلى بناء “أخلاق رقمية” تُسائل لا فقط محتوى النصوص الرقمية، بل أيضًا السياق الذي تُنتج فيه.

من الشعرية التفاعلية إلى مسؤولية النقد

واحدة من النقاط المحورية التي أثارها عدد من المتدخلين، خاصة الدكتورة «رحاب رمضان»، هي أن مشروع زهور كرام لا يظل في مدار التنظير، بل ينخرط بعمق في تحليل نصوص عربية رقمية تفاعلية، منها أعمال محمد سناجلة، وطارق القاعي. ومن خلال قراءتها لهذه النصوص، تحاول كرام تجاوز النظرة الشكلانية، وتُعلي من البعد الفلسفي للكتابة التفاعلية باعتبارها “بيئة تفكير”، لا مجرد منصة.

وقد شددت رحاب رمضان على أن هذه القدرة على الجمع بين التجربة النظرية والتحليل التطبيقي، هي ما يمنح مشروع كرام خصوصيته وقوته، ويجعله مؤهلاً لتأسيس مرجعية نقدية عربية في حقل الأدب الرقمي، بدلًا من التبعية المستمرة لمناهج وافدة لا تراعي الخصوصيات الثقافية المحلية.

في مواجهة الذكاء الاصطناعي: المثقف العربي أمام اختبار جديد

في ختام الندوة، قدّمت زهور كرام مداخلة قوية، مزجت فيها بين التوتر الفلسفي والموقف النقدي الصارم. قالت: "نحن لا نعيش فقط ثورة تكنولوجية، بل نعيش إعادة إنتاج الإنسان نفسه. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل هو خطاب جديد يُنتج اللغة والمعرفة والتمثلات". من هنا، دعت إلى ضرورة أن ينخرط النقد العربي في هذه التحولات، لا أن يبقى على الهامش.

وأكدت أن مهمتها كمثقفة لا تنحصر في الدفاع عن الأدب الورقي، ولا في الانبهار بالرقمي، بل في مساءلة اللحظة الحضارية ذاتها، وفي ابتكار أدوات تحليل جديدة، وإنتاج مفاهيم تلائم واقعًا لم نعد نملك ترف تجاهله.

نحو نقد عربي رقمي جديد

إن قراءة مشروع زهور كرام، كما تم تقديمه في هذه الندوة، تكشف عن لحظة نادرة من لحظات الانعطاف المعرفي في الثقافة العربية. لحظة يتقدّم فيها المثقف بمفاهيمه وأدواته وفكره، لا كمستهلك لما يُنتجه الغرب، بل كفاعل ومؤسس في بيئة ثقافية جديدة، متشابكة، مفتوحة، وتفاعلية.

إنه مشروع يتجاوز الأدب ليطال أسئلة الهوية، والمواطنة، والمعرفة، والإنسان. وبين كل هذه المفاهيم، تظل زهور كرام صوتًا نسائيًا فريدًا في المشهد الفكري العربي، يؤمن أن الكتابة ليست فقط فعلًا إبداعيًا، بل موقفًا وجوديًا في عالم يعيد اختراع نفسه كل لحظة.

عبده حقي : رئيس لجنة الإنترنت والعلاقات الرقمية باتحاد كتاب الإنترنت العرب.

ADfsdgdg1127.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعية رواية "عناق على إيريز" للكاتبة د. رولا خالد غانم.

صدرت الرواية العام الماضي 2024 في القاهرة عن ببلومانيا للنشر والتوزيع، وتقع في 204 صفحات من القطع المتوسط.

افتتحت الندوة مديرتها ديمة جمعة السّمان، قالت:

رواية “عناق على حاجز إيريز” للكاتبة د. رولا خالد غانم، تمثل محاولة جادة ومخلصة لطرح قضية إنسانية ووطنية شائكة، تتعلق بتجربة الفلسطيني الممزق بين الجغرافيا والسياسة، بين الحب والحصار، وبين الحلم والانقسام.

 الرواية تُسلط الضوء على معاناة واقعية عاشها الفلسطينيون، خاصة أولئك الذين تاهت هويتهم بين حاجز وآخر، وبين وطن مجزأ بحكم الاحتلال والانقسام الداخلي. وقد نجحت الكاتبة إلى حد بعيد في أن تجعل من قصة حب بين شيرين وفارس نموذجًا لحكاية شعب، حيث يصبح الحب رمزًا للوحدة المنشودة، والعناق فعلاً مقاوماً في وجه التجزئة والانفصال.

  إلا أنّ الرواية، على الرغم من أهميتها الموضوعية والإنسانية، لم تخلُ من مشكلات بنائية وفنية واضحة، أثرت على اتساقها الجمالي. من أبرز هذه الإشكاليات، التحول المفاجئ في زاوية السرد، حيث تبدأ الرواية بصوت “شيرين” بصفتها الراوية والمُتحدثة باسم تجربتها الشخصية، لكنها ما تلبث أن تنتقل إلى السرد بضمير الغائب على لسان راوٍ عليم، دون مبرر فني أو تدرج مقنع لهذا الانتقال. هذا التحول المفاجئ أضعف الانسجام السردي، وخلق مسافة بين القارئ والشخصية، كما أربك الإيقاع العاطفي الذي كانت تبنيه شيرين منذ الصفحات الأولى.

إلى جانب ذلك، تعاني الرواية من أخطاء لغوية متكررة، بعضها نحوي وبعضها إملائي، وهو أمر يشتت القارئ ويفقده الانغماس الكامل في النص. وتبدو هذه الأخطاء متنافرة مع جدية الموضوع المطروح، وتُقلل من القيمة الأدبية للنص، خاصة أن بعض المقاطع جاءت بلغة ركيكة لا تتناسب مع السياق، بينما برزت في مقاطع أخرى قدرة الكاتبة على استخدام لغة شاعرية، مشحونة بالعاطفة والرمز، مما يُشير إلى تذبذب في الأسلوب وتفاوت في المستوى بين فصول الرواية.

أما على مستوى البناء الدرامي، فإن نهاية الرواية جاءت سريعة ومضغوطة، حيث اختُزلت اللحظات المفصلية في سطور قليلة، دون أن تأخذ الأحداث حقها من التطور الطبيعي أو التفاعل الانفعالي مع القارئ. بدا وكأن الكاتبة كانت تسابق الزمن لإنهاء الرواية، مما أضر بكثافة التجربة وجعل النهاية تبدو متسرعة وغير مشبعة أدبيًا، رغم أن المنحى العاطفي والسياسي في الرواية كان يستدعي بناءً أكثر تأنيًا وعمقًا. ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن الرواية تُعالج موضوعًا في غاية الأهمية، فهي لا تتناول فقط معاناة سكان غزة أو الضفة بمعزل عن بعضهم البعض، بل تقدم نموذجًا نادرًا لتجربة فلسطينية مشتركة تعكس وحدة الألم والانقسام معًا.

تسلط الرواية الضوء على تداعيات الانقسام الفلسطيني وانعكاسه على العلاقات الإنسانية والعاطفية، وتضع القارئ في قلب المشهد اليومي من الحواجز، المعابر، القلق، والانتظار، مما يجعلها وثيقة أدبية قادرة على إثارة التساؤلات والجدل.

ختامًا، لا شكّ أن “عناق على حاجز إيريز” هي رواية تستحق القراءة لما تحمله من صدق إنساني ووطني، رغم عثراتها الفنية واللغوية. إنها شهادة وجدانية على مرحلة حساسة من تاريخ الفلسطيني، وتبقى نقطة انطلاق يمكن البناء عليها لتطوير الرواية الفلسطينية العاطفية ذات البُعد السياسي.

وقالت وفاء داري:

في رواية "عناق على حاجز إيريز" تنسج الكاتبة "رولا غانم" عالماً سردياً يتقاطع فيه الألم الفلسطيني اليومي مع هموم المرأة وتفاصيلها الوجدانية والاجتماعية، عبر لغة مشحونة بالشعرية والانفعال. تقف الرواية على تخوم الذاكرة والحصار والجسد، حين يتحول الحب إلى فعل مقاومة، والكتابة إلى وثيقة نجاة. في هذه القراءة التحليلية، نقترب من البنية الأدبية للنص، نستكشف جماليات السرد وبراعة استخدام تقنيات الأساليب الأدبية وأبعادها، ونفكك التوترات العاطفية والرمزية في الرواية، لرؤية كيف يتحول حاجز بيت حانون "إيرز" من جغرافيا احتلال إلى استعارة وجودية تمس القارئ في العمق.

الرمزية والواقعية الاجتماعية

تمثل هذه الرواية رمزية وواقعية اجتماعية تصور الكاتبة من خلالها معاناة المرأة في الواقع الفلسطيني المعيش بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام، وما يلاقيه يوميًا من غطرسة المحتل، ومن إذلال يومي على حواجز الاحتلال وما يلحقه من ظلم ومرارة، محاولًا سلبه كرامته وحياته الكريمة…

تبرز الرواية عدة نقاط تعتبر ركيزة ونقاط قوة في الرواية وذلك من خلال طرح البعد الإنساني العميق: تسلط الرواية الضوء على المعاناة اليومية تحت الاحتلال، من منظور إنساني لا دعائي، مما يمنحها بعدًا وجدانيًا صادقًا.

كذلك من خلال الشعرية السردية التي تمثيل صوت المرأة الفلسطينية: تعكس الرواية مقاومة المرأة لا بالسلاح فقط، بل بالصبر والحب والرغبة في الحياة.

تبدأ الكاتبة بداية روايتها من خلال سرد أحداث إنسانيّة واجتماعية، حيث تلقي الضوء على شخصيّة فلسطينية شابة تدعى "شرين"، من خلال سرد معاناتها وإحساسها اتجاه حياتها الشخصية والتي ليست ببعيدة من الواقع المعيش لشريحة كبيرة من النساء في المجتمع الفلسطيني.. تتخذ حياة "شرين" في مناحي كثيرة وترتبط لأكثر من مرة وتعاني ويلات كثيرة.

 وتنتهي الرواية بتعارف "شرين" عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال عملها على شاب من غزة يُدعى (فارس) لتتخذ الرواية منحى آخر في فتح باب مشرق لها … اللقاءات الأثيرية تُترجم إلى علاقة حب تُتوّج بزواج يتم في مصر بسبب حصار غزة …

 

العنوان:

 نجحت الكاتبة في أن تشد انتباه القارئ من خلال عنوانها المتميّز "عناق على حاجز إيرز"، رغم بُعد العنوان عن مدخل ومنتصف أحداث الرواية، وجاءت تفسيراته في الجزء الأخير منها.  يحمل عنوان الرواية دلالة رمزية قوية، إذ يجمع بين فعل إنساني حميم (العناق) ومكان قمعي (الحاجز)، ليعبر عن التناقض بين الحب والقيد، ويجسد الأمل والمقاومة في وجه الانفصال والجغرافيا المفروضة

الاهداء: تصور الكاتبة في كلمات الإهداء: " إنها لا تُهدى لأحد؛ لأنها ذهبت الى المطبعة.. حينما ارتقى آلاف الأطفال هنا في بلادي.. ولم يوقف موتهم ظلمًا أيّ أحد، إنها لهم وحسب."

