الخِيانة

د. محمد علي الرباوي

الخِيانة (1)

د. محمد علي الرباوي

[email protected]

u

خَانَكَ الأَهْلُ، فَكَانَ النَّخْلُ يَنْسَلُّ إِلَى صَدْرِكَ. يَرْمِي فِيهِ حَبَّاتٍ مِنَ الصَّبْرِ فَيَحْمَرُّ مُحَيَّاكَ تَحُجُّ الطَّيْرُ وَالزَّهْرُ إِلَى كَعْبَتِهِِ تَنْبُعُ لَيْلاً مِنْ رَمَادِ البِيدِ أَسْرَابُ القَطَا. تَغْسِلُ أَسْرَارَكَ بِالْفَجْر وَبِالْكَوْثَرِ يَبْقَى قَلْبُكَ الْمَجْرُوحُ مَفْتُوحاً لِكُلِّ الأَهْلِ. مَا أَجْمَلَ هَذَا النَّخْلَ إِذْ يَنْمُو بِهَذَا الصَّدْرِ ! إِذْ يُعْطِي إِذَا حَلَّ الدُّجَى أَجْمَلَ جَمْرَهْ!

v

مُمْتَدٌّ هَذَا الشَّارِعُ خَلْفِي وَأَمَامِي

مُمْتَدٌّ فِي ظِلِّي وَعِظَامِي

لَيْسَ بِهِ شَجَرٌ

لَيْسَ بِهِ بَشَرٌ

لَيْسَ بِهِ حَجَرٌ أَوْ دَارُ

كُنْتُ بِهِ عَدَداً

 تَصْحَبُ يُسْرَاهُ أَصْفَارُ

تَمْشِي كَالنُّورِ عَلَى

جَسَدِي الْمُفْرَدِ وَالْمُتَعَدِّدِ أَنْهَارُ

صَوْتِي كَانَ يُحَدِّثُنِي

عَنْ فَرَحِي الْمُنْهَارِ، وَعَنْ أَحْلاَمِي

ضَوْضَاءُ الشَّارِعِ

كَانَتْ تَنْبُعُ مِنْ أَضْلاَعِي

تَحْجُبُ هَذَا الصَّوْتَ وَتَمْنَعُنِي

مِنْ أَنْ أَحْمِلَ لِلْقَيْصَرِ

أَدْغَالاً مِنْ أَوْجَاعِي

فِي هَذَا الشَّارِعِ

مَا عَادَتْ أَقْدَامِي

تَقْدِرُ هَذَا اليَوْمَ عَلَى جَرِّ عِظَامِي

لَكِنَّ لَظىً فِي جَوْفِي/ تَتَأَجَّجُ..لاَ تَخْبُو..

تَدْعُونِي أَنْ أَنْهَضَ..أَنْهَضُ

ثُمَّ أَسِيرُ بِهَذَا الشَّارِعِ

كَالأَشْجَارِ. أَقُضُّ مَضَاجِعَ قَيْصَرَ

بِالأَشْعَارِ أُبَشِّرُهُ بِزُهُورِ النَّيْرُوزِ

سَتَأْتِي ذَاتَ صَبَاحٍ

سَيُزَيِّنُهَا إِذْ يَنْهَارُ

دَمُهُ الفَوَّارُ

w

خَانَكَ الصَّحْبُ. وَخَانَ الدَّرْبُ. خَانَ الزَّمَنُ الصَّعْبُ. وَمَا دَبَّ إِلَى جَوْفِكَ رَمْلٌ شَارِدٌ. مَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكَ شِعْراً. كُنْتَ صَخْراً ﭐنْبَجَسَتْ مِنْكَ ﭐثْنَتَا عَشْرَةَ زَهْرَهْ

