كتبت هذه القصيدة في ذكرى المولد النبوي وألقيتها على الشباب في سجن تدمر عنبر
 إليك أرفع ما لاقت مدائنها
  يا سيد الخلق في ذكر آل سلواني=عن لوعة السجن في تفشي ونيران
 وما أكابد من هم ومن ألمٍ=بل من همومٍ وآلام وسجان
 ولاح في الأفق فجر من ضيائكم=وأي فجر أبا الزهراء نوراني
 خبت له النار وانجاب الظلام به=وكم تصدع من عرمش وإيوان
 والشرك أنذر حتماً في نهايته=والعنصريات من عبس وذبيان
 فلا لأبيض فضلٌ في نصاعته=على الأحابيش من زنجٍ وسودان
 إلا بتقوى إلى الرحمن خالصةً=والأمر بالعرف من نهيٍ ونكران
 وإن طرا منكرٌ أو حل في بلدٍ=واستفحل الخطب من ظلمٍ وعصيان
 استنفذ الجهد طرا في إزالته=واستفرغ الوسع من نهيٍ ونكران
 ولا لحاكم فضلٌ في عيشه=بطرد ثوبٍ وفيها الكل سهيان
 سادت على الكون والدنيا مبادئها=بحد سيفٍ يحاميها وقرآن
 والهاشمي وأهل البيت من رحمٍ=في درجة القرب فيها مثل سلمان
 وما بلال سوى العباس تحسبه=ولا صهيب بها إلا ابن عفان
 حضارة الغرب شيدت عن حضارتكم=وما رقى اليوم من علمٍ وعرفان
 وما بنسيتم فما زالت قواعده=رمز الحضارة من شرخٍ وبنيان
 وكان من قبل في ظلم وفي ظلم=بل كان قبل هداها محض جيران
 ومن يفكر في علمٍ ومسألةٍ=فالدين يحكم في قانون رهبان
 وفي سبات عميق من جهالته=وللكنيسة رأيٌ ماله ثاني
 يا سيدا الرسل هذا يوم مولدكم=ومن سرور ملاك الشعر وافاني
 فرحت أرسل أشواقي محملة=باقات وردٍ وأزهارٍ وريحان
 إليك تهدى أبا الزهراء عاطرةً=سلام حبٍ مشوق موثق عان
 وفي حلول ربيع شهر مولدكم=وبالكرامات فياض وملآن
 للمسلمين تحياتي أقدمها=ولك سارى سلاما عالي الشان
 ممن يعيشون في قلبي وفي كبدي=وفي ضميري وأخلاقي ووجداني
 ممن عرفت وكانوا مثل قسورة=في سجن تدمر بل كانوا كتعبان
 إليك ما حل بالإسلام في بلدي=بدءاً من السجن واسمع صوت أحزان
 في السجن جلدٌ وشنقٌ بعد محكمة=وكم تعلق من صحبٍ وإخوان
 وكم دهى الشام من خطبٍ وداهيةٍ=والخطب داجٍ وهول الخطب أعياني
 أشكو المصاب كما أختال من فرحٍ=بالفخر حينا وكم أشكو بأحيان
 ومن دمشق عروس المجد أبدؤها=بشوق حبٍ وفي أحلام ولهان
 مساجد الشام من هجرٍ ومن غلقٍ=تفراء ظمأى وكانت مثل بستان
 كأنها أيكة ثم الشباب بها=ورق الحمائم تشدوا فوق أغصان
 بالعلم والوعظ والإيمان عامرةٌ=والروح تسمو بإسلام وإيمان
 والآن عاطلةٌ عما ذكرت وقد=كانت مراكز إشعاع وعرفان
 حيث الأئمة والأعلام قد رحلوا=والرائدون عدا المسكين والفاني
 والجسم بالروح ما عاشت وما سلمت=حتى إذا استل فارث حال أبدان
 يا جامع الزيدان يا عنوان لهفتها=كم في رحابك من حلقات قرآن
 ومن شباب بدين الله ملتزمٍ=ومن كهولٍ وأطفالٍ وفتيان
 أين الجموع التي كانت يتممه=يوم الثلاثاء مثل الزهر فتيان
 شباب حلق لا تنسوا جرائمهم=وليس يقبل من عذرٍ ونسيان
 في شهر أيلول كم من حرقة متكوا=عنها الحجاب ورأس ثم عريان
 لهفي على حمص كم حلت بها نوبٌ=على يد الذئب غازي بن كنعان
 فكم من شباب أتى فيه وعذبه=لكي يقر له تنظيم إخوان