 هنا تجلت مشاعر الانتماء والتعاطف والتعاضد بين الجسم الفلسطيني الواحد؛ رغم سكين الاحتلال التي تقطع في أوصال جغرافيا أرضهم، وتستطع أن تقطيع انتمائهم لشعب وجسد واحد. أهدت روايتها إلى أطفال غزة المعذّبة، إلى التضحيات المقدَّمة على مذبح الطفولة على مرأى العالم، والعاطفة الصادقة البريئة.

الزمكان: حرصت الكاتبة على إضفاء طابع توثيقي زمني دقيق منذ الصفحات الأولى للرواية، من خلال تحديد التواريخ بدقة، كما في الإشارة إلى صباح يوم 23 آذار/مارس 2023. ولم يقتصر التوثيق على الإطار الزمني الشخصي أو السردي، بل امتد ليشمل محطات مفصلية في التاريخ الفلسطيني، مثل الإشارة إلى انطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987، التي اندلعت شرارتها الأولى من مخيم جباليا في غزة، كما أوضحت الكاتبة. وقد تضمن السرد أيضًا استدعاءً لأحداث ورموز وطنية مؤثرة، مثل شارع استشهاد محمد الدرة، إضافة إلى التأكيد على أهمية إحياء ذكرى النكبة من خلال الفعاليات الوطنية التي تُقام على امتداد الجغرافيا الفلسطينية. بهذا، تُفعّل الرواية ذاكرةً جماعية تستند إلى الحدث والتاريخ، وتؤسس لخطاب أدبي ملتزم بقضايا النضال والهوية."

 انطلقت الأحداث في رواية من إحدى الشقق في نابلس تحتوي عدة نسوة يسكن، و تدور أغلب أحداثها في الضفة الغربية من فلسطين، لتتفرّغ بعد ذلك من خلال سرد الرواية لعدة أماكن، وبلدان عربية أجادت وصفها الكاتبة لتجعل القارئ يتعمق في المكان وتفاصيل الرواية ومنها (نابلس- حارة الياسمين، رام الله- دوار المنارة - ضريح الرئيس-  مكتب الارتباط وغيرها ، غزة- خان يونس وفيه الشارع الذي توفى الشهيد محمد الدرة- دير البلح- معبر رفح ،عمان - مطار الملكة علياء، القاهرة- ميدان التحرير وطلعت حرب- مدينة الشيخ زايد والحارة السورية - مقهى الفيشاوي – شارع المعز- 6 أكتوبر- محل الكنافة النجمة النابلسية) وصف المكان والكادر المشهدي في السرد يضع القارئ في خضم الأحداث.

الشخصيات الرئيسة: تدور أحداث الرواية، بين عدد من الشخصيات الرئيسة والتي كانت لعدة أصوات: منح أكثر من شخصية صوتًا روائيا، يُعبّر كل منها عن وجهة نظره الخاصة وهما: (شرين، بسمة)

-      شرين: تُعدُّ من الشخصيات الرئيسة في الرواية، وحتى يمكن اعتبارها الأكثر رئيسية لما يدور من أحداث حول هذه الشخصية الإنسانية، وهي التي أخذت قرارًا عكس التيار بالانفصال عن زوجها الأول، إكمال تعليمها الجامعي لتصبح صحفية وإعلامية مثل عمتها بسمة

-      بسمة: صحفية، لا تؤمن بمنظومة الزواج تشعر أنها شراكة فاشلة، فأخذت قرار عدم الزواج رغم امتلاكها مقومات جمالية وجوهرية ونجاحًا في عملها، لتعيش مشاعر حب بدون أمل في الارتباط، فتختار رجل متزوج يعمل سياسي في السلطة يدعى(عصام).

-      جواد: زوج شرين الأول من الضفة الغربية، والذي يمثل انموذجًا للشباب المتسلط في المجتمع الذكوري، وممارسة العنف اللفظي والجسدي على الزوجة، سببها التنشئة، وتربية الأبناء على التمييز والعنصرية بين الذكورة والأنوثة.

-      عصام: من رام الله حبيب بسمة يعمل في السلطة الوطنية في احدى المناصب الإدارية.

-      فارس: من غزة زوج شرين الثالث يتعرف على شرين ويتمكن أخيرا من الزواج منها.

الشخصيات الثانوية: وهي كثيرة وتم إعطائها مساحة جيدة تناسبها وسياق الرواية ومنها: والديّ شرين (هالة، ومحمد شرف).  اخوة شرين

مروان: المهندس

أنس: المعتقل اداريًا لمدة سنوات دون محاكمة

عماد: يعمل في محل والدة

كفاح: المحامية

 جارات شرين:

ربا الإعلامية والروائية

شفا - دارت سرد روايتها شرين في شقتها

 نور ابنه شفا

عائشة أم زوجة شفا

الأحداث

تدور أحداث الرواية بتقنية الاسترجاع من خلال الزمن غير الخطي، حيث أجادّت الكاتبة سرد أحداث روايتها من خلال سرد لا يتبع زمنًا تقليديًا، وتنتقل بالقارئ بين الماضي والحاضر والمستقبل، رغم التشويش في البداية إلا أنه يخلق تشويقًا وطبقات سردية متعددة، حيث ابدعت في قفل الرواية بتقنية السرد الدائري حيث تعود الرواية في نهايتها إلى نقطة البداية. وهي من الأساليب والتقنيات السردية الروائية المعاصرة.

 

تتحدث الرواية عن حالات مجتمعية وأسرية فلسطينية، وحالة الصراع الدائم التي يواجها الفلسطيني خلال مسيرة حياته بسبب الظروف القاسية التي يمرّ بها يوميا سواء على مستوى المجتمع والاحتلال.

 تدور أغلب الأحداث حول (شرين وبسمة)، حيث يتم التركيز بشكل مكثف على شخصية بطلة الرواية "شرين"، حيث يدور أغلب السرد في ضمير المتكلم بصوتها. فتشق طريقها بعصامية منقطعة النظير، بعد أن تنكّر لها زوجها، عادت إلى كنف أهلها لتبني حياة جديدة في مجتمع يقدّر الإنسانيّة، وأسرة محبة داعمة للمرأة، لأنها تستحق ذلك وبجدارة لما قدمته من تضحيات، بدءًا من تحمل عنف زوجها وتمادي واستغلال والدته في الأعمال المنزلية، وتدريس إخوة وأخوات زوجها. كذلك ما عانته وغيرها من النساء من نظرة المجتمع إذا تأخرت المرأة بالإنجاب، أو لديها مشاكل في الإنجاب، تُعيَّر وتُعاقب على ذلك، يُشجَّع الزوج بالزواج ثانيةً، والتي أظهرتها الكاتبة من خلال شخصية (أم جواد)، زوج شرين الأول، والذي يقرر أن يتزوج على شرين سرًا لتكتشف زواجه وتقرر انتهاء مسلسل تنازلاتها وبالانفصال. واخيرًا تعيش "شرين" في كنف أسرتها مع ابنها، لتنتهي الرواية بزواجها من فارس من غزة في مصر بسبب حصار غزة.  وبعد معاناة، يتم انتقال مكان سكن "فارس" للضفة الغربية ليتمكن من العيش اخيرًا مع "شرين"، وترزق منه بطفلين. فتعيش حياةً جديدة يسودها التقدير والحب، أثلجت صدرها، وعوّضتها خيرًا عمّا كان الحال مع زوجها السابق.

 ولكن لا تسير الرياح بما تشتهي السفن يتم اعتقال زوجها فارس بتهم واهية بسبب نضاله ليحكم ثلاث سنوات.

كذلك رسمت الراوية حياة شخوص روايتها الثانوية والمساعدة، كبقية النساء الفلسطينيات اللواتي عانين قسوة الحياة، مثل: هالة والدة "شرين"، معاناتها في أسر ابنها "أنس"، نموذجًا للأمهات ومعاناتهن في سجن أبنائهن، بالاعتقال الإداري والحبس لأعوام دون محاكمة ويتم تمديد الحبس كل ستة شهور.

الأسلوب الأدبي والتقنيات السردية

تمتاز الرواية بأسلوب أدبي شاعري مكثف، يضفي جمالًا على السرد ويعكس التوترات النفسية بعمق. من خلال توظيف تقنيات سردية حداثية متنوعة كالسخرية، التهكم، الاسترجاع الزمني، واستدعاء المعلقات، مما يعمق البعد الدلالي والتاريخي للنص. ومنها:

-      استخدام الاقتباسات الثقافية: توظيف اقتباسات من نزار قباني، محمود درويش، الشافعي وغيرهم، كخطّافات سردية تعزز البعد الرمزي والفكري للنص. من خلال تقنية "المعلقات\ الخطاف" أو "Hooks هذه التقنية تُعدّ من أدوات الكتابة الروائية المعاصرة، وغالبًا ما تُستخدم لإنهاء المقاطع، أو نهاية، أو بداية الفصل، بأسلوب غير تقريري، بل مفتوح ومشحون بالدلالة. وهي تقنية تعزز من تماسك النص وتحفّز القارئ للانتقال بين الفصول بحالة وجدانية متوهجة. غالبًا ما يكون على شكل جملة مشوّقة، أو حدث غير مكتمل، أو كشف مفاجئ، أو اقتباسات، أو تساؤل يجعل القارئ متشوقًا لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.

ومن الأمثلة التي رودت في رواية " عناق على حاجز إيرز": مقولة للإمام الشافعي – ص 115: “إذا ما الظلم استحسن مذهبًا، وعتوا في قبيح اكتسابه فكله إلى صرف الليالي فإنّا ستبدي له ما لم يكن في حسابه". اقتباس حكيم يجيء في سياق الحديث عن الظلم والحصار، ليمنح نهاية المقطع ثقلاً أخلاقيًا وفكريًا. 

-      كما اعتمدت الرواية أسلوب إدماج القصائد والخواطر النثرية داخل المتن السردي، وهو توجه معاصر يثري النص ويضفي عليه بعدًا شعريًا يلامس الوجدان. هذا الأسلوب يعمّق الحالة الشعورية، ويكسر رتابة السرد التقليدي، مما يخلق تنوعًا إيقاعيًا ولغويًا يعزز من تفاعل القارئ مع النص، ويمنح الشخصيات صوتًا داخليًا أكثر صدقًا وشفافية مثال: صفحة (103 - 121 - 26)

-      توظف أسلوب السخرية والتهكم كآلية دفاعية ضد قسوة الواقع الفلسطيني، في محاولة لتطويع الألم اليومي إلى لحظة إنسانية خفيفة تُضيء النص وتُعمّق أثره. يظهر ذلك جليًا في عدة مواضع، منها: في صفحة 33، عندما تقول العمة بسمة لابن أخيها مروان، تعليقًا على وزنه: "لا تقلق يا حبيبي، سيأتي عليك أيام سوداء تسد شهيتك وتجعلك تخسر من وزنك الكثير." فيرد مروان ساخرًا: "فال الله ولا فالك." فتجيبه العمة: "لا تنسَ أنك فلسطيني يا عزيزي." هنا يتحول الخوف من المستقبل إلى نكتة دامية، تكشف عبثية العيش تحت تهديد دائم. وفي صفحة 31، يتهكم والد شيرين بعد اقتراح الطبيب إجراء قسطرة قلبية له، قائلاً:"من يعيش في فلسطين لا بد أن يتعرض لمثل هذه الأمراض".  تُظهر هذه العبارة كيف أصبح المرض جزءًا من جغرافيا القهر، لا فقط من الجسد. هذا التهكم الذكي يمنح الرواية بُعدًا نقديًا إنسانيًا، ويكسر الحزن بمساحة من الوعي الساخط، دون أن يُفقد النص جديته أو قضيته

الرسالة:

تُجسّد الرواية رسالة شاملة تُعلي من شأن الأمل والصمود في وجه الاحتلال والظلم، مؤكدة أن الحرية قادمة رغم المعاناة، ومبرزة قوة المرأة الفلسطينية التي، بإرادتها وثباتها، تتجاوز القهر الاجتماعي والسياسي، وتثبت حضورها الفاعل في معركة الحياة والوطن، جنبًا إلى جنب مع الرجل، بكل كرامة وكرامة. من خلال: كشف فداحة الحصار والحرمان. تمجيد الصمود الإنساني رغم الانكسارات. تأكيد على الهوية الفلسطينية كحالة وجدانية، لا سياسية فقط.

