صحبة الديار

يا  صحبة أضاءت لي الدار

بذكرى من طيب مجالسها

ويا رقدة حالت في الوصل

سيلا من دفين شدائدها

لم أدر أني قد هجرت

خلةً.. لمعت  بغربة لآلؤها

في ديار وصلتُ بها لوعة

 فهدّت كاهلي تلال همومها

عقدت في صحبتها وشائجًا

فقطعت أوصالي مخالبها

أوقَدَت بأركانها مشاعلًا

فأشعَلَت بدواخلي أشواقًا

بهمسة ندية من أطنابها

ويا فُرقة  أثقلت عليّ الكبد   

 وزادت فيّ آلام جلد سياطها

نسيت الظلال بتيه الجفاف

فذكّرني الحرّ بظلال (طَرَفها )

ألوذ منه مداعبًا جفوته

بلمسة على ورق من ( غَرَبها )

لا تيأسُ (الفرطوسة) من غيرتها

فتفرش بالتوت حلو مآدبها

خشعت ملكاتي من سكون

أدمع عيناي وأنّة ..

من خجل ظهيرتها

لم يسقط الدمع مني غيبة

ولكنه  شاهد  عدل مني

يذكّر فيّ حقّ عهدها

لم تُبلس بالحزن  متعة  ولكن ..

الحزن جُمّارة في جوف قلبها

 ........

هل الزمان كتب الأحرف

أم بالأحرف رُسِمت شواطئها

ذلك اليمّ الممتد بلسمُ مدينة

من منهما ملّ الصحبة بدهورها

تعال أيها الساقي إليه والعطاش

هل ترتوي المآقي أم بتدانيها

فرات عذب يلهم النفوس

والإلهام منه برشفة تعافيها

هنا صياد يناجي الربّ

في خيط ٍ صبورٍ ينال من  (جُريّاتها )

أن يخرج الخبء ( روميّة)

تتفارق  عنوة  من  صحيباتها

يقضّ النقيق بالأصيل  مضاجعه

مخملي  الشواطىء

ومصاطب الصحبة موطن ذكرياتها

 ........

ياصحبة أضاءت لي الدار

بشمّ عطرمعتق بجدائلها

ويا للوعة قاست بهجره زمنًا

عرى التمنّي وهشاشة وعودها

فالهجرة جالت بأديم مغمّس

بالغربة يعزّ الرّحل  جوارها

أ أباينُ  بين بيان وحشتها

بين النهر والدير وعجاجها ؟

أشم التراب بعطر الندى

بخور يتماهى معشّقٌ بأنفاسها

تتراءى الوجوه فيها ببسمة

علقت بالخيال حسن ملامحها

 .........

يا صحبة أضاءت لي الدار

حلو طفولة رسمت ببطاحها

تتراقص بالخيال وفي الدروب

على العتيق و المعلّق عمادها

بين (الحويجة ) وتزاحم  الأشجار

تلقي المزيّة فيها الراوي فراتها

جثمت على بعد مصطبة

حفرت بالقلب هيام مواعيدها

هنا وهناك راسيات ..

عراقة الإرث  سعاف النخيل صحافها

 ..........

يا صحبة أضاءت لي الدار

بهوى الأحواش وسكون ليلها

أعد النجوم والتبّان بسَماء الصيف

فتعلو الضحكات من أسطح بيوتها

صرير الجندب يؤنس بظلمة

حين تخلو الدروب وأركانها

صوت (الحسن) يقرّب وينادي

يفرّح الأحياء ساعة سهرتها

(ستة عشر فرنكاً ) عدًا ونقدًا

(طيّب وناهي ) كيلو ما أحلاها

منه وعليه (الحاج أبو اللبن )

يزيد الطعم ببرد الخاثر

ويكتب (يا هلا ) بالدفاتر تراثها

لهفي (بالضايع ) حكاية لعبة

رؤى فتية  بليال عوالمها

تفرقت من ضيق بالبلاد باحثة

عن صدور تزهر كينونتها

ضاقت الجدران ما من عتب

فخلفها آمال  بصبح تناديها

هجرةٌ صدّعت قيام البيوت

ووحشة فراغ  فكثرت أطلالها

فتفرّقت بالمعمورة  فلذاتها

ظلت بغدوة موقد نور

تضيء العالم موئل شجونها

........

يا صحبة أضاءت لي الدار

خلتُ يومًا أني أسير

بسجن سرمدي  بلون بيوتها

أرسم الخمائل وهي هاربة

بظل جدار قد آخْ قيظها

أسارع الخطى بزقاق

إلى (أبي عابد) مهد رعيتها

ومسجد فيها للذكر قائم

(والسّوّاس) للصلاة مؤذنها

وبالجوار تكللت من حولها

كل الدرر رصّعت هاماتها

حارات فيها تبوأت قممًا

بخلّان حُماة خلدوا ميادينها

من العرضي بوحدته اتسم

إلى النهروالكنامات وصلتها

تميل الحويقة مستعطفة كل

من ينال ثمارًا من بساتينها

شيخ الياسين ومن أوسطهم

إلى الحميدية والسلام غاديها

تنادي الجبيلة فرحة هلموا

إلى جيرة نقش الزمان أمانتها

ومن الحصّيوة إلى العصعوص

بوقر العثمانية تفرد شمائلها

هوى الغرب يمر مضطرب

حدّ القصور صدر زينتها

تلك بشرى تهلّ مهللة ..

إذا ما عرسٌ (طقّ  قَمَرُهُ )

عروس تُزفّ من جورتها

هل يكتفي الزائر بلحظتها

يحار القلب لأيّهِمُ يكنّ

إذا ما السمع قرّ ( لهلهولتها )

فكل ما فيها ألفَ الشغاف ..

الاسم  والمكان  ثوب  مدنيّتها

كلها تضيء الدروب بظلمة

وهي الثريا تاج في مجرتها

لا تُمنِّ النفس بقفر أغبر

والجمر والدخان عنوان مكارمها

بحيّ العشق (الستة إلّا الربع )

كان عهد الموعد ( لربيعا تها )

فيا عروة بكاهلي شدّت ..

وشائجًا تنمو بظل ديمومتها

هذه فلذات أكباد دأبت

تتفانى وفاء لعهد سيرتها

حملتهم جنود ظلم جائرة

بوادٍ اسمه الزور قمتها

 صرخة فك أسرها مني

ظلّت حبيسة سنيِّ عمرها

هي القريب مني والبعيد

وهي للأرض  سر قدوتها

هي الدير ولا ديرة أعني

بالديار مضمّرةً دارة غيرها

وسوم: العدد 882