 حتى إذا ما انتهى التحقيق صدره=إن الرمال إلى حبلٍ وعيدان
 وتلك خطة خبث يا ابن زانيةٍ=نفذتها حسب توجيهات ديان
 والرستن اليوم كم بيتٍ به خرب=ومن شباب بسجن الكفر عبدان
 اسأل بتدمر عنهم تلق زهرتهم()=رهن الإشارة تأتي من سليمان
 أم الفداء عرين الأسد من قدمٍ=وما استكانت لسفاح وعدوان
 عاشت على حافة التاريخ شامخةً=وهكذا في علو مثل شلان
 وما تزال وتبقى مثل ما عهدت=حصناً منيعاً بإسلامٍ وإيمان
 سلوا فرنسا وكم لاقت على يدها=من المآسي وكم بارت بخسران
 وراح يشكو جراحا بات يلعقها=إلى أمين وميشيل وعمران
 وتلك ثورتها الأولى وكم بذلت=من الضحايا وكم جارت بقربان
 ولم يفت لأخ يئلك من عضدٍ=بل كانت السيل هدرا بعد طوفان
 وقام مروان يبني في طليعته=من كل أروع ماضي الغرور رباني
 من الذين جنان الخلد تعشقهم=ويعشقون المنايا وسط ميدان()
 بسام منهم وحدث عن خوارقه=وعن مواقف مهدي بن علوان
 واقرأ على الدهر والتاريخ معجزةً=وطب حديثاً بجيل الصحبة الثاني
 هذا الشباب حشى لله في غضب=وراح يضرب في سرٍ وإعلان
 مواقع الشرك بل يغتال قادته=من الثعابين من أبناء حمدان
 واستيقظ الكفر عما لم يكن أبداً=يدور في خلدٍ منه وأذهان
 لا سيما حين إبراهيم أعلنها=حيث النصري أضحى مثل فئران()
 وأدرك الكل أن الحرب دائرةً=ما بين كفرٍ نصريٍ وإيمان
 واشتدت واحمرت لها حدق=وكثر البغي عن ناب وأسنان
 واستنفرت الحرب هيئة الإخوان قوتها=وأطلقتها فهبت مثل نيران
  تناجز المجرم الطاغي ولشيعته=من قل لقطٍ دنيء الأصل خوان
 وأصبح الشعب من حنقٍ ومن غضبٍ=يفور فيها ويغلي مثل نيران
 يراقب الوقت في شوق وعن كثبٍ=متى نهاية ذاك المجرم الجاني
 وعندما لاح في الأيام سانحةٌ=إلى الأسر ليعلو رأس سجان
 هب الأبي وما شبهته أبداً=إلا بنارٍ وزادوها بقطران
 وكان ذلك في أم الفداء رجىً=واستيقظ الشعب من شيبٍ وشيبان
 على دوي يهز الأرض من ثقلٍ=ويعمر الأفق من نارٍ ودخان
 ووجه الكفر من جيشٍ وأسلحةٍ=ومن خبيرين كو روسٍ وألمان
 إلى حماة حماة المجد يا لهفي=أم الجهاد المرير الأقدس الباني
 لكي تمر على ما فيها من بشرٍ=ومن حدائق زانتها وعمران
 لكي تمر على ما فيها من بشر=ومن رياض على العاصي وبستان
 ولا تغادرها حتى تحولها=إلى سهولٍ كما قالوا وقيعان
 فاستقبلتهم بنارٍ في صدورهم=وصرت جيشهم أفراخ جرذان
 والراجمات ودباباتهم حصدت=بل أصبحت شبه أشلاءٍ وعيدان
 على يد العبيد من أبنائها غضبوا=من آل نشميٍ ومن أبناء عروان
 ظلت تقاوم شهرا وهي صامدةٌ=ولا مساعد من أهل وجيران
 وفطر القلب أن كانت بمفردها=أمام ذاك الهجوم الكاسح الفاشي
 أمام أعتى عدوٍ ضد أمتنا=لا بل وأخون مخلوقٍ وإنسان()
 ضد البلاد وسل حطين في رجبٍ=وشهر تموز ينبئ عن حزيران
 فاستشهد فوها وكانت ثم كارثةً=تفوق تدمر هولاكو لبغدان
 بكيتها يومها في الدمع من مقلي=والقلب يغلي بجرح يارب آني
 أم الحجاج في شعري أخلدها=وشعبها الفذ أهواه ويهواني
 وما مررت بها يوماً على سفرٍ=إلا ولاح العيني شجع مروان