نقاط ضعف ورغم القيمة الوطنية والإنسانية العالية لرواية "عناق على معبر إيرز"، يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات للتحسين، ولتفادي مواطن الضعف المحتملة، باختصار وموضوعية: الرمزية والمجاز ضعيفان أو غير محسوبين، على الرغم من محاولة إدخال بعد فلسفي أو رمزي (مثل الحديث عن قسوة الواقع، والهوية، والحصار)، إلا أن الرمزية جاءت متكلفة في بعض المواضع وغير منسجمة مع السياق.

 في بعض مواضع الرواية، لا سيما في الحوارات الداخلية لشخصية "بسمة" خلال لقاءاتها بعصام، تنحو الكاتبة نحو مباشرة وشرح تفصيلي بإيحاءات قد تُخدش بها خصوصية التلقي، مما يضعف الأثر الجمالي للنص ويحدّ من انغماس القارئ في التجربة الشعورية. هنا يبرز أهمية الاقتصاد في العاطفة والمباشرة، عبر استبدال الوصف الصريح بـالرمز والتكثيف واستخدام الحواس كأن يُعبّر عن الانجذاب والاضطراب الجسدي بوصف نظرة العينين، وارتعاش الصوت، وثقل الصمت، أو تغيّر رائحة المكان. هذه العناصر تفتح المجال لتجربة حسّية غامرة تجعل القارئ يشعر لا يقرأ فقط، وتُضفي على النص أناقة وجدانية تبتعد عن الابتذال وتُقرّب الرواية من العمق الفني والصدق العاطفي. كذلك اضطراب في البناء السردي: الرواية تعاني من تشتت في الانتقال بين الشخصيات والزمنيات دون مقدمات واضحة أو جسر حكائي منطقي، مما يصعّب على القارئ تتبع التسلسل الزمني أو النفسي للأحداث.

هذه الملاحظات تظل ذات طبيعة جزئية، ولا تنتقص من القيمة التعبيرية في الرواية التي تنفتح على مساءلة مزدوجة: من جهة، يُبرز تعقيدات الوجود الأنثوي في ظل بنى التهميش الرمزي والاجتماعي، ومن جهة أخرى، يعرّي التداعيات الوجودية والسياسية للاحتلال، لا سيما فيما يحاول أن يفرضه من تفتيت جغرافي عبر المعابر، وما يخلفه ذلك من تمزق في النسيج الإنساني والاجتماعي لأبناء الشعب الواحد

الخاتمة

تتبنّى رواية “عناق على حاجز إيريز” أسلوبًا أدبيًا شعريّ النزعة، يتكئ على لغة وجدانية مكثّفة، تتداخل فيها الصور الشعرية بالتعبير النثري، في مزيج يُضفي على السرد طابعًا تأمليًا وعاطفيًا. الكاتبة تميل إلى الوصف الحسي والانفعالي، مستثمرةً استعارات وعبارات بلاغية لإبراز التوتر النفسي والوجداني للشخصيات. كما يُلاحظ توظيف مقصود للاقتباسات من التراث والشعر العربي كـ”خطّافات سردية”، تمنح النص عمقًا فكريًا وامتدادًا ثقافيًا. رغم بعض الهنات اللغوية، إلا أن الأسلوب يعكس انخراطًا عاطفيًا حقيقيًا بالموضوع الفلسطيني، ويقدّم سردًا ذاتيًا ينحاز للإنسان المقموع والمقاوم، لا عبر الصراع السياسي فحسب، بل عبر تفاصيل الحياة اليومية وقلق الهوية

وأخيرًا أحيي الكاتبة د. رولا غانم على هذه الرواية الرائعة التي لامست المشاعر والقلوب والوجدان، متمنيةً لها المزيد من العطاء والتقدّم.

وقال بسّام داوود:

رواية اجتماعية صيغت باسلوب شيق ولغة سهلة تطرقت للعديد من المشاكل الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني .

تدور احداث الرواية عن قصة صبية اسمها شيرين عاشت في اسرة متواضعة في مدينة نابلس مكونة من الاب محمد شرف والام هالة والاخوة مروان ,انس , عماد , واختهم كفاح والعمة بسمة , تمر السنين يمرض الوالد يدخل عملية قلب مفتوح لكن يتوفاه الله تكبر شيرين وتنجح في الثانوية العامة ويتقدم لها شاب وسيم اسمه جواد من احدى القرى المجاورة ويعمل بالتسويق .

وافقت عائلة شيرين عليه بشرط ان يكمل تعليمها الجامعي تمت الخطوبة التي استمرت لمدة شهر واحد ووعدهم بتحقيق كل امنياتها .

بدأ التخطيط للعرس واقيمت مراسم الزواج وانتقلت العروس لبيت زوجها المكون من طابقين الطابق الارضى تسكن به والدته وابناؤها اما الدور الثاني وقد خصص للعروسين .

صباح ليلة الدخلة وصلت ام العريس لتطمئن عليهما قرعت الجرس طلب جواد من عروسته ان تقوم بفتح الباب ارادت ان تضع بعض المكياج قال لها هذا ليس وقته افتحي الباب بسرعة الا تفهمين الاصول شعرت شيرين بالغربة في هذا العالم الغريب وهؤلاء الناس الذين لا تعرف طباعهم .

جلست لتناول الفطور معهم حدق فيها جواد قائلا كيف تجلسين قبل ان تجلس امي وقبل وصول عمتي مريم التي تسكن بالقرب منهم وقالت لها امه هل تجلسين قبل ان تجلس امك من الان فصاعدا عليك الالتزام بعاداتنا ولم تتفوه شيرين باية كلمة شعرت بانقباض في صدرها وطلب منها ان تقوم بعمل كل الخدمات في بيت امه ,شعرت بتسلط امه وكتمت كل ذلك بداخلها .

جاء موعد التسجيل في جامعة القدس المفتوحة لكنه منعها ناقضا وعوده ,شيرين لم تخبر اهلها بكل ما حصل معها طول النهار تخدم امه وفي الليل تصعد لشقتها لتكمل شغلها ثم تعطيه  حقوقه الجسدية فكان ينقض عليه بلا رحمة محاولا اثبات فحولته .

طلبت منه ان تزور اهلها لتنام عندهم مرة واحدة في الشهر رفض ذلك مبررا انهم سيزورانهم معا عندما تسمح الظروف فوالدته لا تستطيع القيام  بعمل البيت حاولت اقناعه لكنه قمعها شعرت بالقهر والحزن وبقيت كاتمة ذلك في صدرها .

اخذت والدته تفرض عليها احكاما وعليها القيام بكل اعمال البيت وان تدرس ولديها وان تسمع تعليمات العمة مريم التي كانت تتدخل بكل صغيرة وكبيرة .

مرت اشهر ولم تحمل شيرين والكل يسألها وهي تشعر بالحرج ذهبت للطبيب تبين ان عندها ضعفا بسيطا اخذت حماتها تعايرها وتتهكم عليها وانها ستنتظر بضعة اشهر فان لم تحمل ستزوج ابنها ,مرت الايام ولم تحمل فاخذت تزرع في رأس ابنها فكرة الزواج ,اخذ يشدد عليها اكثر ويمنعها من زيارة اهلها وقام ببيع ذهبها ليسدد ديونه متهكما عليها ويقول انت مثل الشجرة الجافة ابتليت فيك ,تراكمت همومها ولم تحتمل اخذت تفكر بحل جذري لما هي فيه لتخلص من هذا العذاب ,في احد الايام زارت بيت عمته بدون اذنه فعمل لها مشكلة كبيرة وانهال عليها بالضرب واخذ يشكك في زيارتها ويتهمها باتهامات باطلة فتمنت لو بقيت عزباء .

اخذ زوجها ينزوي في غرفته لوحده ويغلق الباب حتى لا تعلم ماذا يعمل الا ان اكتشفت انه متزوج من امرأة اخرى اسمها منى قررت على اثرها ترك البيت فذهبت لعند صديقة لها في جنين اسمها ياسمين دون علم احد مما اضطر الجميع للبحث عنها وقامت عائلتها بابلاغ الشرطة وسبب ذلك القلق لاسرتها واخيرا قررت الاتصال بامها واخبرتها بمكان وجودها والحت عليها امها بالعودة فورا للبيت وقام اخوتها باختطاف زوجها وضربه انتقاما لاختهم وبعد عودتها للبيت تبين انها حامل ففكرت بالاجهاض لكن امها منعتها لان ذلك حرام بينما شجعتها عمتها بسمة حتى لا تنجب ولدا سيئا مثل ابيه .

علم جواد بعودتها وحملها فندم اشد الندم واعترف بانها المرأة الهادئة المؤدبة مقارنة بزوجته الاخرى كثيرة الكلام وكثيرة الطلبات واصر على عدم طلاقها لكنها انتظرت لبعد الولادة فانجبت طفلا اسمته قائد وتنازلت عن جميع حقوقها وخلعته (زوجته الثانية انجبت طفلا اسمته نضال ) .

قررت ان تهتم بحياتها من جديد سجلت في جامعة القدس المفتوحة تخصص صحافة واعلام كما اشارت عليها عمتها بسمة التي تعمل في مجال الصحافة لتعمل معها بعد التخرج .

