( أمضيتُ في مدينة نجران ذات الآثار والتاريخ والأخدود قرابة نصف قرن .بين أناس من قبائل عربية عريقة ، حيث الوفاء والمروءة والشهامة ، وحيث الكرم والعادات والأعراف العربية الأصيلة التي توارثها أهالي المنطقة منذ قديم الزمان، وشكلت لحياتهم العامة قوانين تنظيمية حفظت لهم حقوقهم وواجباتهم ، وعادات إكرام الضيف وعابر السبيل ، وغير ذلك من القيم العربية الإنسانية التي تؤكد عليها الشريعة الإسلامية .ولنا فيها الكثير من الإخوة الذين تعرفنا عليهم بحكم عملنا في التعليم ، ومن هؤلاء الشباب الأخ الأستاذ الشاعر عادل صالح بالحارث الذي تسري في دمه قيم أجداده من قبيلة بالحارث ، تلك القبيلة التي لها أثرها ومكانتها في تاريخ قبائل المنطقة من قديم الحقب التي مرَّت بها نجران .وأذكر هذا الأخ الوفي كصورة ناصعة لبقية الإخوة الكرام الذين تعرفنا عليهم . كالشيخ حمد بن سالم سلطان آل منيف ، وكالشيخ حمد بن مهدي آل المهذل ، وغيرهم الكثير من أهالي منطقة نجران . فلهم جميعا وللأخ الشاعر عادل صالح بالحارث أطيب التحايا والأُمنيات ):
*قس : كان قس بن ساعدة ينتمي لقبيلة بني إياد وهم قبيلة اشتهرت بالحكمة، وقد نبغ في قومه بفصاحة لسانه فصار أحد حكماء العرب وواحداً من أهم خطبائهم، ويقال إنه كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ويقول: إن لله ديناً خير من الدين الذي أنتم عليه ، كما يُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له وقال: ( إنه يحشر يوم القيامة أمة وحده ) . وقد كانت مرتبة الخطيب فوق مرتبة الشاعر عند العرب، لذا فقد حظي قس بن ساعدة بالتقدير والاحترام، وظلَّ اسمه حيَّاً ومرافقاً للفصاحة والبلاغة والبيان، وكذلك للتجديدات التي أُدخلت على الأسلوب الخطابي .
نعمَتْ سجاياهُ : الفتى النَّجراني=في ربعِه المعشوشبِ الفينانِ
جاءتْ مناقبُه بكلِّ فضيلةٍ=فالمرءُ بالأخلاقِ والتحنانِ
يرعى المودةَ ماتوانى برُّها=تزجي جمائلها إلى الخلاَّنِ
متألقًا دوما بفحوى زهوِها=بالصِّدقِ تنطقُ والوفا المزدانِ
بشرى يرفُّ جناحُها فلمثلِه=يبقى الإخاءُ بزهوه الجذلانِ
تُنْمَى أرومتُه إلى ( بالحارثٍ)=أهل الفخارِ بطيبِها الضَّحيانِ
(فلعادلِ) ابتسمتْ لياليه التي=بالمقمراتِ الوصف في الأعنانِ
نعم الشباب وقد تحلَّى سيرةً=بجمالِ مافي سيرةٍ ومعانِ
قيمٌ يؤاخيها ولم تبرحْ وقد=فاحتْ مآثرُها على الأردانِ
تُنمَى المكارمُ للفتى في أهلِه=فأبٌ وأُمٌّ في اخضرارِ مغاني
إذ أنْشآهُ على المروءة فاستوى=عودُ الشَّبابِ بربعِها الفتَّانِ
طوبى لأرضٍ أنبتتْ قيمًا زهتْ=بالباسقاتُ على المدى النجراني
اسمٌ لها حفظتْهُ أيامٌ مضتْ=بالفخرِ فخرِ المرءِ بالأوطانِ
أخدودُها اللألاءُ شاهدُ عصبةٍ=لم ترتجف من سطوة الطغيانِ
فله وقد شهد المشاهدَ عصرُه=مجدٌ يؤاخي حرمةَ الإنسانِ
ويظلُّ في التاريخ مَعْلَمَ عزَّةٍ=لِمُوحِّدٍ لم يرضَ بالشَّنآنِ
وبه أتى ذكرُ المكانِ مكانةً= للأكفياءِ برحبه الجذلانِ
واليومَ هبَّ شبابُها في حقله= أهلُ البيانِ ونخبة التبيانِ
والسَّعيُ للأدب الرفيع يُجلُّه = شعراؤُهم وبقية الفرسانِ
هاهم أقاموا للفصاحةِ مَعْلَمًا= أدبيُّهُ للعلمِ والعرفانِ
وبه من الأدباءِ موكبُ أنفُسٍ= تاقتْ لِما قد كانَ في الأزمانِ
قس بنُ ساعدة الذي وهب الحِجَى= ألقا يمرُّ ضحى على الأجفانِ
ذاك الثراءُ يزفه أجدادُكم = ياعادلُ استلِمُوهُ بالإيقانِ
زملاؤُك الأدباءُ مثلك ما اغتدوا=إلا إلى الثَّمرِ الهنيِّ الداني
للشعرِ للقصص الجميلة للوفا =يسمو به الإنسانُ كلَّ أوانِ
وبقية الآداب يحلو نسجُها=نُسَخًا أتتْ في مغزلِ الندمانِ
وبه الرقيُّ إذا تسابقَ للعلى=قومٌ وراموا أعذبَ الألحانِ
وَلَقد أجابوا المجدَ حين دعاهُمُ=لبناءِ ما للمجدِ من أركانِ
فانشرْ أخا نجران أطيابَ المُنى=فيَّاضةً في باقة الريحانِ
وبكلِّ أسبابِ العلى في سَعيِ مَنْ=لم يرضَ بالإهمالِ والخسرانِ
ميدانُ آدابٍ يريدُ أعنَّةً=تقوى بهمٍّ فاضَ في الوجدانِ
ماكانَ إلا للحفيِّ بِقَدْرِهِ=ولصاحب الوعيِ الجليِّ الحاني
يستثمر الأيَّامَ في أفيائه=وهنا مع السَّبَّاق يلتقيانِ
يرعاكَ ربُّك يا أخي متميِّزًا=بالصِّدقِ والإيثارِ في الفرسانِ
ولكم تحيتُنا وإن طالَ المدى=وامتدَّ هذا البعدُ في الأعنانِ