x

خِرْقَةٌ جَسَدِي

خَاطَهَا البَحْرُ يَوْماً إِلَى

جُزُرِ الرُّعْبِ وَالْكَبَدِ

اَلرِّيَاحُ مُحَمَّلَةً بِصَقِيعِ الشَّمَالِ

تَهُبُّ عَلَى بَلَدِي

وَتَصُبُّ لَظَاهَا مِرَاراً عَلَى كَبِدِي

لَعَلَّ عِظَامِي أَمَامِي

تُشَتَّتُ بَيْنَ الْمُرُوجِ

تَهُبُّ الرِّيَاحُ

فَتَمْلأُ صَدْرِي الْجِرَاحُ

تَهُزُّ بِجِذْعِي إِلَيْهَا

فَيَلْتَقِطُ الدَّمَ هَذَا الصَّبَاحُ

يَقُولُ لِقَلْبِيَ: كُنْ

فَأَكُونُ جِبَالاً تَظَلُّ تُطِلُّ عَلَى البَحْرِ

تَبْقَى مَدَى الْعُمْرِ

مُزْدَانَةً بِالثُّلُوجِ

فَيَا أَنْتَ خُذْنِي إِلَى مَلَكُوتِكَ

طَهَِّرْ فُؤَادِيَ بِالرَّعْدِ أَوْ بِالْبُرُوجِ

y

خَانَكَ الْقَفْرُ الَّذِي مَرَّتْ بِهِ خَيْلُكَ لَيْلاً خَانَكَ البَحْرُ ﭐلَّذِي مَارَسْتَ يَوْماً جَمْرَهُ وَحْدَكَ. خَانَتْكَ مِرَاراً نَفْسُكَ ﭐلشَّارِدَةُ الظَّمْأَى فَقَاوَمْتَ لَظَاهَا بِجَلاَلِ اللَّيْلِ أَوْ بِالشُّعَرَاءِ.

z

تَأَبَّطَنِي جَسَداً مُثْخَناً بِالشَّجَا الْمُرِّ هَذَا الزَّمَانُ. وَرَاحَ يَقُصُّ عَلَى النَّهْرِ تَارِيخَ جَمْرِي وَتَارِيخَ جُرْحِي فَخَبَّأَ بَيْنَ ثَنَايَا الرُّبَا مَاءَهُ النَّهْرُ. ثُمَّ إِلَى الأَطْلَسِ الْوَعْرِ عَادَ؛ لِيَسْمَحَ لِي بِالنُّزُولِ إِلَى الْبَحْرِ. إِنِّي نَزَلْتُ..نَزَلْتُ إِلَى عُمْقِهِ جَمْرِهِ فَغَرِقْتُ وَمَا مَسَّنِي الْمَاءُ. صِرْتُ أَنَا الْبَحْرَ أُعْطِي الكَوَاكِبَ سِرِّي وَأُعْطِي مَحَارِي وَمِلْحِي

{

خانَكَ الأَهْلُ مِرَاراً. خانَكَ الصَّحْبُ مِراراً. خانَكَ ﭐلدَّرْبُ، وَهَذَا الزَّمَنُ الصَّعْبُ. وَهَذَا القَفْرُ. هَذَا البَحْرُ هَذِي ﭐلنَّفْسُ هَذَا الْبَلَدُ الْمَحْبُوبُ. لَكِنْ أَنْتَ أَعْلَنْتَ عَلَيْهِمْ حُبَّكَ ﭐلْفَيَّاضَ. كُنْتَ الفَارِسَ النَّشْوَانَ بِالنَّصْرِ تَسِيرُ الطَّيْرُ فِي مَوْكِبِكَ الْجَذْلاَنِ يُمْسي رِيشُهَا الرَّطْبُ غَمَاماً يَدْفِنُ الْحَرَّ بَعِيداً عَنْ جَبِينِ الصَّحَرَاءِ.

|

هَذِهِ وَرْدَتُكَ الْيَوْمَ تَخُونُكْ

مَنْ يُعِينُكْ؟

مَنْ يُعِينُكْ؟

مَنْ؟

وجدة: 20/11/1998

               

[1] - دم كذب