تقدم رجلا ميسور اسمه عمر في الاربعينات لخطبتها لكنها ترددت ثم وافقت بعد نصيحة امها وتمت الخطوبة وعقد الزواج وعلم جواد بذلك فقرر ان ينتقم منها فقام بعمل خطة دنيئة بالتعاون من صديق له لتشويه سمعتها امام خطيبها عمر وحرضاه على تركها باعتبارها سيئة السمعة فكانت هذه نكسة اخرى لها اثرت عليها لفترة من الزمن الى ان تعافت من اثارها ورجعت لاكمال دراستها ونجحت بتفوق وعملت في مجال الصحافة مع عمتها بسمة وفي احد الايام تواصلت مع شاب اعلامي من غزة اسمه فارس يعمل في احدى الفضائيات وعنده مركز اعلامي بسيط واستفادت من خبراته وقدم لها كل المساعدة وشعرت بانجذاب نحوه علما بانه يصغرها بسنتين فحذرتها عمتها بسمة ان لا تتسرع بالانجذاب نحوه فلها تجارب صعبة مع الرجال واستمر التواصل بينهما وفكرا بطريقة للقاء فحاول فارس القدوم الى الضفة لكنه لم يحصل على تصريح وحدث ان خطط لاقامة مهرجان للافلام الوثائقية في جامعة الاقصى في غزة فكانت فرصة لدى فارس لارسال دعوة لشيرين لعمل تصريح والقدوم للمشاركة في هذا المهرجان وبالفعل قدمت طلبا للحصول على تصريح من خلال الارتباط الفلسطيني الذي نسق مع الارتباط الاسرائيلي وحصلت تصريح لمدة يومين جهزت نفسها وسافرت الى غزة والتقاها فارس عند حاجز ايرز (بيت حانون )  وحضرت المؤتمر وزارت كل مدن القطاع غزة ,دير البلح ,خانيونس ,رفح ,ومخيم جباليا الذي صورت فيه فلمها الوثائقي عن التهجير وربطت مخيم جباليا بانتفاضة الحجارة سنة 1987 .

قررت في داخلها الزواج من فارس وسألته اين سنعيش بعد الزواج قال في اي مكان سيحتوي قلبينا في افريقيا في اوروبا المهم نلتقي ردت وفلسطين ؟ معقول ان نهاجر ونترك فلسطين ؟ يقول لها هجرة مؤقتة راجعين كلنا راجعين من قال لك اننا تخلينا عن حق العودة هذا استحقاق لا يسقط بالتقادم .

انهت شيرين زيارتها لغزة ورجعت الى نابلس اخبرت عائلتها بنيتها للارتباط بفارس فكان لهم بعض التحفظات كون غزة بعيدة ومحاصرة ومستهدفة لكن اخيرا كان القرار لها .

تواصلت مع فارس ليكون كتب الكتاب في القاهرة فسافرت هي وعمتها للقائه في القاهرة وسافر هو عبر معبر رفح ليلتقيا معا هناك وصلت القاهرة شعرت بالحياة التقت بفارس تم عقد القران قضوا بعض الايام معا تجولوا في المناطق السياحية والتمتع بمنظر نهر النيل ثم عاد كل منهم الى بلده قام فارس بتغيير عنوانه من غزة الى الضفة وتمكن بعدها من الحصول على تصريح للقدوم الى الضفة فوصل نابلس واستأجر بيتا وجهز كل ما يلزم لحفلة الزواج ليتم زواجه على شيرين لتعيش عيشة هنية سعيدة ومرت السنين وانجنب طفلين مجد وكرم .

تعرف فارس على نشطاء من حركة فتح راح يصور الاحداث التي تعصف بفلسطين مما طور حسه الوطني الثوري فاخذ يخطط في سبل مقاومة المحتل ليتم اعتقاله والحكم عليه بالسجن لثلاتة سنوات .

اما بسمة فقد استمرت على رفض الزواج لكنها تعرفت على شخص اسمه عصام يعمل في السلك الدبلوماسي متزوج من امرأة لا يوجد بينهما انسجام نشأت بينه وبين بسمة علاقة صداقة هو ارادها عشيقة ومؤنسة عن بعد وهي اخبرته انها لا تريد الزواج تريد ان تبقى حرة تنعم بالحب والحياة وهدوء البال اعتادا على اللقاء وقضاء لحظات انسجام معا .

نقاط هامة استفدناها من الرواية :

-عدم التسرع عن اختيار شريك الحياة وعدم الحكم على الشكل فالحكم على الشكل قد يخدع ولا ينعرف الزوج الا بعد المعاشرة .

- كثيرا ما يحدث ان تتسلط الحماة على الزوجة وتسبب لها المشاكل والمعاناة .

-تدخل افراد العائلة بحياة الزوجة مما يسبب لها ايضا المعاناة .

-المجتمع لا يرحم الزوجة التي يتأخر حملها مما يسبب لها المتاعب وقيام زوجها بالزواج عليها بتحريض من اهله .

-بسبب المشاكل بين الازواج الشابة يؤدي ذلك لعزوف الكثير من البنات عن الزواج .

-ارتفاع نسبة الطلاق بين الازواج الشابة .

-لجوء بعض الناس لقذف المحصنات الغافلات على الرغم من انها من كبائر الذنوب .

اشارت الرواية للكثير من المشاكل التي يعاني منها السكان منها :

-صعوبة التنقل بين مدن الضفة الغربية بسبب الحواجز .

-عربدة المستوطنين في مناطق الضفة مما يسبب الخوف بين السكان .

-المعاناة الشديدة في التنقل بين الضفة وغزة وخضوع ذلك لاجراءات معقدة .

-وجود ارتباط فلسطين وارتباط اسرائيلي لمواصلة التنسيق .

ذكرت الرواية اهمية جامعة القدس المفتوحة في توفير فرص التعليم للعديد ممن حرموا من اكمال دراستهم الجامعية .

واخيرا ركزت الرواية على تمسك الناس بحق العودة فيوما ما سنعود وان لم نعد نحن حتما سيعود اولادنا او احفادنا .

sgsggsf127.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعيّة  رواية ( عين التينة) للروائي صافي صافي، بحضور عدد من الأدباء والمثقفين. الرواية التي تقع في 143 من القطع المتوسط، وموزعة على 26 فصلا قصيرا صدرت عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين- الأمانة العامة/ رام الله، وزيّن غلافها لوحة من تصوير المؤلف، وأخرجها فنيا سناء صباح.

ابتدأت الندوة مديرتها ديمة جمعة السمان، التي رحبت بالحضور، وعرّفت بالمؤلف من خلال سيرة ذاتية مختصرة، ثم تحدثت عن الرواية بإسهاب، قالت:

يُعدّ الكاتب صافي صافي شخصية أدبية عميقة تُجيد إثارة الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات. فهو في كتاباته، كما في شخصيته، لا ينتظر من أسئلته سوى أن تلامس عقول القرّاء، لتحكّ أدمغتهم وتستفزّهم نحو التحليل والتأمل، كأنه يقصد بتساؤلاته أن يبلغ القارئ إلى أقصى نقطة ممكنة من البحث عن الحقيقة، تلك الحقيقة التي يدرك صافي تمامًا أنها عصيّة، وربما مستحيلة الإمساك.

يتجلّى في حضوره الأدبي شغفٌ دائم بتعرية المعاني، وتحفيز الفكر، ومساءلة المسلّمات، بحيث يترك أثرًا فكريًا مستمرًا لدى من يقرأه أو يلتقيه، بعيدًا عن الأجوبة الجاهزة التي تشلّ التفكير وتختصر الطريق إلى الحقيقة، وكأن الحقيقة في عرفه رحلة لا تنتهي، وليست محطة يمكن الوقوف عندها.

تنعكس هذه الروح الفلسفية العميقة في روايته “عين التينة”، التي صدرت مطلع عام 2025 عن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في رام الله. جاءت الرواية في نحو 143 صفحة موزّعة على 26 فصلاً قصيراً، وبدت وكأنها رحلة إلى عمق الذاكرة الفلسطينية الممزوجة بالحنين، والحلم، والانتماء.

نجح الكاتب في نسج علاقة خفية بين السارد والمكان، فبين التخيّل الذاتي واستدعاء المكان، وبأسلوب السرد بضمير المتكلم، أدخل القارئ إلى عمق الوعي السردي والشخصي، في مرآة الذاكرة المعبّرة عن ذات الكاتب وشخصيته كلاجئ من قرية مهجّرة.

تتجلّى إيجابية الرواية في توظيفها لتقنية الرحلة كأداة لتركيز الأحداث، إذ لا تتعدّد الشخصيات الرئيسية (عدا حنان، صديقة السارد، ومها.. وبعض المسافرين)، ومع ذلك تفيض بالمضامين حول الانتماء، والاحتلال، وعلاقة الإنسان بالمكان.

 تتبعثر الأسئلة حول هوية الفلسطيني الممزّقة بين المنفى والحلم والعودة، فتأتي هذه الأسئلة منسجمة تمامًا مع شخصية الكاتب: تساؤلات مستمرة لا تبتغي إجابات واضحة، بل تثير القارئ ليتفاعل مع النص، ويصنع إجاباته بنفسه.

 تنكشف هذه التقنية بجلاء في رحلة السارد بين “عين التينة” و”بيسان”، حيث تتشابك الحوارات والمشاهد السياسية والتاريخية والاجتماعية، إلى أن يصل السارد إلى لحظة صوفية تتجلّى في مشهد حميمي في السجن، لحظة تُعبّر عن ذروة التوتر والوجد، تلك اللحظة التي صاغها الكاتب بلغة حسية قوية. كما تحمل الرواية أيضًا غنى في اللغة، إذ يفيض النص برمزية المكان ويستحضر تنوّع الطبيعة الفلسطينية بكل نباتاتها البرية ووجوه ناسها وتضاريسها، كأن الكاتب يؤنسن الطبيعة ويوحّدها مع الإنسان. يظهر ذلك جليًّا في التفاصيل الصغيرة والحنين الدافق الذي يتسرّب من سطور الرواية. غير أن هذا التدفّق اللغوي، رغم عمقه، قد لا يروق لجميع القراء؛ إذ يأتي أحياناعلى حساب التركيز الروائي والحبكة التقليدية، وقد تجعل النص يبدو مُحلّقًا أكثر من كونه متجذرًا في الأحداث والزمان والمكان.  كما أنّ التّقطيع السردي بين الفصول القصيرة – ستة وعشرون فصلاً متوالياً – وهو ما قد يضعف تماسك الإيقاع ويمنح القارئ إحساسًا متقطعًا، يعرقل الانسياب السلس للأحداث. إضافة إلى ذلك، يترك النص مساحة كبيرة لتداخل العلاقة بين الحب والصداقة عند السارد وحنان؛ فتبدو العلاقة غامضة أحيانًا بين العاطفة والنضال أو غيره، ومع ذلك، فإن الرواية بهذا النهج تُحافظ على خصوصيتها؛ إذ لا تسعى لتقديم بطولة فردية، بل تجعل من المكان والذاكرة بطلاً حقيقيًا، وتجعل القارئ يتساءل – كما يتساءل الكاتب في حياته وأدبه – عن معنى الوطن، والهوية، والوجود نفسه.

وكأن الرواية تقول إن الجواب ليس هو المهم؛ المهم هو أن تُبقي الباب مفتوحًا أمام الأسئلة. ولعل هذا ما يجعل “عين التينة” تتجاوز كونها حكاية سردية لتصبح نصًّا فلسفيًا أدبيًا يليق بكاتبٍ عميق الفكر مثل صافي صافي.

في النهاية، تظلّ “عين التينة” رواية صافية اللغة، مشحونة بالتاريخ والذاكرة، يسيطر عليها المكان، تنضح بالتساؤل الدائم، وتحفر عميقًا في قلب القارئ لتوقظه على درب البحث عن حقيقة قد لا تُدرك بالكامل.

