صَيَّاحُ.. مَنديللا النَّقبْ

ثريا نبوي

صيّاحُ.. ظنوا السَّلْبَ في أرضِ الجُدودِ

بلا دُخانٍ يُرْتَقَبْ

الكفُّ أنتَ.. ومِخْرَزُ "القانونِ" يُغرَسُ فيهِ؛

والدمعُ المُمَلَّحُ مِن ترابِ الأرضِ يأبى أنْ يُصَبّْ..

مِن صوتِكَ المجبولِ بالرّفضِ المُسَيَّجِ بالإباءْ؛

جُدِلَتْ ضفائرُ مِن ذَهَبْ؛

شُدَّتْ على البيتِ المُعلَّى بالغضبْ

خمسينَ هدمًا ثُمَّ خمسًا، والمعاولُ مِن دَمارٍ لم تَتُبْ

هي نكبةٌ أُخرى ليحترِقَ الهنودُ الحُمرُ مرَّاتٍ بنارِ أبي لَهَبْ

أوَّاهُ يا شيخَ العراقيبِ المُحَنَّكِ في دروبِ الكبرياءْ!

وتَراكَ صحراءُ النَّقَبْ:

بدَمِ البنينَ مُساوِمًا؛ والأرضُ أغلى مِن ضَنى؛

مَن شَبَّ فيها وانحنى!

تحدوكَ أغنيةُ الحنينْ

نغماتُها قد أنبتتها الأرضُ مِن تُرْبِ الأنينْ

للعُودِ أوتارٌ مِن اللهبِ المُسَجَّرِ في أخاديدِ الزمنْ

أتَعودُ للتيهِ الرمالُ بلا نقيبٍ يُمْتَحَنْ؟

هَدموا الدِّيارَ فعُدتَ تنبِشُ شيخَنا في الذكرياتِ؛

تُعيدُ ناصيةَ القرارِ إلى الوطنْ

تُلْقي "بِرافَرَ" أو حقيبتَهُ التي ثَقُلتْ بأوزارِ المظالمِ والرَّسَنْ؛

في البحرِ كي يتوحَّدَ النهرُ المُعنَّى بانقساماتِ الإحَنْ

وتُعيدُ للزيتونِ بسمتَهُ على ثغرِ الحصادِ المُرتَهَنْ

وتُعيدُ قصةَ قُدسِنا تُروى على سمعِ الأيائلِ والنوارسِ والشجرْ

فلربما عادت لدورتِها قلوبٌ مِن حَجَرْ

ولربما ألقى الملوكُ عروشَهم وتقَلَّدوا السَّيفَ الأغَرّْ

ولربّما عادَ القمرْ؛

وملاءةٌ فضِّيَّةٌ نُشِرَتْ – بدون مُدَنِّسٍ-

نُشِرَتْ على طُهرِ النَّقَبْ.

*****

هو كبيرُ قريةِ "العراقيب" في صحراء النقب "صيّاحُ الطوريّ" البالغُ من العمر ثمانين عامًا، وقد هدموا منزله خمسًا وخمسين مرةً؛ ليُقيموا على أنقاضه مُستوطنات "برافر" وفي كل مرة يعودُ لبنائه، كما اعتقلوا أبناءه، وهددوه بالسَّجن لإكراهه على ترك الأرض؛ ولكنه أبى أن يتركها؛ رغم كل ذلك!

تحيةَ إكبارٍ لوطنيةٍ أبيةٍ جذورُها في الأرض وفرعُها في السماء!