 ذاك الذي دفنت في الشام أعظمه=فضاعت الشام من روحٍ وريحان
 واهتزت الشام إجلالاً لموكبه=أجل وحيت عظيم القدر والشان
 أبا الفداء أتدري أن قاتلكم=قدمك من دفع دياتٍ وأثمان
 ما سار إلا وطيف الموت يصحبه=وما تحرك إلا نهب أكفان
 وعن قريب سنقضي منهم وطراً=ويصبحون حديث القاصي والدان
 ما زلت أرسم جل الخطب في أدبي=رسم المناظر إذا لاحت الفنان
 حتى وصلتك مشتاقاً معرتنا=ورحت أسأل عن صحبي وخلان
 ألين الأطباء فالأمراض قد عظمت=واستفحل الداء في جسمٍ وأسنان
 كما غزا الداء والجرثوم حنجرةً=وراح يفتك في أنفٍ وآذان()
 وغاب من كان مختصاً بها ومضى=للسجن يصيب ابن علواني
 وراح يفتح في الصحرا عيادته=في سجن تدمر ذاك المسلخ القاني
 وما سألت على كرم وذي خلقٍ=إلا وكان جوابير خلف قضبان
 آه سراقب لم أذكرك في خلدي=إلا غلا الدم فواراً بشرياني
 وما ذكرت جميلا منك يغمرني=إلا وأطرقت في حبٍ وإذعان
 قلبٌ صديعٌ وعنين ثم ذارفةٌ=من المآقي بدمعٍ جار هتان
 وما تصورت يوماً ما جرى أبدا=ولم يكن أبداً يوماً بحسبان
 لكنه القدر المقدور فاحتسبي=وسلمي فيه في صبرٍ وإيمان
 ومن سراقب للشهبا على عجل=لكي أسطر ما لاقت بديوان
 لم أعرف العيد يوماً كان مرزأةً=أو يوم شؤم وأتراحٍ وأحزان
 لكنه يوم أفراح ومرحمة=ووصل رحم عرفناه وجيران
 والخصم للخصم في بشرٍ يصافحه=حتى كأنهما فيه صديقان
 يوم ابتهاجٍ وتكبيرٍ لخالقنا=ويوم بذلٍ وإخفاقٍ وإحسان
 لكنه كان يوماً للفراق ضحىً=ما بين أملٍ وأبناءٍ وجيران
  فكم شيوخ على عكازهم سقطوا=وكم شباب بعمر الزهر ريان
 ذوى وصوح من الغصن محترقاً=وآل للرب جرفاً دوله أكفان
 وآل عرعور كم ابن لهم فقدوا=وشيعوا ثم من رأسٍ وجثمان
 يا عظم الله في الدارين أجرهم=وزاد في الأجر من صبرٍ وسلوان
 واللاذقية جافاها الكرى أبداً=ولم تذق طعمه كحلاً بأجفان
 بعد النجوم التي في جوها أفلت=وبعد بدرٍ مضيء النهج رباني
 ثارت تزمجر كالإعصار من غضبٍ=والبحر يهدر من موجٌ وطوفان
 علامة القطر ممدوح بن جولحةٍ=تلقى مصير أبي حفصٍ وعثمان
 عليه في سلام الله ما هتفت=ورقاء أيك وغنت فوق أغصان
 يا جسر عفواً أرجيه ومعذرةً=والخطب أعظم من شعري وتبيان
 سأترك الخطب للتاريخ ينقله=عبر العصور ويروي كل إنسان
 عماه جناه بنو حمدان واقترفت=عصابة البعث في آهاي وأوطاني
 طوفت أرثي حضاراتي مقدسةً=وكم وقفت أناجي مثل حيران
 تلك الحضارات والآثار في كمد=وأندب الربع من أهلٍ وسكان
 حتى كأني ودمع العين يسبقني=والصدر يزفر من حرٍ وأشجان
 أبو البقاء على أطلال شاطبةٍ=ونهر حمصٍ وشلالات جنان
 وعدت للسجن أحيا في عنابره=حياة بؤسٍ وترويعٍ وحرمان
 رهن الطوى والجوى أحيا ومخمصةٍ=ورهن قيدٍ وتنكيلٍ وسجان
 أدعو وأقطع طول الليل من سهرٍ=بما تيسر من ذكرٍ وقرآن
 أدعوا وأضرع تواقاً إلى فرجٍ=بالعز والنصر والتمكين مزدان
 رباه عجل فإن الضر ألمني=والاعتقال وبعد الأمل آذاني
 وسجن تدمر من إعدام إخوتنا=والبرد والخوف والتعذيب أضناني