بهذا المعنى، تُعدّ الرواية إضافة مهمّة للرواية الفلسطينية الحديثة، ومرآة صافية لشخصية كاتبٍ لا يكتفي بإثارة السّؤال، بل يحرّضنا جميعًا على ملاحقة الحقيقة.

وقال محمود شقير:

1

يكتب الروائي د. صافي صافي روايته بالاستناد إلى الرحلة التي تهدف إلى التعرّف على معالم البلاد التي خضعت لاحتلال ليس له مثيل، احتلال إحلالي إقصائي يهدف إلى طرد أصحاب البلاد الأصليين، وإحلال مهاجرين من كل بقاع الدنيا في مكانهم.

ويتمّ السرد بلغة حسّيّة موحية عبر استخدام ضمير المتكلم، بحيث تتقاطع سيرة السارد في الرواية مع سيرة المؤلف في جوانب عديدة لا تخفى على من يعرف صافي صافي الذي يعيش في رام الله، ويعيش السارد كذلك في رام الله، وقد اعتاد صافي صافي أن يذهب مع عدد من زملائه وزميلاته في رحلات داخلية في طول البلاد وعرضها، مشيًا على الأقدام في بعض جوانب الرحلة، وعبر المواصلات في جوانبها الأخرى، وذلك بهدف ممارسة رياضة المشي، وللتعرّف على نحو حميم إلى تفاصيل البلاد، وإلى التمتع بطبيعتها الخلابة.

وسنلحظ أن السارد في الرواية الذي يستقبل صديقته حنان المقيمة في المهجر، القادمة إلى فلسطين لزيارة مدينة بيسان، مسقط رأس أبيها، يستذكر معها أيامهما حين كانا طالبين في الجامعة، ثم يتعهد بأن يأخذها إلى بيسان.

الجدير ذكره أن حنان ظهرت في رواية سابقة لصافي صافي هي "زرعين"، وفي هذه الرواية يلجأ الكاتب إلى الرحلة في البلاد لتقديم أحداث روايته.

2

مع هذه الرواية الجديدة تثور الأسئلة: لماذا حملت الرواية العنوان: عين التينة ولم تحمل عنوانًا دالًّا على الهدف الذي جاءت من أجله حنان، وهو مدينة بيسان؟ لماذا تحمّلت عين التينة التعبير عن مضمون الرواية وتركت بيسان للظهور في آخر الرحلة وفي آخر الرواية؟

ربما فعل المؤلف ذلك تاركًا الأمر لاجتهادات القراء ولتأويلاتهم، وربما جاء هذا العنوان بسبب الاصطدام المباشر مع المستوطنين الشباب الذين يستعدّون للالتحاق بجيش الاحتلال، وبسبب حرمان السارد وصديقته حنان ومن معهم من أفراد الرحلة من الوصول إلى رأس النبع الذي يغذي عين التينة، هذا الحرمان الذي ما زال حتى اليوم يمنع الفلسطينيين من الظفر بحريتهم وبعودتهم الى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي شردوا منها تحت وابل من رصاص العدوان.

وربما كانت هناك مقاصد أخرى واجتهادات.

3

في كل الأحوال، يكتب د. صافي صافي روايته بعيدًا من الصيغ الجاهزة ومن الرؤى المعتادة المكرورة، ويحاول أثناء حوارات الغزل التي يوجهها السارد إلى صديقته حنان استثمار قدرات اللغة العربية في تقديم المعنى الظاهري للمفردة وإبقاء المجال متاحًا لتقديم المعنى الموحى به في الوقت ذاته، ما يمنح المتلقي فرصة للتفاعل مع هذا الأسلوب الموارب في استخدام اللغة، ولتفعيل مخزون المفردات وإيحاءاتها لديه، ولمتابعة ما تفضي به الرواية من مشاهد حسية، ومن رؤى فكرية واجتهادات ذات صبغة صوفية.

4

تشتمل الرواية على أبعاد معرفية مستمدّة من ثقافة الكاتب حينًا، ومن الحوارات التي كانت تدور بين السارد وصديقته حنان، ومن الخبرات المكتسبة لبعض شخوص الرواية، ومن التراث الشعبي الفلسطيني، وتمتد هذه الأبعاد المعرفية لتصل إلى عنصر التوثيق الذي يستمد مادته من مصادر معروفة ليقدم للمتلقي المادة التي يقصد المؤلف توصيلها بالانسجام مع تفاصيل السرد في روايته، ما يجعل د. صافي صافي يتخذ من قدوم حنان لزيارة فلسطين ذريعة لتقديم رواية معرفية لا تنشغل بالحدث وبالحكاية قدر انشغالها بالمعرفة الخاصة بفلسطين، وقدر اهتمامها بدحض الرواية الصهيونية التي تبرر احتلال فلسطين وتغيير ملامحها الأصلية التي لا تنجح في طمس الحقيقة.

5

حين تصل الرحلة منتهاها بالوصول إلى بيسان، لا يكترث السارد ولا تكترث حنان بالشوارع وبكل الإضافات العمرانية التي تهدف إلى تغيير الصورة الأساسية للمدينة الفلسطينية  التي جرى احتلالها. كانت حنان تبحث في بيسان عن أبيها وجدّها وعن الذكريات التي كانت لهما هناك.

وكان القمع الاحتلالي هو الذي أوقع السارد وصديقته حنان وبقية فريق الرحلة في الاعتقال التعسفي، هذا الاعتقال الذي لم ينجح في فصم علاقة الحب التي تأكّدت بعد طول غياب بين الخارج الفلسطيني والداخل الفلسطيني، بين السارد وصديقته حنان في حضن المدينة الفلسطينية بيسان.

وقالت نزهة أبو غوش:

البنية السردية واللغة: الرواية تنتمي إلى النمط التأملي الهادئ، حيث يتقدم السرد عبر الحوار الداخلي والمكاشفة بين الشخصيتين المحوريتين: الراوي وحنان. لا تعتمد الرواية على الأحداث المتسارعة أو الصراعات الحادة، بل على الحفر في الذاكرة، والتأمل في الزمن، واستدعاء المعاني المغيبة، بأسلوب شعري ولغة موحية تميل إلى الرمز والانسياب العاطفي.

الزمن في الرواية هو زمن الوجدان، وليس الزمن الخطي. ننتقل بين الماضي والحاضر، ونعبر مع الشخصيتين في رحلة مكانية – روحية، يتقاطع فيها الواقع مع الحلم، والحاضر مع الذاكرة، والحنين مع الحسرة.

  تحليل الشخصيات:

  حنان: تمثل الشتات الفلسطيني، ولكن ليس الشتات الجغرافي فحسب، بل شتات الهوية، والرّوح. هي ابنة فلسطين التي لم تولد فيها، ولكنها مشبعة بها حتى العمق. تحلم بالعودة لا لأن هناك بيتًا بانتظارها، بل لأن هناك معنًى ينتظر التحقّق. حضورها في الرواية هو حضور السائلة والموقظة، تسأل وتحفّز، تشكّ وتثير الحنين، وتعيد للراوي أسئلته القديمة

 الراوي: هو ابن الداخل الفلسطيني، لكنه غريب في وطنه. يعيش الواقع الفلسطيني بكل تمزقاته: الوطن المُحتل، الزمن المُلتبس، والحب الذي لم يكتمل. تتقاطع تجربته مع تجربة حنان، لكن من الداخل، حيث الغربة ليست جسدية بل شعورية. يمثل الراوي الوعي الفلسطيني الحائر: هل الوطن هو ما نراه؟ أم ما نتخيله؟ هل الحب ممكن في ظل الفقدان؟ هو صوت الحنين، ولكنه أيضًا صوت التساؤل.

الرموز والدلالات:

بيسان: ليست مجرد مدينة، بل رمز لفلسطين المغيّبة، والفردوس الضائع، والهوية المشطورة. تمثل بيسان البيت الأول الذي لم يسكنوه، والطفولة الجمعية التي حُرموا منها.

 الطريق: هو أكثر من مسار جغرافي، بل هو رحلة بحث وجودي. المشاهد التي يمران بها تكشف تحوّلات الأرض، تآكل المكان، واختفاء الأسماء الأصلية. الطريق هو مختبر الذاكرة والمواجهة مع النكبة المستمرة.

 الرقص الصوفي (مها) مها ترمز إلى الروح الفلسطينية في بعدها الصوفي. الرقص هنا ليس ترفًا بل فعل مقاومة روحي، تعبير عن الصفاء في قلب الفوضى. مها تؤدي رقصة بلا موسيقى خارجية، إشارة إلى أن الإيقاع الأصيل ينبع من الداخل، مثل الحنين الفلسطيني الذي لا يحتاج إلى منشّطات خارجية ليحيا1. الحنين كفعل مقاومة الرواية لا تقدّم الحنين بوصفه عاطفة سلبية، بل كقوة مبدعة وخلاقة تحفظ الوجود الفلسطيني، وتربط الأجيال بقصص الآباء والأجدا.

 الوطن المفقود/المتخيل الوطن في الرواية ليس جغرافيا فقط، بل هو حالة شعورية مركبة. الوطن هو القصص، والأغاني، والعادات، واللغة. العودة إليه تمر عبر الذاكرة لا المعابر الحدودية.

 العلاقة بين الحب والوطن الرواية تقيم توازيًا بين العلاقة المؤجلة بين الراوي وحنان، وبين العلاقة المؤجلة مع فلسطين. وكأن حبًا لم يتحقق يرمز إلى تحرر لم يتحقق. فالفقد في الحب هو مرآة للفقد في الوطن.

 الذاكرة بوصفها فعلًا سياسيًا في ظل محو القرى والتهويد المكاني، تصبح الذاكرة وسيلة لاستعادة الحق. سرد أسماء القرى، حكايات الأجداد، والكوشانات هي أدوات مقاومة مضادة للنسيان.

 النهاية المفتوحة : النهاية في الرواية ليست حلاً بل دعوة للتأمل: هل العودة ممكنة؟ وهل نصل فعلًا؟ هي نهاية وجودية وفلسفية، تضع القارئ أمام سؤال أساسي: هل يكفي أن نحب الوطن ونحلم به، أم أن ذلك وحده لا يغيّر الواقع؟ الجواب: "لست أدري"، هو اعتراف بحدود الفعل الفردي، ولكنه أيضًا انفتاح على أمل دائم غير قابل للموت.

القيمة الفنية والإنسانية رواية "عين التينة" تتجاوز كونها سردًا عن فلسطين، لتكون تأملًا في الحب، الهوية، والوجود. تحمل طابعًا إنسانيًا عالميًا من خلال خصوصيتها الفلسطينية. إنها رواية مناجاة، وصلاة روحية، وتمرين على عدم النسيان.

 عين التينة، ليست فقط مدينة أو شجرة، بل هي عين القلب المفتوحة نحو الحقيقة الموجعة، ورمز للثبات في وجه المحو، ومرآة تعكس وجع الذات الفلسطينية وانتصارها؛ إنها رواية تشبه رقصة مها: بلا موسيقى، لكنها تنبض بالإيقاع الداخلي الذي لا يتوقف.

وقالت هدى أبو غوش:

رواية"عين التّينة" للأديب د.صافي صافي،هي سرديّة توثيقية في أدب الرّحلات،توّثق مسار في طبيعة فلسطين،هذا المسار هو ليس رحلة  للتنزه فقط، بل يجتاز ذلك إلى بعد وطني،اجتماعي،سياسي،ونفسي وعاطفي.

في هذه الرّواية ينتصر الأديب صافي للأماكن ويمنحها قيمتها وأهميتها، وهي ترتبط بالفلسطيني،فالمكان هو الرّوح المعذبة في ظلّ الإحتلال،وهو حاضر في الذاكرة الفلسطينية المتوارثة عبر الأجيال،حنان المغتربة تحدث أحفادها عن بيسان،وأيضا تريد رؤية  بيسان ببيوتها القديمة لتحفظ ذاكراتها الشفوية،"ما أود رؤيته في بيسان،هو بيسان التي كانت،والتّي عرفها جدّي ووالدي،لولا أنّك تسكن هذه المدينة لما أتيتها".

 السّارد من رام الله في عطش لرؤية الأماكن وعين التّينة.

المكان متعدّد في الرّواية،حيث نجد رام الله تحتضن كلّ العائلات من المدن والقرى الفلسطينية المختلفة.

والمكان في المسار ينتقل من مكان إلى آخر،بيسان ،الحولة،الغجر،السهول، الينابيع،الجداول،الوطن،خارج الوطن،باقة الغربية وغيرها.

وشكل المكان يتغير بفعل الإحتلال،فالبحيرة تتحول إلى مزارع نباتية،والبيوت القديمة تغيرت،فاستبدلت ببيوت حديثة.

في الرّواية اغتراب المكان،ويتجلّى ذلك من خلال الحوارات بين حنان والسّارد.

مثال-"هل أصدّق أنّك تعيشين في المنفى؟

هل أصدّق أنني أعيش في الوطن؟".

تتجلّى العاطفة في هذه السّردية من خلال حكاية الحبّ بين حنان والسّارد،والتّي لم تتكلّل بالزواج بل بلقاء وفراق ولقاء،هذه العلاقة تمثل عدم اكتمال الوطن،فهو مقسّم،في الغربة والمنفى (حنان)،وفي وطنه هو غريب عن أرضه(السّارد)،وفي اللقاء بينهما عبر المسار ،هو لقاء الوطن،وتأملات في العاطفة الجياشة بين العاشقين،ومن ناحية أخرى تأملات في حقّ العودة .

ونجد العاطفة نحو الأماكن وعلاقتها بالفلسطيني.أمّا الّلغة جميلة،شفافة ذات طابع عاطفي،رقيقة،والحوار جميل ولافت في الرّواية،ويأخذ بعدا تأمليا، عاطفيا ،فلسفيا،وطنيا،وهو  مليىء بالتّساؤلات التي تكشف عن البحث عن الهوية الذاتية الوطنية،البحث عن الوطن.أين هو؟هل هو في الدّاخل أم في الخارج؟تساؤلات ومتاهة النفس العاشقة التي تبحث عن  نفسها العطشى للحبّ.

تقول حنان للسّارد:"أرى نفسي هناك.

ـ أتبحثين عن ذاتك؟

-بالضبط أبحث عن نفسي منذ سنين ولا أجدها

،ربما أجدها هناك".

يقول السّارد:"لماذا افترقنا؟لماذا تواصلنا؟لماذا التقينا؟".

نجد حضور التّكرّار اللفظي في الرّواية،من مرادفات متشابه أو متناقضة،أو بجمل مشابه ،ممّا يضيف إيقاعا جميلا في النّص الرّوائي،ويبرز مدى عمق الوجع الفلسطيني.

مثال-

-كيف تمّ اغتصاب كلّ هذه الأرض الجميلة الهادئة .

-أنا أسأل السؤال نفسه.

-هل تمّ بيعنا؟

ومثال آخر تكرار المفردات على لسان حنان والسّارد (حشرات،مثل الدّين،ربما..الخ).

أسلوب الأديب في الرّواية-يستخدم الأسلوب المعلوماتي،ليعطي القارئ مساحة التأمل في المكان،وتخيّل الطبيعة،ويستعين أحيانا بالمواقع الإلكترونية؛ للتأكيد على دقة المعلومات،ونلاحظ إسهاب الأديب بالتفاصيل ليثري القارئ، وللإشارة إلى أنّ هذا الوطن غنّي بطبيعته الخلاّبة وبأماكنه، وأيضا هي إشارة إلى أن الفلسطيني صاحب الحقّ عالما بتفاصيل أرضه.

كما واستخدم الإسترجاع الفني من أجل توثيق الذاكرة الفلسطينية.

أسلوب  النقدـ ينتقد بعض الأفكار أو المواقف،مثل اليافطات في قرية الغجرالتي تنادي بالسلام والتعايش رغم عدد سكانها القليل.

ينتقد حال الوطن المنقسم والذي يعيش في متاهة.كما وينتقد عدم تعلّم الفلسطيني العبرية التّي تساهم في فهم ما يقوله الأعداء.

يبرز جمال فلسطين  من خلال العيون والينابيع التي فيها مع الإشارة إلى استغلال المحتلّ للأماكن في سيطرة المستوطنين عليها،وجعلها مزارات لهم.

وقالت د. رفيقة عثمان:

"عين التّينة" عنوان اختاره الكاتب لروايته؛ وهو المكان الّذي قام الرّاوي وصديقته حنان المُغتربة؛ والّتي حضرت لزيارة بيسان المُحتلّة موطنها الأصلي؛ برفقة مجموعة من الفلسطينيين. "عين التّينة الثّابتة الصّابرة المتينة، منذ لا أعرف من الزّمن، تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان، وتطل على سهل الحولة" ص 111. " ربّما عين التّينة هي واحدة من العيون الّتي انفجرت من فلسطين حسب اعتقادهم ، حيث ضرب موسى الصّخرة في الأرض القاحلة؛ ليشرب منها بنو إسرائيل". ص 48.

  في هذه الرّواية يسرد الكاتب أحداثها؛ بهدف توصيل رسالة أحقيّة وجود الفلسطينيين في بلادهم، والبلاد نفسها تشهد على ذلك الوجود من الطبيعة، والأشجار، والنّباتات، والبيوت الآيلة للسّقوط ، والآبار وغير ذلك من الآثار الفلسطينيّة. " جئنا لنقف على أطلال الّذين رحلوا قبل عقود، ونشم رائحة الماء والتّراب والحجارة، حيث كانوا، وحيث نكون اليوم". ص 97.

اختار الرّوائي شخصيّتين رئيسيّتين؛ لتحريك الأحداث وهما: الرّاوي والسيّدة حنان الصديقة القديمة له، حيث تحدّث الرّاوي بضمير الأنا؛ ممّا سهّل طريقة السّرد، وأضاف مصداقيّة لتسلسل الأحداث وواقعيّتها؛ من خلال الحوار الثّنائي، الّذي دار بينهما طوال الرّحلة الطّويلة إلى بيسان – عين التّينة - .   تحلّت الرّواية بلغة بسيطة سلسة، دون تعقيدات

  عبّر الكاتب عن العاطفة والحنين للماضي (النوستالجيا)؛ الحنين للأماكن والطّبيعة، والأشخاص؛ وجغرافيّة المكان. لم يُوفّر الكاتب إسمّا لقرية أو مدينة من فلسطين التّاريخيّة إلّا وذكرها. برأيي الشّخصي: انتصر الكاتب لذكر الأماكن وتخليدها مثل: (صفد – أراضي الجولان المُحتل – مسعدة – بحيرة الحولة - بيسان،  وجبل ااشّيخ – قرى الجليل والمثلّث: باقة الغربية والشّرقيّة، وعارة وعرعرة، وكفر قرع، وطرعان، وكفر ياسيف، وجولس، وأبو سنان، وجت، ويانوح، وكفر سميع، ويركا، وحرفيش، وبيت جن، والبقيعة، ودير الأسد، والبعنة، ونحف، ومجد الكوم، والرّامة، وساجور، ومعليا، وحرفيش، وجش، وفسّوطة). هذا الاستعراض المُكثّف لأسماء الأماكن؛ يشير لأهميّة الأراضي والأمكنة في الوطن المسلوب؛ ليثبت لنا الكاتب بأنّ هذه البلاد وهذا الوطن المُحتل، من حقّ أصحابه، على الرّغم من نشر الرّوايات المُزيّفة حول الأحقيّة. " دولة مصطنعة قادمة من الغرب، تطالب بحق قانون بتاريخها في أرض العرب" ص 65. لكن بنفس الوقت يبدو لي بأنّ هذا التّعداد لأسماء القرى والمُدن فيه إطالة مبالغ فيها؛ ربّما لو تم ذكر بعضها وسرد الأحداث السّياسيّة الّتي أحاطت بها أثناء النّكبة أو بعدها.

  ذكر الكاتب عددًا لابأس به من انواع النّباتات، والأشجار القديمة، والمزروعة من قبْل الاحتلال؛ مثل: أشجار الكينيا، الخرّوب، العنب، العلّيق، التّين، البوص، ونبات السّيفان. كل هذه الأشجار دلالة على قِدم وجودها في فلسطين قبل الاستيلاء على أراضيها؛ ممّا تدلّ على عراقة الوطن والانتماء لجذوره العميقة، وبها ممكن إثبات أحقيّة الأراضي للمواطنين الفلسطينيين الأصليّين، أصحاب الأرض الحقيقيين، ممّا يستدعي بالتّشبّث بالأرض مهما طال الزّمان، ومهما كانت الرّوايات المُزيّفة تدّعي عكس ذلك. "قال شو إسمك؟ شو بدّك باسمي؟ ألم يكفِ أن أقول لك: بأنّني صاحب هذه الأرض؟" ص 124.

   استخدم الكاتب تناصًّا داخل النّص من قصيدة " أيظنّ" للشّاعر نزار قبّاني؛ ومن غناء نجاة الصّغيرة.

"ما أحلى الرّجوع إليه" ص 67. " ما أحلى الرّجوع إليه، ورجعنا أنا الّتي رجعت، وأنا أتيت وليس أنت".

 استخدم الكاتب خطًّا قصصيًّا في  أسلوب السّرد، كخط مستقيم؛ والّتي حمّل فيها الكاتب البنيّة الأساسيّة لأحداث الرّواية، وبنى عليها الرّواية؛ والّتي ظهرت من خلال العلاقة العاطفيّة غير الواضحة  بين الرّاوي وحنان؛ أثناء الرّحلة الطّويلة في الحافلة من القدس إلى بيسان.

  أنهى الكاتب صافي روايته، بنهاية مفتوحة؛ لتجعل القارئ يفكّر؛ ليجد لنفسه الحلول والإجابات، وفقًا للواقع الّذي نحياه؛ تلك النّهاية، تخلّلتها تساؤلات عديدة مفتوحة منها: "هل قبلوا أن نعيش معًا؟ هل سيأتي أولادي وأحفادي دون فيزا ولا تصاريح؟ هل سيصلون إلى نقطة؟ ما هي النّقطة؟ هل يتغيّرون من الدّاخل؟ هل هنالك فروق بين القادمين من الخارج والّذين وُلدوا هنا؟ أسئلة كثيرة لا أعرف إجاباتها تمامًا.".ص 124. كل هذه التّساؤلات تمثّل الصراع الخارجي والدّاخلي، حول الهويّة والانتماء وأحقيّة ملكيّة الأرض، وربّما احتمال السّلام؛ صراعات يطرحها الكاتب، من خلال حواره الدّاخلي أيضًا.

  برأي الشّخصي؛ إنّ صورة المرأة مع الرأس المُتمثّل في حمامة بيضاء، فالمرأة ترمز للوطن، والحمامة ترمز للسّلام، ربّما هذه رمزيّة تعكس رغبة الكاتب في تصوير فلسطين مناشدة للسّلام. (مجرّد تحليل شخصي).

خلاصة القول: رواية عين التّينة، رواية ممتعة، وتُصنّف ضمن الرّوايات التّأريخيّة، والوطنيّة؛ الّتي تعكس قضيّة الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي المُستمر. يُنصح حفظ هذه الرّواية في الأرشيف الفلسطيني. 

وقال بسّام داوود:

الرواية وطنية بامتياز اسلوبها شيق ولغتها واضحة .

الرواية تتحدث عن حنان وصديقها افترقا منذ السبعينات هي تقيم خارج الوطن واصلها من مدينة بيسان وصديقها رجع للوطن ويقيم في مدينة رام الله وهذا هو حال الشعب الفلسطيني مشتت بين الداخل والخارج منذ نكبة 1948 .

قررت حنان ان تزور مدينتها بيسان التي سمعت عنها الكثير من ابيها وامها وجدها وقامت بدورها بنقل هذه المعلومات لابنائها واحفادها .

حصلت على تصريح لزيارة الداخل فكانت فرصة لها للالتقاء بصديقها والتحدث معا واعادة الذكريات بعد فراق سنين طويلة .وضعا خطة تفصيلية لزيارة الشمال الفلسطيني وخاصة بيسان التي عاش فيها والدها وامها وجدها ويوجد فيها قبر جدها فهي منتمية لهذا الوطن فهذه هي هويتها وليست معنية باية تعريفات تختلف عما تعتقده .

حنان عاشت خارج الوطن وصديقها عاش داخل الوطن هو ينتظر منها ومن امثالها في الخارج ان يأتوا فاتحين منقذين وهي ترى فيه ومن امثاله بوصلة للتغيير والتعديل كل واحد ركن على الاخر ظلت العلاقة غير واضحة علاقة الداخل بالخارج .

كل تركيز حنان ان تزور بيسان لا تريد زيارة المدن الحديثة فقط بيسان التي عرفها جدها ووالدها تود ان ترى نفسها في بيسان تبحث عن ذاتها منذ سنين ولا تجدها وان لم تجدها تكن قد حاولت .

ابتدأت الرحلة حسب الخطة التي وضعت من قبلهم وتم رصد ما يلي :

-مروا في منطقة تشبه اوروبا لكنها محاطة بقرى عربية فيها مساجد وابنية متناثرة .

-لاحظوا ان باقة قد قسمها الجدار لتصبح  باقتين شرقية وغربية وهذا هو حال كثير من المدن العربية .

-بحيرة الحولة تم تجفيفها وتحويلها لمزارع نباتية وسمكية مما غيرت من معالم حدود الوطن .

-الوجود في الداخل رمزا ناقصا للرجوع الى الوطن فنحن تحت احتلال لكننا في الوطن وايضا هذا ليس احتلال فالاحتلال يأتي من دولة اخرى ولم تكن لهم دولة فليس لهم اسم مثل الولد المشوه قصير العمر لايسمونه اسما عاديا .

-هل سيرحلون ام نحن سنرحل ام نبقى جميعا وهل يقبلوا بنا لنعيش بينهم ام يعيشوا بيننا ومرت العقود ونحن نناقش هذه الافتراضات .

-حنان ترى الوطن كله من خلال بيسان واحفادها كذلك وخشي اهلها ان ترتبط برجل من خارج بيسان ليحمل ابناؤها اسم عائلة اخرى وبلد اخرى .

-تتسائل حنان كيف تم اغتصاب كل هذه الارض الجميلة هل تم بيعنا اكثر من مرة . لاجدادنا سعر ولنا سعر ولاحفادنا سعر كلما مر الزمن ازداد السعر بالمال احيانا وبالقتل والتشريد احيانا اخرى الارض ارتفع سعرها صارت بالملايين غير المعاناة غير المقدرة بثمن وغير الاسرى والجرحى والشهداء لكن وجودنا هو الكنز سواء في الداخل او الخارج .

-لاحظوا عربات الجيش والشرطة في كل مكان فلولا ان هذه البلاد عزيزة علينا لما وضعوا كل هذه الحراسات وكل هذا العتاد وكل هذه البوابات فكل هؤلاء الجنود جاءوا لحراسته منا حتى لا ندخل دون موافقتهم ونخرج وقت ما يريدون .

-من يعيش في العالم العربي ودول العالم لا يستطيع العيش يشعر بالغربة فحنان غريبة في خارج الوطن فهي لاجئة نازحة وصديقها غريب في رام الله فهو مجرد ساكن لانه من هناك من الداخل المحتل .

-الرحلة مستمرة والحافلة تسير قد يصلوا او لا يصلوا فالوصول مرتبط بتطبيق الخطة وهنا لا نستطيع التخطيط ولو ليوم واحد .

-عند زيارة اي نبع ماء تجد اصحاب الجدايل والعمائم السود تحولت كل ينابيع فلسطين لمزارات لامثالهم علما ان العيون المقصودة توجد في مصر شرق محافظة السويس تسمى عيون موسى فلما عطش قوم موسى طلب الله منه ان يضرب الحجر بعصاه فانفجرت اثنتى عشر عينا . في سفر التوراة كتب انهم جاءوا الى ايليم المكان الذي اقام به بنو اسرائيل وبعد عبورهم البحر الاحمر ويعتقد ان ايليم هي ابار موسى فعيونهم في الخارج وليس في فلسطين فهم يخلطون وهذا هو التيه , التيه مرض معد اصابنا كما اصابهم فسميت الينابيع والجبال والقرى باسماء انبياء لم يطأوا ارضنا .وجدناهم في كل نبع ماء ومنها عين التينة يأتوها سائحين متبركين فكل  نبع ماء يصبح من حقهم حق للدولة وحق للمستعمرين ولم يجدوا تلك العيون التي يبحثون عنها سيبقون في تيه الى ان يعود مسيحيهم ونحن ايضا في تيه الى يوم الدين ننتظر المهدي والظلم يزداد والطغاة يكثرون وما زلنا في القاع .

-طقوس التحضير للجندية للشباب والصبايا عندهم تتم بان يقسمونهم الى مجموعات شباب وصبايا يقومون ببعض النشاطات المشتركة منها التجول في ارض الوطن والتعرف عليه ليشعروهم بالانتماء للارض فكل ارض يدوسونها في اعتقادهم هي لهم وهم يبدأون الجندية بعد الثانوية يخدمون سنتين قبل ان يلتحقوا بالجامعات او اية مهن اخرى فهم مجموعات متراصة تتشكل بينهم علاقات اجتماعية وحتى بين اهاليهم فحين لايجدون شعارا عاما يجمعهم في الحرب يدافعون عنه ولا يجدون دولة تحميهم يجدون في علاقاتهم الاجتماعية حماية حينها تدافع عن اصدقائك وجماعتك . يخدمون في الجيش كمجموعة ويأخذون اجازة كمجموعة ويقاتلون كمجموعة بينما نحن نختلف عنهم تماما الكل يعرف الكل واصله وفصله .

-شباب وصبايا من مجموعات التحضير لدخول الجندية يهتفون ان ارض اسرائيل لهم وحدهم لا شريك لهم ونحن الغرباء هم السادة ونحن العبيد يطالبوننا بالخروج من ارضهم والا استعبدونا مثل الدواب هذه هي العنصرية التي تربوا عليها .

-الناس خليط في هذه البلاد من ابناء شعبنا ومن الاخرين باشكال مختلفة ليسوا من هذه الارض اما بالنسبة للعلاقة بين العرب اليهود فهناك اشخاص عملوا علاقة واشخاص لم يعملوا وكل منهم له مبرر فهناك حاجات العمل والحياة والتعليم والتعلم والعلاقات السياسية هذا بالنسبة للعلاقة مع اليهود اما العلاقة مع الاسرائيلين او الصهاينة فشيء اخر فهناك صهاينة ليسوا بهيود يعيشون هنا .اما موقف الكتاب من الكتاب فهناك كتاب يناصروننا ونناصرهم وهناك من يعادوننا ونعاديهم وبالنسبة للعيش معا من جانبنا هناك اصوات ترغب بذلك رغم اقليتها اما هم فالامور عندهم معقدة جدا بحاجة لتغيرات جوهرية واشك انهم سيتغيرون نتيجة عوامل داخلية .

-الفوارق بين اوائلهم القادمين من الخارج والذين ولدوا هنا الاوئل هم الذين طردونا من ارضنا واستولوا عليها يعرفون اصلنا وفصلنا لكن الجدد لا يعرفون تماما ما حدث وتبنوا رواية الدولة تلك الرواية التي عملوا عليها كثيرا وان الدولة تتحول اكثر يمينية واكثر عنصرية .

-انهم يخشون العصي التي نحملها يخشون حجارتنا يخشون ما في داخل عقولنا يخشون اعضاؤنا التناسلية التي ستأتي بما هو اسوأ منا كما يقولون .

-عائلة سرسق باعت سهل الحولة بعدما فشل آل بيهم وآل سرسق باستغلال الاراضي الزراعية باعوها لشركة يهودية ايام العثمانين واعتبروا ان كل القرى المقامة بالسهل امتيازا لهم في فترة الانتداب البريطاني وتم طرد اهلها.

-هاجر الناس من قراهم وبقيت معالم القرى شاهدا وبقيت الذاكرة وبقيت بعض القرى قائمة لم تجف اي قرية او بلدة بل جففوا الارض من اهلها فنبتوا في مناطق اخرى بعيدة وغريبة .

-عين التينة تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان تطل على سهل الحولة وتعتبر فلسطينية حسب الموسوعة الفلسطينية و تتبع لواء صفد وتبدوا البلاد ظاهريا مثل اوروبا بينما تبرز البلدات العربية واثار القرى كما عين التينة تركوها كما هي ويوجد تناقض بين الفلل الحديثة وبين الدمار والخراب والعشوائية بين بلداتنا .

-قرية الغجر : اسمها المثلث لانها تقع على حدود فلسطين سوريا ولبنان اسمها القديم طرنجة اسم كردي سكانها ليسوا بغجر بل ابناء طائفة مسلمة ابنيتها حديثة جدا لها تنظيم خاص لا ينسجم مع شكل قرانا او بلداتنا ولا البلدات السورية واللبنانية تظهر كانها ليست بالشام هي على الطراز الاندلسي او المغربي كل شيء فيها صناعي ليست من بيئتنا فهي كانها صممت لغيرنا ومن غيرنا .اما الغجر او النور لهم دور في التاريخ الفلسطيني رحل معظمهم بعد حرب 1967 هم لا يؤمنون بالحدود .

-في الجولان لا تزل هناك مواجهة يومية مع المشروع الصهيوني فاقامة مزرعة مراوح لتكون مصدرا للطاقة الكهربائية وهذا ما سيشوه البيئة وطرد الطيور واخلال بالمناطق الزراعية وهم يرون في ذلك الدولة الحديثة ونحن نرى ان نكون عبيدا للتكنولوجيا وان كانت تحت ستار الطاقة المتجددة انها الطاقة الطاردة لكل ما هو حي وان اعمدة الضغط العالي ستطرد كل ما هو حي بما فيه نحن فالحداثة تحت الاحتلال ليست حداثة .

-اخيرا وصلوا بيسان اسمها الان بيت شآن فبيسان اسم  كنعاني يعني الرب اله الهدوء والسكينة اله الطرد والتشريد والمحو والهدم والروح والاستبدال بهدوء .كل ما هو موجود في بيسان من حداثة لن يجذب انتباه حنان وصديقها سوى الطبيعة جذبتهم .

-في النهاية وعند منتصف الليل اوقفهم حاجز عسكري حجزوا ركاب الحافلة في غرفة قديمة تابعة لمحطة القطار الواصل بين درعا ,دمشق ,الحجاز .

-قالت حنان لو مت هنا ساكون راضية فانا في بيسان وقال صديقها اسمحي لي ان اموت معك وحتى لو لم ندفن تترك جثثنا للضباع لتتوزع اعضاؤنا في هذه الارض الرحبة وربما بعضها ينقل الى الخارج خلف النهر فتتوزع بين الداخل والخارج بعد الموت .

وقال عفيف قاووق:

    رواية عين التينة يمكن تجنيسها ضمن باب أدب الرحلات وإن كانت مطعمة بعض اللقطات ذات النكهة السياسية. فعلى خطى غسان كنفاني العائد إلى حيفا نجد حنان تصرح بأنها عائدة إلى بيسان وتردد مع فيروز أغنيتها المحببة خذوني إلى بيسان، "كانت لنا من زمان بيارة جميلة وضيعة ظليلة ينام في افيائها نيسان".

   توضح لنا حنان تعلقها بمدينتها وتفضيلها حتى على باقي المدن الفلسطينية بما فيها القدس وما تعنيه القدس فبرغم حبها للقدس إلا أنها تقول: "لكنني جئت من أجل بيسان".

إمتازت الرواية بلغة سلسة ورشيقة وإقتصرت شخصياتها الرئيسة على حنان ورفيقها السارد إلى جانب بعض الشخصيات الثانوية مثل وحيد الجولاني وابو المجد والراقصة مها. وكان الأسلوب السردي هو الطاغي إلى جانب بعض الحوارات والتساؤلات التي بقيت دون أجوبة واضحة. فمثلا في أحد الحوارات بين بيسان ورفيقها السارد تسأله: هل سيرحلون؟ هل سنرحل؟هل نبقى جميعنا؟ هل يقبلوا بنا ليعيشوا بيننا ونعيش بينهم؟ فيكون جوابه لست أدري، لقد مرت عقود ونحن نناقش هذه الإفتراضات دون ان نحصل على أجوبة شافية. كما تشير الرواية إلى ما يشبه الضياع او انعدام الرؤية حول القضية الأم فتقول: مرت علينا فترة مراهقتنا وكنا نعتقد اننا نملك الإجابة لكل سؤال، فرحنا نفترض أسئلة وأجوبة. كنا واثقين أن ثورتنا ستنتصر لقد كنا مراهقين، واليوم نردد عبارة لست أدري ونخشى ان تكون هذه العبارة دليل إحباط وقنوط. فماذا نسمي الإنشقاقات المتتالية في حركتنا الوطنية؟ ماذا نسمي انتقالنا قسرا وجهرا من ساحة إلى أخرى؟.

   المكان كان حاضرا في هذه الرواية والأمكنة بالنسبة للفلسطيني راسخة في ذاكرته ووجدانه، فبدلا من أن تحكي حنان قصص الأطفال لأحفادها فقد كانت تستبدلها بقصص عن مدينتها بيسان حتى يبقى الوطن في ذاكرة الأجيال المتعاقبة. وتظهر لنا الرواية تعلق حنان بمدينتها بيسان وإصرارها على زيارتها ورؤية ما بقي من بيوتها وإن كانت مهدمة ولا تريد أن ترى المدن التي استحدثها الإحتلال رغم جماليتها وحداثتها، فبيسان بالنسبة لها هي القفص الذهبي الذي تعيش فيه، فهي ترى الوطن كله من خلال بيسان. وتعبر عن هذا الحنين بالقول: جئنا لنقف على أطلال بلادنا،ونبحث عن ظلال الذين رحلوا، ونشتم رائحة الماء والتراب والحجارة. وتعود بالذاكرة إلى سوق الخميس والبيادر في بيسان  وساحتها التي تقام فيها الأعراس. وعندما شرح لها رفيقها السارد كيف أن الإحتلال قام بتجفيف بحيرة الحولة لإفراغ المنطقة من سكانها أجابته : لن يستطيعوا أن يجففونا حتى ونحن في الشتات.

  وللدلالة على التمسك بالهوية الفلسطينية  يصف السارد مدينة رام الله بأنها "مدينة كل المدن والقرى الفلسطينية" حيث ان واجهات محلاتها تزدان بذكر أسماء العائلات المرتبطة كل منها باسم مدينة أو قرية مثل اللداوي، الحيفاوي، الرملاوي، الطيراوي وغيرها.. وكأن هذه المحلات تمثل سفارات او ممثليات لتلك القرى والبلدات. وخلال رحلة حنان برفقة السارد  كنا امام توصيف للأماكن، فيحدثنا السارد عن عين التينة فيقول: إنها عين التينة الثابتة الصابرة تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان وتطل على سهل الحولة. وهي إحدى أهم عيون الماء وسميت بعين التينة نسبة لأشجار التين التي تملأ المكان. وقد جرى احتلالها إثرعملية يفتاح في شهر أيار 1948، وهي منطقة تكثر فيها الينابيع وأهمها نبع الدرباشية. ولم يكتف السارد بوصف الأماكن بل انتقل لوصف أشجار التين وانواعه فهي أشجار خضراء يانعة بأصابع أوراقها الخمس وتتوزع أنواعها ما بين البياضية، العسيلية، دعيبلية أو غزالية وغيرها من التسميات. 

   كما تبرز الرواية السياسة التوسعية للمحتل وقضمه للأراضي، عندما باعت عائلة سرسق سهل الحولة لشركة يهودية اعتبر اليهود ان كل القرى المقامة في السهل امتيازا لهم، وهنا أشير إلى أننا في لبنان ونتيجة لعملية البيع هذه ومثيلاتها فقدنا عددا من القرى تسمى في قاموسنا بالقرى السبع ومن ضمنها هونين والحمرا التي ورد ذكرهما في الرواية. وللدلالة على ما يقوم به الإحتلال من تمزيق للنسيج الإجتماعي وتشتيت العائلات تطرقت الرواية إلى ما حدث لقرية الباقة التي قسمت عام 1949  إلى شرقية وغربية بحيث وتوزع أفراد العائلة الواحدة بين هذين القسمين.

         وفيما يشبه النقد للأطراف السياسية المتباعدة يصف السارد حنان بأنها ترى أوسع من الأطراف السياسية،حيث أن الأمور فلتت من عقالها فيتبارون في تسجيل نقاط على بعضهم حتى غاب الوطن في عقول الشباب بعد أن ظهر الولاء وغاب الإنتماء. كما تثير الرواية مسألة عدم تضافر الجهود الكافية بين الداخل والخارج حيث تقول حنان "وأنا في الخارج لم أفعل كثيرا كي أعود ولم تفعل أنت أيضا وانت داخل الوطن، أنت تنتظر منّا في الخارج أن نأتي فاتحين، منقذين ومنتصرين، أما أنا فأرى في أمثالك بوصلة للتغيير والتعديل. كل واحد ركن على الآخر وبقيت علاقة الداخل مع الخارج غير واضحة".

في إشارة لافتة تعبر عن رفض حنان لما يمكن ان نسميه التكاذب العربي  والأغاني الحماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع نراها تطلب من سائق الحافلة أن يغلق المذياع الذي يصدح بأغنية وطني حبيبي الوطن الأكبر لتقول "يكفيني صوت محرك الحافلة واحتكاك عجلاتها بالطريق لأعرف أنني هنا في وطني". وفي موضع آخر تقول: لقد تم بيعنا أكثر من مرة كل مرحلة ولها سعرها.

وفي اشارة إلى ما زرعه الإستعمار من بذرة الخلاف بين الدول العربية وترسيم حدودها يبرز السؤال هل عين التينة والدرباشينية فلسطينيتان أم سوريتان؟ مشاكل مصطنعة ارادها المستعمر بحيث جعلنا كما ورد في الرواية نختلف على جلد الغزال قبل صيده، والشيء بالشيء يذكر فلا تزال مزارع شبعا موضع أخذ ورد حول هويتها هل هي لبنانية أم سورية.

تبرز الرواية الثقافة العنصرية للمحتل، حين تم محاصرة الفريق الراغب بزيارة عين التينة من قبل المحضرين للجندية، حيث بدأت إحدى المجندات بالصراخ والسباب مشيرة الى الارض وهي تقول هذه لنا وانتم الغرباء، نحن السادة وانتم العبيد.

وبالرغم كل التعجرف والتعالي الإسرائيلي إلى ان لاوعيه يجعله يعيش هاجس الخوف دوما من الفلسطيني، لأنه يعرف ان هذه الأرض ليست له فعندما طلب أحد الجنود من أعضاء الفريق رمي عصيهم في الماء أجابت حنان أنكم تحملون سلاحا وتخشون العصي؟ ليجيبها نعم ونخشى حجارتكم وما في داخل عقولكم،وفي إشارة إلى التغيير الديمغرافي المحتم يقول وايضا نخشى تناسلكم الذي سيأتينا بأسوأ منكم.

 وتطرقت الرواية إلى إشكالية ربما لا تزال قائمة وهي امكانية نشوء صداقات بين الفلسطيني واليهودي فهناك البعض من فعل هذا والبعض الآخر لم يفعل ولكل مبرراته كما يقول السارد.

 وفي إشارة ربما إلى أن العودة الحقيقية لا زالت بعيدة نسبيا، يقول السارد: رأينا العين من بعيد ولم نقف على نبعها،ولم نغسل أجسادنا بماء شلالاتها الصغيرة لأننا حوصرنا من مستوطنين ومن الجيش الذي جاء لحمايتهم.وأيضا لم تستطع حنان رؤية بيسان والتجول في شوارعها لانها وصلتها ليلا وتم اعتقالها مع رفيقها.

ختاما نلحظ أن المؤلف تعمد إبقاء نهاية روايته مفتوحة على كل الإحتمالات تاركا للقادم من الأيام وما قد يحمله من تغيرات سياسية وضع النهاية المرجوة لرحلة حنان وغيرها من فلسطيني الشتات وأملهم بالعودة ليس إلى بيسان فقط بل إلى كل فلسطين. 

المزيد من المقالات...